خواطر في مدارس تحفيظ القرآن الكريم
الحمد لله, وبعد:
فمن جليل فضل الله تعالى على بلادنا رعايتها
القرآن المجيد، وبذل الغالي والنفيس لتعبيد الناس لرب العالمين عن طريق تعليمهم كتاب
ربهم وتربيتهم على محكماته، وذلك عبر نشر المدارس القرآنية النظامية، كذلك الحلقات
الخيرية في بيوت الله لإحاطة المشروع كمًّا وكيفًا، فافتتحت مدارس خاصة بتعليم كتاب
الله بخط متواز مع المواد العلمية والأدبية الاعتيادية، كما رصدت مكافات شهرية محفزة
لكل طالب تزيد حسب المرحلة الدراسية، وقد آتت طيب أُكلها بحمد الله، فلا تكاد ترى إمام
مسجد إلا وقد مرّ بتلك الرياض ورتع، فضلًا عن جموع لا تحصى من المسلمين، ولستُ بمعرض
تفصيل الثمرات سواء للمدارس النظامية أو حلقات التحفيظ، فمقصدي بهذا المقال إسداء بعض
الاقتراحات الخاصة بمدارس التحفيظ علّ الله ينفع بها، وقبلها أهمس في أذن كل أبٍ شفيق
أن يحرص قدر طاقته على تعليم فلذات كبده كتاب الله، فعلِّمْهُ القرآنَ والقرآنَ سيعلمه
كلَّ خير، ولْتعلم أن القرآن يحفظه بقدر ما يحفظ القرآن، وكفى بكلام الله في جوف ابنك
وبنتك فضلًا وفوزًا. ولا تظنّ أن القرآن يضيّع عليه دراسته ففي تكرار كلام الله سرّ
عجيب في توسيع المدارك وتقوية الملكات العقلية وتنمية قدرات الاستيعاب بشقّيه في الحفظ
والاستنباط، ولك أن تعلم أن ثمانية من أصل عشرة طلاب من العشرة الأوائل في الثانوية
العامة في الرياض في إحدى السنوات هم من طلاب تحفيظ القرآن، قال عز وجل: "ما أنزلنا
عليك القرآن لتشقى" وقال سبحانه: "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى"
وبعد: فمن المقترحات:
١- استبدال مسمى تحفيظ القرآن بتعليم القرآن،
فالتعليم أشمل من مجرد التحفيط، فهو يحوي كذلك التفسير وعلوم القرآن وأحكامه ونحو ذلك.
٢- محاولة حل مشكلة طمع بعض الآباء في المكافأة
الدنيوية دون الأخروية، مما نشأ عنه وجود نماذج سيئة جدًا من الطلاب الذين لوّثوا بسوء
أخلاقهم الجوّ القرآني العاطر، وحلُّها بأن تكون المكافأة مربوطة بالتفوق في القران
ودائرة معه وليس بمجرد الانتساب للمدرسة، وهذا كفيل بإذن الله بطرد ذباب الطمع عن أجواء
القرآن الشذيّة.
٣- النظر في مشكلة التسرب الشديد وبخاصة
في المرحلة الثانوية فهي تقارب ثلاثة من كل أربعة طلاب تقريبًا، وسبب ذلك عدم قبولهم
في كثير من الجهات بعد الثانوية مع أنها تقبل القسم الشرعي ففرقت بين المتماثلات.
٤- محاولة حلّ مشكلة معلمي القرآن من متخصصي
القراءات في قضية مسار تعييناتهم مما أثّر سلبًا على نفسياتهم، وهي باختصار: أن تعييناتهم
وتنقّلاتهم يشاركهم فيها معلمو مسار التربية الإسلامية العام في مدارس تحفيظ القرآن
الكريم، بينما هم لا يشاركون إخوتهم في التربية الإسلامية إلا في مدارس تحفيظ القرآن،
والعدل يكون بأحد أمرين: إما بجعل أولوية تدريس القرآن لهم في مدارس تحفيظ القرآن وكذلك
مدارس التعليم العام، أو بجعل أولوية تدريس مواد التربية في مدارس التحفيظ لهم مع إكمال
العجز بغيرهم، أما حصرهم في مقرر القرآن والقراءات فقط ففيه مشقة عليهم وحصر لهم على
حساب التوسعة لغيرهم، ولعل الوزارة تستعجل في حل هذه القضية.
٥- وهذا الاقتراح كنت قد طرحته بنصه في
مقال سابق وليس هو خاص بمدارس التحفيظ بل هو عام بسياسة التعليم العامة للدولة، والمبرر
لإعادتها ما ذكر في الصحافة من طرحه للدراسة من قبل الوزارة ونص المقترح:
إلغاء إجازة منتصف الفصل الثاني, وإضافتها
لإجازة الربيع, بحيث يكون أسبوعين بدلًا من أسبوع. وهو الأسبوع الذي أثبت بالفعل ما
رآه غالب المُربّين بالقول, فقد قضى على أسبوعين أحدهما قبله والآخر بعده, واستنطق
المدارس في ثلاثةِ أسابيعِهَا البائسة! وليت شِعري ما المُخرجات المفيدة, والثمار السعيدة
من ذلك؟! إن هي إلّا ضياع المعلومات التي يرتبط أولُها بآخرِها, ويحدث فيها الخللُ
عند فكّ ارتباط بعضها ببعض؟! وهو ما فعلته بجدارة تلك الإجازة!
ولا أظنّ من الحصافة في شيء تقديمُ مصلحة
السياحة المتوهّمة على ضرر التربية والتعليم المتيقن, في أعزِّ موارد البلاد على الإطلاق
_بعد دينها_ فلذات أكبادهاو ولبنات بنائها, وبُناة مستقبلها بإذن مولاهم الحقّ.
والله ولي التوفيق.
إبراهيم الدميجي
16/ 10/ 1434