صفحة مطوية من تاريخ الجزيرة العربية.
(الجزء السادس)
"دخول الإخوان الطّائف, وما قيل عن المذبحة, ودخولهم مكة المكرمة, وجدة, ومدينة النبي صلوات الله وسلامه عليه, وبدر وينبع".
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, وبعد:
(الجزء السادس)
"دخول الإخوان الطّائف, وما قيل عن المذبحة, ودخولهم مكة المكرمة, وجدة, ومدينة النبي صلوات الله وسلامه عليه, وبدر وينبع".
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, وبعد:
"الطائف"
(أوائل صفر1343)
بعد تربة والريعان اتجه الإخوان للطائف دفعاً لمكائد الشريف وإزعاجه المستمر ومؤامراته ضدهم, والطائف هو بستان مكة ومصيفها وبوابتها الجنوبية.
اختلفت الروايات في من له القيادة في الطائف وتربة, هل هي لخالد بن لؤي أم لسلطان بن بجاد؟ والأقرب أنّها لخالد الّذي لا يكاد يخرج عن رأي سلطان, لكون حديد وثقل جيش الإخوان من أتباعه, ولو قال قائل إنّ الأمارة الشرفيّة كانت لخالد والحقيقيّة كانت لسلطان لقلت لم يبعد . وهذا في تربة والطائف, أمّا ما بعد الطائف فقد بدأت أُحاديّة خالد في القيادة حتى انفرد بها عن غيره . وفي الجريدة الرسمية الناطقة باسم الحكومة "أم القرى" ما نصّه: ( لواء أهل الغطغط وأميرهم سلطان بن بجاد, وهو القائد العام لجميع قوى الجند في الحملة النجدية, ولواء أهل الخرمة وأميرهم خالد بن منصور بن لؤي, وهو الأمير الذي عُيّن للنّظر في المصالح العامّة للبلاد التي فتحت بيد الإخوان ) (1) إذن فالأمارة الرسمية لابن لؤي . وعلى كلٍّ فلم يكونا يختلفان في الآراء الكبار, ولم يُنقل أنّهما اختلفا قط, سوى في دخول مكة فكان سلطان متردداً لأنها حرم, ولكن خالداً أقنعه.
أمّا الإخوان أهل الأرطاوية فلم ينم لي خبر عن مشاركتهم في الطائف وما قبلها, ولعلّ ذلك راجع لانشغالهم بمغازي الشمال, فقد شاركوا في دخول المدينة وحائل, والله أعلم . وتكفيهم فخراً وقعة الجهراء, الّتي استبسلوا فيها حتّى النصر – المعنوي على الأقل - وهو وعد آل الصّباح لهم بتطهير الكويت من الفسق والمعاصي والكفرة, وهي الشروط التي اشترطوها على الكويتيين قبل خروجهم من الجهراء, وقد عددناه نصراً لأن الغرض من الجهاد هو إعلاء كلمة الله تعالى وتطهير الأرض من المعاصي, وقد أعلن خصمهم ابن صباح التزامه بالشريعة ونبذ المعاصي وتطهير الكويت منها, وإن كان في الحقيقة ما وعده هذا إلّا من قبيل المكر والحيلة, لذلك فقد قال الأمير فيصل الدويش لمن لامه وعاتبه على الانسحاب وترك الدخول مع اقتراب قطف ثمرة المعركة, وكان قاب قوسين أو أدنى من ضم الجهراء لحوزة إمامه ابن سعود, فقال: من خدعنا بالله انخدعنا به, وربما أنه قد حسب حساب البوارج البريطانية الراسية على الساحل الكويتي, والملوّحة بالتهديد في حال عدم الانسحاب, فآثر حقن الدماء والاكتفاء بهذا العهد الغليظ من أمير الكويت على إخراج الرافضة والنصارى والدخان من الكويت! والله أعلم . وقد مدحهم العثيمين بقصيدته:
سلّم على فيصل واذكـر مآثره وقــل له هكذا فلتفعل النجب
سيف الإمام الذي بالكف قائمه ماضي المضارب ما في حده لعب
الساكنين بأرطاوية نصــحوا للدين بالصدق ما في نصحهم خلب
كذاك إخوانهم لا تنس فضـلهم هم نصـرة الحق صدقاً أينما ذهبوا
أعني بهم عصبة الإسلام من سكنوا مبــايضاً ولحرب المارق انتدبوا
هم أهل قرية إخوان لهم قــدم في الصالحات التي ترجى بها القرب
أَذِنَ الإمام عبد العزيز للإخوان بالهجوم على الطائف, وكان فيه نجل حسين الأكبر عليّ بجنوده ووزير حربيّته الّلواء صبري باشا العزّاوي معه خمسمئة من الجنود النظاميّين المسلّحين بالرشّاشات والمدافع الجبليّة, وبعض الحرس الخاص لأمير البلدة شرف بن راجح بن فواز, فنفر الإخوان لهذا الهجوم المرتقب, ولمّا أقبلوا على الطّائف قسموا الجيش وقوامه قرابة الثلاثة آلاف إلى قسمين, قسم بقيادة خالد بن لؤي؛ فدخلوا الطائف من جهة الشمال الشرقي من جهة القرشيّة والأخيضر وجليل وشرقرق ومن جهة قصور العرفا والعبيلة, وقسم بقيادة سلطان بن بجاد فدخلوا من الجهة الشماليّة الغربيّة من فوق العرفا, وموعد الجميع قصور وبساتين شبرا, ومع شروق شمس ذلك الصّباح بدأت غارة الإخوان على الحصون والقصور والثّكنات الّتي دون الطائف, ولم يدخلوا الطائف إلّا بعد الظّهر, وتأخّرت إحدى السّرايا بسبب استعصاء الحصن عليها وهو حصن العرفا, ولم يطل الوقت حتىّ طلبوا الاستسلام, فنزلوا فربطوهم وأسروهم وبعثوهم إلى خالد بن لؤي وأخبروه أنهم في أمان تلك السرية فأطلقهم . وسارت كتائب الإخوان ودخلت الطائف, بعدما جابهت مقاومة شرسة دامت ثلاثة أيام في الحويّة, ثم تراجعت القوّات النّظاميّة إلى الطّائف, ثمّ لم تلبث أن كُسِرت أمام وابل نيران جيوش الإخوان المنصورة وخيلهم العتاق المشهورة, ثمّ انسحب عليّ بن حسين ووزير حربيّته وكبار قوّاده إلى الهدا, ولحقهم الإخوان فيه, ووقعت اشتباكات دامية قبل هروب قوّاد الجيش النّظامي ومعهم جُلُّ الجند إلى مكة, ويقال إنّه عاد للهدا مرّتين بعد إجبار والده له بالرّجوع مع جنده, وفي كلّ مرّة يُكسر وتُغنم ذخائره حتّى يئس وهرب هروبه الأخير .
ودخل الإخوان الطّائف, ثمّ إنّ الإخوان انتشروا في ضواحيه, ومن استمنعهم منعوه من القتل, بل إن من طلب الأمان فإنهم يبذلونه له ويحرسونه, ويوقفون أحدهم على باب بيته حارساً له حتّى لا تخفر ذمّتهم, ودخل الإخوان البيوت وأمروا النّساء بالذّهاب لقصر شبرا حماية لهن ومعهن أولادهن, أمّا الرّجال فمن استسلم سلم, ومن رمى وحارب قتل.
ثمّ أقبلوا على مسجد عبد الله بن العبّاس رضي الله عنهما مع العصر, ورأوا القبّة الصّفراء الضّخمة فرموها بالبنادق حتّى هدموها, ثمّ دخلوا المسجد وقد تحصّن فيه الكثير من أهل الطّائف الذين رموا الإخوان بالرّصاص, فردّ الإخوان تحيّتهم بمثلها, وقتلوا الكثير, واستأسر الكثير, ومن رمى سلاحه لم يُقتل, إلّا من بعض التّجاوزات من بعض الإخوان _وسنأتي للحديث عنها قريباً إن شاء الله تعالى_.
قطع الإخوان سلك الاتصال مع شريف مكة, فأرسل في اليوم الثّاني طائرة استطلاع, فخافها بعض الإخوان لأنّه لم يعهدها من قبل, فقال أحدهم مقولة خالدة, قال: يا إخوان هذه الطّائرة التي أخافتكم هل هي فوق الله أم الله فوقها؟ قالوا: بل الله فوقها . قال : فتوكّلوا على الله وارموها, فرماها الإخوان من فوق السّطوح فأصابت رصاصاتهم خزّان الوقود ( وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى ) (الأنفال: 17) فسقطت بعيداً عنهم بقرب مسجد الملك فهد حالياً, وبعضهم يقول: في شرقرق, ولم تنفجر فتداركها الإخوان كلٌّ يريد السّبق بذبح النصراني أزرق العينين أسود القلب والملّة, فهذا على قدميه, وذاك على الخيل, فوجدوا في الطائرة نصرانيّ _قيل: إنه روسي_ ومعه مساعد له . قال سيف بن غضيّان السبيعي: فركبنا إليها فوجدنا اثنين من أهل ساجر قد سبقونا إليها, وذبحوا الطيار ومساعده بشفرات السّيوف. ويقال: بل كان قاتلهما من الغطغط, وقيل: بل قتلهما محسن بن نقوى الثوري, ورجل من العمار من مطير . قلت: والأظهر أن الجميع قد اشترك في قتلهما, والله تعالى أعلم.
لئن قرّب العباد كبشاً وأنعماً وضحوا لمولاهم بعيراً فما ليا؟
فيارب فاقبلها قرابين راحتي فئاماً من الكفار أضحت بواليا
خيّم الإخوان في الطائف بعد دخولة نحواً من شهر(2) والشريف قد جمع ذخائره وسلاحه في الهدا, فصبّحُوهم مع الفجر, وبعد أخذ سلاح الشريف ومدافعه نزلو للطائف, فمكثوا فيه عشرة أيام قبل أن ينحدروا لمكة المكرمة مع السّيل كالسّيل .
"إشاعة مذبحة الطّائف وخلفيّاتها"
نادى الإخوان في أهل الطّائف لمّا دخلوه: من خرج من بيته ووضع السّلاح فهو آمن, وفعلاً وَفَوا بالعهد الّذي قطعوه على أنفسهم, فلم يغدروا كزعم المفترين, ولم يقتلوا النّساء والصّبيان كإفك الكذّابين, ولم يُحرقوا القرى كفعل التّتر الهمجيّين, بل كلّ ذلك كذب ومَيْنٌ صريح, وإفك وبهتان قبيح, وما ذاك _ عند البعض _ إلّا لينفّروا الناس عن دعوة الإخوان السّلفيّة, ويلوّثوا ما استطاعوا من سمعتهم السّامية الذّهبيّة.
وعلى كلٍّ؛ فلعلّ من المستحسن محاولة إجلاء أحداث ذلك اليوم, فلا يزال الكثير من الناس يظنّون بالإخوان ظنّ السّوء, ولعلّهم أُخذوا كما أخذ غيرهم بالدعاية السيئة الإعلامية, بما سمّوها بالمذابح والمجازر الوحشيّة للإخوان في الطائف, مع ظنّي أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتحرّي والتقصّي, وتمحيص الأخبار, والتنقيب عن الحقيقة, وفي النفوس ميل لحب التظلّم ولبس قميص يوسف, ولو بغير حق, ولأن تخطئ في العفو خير من أن تخطئ في العقوبة, وليس من العدل سرعة العذل.
وعلى كل حال؛ فنكء الجراح أحياناً في صالح المريض, إذا كان لإزالة الأذى، وكلّنا جسد واحد, وأمّة واحدة, وجرحنا واحد, وإن تأذّى منّا أحد فهو عضو من جسدنا, والجرح يظلّ ناغراً _ أي مليئاً بالأذى _ إذا بقي دفيناً تحت ركام الأقاويل, ورصف الأخبار, واختلاق القصص, عبر سراديب الزمان .
فَإِنَّ الجرح يَنْغر بعد حين إذا كان البِنَاءُ على فَسَادِ
والصراحة دواء ما غبّه الكتمان!.
ولسائل أن يسأل وحُقّ له: ألم يحدث في الطائف مذبحة أصلاً؟
والجواب: هو أنّ النّاظر لهذه المسألة لابدّ أن يحيط بجميع خلفيّاتها, ووضعها, ومن يقف وراء نشر دعايتها .... لذا فنقول:
إنّ الطّائف قد حدث فيه قتل كباقي المغازي, اللّهم إلّا من بعض الزّيادة والتّجاوز في مسجد عبد الله بن العبّاس رضي الله عنهما, ولهذا جواب, وقبل أن نذكره نحبّ أن نبيّن: أنّ الإخوان في مغازيهم وقبل دخول أيّ بلد كبير يصيح بينهم رجال من قِبَلِ أميرهم يذكّرونهم بالنّهي القاطع الحاسم عن قتل أربعة نفر: المرأة والطّفل والشّيخ الكبير والمريض, وكانوا ملتزمين بهذا الأمر, فإن وُجِد خلافه فهي حالات فرديّة لا يكاد يسلم منها جيش بحجم الجيش الكبير الّذي ضمّ العديد من الكتائب والرايات, من كلّ حدب وصوب, مختلفة المشارب غير متساوية في نسبة التديّن, مع ضميمة حضور الشيطان عند الغنائم, أو العُجْبُ بالكثرة, أو صَوْلَةِ الحرب ... أو نحو ذلك, ويعلم ذلك من قرأ حروب المدن في هذا الزمان وما قبله من الأزمنة, ماذا تفعل الجيوش الفاتحة إذا دخلت مدينة عَنْوَةً؟ أهي تدخل وتوزع التّحايا والابتسامات؟! أم تنثر الرّصاص والمتفجّرات, وتُعلّق الأبناء على المشانق وتُلحق بهم الآباء والأمّهات؟! وقارن بين دخول الإخوان للطّائف وبين فتح أي دولة من الدّول لمدينة من المدن كانت حصينة منيعة وقد قتلت العديد من الجند الغزاة, ثمّ يدخلها الجيش الغازي عَنْوَةً! ثمّ بعد ذلك تعال إلى إخواننا وحاسبهم .
مع هذا كلّه فهؤلاء الإخوان بشر من البشر يخطئون ويصيبون, بل يذنبون ويعصون, وهم – مع ظاهر صلاحهم وصدقهم وزهدهم - ليسوا بأفضل من سلفهم صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم _ مع الفارق الكبير _ الّذين قال الله فيهم: ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدّنيا ) (النساء: 94) وحيث وجد الإنسان فَثَمَّ أخطاء وذنوب, وكلنا ذوو خطأ, لذلك فالطائف قد حدثت فيه مآسي وتجاوزات مريرة من بعض الإخوان, ولكن نقول: إن ذلك لم يحصل إن شاء الله عن ممالأة أو رضى من علمائهم وأمرائهم وكبارهم ومقدميهم, بل هي أخطاء فردية محضة, وقد يكون لها عدة محامل لا تتبين لنا في ساعتنا هذه, وسيتحمّل كلّ امرئ ما جنته يداه, والمعافى من عافاه الله, خاصة من الدماء المعصومة, والله المستعان .
إلى ديّان يوم الدّين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
وللتّلخيص نقول: إنّ مجمل الردّ على دعاوى ومزاعم قتل الإخوان للنّساء والأطفال والشّيوخ والعزّلِ الملقي السّلاح, والغدر بهم والفتك ....إلى آخر تلك القائمة التي تزيد بعدد ناشريها ككرة الثلج المتحدّرةِ من قمم الهمَلَايا أو الألب . ومن علامات السّاعة: ( ثم يفشوا الكذب ) (3) وفي الصحيح: (والرّجل يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق ) .
عليه فنقول إنّ هذه المزاعم لا تخرج عن ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
كذب صريح, ومَيْنٌ قبيح, وبهتان سفيح, لم يصح منه شيء جملة وتفصيلاً, كالزّعم بغدرهم بالنّاس لمّا استأمنوهم, وكقتل الصّبية وأمّهاتهم, وبقر بطون الحوامل, وإحراق القرى بأهلها!. لكن كما قيل:
لي حيــلة في من ينــم وليـس لي بالكذاب حيلة
من كان يخــلق ما يقـول فحـــيلتي فيه قلـيلة
وهؤلاء كأنّما عناهم طُرَيحٌ الثقفي بقوله:
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا شـرّاً أُذيع وإن لم يعلموا كذبوا
القسم الثاني:
أخبار صحّ أصلها لكن زِيد فيه ونُقص, وحرّف وبدّل عن وجهته حتّى صار شبيهاً بما قبله, وذلك كزعمهم شناعة القتل الذي حصل في مسجد عبد الله بن العبّاس رضي الله عنهما, ووصف الجثث بأنّها فوق بعضها البعض من كثرتها, وأنهم جمعوهم وهم عزّلٌ ثم قتلوهم إلى آخر تلك الأكاذيب التي يأنف المنصف من قبولها بعد عرضها على شهود الحال وواقع الحدث .
القسم الثّالث:
أخبار صحيحة في القتل, وهي قليلة بالنّسبة لضخامة الجيش, وعدد المقاتلين, وصعوبة حرب المدن, والرّمي من خلف متاريس الشّوارع, والحاجة لإسكات مصادر النّيران النّازلة عليهم من فوق البيوت ونحو ذلك, لكنّها بحمد الله تُعَدُّ من النسب العاديّة, بل والمنخفضة مقارنة بغيرها من حروب المدن, والعسكريّون يقدّرون ذلك, ويعرفون صعوبة السّيطرة والتكتيك الآني والتّنظيم وتطهير الجيوب, مقارنة بحرب الصّحراء المكشوفة, ويقال: إنّ جميع القتلى في هذه المعركة المصيريّة كان ثلاثمئة بما فيهم قتلى مسجد عبد الله بن العبّاس رضي الله عنهما, وقديماً قيل: كم سامع بِجُرمي لم يسمع بعُِذري! .
ولإنصاف التاريخ نقول: إنّ الإخوان لم يُنكروا أنّه قد حدث في المسجد قتل, بل وتعدّي, ولكن لهم أجوبة, والعادل من يسمع الخصمين قبل الحكم بينهما .
فمن ردودهم:
أوّلاً: أنّه قد اندسّ بينهم بعض أهل الطّائف ممّن كان بينهم وبين جيرانهم أو معارفهم إحن وثارات, فاستغلّوا المعمعة فقتلوا خصومهم, وقد سمّوا بعض أولئك .
ثانياً: أنّ الإخوان لمّا دخلوا المسجد لم يكن في خلدهم إلاّ أنّه آمن, فدخلوا من أجل هدم القبّة الموضوعة على قبر عبد الله بن العبّاس رضي الله عنهما, فلم يرعهم إلّا سحق الرّصاص لأوائلهم الّذين دخلوا قبلهم, ولمّا تبيّنوا الأمر واستجلوا الحدث على عجل وجدوا أنّ هناك إطلاقاً للنّار عليهم من خلف سواري المسجد فلم يمكنهم السّكوت والتراجع, بل بادروا بالدّفاع عن أنفسهم وقتلوا من قاتلهم وَقَتَلَ إخوانهم, وربما هنا قد وقع التجاوز من بعض من وترهم ثأر إخوانهم الصرعى أمامهم, أو من الجهلة الذين تجاوزوا الحد فقتلوا من لا يحل قتله.
ثالثاً: أنّ بعض من كان في المسجد كان يصيح ويستغيث بابن عبّاس من دون الله ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً ) (الإسراء: 56) فثارت ثائرة الموحّدين إنكاراً لهذا الشرك الأكبر البواح, فأنكروا ذلك عليهم بالسّيف لمّا رأوا صاحبه مباح الدّم بشركه ووثنيته . ( أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ...) (4) ولو أنهم أسروا من فعل ذلك وعلّموه وأقاموا عليه الحجة, وأحالوه للقضاء لكان خيراً, ولكن سبق السيف العذل.
رابعاً: كان هناك تجاوز من بعض الإخوان, ويقال إن ذلك كان من مجموعة مقاتلين كانت الطائف أوّل مغازيهم مع الإخوان, فحدث ذلك التجاوز الّذي لا نبرئُ الإخوان منه بل نقول إنّه قد وقع, وهو منكر كبير, ومعصية عظمى, وكرع في الدم الحرام, فالدم المعصوم عظيم الشأن عند الله تعالى, وإهراقه بلا مسوّغ من الشريعة حقيق بتعزيز فاعله, وعقوبة مرتكبه, ولكن لا نضخّم الأعداد الّتي قُتلت بسبب هذا التّجاوز!.
وصدق النابغة إذ قال:
فَلَسْتَ بِمُسْتَبْقٍ أَخاً لَا تَلُمْنَهُ عَلَى شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ المُهَذَّبُ؟
ونحن نرجو الرحمة لكل من آمن بالله واليوم الآخر من هذه الأمة المرحومة, ونرجو لهم الرحمة والمغفرة وأن يجعلهم من الذين قال عنهم: (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم ...)(الأحقاف: 16).
وقديماً قال الشاعر:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
وقال الآخر:
وإذ الحـبيب أتى بذنب واحـد جـاءت محاسنه بألف شفيع
فهؤلاء الإخوان الذين تجاوزوا في الطائف أو بوادي مكة كما أسلفنا يخطئون ويصيبون, وخطؤهم مردود عليهم بلا تردد, ولا نقبله . ولعل نيتهم كانت سليمة, وإرادتهم خالصة . (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) (البقرة: 286).
ألائمَ الإخوان! أقصر رب عيب منك فيكا
ولا يمنع أن يكون قد خالط الإخوان بعض الخُوّان الذين أظهروا التديّن وأبطنوا عوائد البادية من سلب ونهب! أو رغبوا الدين لكنهم تعجلّوا الدنيا! فقد تكون لتلك المطامع عوالق في نفوس بعضهم ممن لم يصل الإيمان بشاشة قلبه, وحشاشة فؤاده, والظن أنهم كانوا قلة . والتجاوزات الظالمة لبعض أفرادهم نظن أنها ليست على ملأ من أكابرهم من علمائهم وأمرائهم الذين لم يكونوا يتساهلون بشأن تجاوزات أتباعهم, بل يسوسونهم بالحزم والعقوبة في صغير الأمور دعك من جليلها, لذا فلا ينبغي أن تعمم التجاوزات عليهم ولا أن تجعل سمة لهم, وكيف يرد مُعَمِّمُ الخطأ والذنب على مجموع الإخوان اتهامات وإيرادات الصليبيين والملاحدة ضد الإسلام بتعميم أخطاء بعض أتباعه على مجموع الأمة المحمدية المهديّة؟!.
وسيعيد الله كلاً منهـم وسيجـزي فاعلاً ما قد فعل
قال بعض الحكماء: أول مدارج الخطأ التعميم في الحكم .
وهناك فرق بين من أخذ موقفاً عدائياً من الإخوان لأشخاصهم وبين من اتخذه من دعوتهم السلفية التجديدية عن طريق لمزهم أو اتهامهم بالخروج أو الغلو, ونحو تلك الاتهامات, ثم طبع الدعوة بتلك التهاويل .
قال رب العزة سبحانه وبحمده: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على الّا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله" .
إذا أنت لم تنصف أخاك وجـدته على طرف الهجران لو كان يعقل!
قال ابن حزم رحمه الله: ( من أراد الإنصاف فليتوهم نفسه مكان خصمه, فإنه
يلوح له وجه تعسفه ) .
ومن ثلاثية عمّار رضي الله تعالى عنه: "الإنصاف من نفسك" (5).
وهذا الخطأ والذنب من بعضهم ينبغي أن لا يُعالج بالتضخيم, وإدارة الآلة الإعلاميّة ضدّهم, وتهييج النّاس عليهم, واختلاق الأكاذيب في شأنهم, والّذي حمل كِبْرَ نشر وإذاعة هذه المزاعم هما الشريف حسين والإنجليز, فالشّريف جمع الناس في الحرم في مكة صبيحة ذلك اليوم أو بعده بقليل, ثمّ نصب منبره وخطب فيهم وافترى, وزوّر الأكاذيب, ونشر القالة التي تلقّفها الرّعاع, وطارت بها الطّغام, بل تعدّت ذلك للكثير من منتسبة العلم, وكتب في جريدته القبلة وسوّد الصفحات بقلمه الأثيم في ذِكر ونَشر مزاعمه, علّها تفيده وأنّى له, إنّما هو تشفٍّ بالكذب والبهتان وتلك حيلة الضّعفاء . وبحمد الله تعالى القائل: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم ) (البقرة: 216) ( وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) (النساء: 19) فقد كان لهذه المفتريات فائدة نفيسة للإخوان لا تقدّر بالدنيا وما عليها, وهي أنّ أهل مكة خَلَعَ قلوبهم الخوف, فتركوها ورحلوا إلى جدّة, ومن بقي فقد لزم بيته مسالماً, فدخل الإخوان مكّة بدون رمية رصاص واحدة, فلله الحمد والمنة.
أمّا الإنجليز فقد شكّلوا جبهة أعلاميّة مضادّة للإخوان, حيث شبّهت وكالة "رويتر" تلك الحرب بالتترية, وتلقّفتها جريدة "المقطّم" في مصر المملوكة للإنجليز, كذلك "التايمس أُف إنديا" في الهند, واستقدمت السّلطات البريطانية هنوداً لليمن ليلقوا محاضرات عن فظائع الوهّابيّين زعموا! .
فلا تحلف فإنك غير بَرٍّ وأكذب ما تكون إذا حلفتا
ومن افتراءاتهم بهتانهم بالقول: أنّهم رأوا الإخوان يرمون قبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالنار! وأنّ الإخوان في الطّائف طلبوا من رجل حريمه فلمّا أبى قتلوهنّ وأتبعوهنّ إيّاه! وغيرها من الأباطيل التي انطلت على الكثير بكلّ أسف. سبحانك هذا بهتان عظيم ( بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) (يونس: 39) -والناس أعداءٌ لمِاَ جهلوا- ونشروا أكاذيب الحسين وضخّموها, ونشروها في كلّ مستعمراتهم الّتي تحوي مسلمين, فشاعت الأكذوبة, وطار الإفك, وانتشرت القالة انتشار النّار في هشيم الزرع, وصدّقها أكثر النّاس إلى اليوم والله المستعان, وعند الله تجتمع الخصوم .
أمّا من دخلت بشاشة التّوحيد قلبه من المعاصرين, وانطبع بالإنصاف خلقه؛ فلا يسعه إلّا الدّعاء للإخوان الّذين أعادوا التّوحيد غضّاً جذعاً في البلاد والعباد . والله تعالى يقول: ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) (البقرة: 134).
ومن باب: ( وشهد شاهد من أهلها ) فقد قال "ديكسون" كما في كتابه "الكويت وجيرانها": ( رغم أن الكثير قد كتب عن قسوة الإخوان, وإرهابهم, إلاّ أنّني يجب أن أقول اليوم: إنّ هذه الصّورة قد بولغ فيها عن قصد وتصميم, لخدمة أهداف سياسيّة في ذلك الوقت) . والحق ما شهدت به الأعداء .
وقال مؤلف كتاب "توحيد الجزيرة": ( أخبرني أمير الطّائف نفسه: أنّه لم يُذبح في المدينة إلا الحامية وبعض أهل المدينة الذين حاولوا المقاومة, أمّا القصص المرعبة فقد روّجها رجال الشريف ) . أفلا تكفي المنصف هذه الشهادة من أمير الطائف, وذلك الاعتراف من ديكسون؟! .
قلت: وقد جمعني مجلسٌ فيه أربعة رجال مثقّفين متعلّمين أقلّهم الجامعيّ, وأحسبهم من العقلاء المنصفين, من قبائل مختلفة من الطائف, وكلّهم أجمعوا على فضل الإخوان عليهم وعلى أهليهم, ولم يحملهم ما سمعوا من أمور على إنكار فضلهم . وذكروا أخباراً وقصصاً عن أهليهم الذين كانوا في الطائف وقُرَاهُ من حوله, والشّركِ الذي كان عندهم, والبدعِ والمحدثاتِ التي ضربت بجرانها بلادَهُم, حتّى طهرتها أيدي الموحّدين المتوضّئة الموحّدة, فرحمهم الله رحمة الصّديقين والمجاهدين والأبرار, وشكر الله أولئك المنصفين الأخيار, والخير من معدنه لا يستغرب.
"دخول مكّة شرّفها الله تعالى وحرسها"
( 17 ربيع الأول 1343 )
لا نجزم هل كان دخول مكة كان قراراً من قبل الإخوان, أو كان بإيعاز من إمامهم . ويرجح الدكتور عبد الله بن محمد المطوع أن ذلك كان بأمر من الملك عبد العزيز: ( فقد دعا في ذي الحجة عام: (1342) إلى مؤتمر في الرياض ترأسه الإمام عبد الرحمن بن فيصل وحضره العلماء وأمراء البلدان وزعماء الإخوان ورؤساء القبائل, فتوصل لقرارات كان أهمها: أنه لابد من أداء الحج سواء بالطرق السلمية أو العسكرية, ونتيجة لذلك أوعز الإمام لجنده الإخوان بالفتح ) (6) مرض القائد سلطان بن بجاد بعد دخوله الطّائف, ونزل قصر عبد الله الباشا ثمّ إنّ الإخوان انحدروا من الطائف لمكة, وجعل سلطان مكانه في القيادة علّوش بن خالد بن حميد, ومعه ستّمئة من الغطغط.
وأبرح مايكون الشوق يوماً إذا دنت
الخيام من الخيام
وقبل دخول الإخوان مكة نزلوا "الزيمة" وظلّوا فيها ثلاثة أيام, وبينهم وبين أهل مكة مناديب يُؤَمِّنُون أهل مكة, قال علوش بن محمد العتيبي رحمه الله لما سُئل: هل كان بين خالد بن لؤي, وسلطان بن بجاد, خلاف في دخول مكة؟ فقال: إن سلطاناً قال: يا خالد حرم! فقال خالد: يا سلطان ثق بأنه لن يكون فيها قتال بإذن الله تعالى, فنزل الزيمة فكانت الوفود تأتيه فيها فتبايعه, ويعطيهم الأمان قبل دخول الحرم . ثمّ إنّ خالداً لما دخل مكة نزل في قصر الشريف حسين, وجعل لأهل مكة الأمان.
جاءت وفود من أهل المعابدة والحجون والحرّث الأشراف أهل المضيق, وقالوا: إنّ الشريف هرب للبحر _ أي جدة _ واجتمع وجهاء الحجاز في جدة, وطلبوا من الملك حسين التخلي عن ملكه لابنه البكر (علي) فوافق بعد مماطلة, ثم بويع الأمير علي بن حسين ملكاً على الحجاز في الخامس من ربيع الأول عام: (1343).
وانتقل ابن لؤي إلى مكة في اليوم التالي, ثم عاد إلى جدة بعد عشرة أيام, وبعد رحيله إلى جدة بيومين دخل الإخوان مكة بطريقة سلمية بدون إراقة دماء لتبدأ البلدة المقدسة_بكّة_ عهداً جديداً من تاريخها المجيد, ولمّا كان الإخوان في طريقهم إلى مكة اعترضوا وفداً من قبل علي بن الحسين, كان قد أرسلهم للرياض لمفاوضة الإمام فقبضوا عليهم وعلموا بأخبار مكة, ثم إن الأمير خالد بن لؤي دبّر حيلة؛ حيث سهل لأحدهم الهرب ليلاً بدون أن يظن ذلك الرجل ما دُبِّرَ له, فهرب في جنح الليل, ثم صاح في الأبطح وأنذر أهل مكة الذين هربوا من فورهم لجدة, وخلت البلدة من المقاتلة, فجنب الله تعالى الإخوان وأهل مكة سفك الدماء في بلد الله الحرام.
ودخل الإخوان مكة المكرمة محرمين ملبّين مهلّلين حامدين شاكرين.
وأرسل خالد في الصباح خيّالة من الإخوان, منهم عبد المحسن بن رجا بقيادة ابنه سعد بن خالد, ليعلنوا في الناس الأمان, وأنّه لا قتال في مكة ولا فتك, ووصل الإخوان مكة, وكان الحميدي بن مفرح هو أوّل فارس دخل مكة على "سودة" فرس لعمّه خشمان, وأخذ الحميدي يصيح في النّاس بالأمان حتّى أدركته مجموعته, واستفتى بعض الإخوان مشائخهم في حملهم السّلاح وإنزال أفواه البنادق إلى الأرض, بحجّة أنّهم قد يحتاجون للدّفاع السّريع عن أنفسهم, فزجرهم علماؤهم عن ذلك,كابن داود والشّاوي, وقالوا لهم: لا تحملوا السلاح في أيديكم البتّة, فمكة حرامٌ يوم خلق الله السّماوات والأرض . وقالوا لهم: كيف نحرم وليس معنا لباس الإحرام؟ فقال: أخرجوا أيديكم اليمنى من أكمامها دون اليسرى, أفتى لهم بذلك شيخهم عبدالرحمن بن داود.
ثمّ دخلوا مكة وأسرعوا للكعبة, يغضّون الخطا متلهّفين مشتاقين للبيت العتيق الذي لم يسبق لكثير منهم أن اكتحلت به عيناه, فقد منعهم الشريف من مكة من اثنتي عشرة سنة .
وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعاً لعـزة من تعنو الوجـوه وتسلم
يهلـون بالبيداء لبـــيك ربنا لك الملك والحمد الذي أنت تعلم
دعـاهم فلبوه رضـــى ومحبة فلما دعــوه كان أقرب منهم
تراهم على الأنضاء شعثا رؤوسهم وغبرا وهــم فيها أسر وأنعم
وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبة ولم تثنهم لذاتهـــم والتنعم
يسـيرون من أقطارها وفجاجها رجالا وركبانا ولله أسلــموا
ولما رأت أبصــارهم بيته الذي قلوب الورى شوقاً إليه تضـرم
كأنهــــم لم ينصبوا قط قبله لأن شقاهم قد ترحل عنهـم
فللــــه كم من عبرة مهراقة وأخرى على آثارها لا تقـدم
وقد شــرقت عين المحب بدمعها فينظر من بين الدموع ويُسجم
إذا عـــاينته العين زال ظلامها وزال عن القلب الكئيب التألم
وكان الكثير من أهل مكة قد هربوا لجدة, وتراوحت أعدادهم بين خمسة آلاف وخمسة عشر ألف, جلّهم عادوا لمّا سمعوا بعدل خالد بن لؤي . وأنزل ابن لؤي جيشه بالأبطح بعدما طافوا وسعوا, وبقدوم خالد والإخوان امتلأ الفراغ السياسي والأمني الذي أحدثه خروج الملك علي, واطمأن الناس بعدما بادر بعض البادية من خارج مكة بالنهب والسلب حتى زجرهم خالد.
ويُذكر: أنّ بعض الأعراب من بادية الحجاز القريبة من مكة – قبل وصول الإخوان- أرادت اغتنام الفرصة بالسلب والنهب فقام فيهم حمزة الفعر الشريف, وحذّرهم من ذلك ونهاهم عنه وتهدد وتوعد فكان مقامه ذلك مشكوراً, فقد كان سبباً في طمأنة الناس وتأمينهم, وتخويف اللصوص من سيف العدالة (7).
ثمّ أرسل الإخوان البشير للإمام عبد العزيز, قال: جئناه وهو في القويعيّة, وبشرناه بفتح مكة فقال: وليتوا مكة؟ قلنا: نعم . قال: قولوا والله . فقلنا: والله لقد وليناها وطفنا بالبيت سبعاً! . فضرب الإمام يده على صدره وقال: صدّق يا قلبي, صدّق يا قلبي . ثمّ كسانا وأعطانا الكرامة والبشارة, وتجهّز راحلاً لمكة . ثمّ إنّ الملك عبد العزيز جاءهم بعد نحو الشهر وقيل بنحو أسبوع, ورجّح الدكتور المطوّع أنّه بعد واحدٍ وخمسين يوماً, أي بتاريخ الثامن من جمادى الأولى ( 1343 ).
وكان خالد بن لؤي أميراً مستقلاً, حتّى قدم إمامه, ثم أقرّه الإمام على الإمارة قرابة ستة أشهر فتمت له ثمانية أشهر وستة أيّام على مكة, حتى خلفه عليها الأمير محمد بن عبد الرحمن الفيصل في (23) ذي القعدة (1343) فدام عليها أميراً حتى قدم نجل الإمام الأمير فيصل بن عبدالعزيز (8).
وحينما أقبل الإمام على مكة عند آبار المصلوم استقبله كتابٌ أرسله له خالد بن لؤي, وفيه خطاب من سفارات الدول العظمى في جدة لخالد بن لؤي وسلطان بن بجاد: أنّهم على الحياد من حربكم للشريف, وأنّهم قد قد تفهّموا الوضع الحالي, بشرط عدم المساس برعاياهم. ففرح الإمام عبدالعزيز فرحاً شديداً, لأنّه كان يحسب الحسابات للدول الأخرى ويخشى من تدخلها في الحرب, وروي أنّه سجد شكراً لله تعالى من هذه البشارة.
واستقبله الإخوان بالإبل العظيمة, يسوقها ناصر الحارث من قبل خالد بن لؤيّ . ثمّ خيّم الإمام عند "العدل" ولم يدخل مكة مباشرة, ويُذكر أنه قال لخالد _متواضعاً_: يا خالد أنت أحق منّي بمكة أنتم أهل بيت النّبوّة . فقال خالد: بل أنت إمامنا والله ربّنا.
وفي عهد إمارة خالد لمكة ثار حيّان من أهل تهامة ومعهم أحد كبار الأشراف, والتمّت عليهم القبائل في مكان بين جدّة والّليث, فوجّه لهم خالد كتيبة قوامها ألف مقاتل فصبّحتهم الكتيبة فأضحوا كأمس الدابر.
ثمّ أرسل خالد سريّة لعسفان فضمت تلك البقاع للولاية الجديدة.
كلّ هذا قبل وصول إمامهم عبد العزيز الذي نزل قصر السقّاف, وبعد أيّام من وصوله مضوا معه إلى جدّة.
وقد أبطل الإخوان المنكرات في مكة المكرمة, فقد هدموا القباب التي كانت في المعلاة وغيرها, ومنعوا شرب الدخان في المقاهي والأسواق, وشددوا على ذلك كثيراً,ووحّدوا الإمامة في المسجد الحرام؛ فأبطلوا عادة وجود أئمة أربعة من المذاهب الأربعة يصلون في الحرم وكلٌّ يصلي خلف إمام مذهبه, وبعد مجيء الإمام عبدالعزيز؛ أعاد الأمر كما كان مدة, ثم عاد لرأي الإخوان فوحّد الناس خلف إمام واحد - وهذه هي السُّنّة - وأوجب الإخوان على الرجال القادرين صلاة الجماعة, ومنعوا السب والشتم في الشوارع والأسواق, وأبطلوا الأذكار المبتدعة بعد الأذان من المؤذنين, ولمّا نصب الجاوة خيمة للاحتفال بالمولد النبوي طردهم الإخوان وهدموا خيمتهم علماً بأنهم لم يضربوا منهم أحداً ولم يشتموهم.
وقد صودرت بعض الدور؛ كدور الحكومة, وقصر الشريف, وقد اشتراه عبدالله الجفالي في المزاد بست مئة ريال, وبيعت بعض بيوت الأشراف في المزاد كذلك, وبعد هدوء الأوضاع أمر الإمام عبد العزيز بإعادة منازل الأشراف, وسمح لمن يرغب ببيعها وتحويل قيمتها للخارج.
ولما طرأت مشكلة حول قيمة العملة المتداولة في الأسواق؛ حيث تعرضت للهبوط بسبب أوضاع الحجاز الاقتصادية السيئة, تدخل الأمير خالد وأمر بتخفيض قيمة النقود المتداولة إلى نصف قيمتها الأصلية وألغى الأجزاء الصغيرة منها . (9)وجاء أحد التجار لخالد وعرض عليه أن يجمع الرسوم من أموال أسواق الخضار نظير مبلغ مقطوع, فقال: أتعهد لكم بدفع عشرين ألف مجيدي في كل شهر؛ على أن تضمنوني ثلاث حلقات؛ المسفلة وجرول والمعلاة, فقال خالد: والله لا أقبض من مكة ريالا واحداً, بل أبرأ من عهدتها (10). رحمه فقد كان مثالاً في الزهد والورع.
قال الشيخ محمّد بن عثمان الشّاوي الدّهيمي البقمي, من شيوخ الإخوان, حامداً الله تعالى ومهنّئاً المسلمين وإمامهم بدخول الطائف ومكة المشرفة:
لك الحــمد اللهم يا خـير واهب ويا خــير مرجو لنيل المآرب
ويا خير من يرجـى لكشف ملمـة ويا خير من يسدي العطا والمواهب
لك الحمد حمداً يملأ الأرض والسماء ويمـلأ مابين الثرى والكواكب
لك الحمد كل الحـمد إذ أنت أهله على نعـم تربو على عد حاسب
على كبت أحزاب الضلالة والردى ومحــق لصنديد كفور مشاغب
وكسر لأوثان وهدم مشـــاهد يلـوذ بها الكفار من كل ناكب
ويدعونه حباً وخوفاً وخشـيــة وهذا لعـمري من كبير المصائب
بذا كان ذا النقصان لدين محمــد نبي الهــدى ختم الكرام الأطايب
وهذا هو الإشراك بالله وحــده فأعــظم به نكراً وخيم العواقب
فسرنا بحمد الله والشكر والثــناء عـلى المنهج الأسنى أجل المطالب
جهاد ذوي الإشراك حرب ذوي التقى جـنود حسـين من أتى بالمعائب
وكانوا لدى حصن طويل ممنــع لديــهم من العداة أهبة حارب
فزعزعهم ربي وشتت شملهـــم فـمـا بين مقتول وما بين هارب
وما بين مجدول على أم رأســـه وما بـين مكـلوم شديد المعاطب
ترى الطير مع غرث السباع عصائباً تنــوبهموا من كل قطر وجانب
وأورثنا ربي ديار ذوي الــردى وأموالهم رغماً على أنف غاضب
بأيدي ذوي بأس شداد أعـــزة خـلا أنهم للصحب أهل تحابب
جحاجح في الهيجا مراويع في الوغى بأيديهـموا بيض الرقاق المضارب
على عارفات للطـعان عوابـس بهن كلـــوم بين دام وجالب
إذا استنزلوا عنهن للطـعن أرقلوا إلى الموت إرقـال الجمال المصاعب
فهم يتساقون المنية بينهــــم يــرون لقاها من كبير المكاسب
نفوس لهم كانت لديهم ثمينــة وقــد أرخصوها في قتال المحارب
وبعد ذا سرنا على من تألبــوا وصـــدوا لوفد الله أكرم نائب
ولكنهم في بلدة ومحــــلة بـها بيت رب العرش أغلب غالب
ولكن مولانا الكريم بفضـــله أزال العدا من غير ضرب القواضب
فخامرهم رعب شديد فأرجفـوا وفــروا سراعاً من جميع الجوانب
فلما تحققنا وطاب لنا المنـــى بفـضل ولي الفضل مسدي المواهب
دخلنا نلبي حاسرين رؤوسنــا وطـفنا بذي الأنوار بين الأخاشب
دعونا وكبرنا على المرو والصفـا وتلــك البقاع النيرات الأطايب
ووالله لم نسفك دماء ولم يكـن سـوى الحرم العالي لنا من مأرب
فشكراً لمن أسدى الجميل بصنعه وذاك لعمري من عجيب العجائب
فيا أيها المزجي ذبولا عرندسـاً عـذافـرة تطوي طويل السباسب
إذا مارأت للسوط ظلاً رأيتـها كقائـــدة الآرام ريعت بطالب
تحمل هديت الخير مني تحيــة إلى مــلك سامي الذرى والمناقب
فقل بعد تسليم من البعد والنوى ليهنـــك يابن الأمجدين الأطايب
بلوغ المنى والفوز بالعز والهنـى وفــتح لدار الوحي جل المطالب
فأم القرى تدعوك قد مسها الضنى وقـد مرضت من فعل طاغ وناكب
أتتك تجر الذيل هيفا مليــحـة معـنــدمة الخدين أجمل كاعب
وقد عزفت عن كل بعل وخاطب لأجــلك يابن الأمجدين الأطايب
فهيئ لها مهراً من البر والتقــى وطـــهر حماها من جميع المعائب
وحكم بها شرع الإله وديـنـه تنـل مـن إله العرش أسنا المطالب
وكن شاكراً لله جل ثنـــاؤه فقـيد الأيادي شكر مسد وواهب
ومن مبلغ عني حسيناً وفيـصلاً وأعـــوانهم من كل ندم وعائب
بأنا بحمد الله لا رب غيـــره على منــهج المختار ختم الأطائب
فلا ندع إلا الله جل جــلاله تقـــدس عن ند وقول لكاذب
وندعوا إلى التوحيد سراً وجهرة إلى أن يكـون الدين خال الشوائب
ونأمر بالتقوى وننهى عن الردى ونـدعوا لحـج البيت لافعل كاذب
ومن صد عن هذا وتمرد واعتدى سنــسقيه كأساً من سموم العقارب
ونلقمه صخراً ونشدخ رأســه إلـــى أن يـرى الله أول آيب
وقل للعدى في كل قطر وجـانب بـكل النواحي عجمها والأعارب
أنيبوا وإلا فاستعدوا وأجمعــوا لـبيض وفرسان وجرد شــوارب
جنود تريكم في ضيا الشمس ظلمة تـرى البيض فيها كالنجوم الثواقب
إذا ما غزا بالجيش حلق فوقــهم عصـــائب طير تهتدي بعصائب
تلازمهم حتى يغرن مغارهــم مـن الضـاريات بالدماء الدوارب
هموا معشر الإخوان دام سرورهم ولا ســـر من يرميهمو بالمعائب
لهم أسوة في فعل صحب نبيهـم وهمــــتهم مصروفة في العواقب
فيارب يامنان يامن له البقــاء ويا خــير من يرجـى لنيل المآرب
أعذهم من الإعجاب مع كل فتنة وثبـتهـــمو يارب ياخير واهب
وصل إلهي ما تـألـــق بارق وما هلّ ودق من خـلال السحائب
وما طلعت شمس وما حن راعـد على السـيد المختار من نسل غالب
كذا الآل والأصحاب مع كل تابع وتابعـهم ما ضاء نور الكواكب(11)
"معركة جدة"
( الرّغامة والمصفحّات )
ثمّ دخول جدة يوم الخميس جمادى الثانية (1344)
وبتسليم جدة انتهى حكم الأشراف للحجاز الذي قارب ألف عام (12) وبالتحديد: ألف سنة إلّا ستة عشر عاماً . من سنة: (358) من حكم جعفر بن محمد, إلى نهاية حكم علي بن الحسين سنة: (1344)
انتقل الإمام عبد العزيز بجيشه إلى جدّة عند الرّغامة . وطال الحصار سَنَةً كاملة, ولم يكن فيها إلّا بعض المناوشات, ثمّ أسلمت جدّة لعبد العزيز قيادها, وكان تسليم جدة والمدينة وينبع في وقت متقارب .
ضغط أهل جدّة على حسين الشريف, حتّى تنازل عن حكمه لابنه عليّ, ثمّ ذهب حسين للعقبة, فكتب عليّ لخالد بن لؤي يأمره ببيعته على الكتاب والسّنّة, فقال خالد قولته المشهورة: ليس الآن يا عليّان ذاك أوّل, الحق أباك وأفلح . فلم يلبث عليّ أن لحق بأبيه, وأرسل الشريف علَى جيش الملك عبدالعزيز ومعه الإخوان طائرة فأسقطوها بالبنادق, وقيل بل انفجرت فيها قنبلة من قنابلها, وربّك على كل شيء قدير (13).
"دخول المدينة النبويّة, على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام"
( 1344 )
ضُمت جدة والمدينة وينبع للدولة السعودية في سنة واحدة, فسلّمت ينبع, ثمّ المدينة, ثمّ جدّة, فبعد تسليم ينبع وأملج وضِبا ضعفت الرّوح المعنويّة للحامية التي في المدينة, وكان من ضمن الإخوان المحاصرين عبد المحسن الفرم الحربي, وفيصل الدويش المطيري, وكان هذا أول حضور للدويش في الحجاز؛ فتهدّد أهل المدينة بالقتل, ثمّ دبّ الوباء ويسمّى "الإنفلونزا الأسبانية" في سريّته, فاستأذن بالرجوع لنجد وعاد بقومه, وجرت معركة يسيرة مع حاميتها التي خرجت ولم تلبث أن ولّت هاربة, وأراد أهل المدينة الاستسلام, وأرسلوا للإمام عبدالعزيز بأنّا لن نسلم إلّا لأحد أبنائك, فأرسل ابنه محمداً, ففتحوا له الأبواب, ودخلها الجند بدون قتال والحمد لله, فلم يُرم فيها برصاصة واحدة, ولم يُوطأ بلدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْوَةً, بل دخلوا وجلبوا الأطعمة لسكّان المدينة الّذين أصابهم الجوع من الحصار, وصلّوا في مسجده صلّى الله عليه وسلم, وأزالوا البدع والمحدثات الّتي في المدينة, خلا القبّة (14) الّتي على قبره وليتهم أزالوها وردّوها كما كانت في زمن السلف الصالح والقرون المفضّلة, ولعلّ حجّة من أمر بإبقائها على حالها هي قطع الطريق على أعداء الدعوة السلفية, حتّى لا يُصعِّدوا الأمور في أرجاء العالم الإسلامي, ويكيلوا التّهم والبهتان لمن أسموهم بالوهّابية! ولمن نبزوهم ببغض النبي صلى الله عليه وسلم! وحاشاهم فإنهم يُفَدّونَه ويَفْدُونَهُ بأنفسهم وأولادهم وآبائهم وأمّهاتهم وكلِّ ما ملكوا من الدّنيا, ومن عرف حالهم تبيّن له صدق ذلك, فحالهم مع ذكراه:
مثالك في عيني وذكرك في فمي ومثواك في قلـبي فأين تغيب؟
ولوا أنّهم استعانوا بالله وهدموا القبّة ومحوا أثرها حتّى لا يبقى للقبوريين شُبهةٌ حولها لكان خيراً, وفي ظنّي أنّه لو كان عند بعضهم قدرة لفعلوها, بل ولفعلوا الأهمّ والأحتم من ذلك وهو إعادة حجرة أمّنا عائشة رضي الله عنها لِمَا كانت عليه وقت الأصحاب الأطهار رضي الله عنهم, فلقد كانت الجهات الجنوبيّة والشّرقيّة والشّماليّة مفصولة عن المسجد وخارجة عنه, إنّما هو الجدار الغربيّ فقط ومِنْهُ البابُ المُطلّ على المسجد, ومات صلُى الله عليه وسلم وهي على ذلك الحال حتّى بدأ بالشرّ الوليدُ بن عبدالملك _عفا الله عنه_ لمّا أدخلها في توسعته للمسجد, وقد أنكر عليه العلماء فلم يَعْبَأ بهم, ثمّ ازداد الأمرُ سُوءاً في الأزمان المتأخرة حتّى أُدخلت الحجرة بجميع جهاتها, فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ولمّا وُسّعَ المسجدُ في عهد الملك فهد بن عبد العزيز, رحمه الله, قِيل: إنّ الإمام عبد العزيز بن باز, رحمه الله, قد حاول جُهْدَهُ وطاقته في فصل الحجرة عن المسجد تماماً, عملاً بوصية النبي صلى الله عليه وسلم, فرسول الله صلى الله عليه وسلّم حذّر أمته وهو في مرض موته حينما نُزِلَ به من اتخاذ القبور مساجد, فقال: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد ) (15).
وكذلك تحقيقاً لدعوة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( اللّهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد ) (16) فالقبر وإن لم يكن وَثَنَاً بصورته الحاليّة, لكن فيه نوعُ شَبَهٍ في فعل الناس به وهو بهذا الحال, من الطّواف به ولو من بعيد (17) ومن استقباله في الدّعاء والصّلاة, حتّى وإن كانت هناك فواصلُ جداريّةٍ أو سياجيّةٍ أو بضعةٌ من أمتارٍ شماليّةٍ, وحتّى لا يبقى لقبوريّ خرافيّ مستمسك في بدعته, ولكن لم تُقبل نصيحته والله المستعان, والحمد لله على كل حال, ولله في ذلك حِكَمٌ خفيّة, وابتلاءات ربّانيّة, وأقدار إلهية, ولعلّ الله تعالى قد أخّر ذلك الفضل وادخره لمن أراد به خيراً في طي علمه وغيبه, والله أعلم (18).
وذهب الإخوان للبقيع, وسلّموا على صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم, وهدموا المشاهد والقباب الّتي عليه وعلى غيره في المدينة, وأمّنُوا الناس وساد الأمن بحمد الله مدينة الحبيب صلّى الله عليه وآله وسلّم.
"دخول بدر"
( 1344 )
أَمَرَ الإمام عبد
العزيز خالداً ومن معه من الإخوان من سبيع أهل الخرمة والحِدارية ومنهم وليد
بن شوية وغيرهم, مرافقة الأمير سعود العرافة لغزو عبد الله "البيه"
في بدر وينبع, فاعتذر الإخوان عن الذهاب وقالوا: شابت رؤوسنا ونحن لم نحج حجة
الإسلام! وأشعل الشيب لحانا وهذا الحج قد أقبل . فقال خالد: يلزمكم السمع والطاعة
لإمامكم, وبيني وبينكم الشيخ عبد الرحمن بن داود. فقال الشيخ: يلزمكم السمع
والطاعة, والحجّ يؤجّل حتىّ تنجلي الغمّة .
فقال مناحي
بن غبيشان الصميلي السبيعي, يصف مشاعر الإخوان وقد فاتهم الحجّ بسبب الغزو وهي
أشهر قصائده, رحمه الله تعالى, فقال:
كنّا على بدر نرمي حمر الأدوالي
نرمي هل الكفر جند البيه عبدالله
ناتريلنا صيرمي ماكره عـالي
سعود حامي البنود وأمير جند الله
معه شريف الهدى مهوب ملالي مسلم
روحه يبي مرضات وجه الله
يا بو سعد جعلها تفداك
الأنذالي ولعل يفداك جند مايخافون الله
رجلي كسيره وأنا بخبرك بالحالي والعبد يرضى بالأمر
اللي عطاه الله
سِلْنا هل العلم نبغى العلم ينجالي
وقلـوبنا ماتبي غير حج بيت الله
قالوا هل العلم هذا مثل الأمثالي
وإن أجركم تم وانتم في سبيل الله
"دخول ينبع"
( 1344 )
والتي دام حصارها
سبعة أشهر, وقيل سنة, وقيل بدأ حصارهم لينبع بعد جدة بنحو شهر, ثمّ سلّمتا في ليلة
واحدة, وبهذا يكون حصارها أحد عشر شهراً وهو الأظهر . وكان فيها شاكر بن زيد بن
فواز الشريف(19) ذهب لينبع ومعه الكثير من عتيبة والبقوم, ثمّ أعطى جهينة
وبِلِي الجنيهات فتكاثر جيشه, وطلب الإمام عبد العزيز من سلطان بن بجاد الذّهاب
لحصار ينبع مع الأمير سعود العرافة كما أسلفنا, فاعتذر ومعه الكثير من الإخوان
لقرب موسم الحجّ . وهذا هو أول شَقٍّ بين الإمام عبد العزيز وسلطان بن بجاد, ثمّ
إنّ عبد العزيز ندب خالداً وأهل الخرمة كما أسلفنا, فلبّوا النداء بمعيّة الأمير
سعود العرافة .
فخرج إليها الأمير
سعود العرافة, وخرج معه الإخوان, وكان أهل الخرمة الذين معه قرابة الألف, فخيّموا
في المنتصف بين ينبع النخل وينبع البحر (20) وأغاروا على سرح القوم _أي إبلهم_ فأخذوه وقتلوا من كان
عنده من جند الشريف. وعددهم ثلاثة, واستشهد عبدالله بن عوشز السبيعي
هناك, ثمّ بدأوا الحصار لينبع, وثارت بعض الاشتباكات والرمي المتقطّع مع ثكنات
الشريف, وأرسل الشريف طائرة لقصف الإخوان لكنها رُمِيت بمدفع العرافة ولم يُصبها .
وكلّما اقترب الإخوان من أحد الحصون ضربهم أهل الحصن بالمدافع, وفي إحدى الليالي
اقتربت مجموعة فدائية من الإخوان من أحد الحصون, وحفروا من دونه خنادق صغيرة
ليرموا الأعداء في الصّباح, وما راعهم عند الصّبح إلّا هدير المدفع عليهم فقتل
بعضهم, وفي أحد الخنادق كان هناك مجموعة من الإخوان؛ وهم حمود بن صنيتان, وحماد بن
قليشان الشلوي, وقطيم بن ختام, وفايز بن محفاش, ورجل من الغطغط, والحميدي بن مفرح,
وظافر بن جراش, فرماهم المدفع فأخطأتهم القنبلة ووقعت في البحر, ثمّ الأخرى
فانفجرت بقربهم فأطارتهم حتّى رفعت أرجلهم للخضيراء - أي السّماء - من شدّة الضربة
لكنهالم تقتلهم, ثمّ الثّالثة والتي انفجرت في خندقهم, قال الحميدي: ( وحينما هدأ
الغبار, نظرت لأصحابي إذ شظايا المدفع الّذي تفرّق علينا قد ذكّى أحدَنَا وهو رجل
من أهل الغطغط, فرمته القنبلة على ظافر بن جراش الذي سلّمه الله منها, وبينا نحن
نخرج من الخندق لنهرب إذ فايز بن محفاش متّكئ على بندقيته أمّ ركبة, وكان مستوفزاً
ولم يعجبني وجهه كأن به برود الموتى, فرجعت له فلما ناديته وحركته خرّ على جنبه,
فإذا هو قد أصابته شظية فدخلت من إبطه وارتفعت لرأسه ولم تخرج لكنّها صارت كمثل
البلحة قد جمعت الدماغ, فاستشهد صاحبنا من الغطغط وفايز, ثمّ قفزنا من الخندق
ونحن نركض ونرمي القصر حتّى ابعَدَنَا الله ونجّانا بعدما رأينا وجه الموت . وبعد
أيام ذهبت أنا وحمّاد بن قليشان لنَقِيلَ تحت شجرِ مَرْخٍ كبار, فالخيام كانت
حارّة, وأثناء راحتنا وكلّ منا قد ألقى ظهره للرمال الناعمة؛ إذ برجل قد وقف
علينا, وأنكرتُ زيّهُ فإذا هو يقول: أبشّركم يا الإخوان أنّ الشّريف ركب البحر على
البابور "رشدي" - وهو يخت خاصّ به - وأهل البلد سيسلّمونه لكم, وأريد
الأمان لي ولهم, فقلنا لكم ذلك, فنهضت به لخالد الذي أرسل رسولاً مع الرّجل لسعود
العرافة, فأمر بالجيش فسار ثمّ بات على طرف ينبع, وفي الصّباح دخلوها بسلام,
والحمد لله الملك العلّام)(21).
......يتبع
إبراهيم الدميجي
22/1/1433
@aldumaiji
رابط تحميل الكتاب بجميع أجزائه كاملا مجانا
..........................................................
(1) ( العدد: 3 ص4: عمود:3 ) نقلاً عن (إدارة خالد بن لؤي لمكة) . ضمن بحوث الكتاب التذكاري . د. عبدالله المطوع.
(2) ومن الطرائف؛ أنّ أحدهم لمّا دخل أحد القصور ليطهّرَه من القنّاصة, تفاجأ برجل أمامه فرفع عليه السيف فضربه بها فإذا سيفه بالجدار, وبينما هو في حيرته, إذ بضحك أحد الإخوان من خلفه فأخبره أنّ التي أمامه مِرْآةٌ تعكس صورته! . والبعض كان يأكل ثمر الموز والبرشومي بقشره إذ لم يعرفه من قبل.
"معركة
الهدا"( 26 صفر 1343 ):
أربعون من أهل الغطغط أسروا رجلاً من
ثقيف الهدا, ولا زالوا به حتّى دلهّم على ذخيرة الشّريف التي جمعها في الهدا, فصعد
بهم الثقفي حتىّ أراهم الذّخيرة والمدافع والرشّاشات, ولمّا أصبحوا أغاروا على تلك
الكتيبة لكنّ وعورة الجبل حالت دون وصولهم في الوقت المناسب, وكان من خلفهم مدافع
رشّاشة لم ينتبهوا لها, فحصدتهم المدافع الرّشّاشة حصداً رحمهم الله ولم يَنْجُ
سوى واحد من أولئك الأربعين, وهو مقعد الدّهينة . وبعد ذلك صعدت بعض الكتائب
الإخوانية فهرب من كان هناك من جند الشريف وغنم الإخوان سلاحه ومتاعه .
(3) رواه البخاري من حديث عمران, رضي الله عنه.
(4) رواه البخاري عن ابن عمر, رضي الله عنهما .
(5) رواه البخاري، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى مبيّناً أنواع الإنصاف:( رابعاً: إنصاف العباد: يُقصد بإنصاف العباد أن يقوم المسلم بإنصاف الغير من نفسه أو ممن يحب، حتى لو كان هذا الغير مخالفاً له في الرأي، أو في الدِّين، أو في المذهب أو غير ذلك مما يقتضي التحامل، أو يكون مظنة للجور، ومن وسْعِهِمْ، وأن تعاملهم بما تحب أن يعاملوك به، وأن تعفيهم مما تحب أن يعفوك منه ).
وفي سنن الترمذي رحمه الله تعالى: "أحبب حبيبك هوناً ما عسي أن يكون بغيضك يوماً ما, وأبغض بغيضك هوناً ما عسي أن يكون حبيبك يوما ما . جوّد الألباني رحمه الله سند رفعه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, والأصح وقفه على علي رضي الله عنه.
(6) كما في كتابه ( إدارة خالد بن لؤي لمكة ). ص (182). وقد ذكر الألوسي رحمه الله تعالى في تاريخه ص (38) شيئاً من أخبار الإخوان في مكة المكرمة.
قال أحد الإخوان: إن الإخوان ضبطوا رسالة من الملك عبدالعزيز لشريف مكة وهم على مشارفها, وإذا فيها: "إنه ليس براض عن فعل الإخوان, ولم يساعدهم"! وهذا _إن صحّ_ فلعلّه من قبيل الخداع والمكر بالشريف. وعلى كل حال فلو ثبت هذا فهو مؤشر سلبي غير مريح, ولكن الأصل في المسلم السلامة, وهذه الرسالة لم تثبت خاصّة وأن راويها قد اختلف كلامه في الآخر, والله أعلم.
قال أحد الإخوان: إن الإخوان ضبطوا رسالة من الملك عبدالعزيز لشريف مكة وهم على مشارفها, وإذا فيها: "إنه ليس براض عن فعل الإخوان, ولم يساعدهم"! وهذا _إن صحّ_ فلعلّه من قبيل الخداع والمكر بالشريف. وعلى كل حال فلو ثبت هذا فهو مؤشر سلبي غير مريح, ولكن الأصل في المسلم السلامة, وهذه الرسالة لم تثبت خاصّة وأن راويها قد اختلف كلامه في الآخر, والله أعلم.
(7) ذكّرنا فعل حمزة الفعر بفعل سهيل بن عمرو رضي الله عنه _مع الفارق_ لمّا ارتدّت العرب بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم, فقام سهيل بن عمرو رضي الله عنه في مكة, وكان خطيباً مفوّها بليغاً, وحذّر النّاس من الردّة, وتوعّد وهدّد, فظن النّاس أنّ هناك قوّة كبيرة تقوم معه, فلم يحدث في مكة ردةّ كما حدث في غالب الجزيرة, وقد كان عمر رضي الله عنه قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في نزع ثنيّتيه, فقال: (دعه, فلعله يقوم مقاماً تحمده عليه ) أو كما قال, فكانت هذه نبوءة من دلائل النبوّة.
(8) (إدارة خالد بن لؤي لمكة للدكتور د.المطوع ): ( 212 ).
(9) ( د.المطوع . إدارة خالد: 210 ).
(10) ( النجم اللامع: 239 ).
(11) مخطوطة بخط الشيخ محمد بن سليمان الدميجي رحمه الله تعالى (ت:1415) ,كذلك فهي موجودة في كتاب المحمود رحمه الله تعالى.
(12) عبرة:
قال العبيّد: ( لمّا سلّم الأمير محمد الطلال الرشيد حائل, وانقرض بذلك ملك الرشيد بعدما دام قرابة تسعين سنة, جهّزه الملك عبدالعزيز ومن صحبه من عوائله للرياض, فلمّا وصلوا بلاد القصب من مقاطعة الوشم, وكان معهم خدم من قبل الملك عبدالعزيز فنزلزا ضيوفاً على أميرها, لكنهم لم يدخلوا البلد, بل نزلوا في ظلّ أثلة قريباً من البلد, فخرج عليهم أمير البلد وسلّم على محمد الطلال ومن معه, وعرض عليه مكان الضيافة, وقال: هل ترغبون في نزول البلد حتى تأكلوا ضيافتكم؟ أم أن مكانكم أرغب لكم ونوصل لكم ضيافتكم هنا؟ . فرغبوا الجلوس في ظل أثلتهم؛ لأنهم ليسوا بدار إقامة, ولمّا رأى أمير القصب ما بمحمد الطلال من الحزن والكآبة, أراد أن يسليّه, فقال له وكان شيخاً مسنّاً: يا ولدي؛ لا تجزع من تقلب الزمان بأهله, واذكر قوله تعالى: ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) والله لقد ضيّفت عبدالله الفيصل حاكم نجد هو وأخوه عبدالرحمن الفيصل ونساءهم تحت أثلتك هذه, قد نقلهم محمد بن رشيد من الرياض الى حائل! وهذه سنّة الله في عباده, فسبحان من لا يزول ملكه, ولا يضعف سلطانه ).
( النجم اللامع:212) بتصرف يسير.
وفي عام: ( 1307 ) حينما وقف محمد العبدالله الرشيد_ وكان خير حكام الرشيد كرماً وشجاعة وحلماً وعدلاً وسياسة(أ) ودام حكمه (27) عاماً _ على سور الرياض وأمر بهدمه, وكان بجانبه حمود العبيّد الرشيد, قال الملك عبدالعزيز واصفاً ذلك: وكنت واقفاً في ذلك الوقت واقفاً نرى هدم السور ومعي صِبْيَان في سني_ أي قرابة 12 سنة_ وكان عليّ كوفيّة حمراء, وكان في عينيّ رطوبة, وجفوني ثقيلة, فدنا مني محمد بن رشيد ثم وضع يده على رأسي, والتفت إلى حمود الرشيد قائلاً: يا حمود لا تحقر هذا, تراه يشره على الحكم !.) (السابق: 109) ولم يعلم الرشيد عن أسرار الغيب, وأن انقراض ملك قومه سيكون بإذن الله على يد هذا الفتى! . والأيام عبر.
(أ) من أخباره ما ذكره محمد بن بليهد, قال: مرّ محمد بن رشيد برجل يحفر ضبّاً, فسلم عليه وهو مارٌّ, فرد السلام, ومضى كل منهما لسبيله, ثم وفد عليه الرجل على رأس الحول, فبادره بعد أن رد السلام قائلاً: عساك أظهرت ضبّك؟! فقال الرجل: أظهرته ياطويل العمر.
ووفد عليه رجل كريه المنظر, فطلب منه أن يجعله من خدمه, فلم يشأ أن يقبله لبشاعة منظره, ولم يرد أن يحرجه, فقال: ديرتك سالت بعدك, تحشّون وتزرعون أحسن لك من الخدمة.
وأتاه رجل يشتكي الفقر, فأنشد بين يديه:
يالضيغمي جيتك وانا لي طليبي أشكي عليك الفقر والفقر حادين
مالي من العدوان غيره حـريبي وانا زبنتـك يازبون المقلّين(ب)
غديت مثل الشـاة والفقر ذيبي فهو كـلاني كان مانت مراعين
فقال على الفور: أبشر بمن يذبح الذيب قبل ياكل الشاة . (النجم اللامع: 215).
ومن عزّته أن أحد شيوخ قبيلة بلي من آل منقرة, غزا يوماً وأخذ جيشاً ( أي إبلاً )لمحمد بن رشيد, وقال لوكيل الجيش واسمه عيادة بن زويمل: إذا وصلت عمّك قل له: يقول لك اللي أخذ الجيش بعيد المناطيس, وانا أخو سندا! فلمّا بلّغه الوكيل المقالة, قال ابن رشيد: بعيد المناطيس أنا وأنا أخو نورة! ثم سيّر كتائب كالجبال من الحاضرة والبادية وهو يقول:
يابن زويمل ما هجـــاني نوم من يوم جــاني علم الجيش
ما احسب ان ذروة ياخذنا قوم وراسي على الدنيا يعــيش
حتى اكتسح ذلك الرجل .
ومع هذا فقد كان حليماً, ومن ذلك أنه كان حاجّاً في سنة من السنين, وازدحم عند الجمرات براية لأحد بلدان القصيم وكان رئيسهم نزقاً مغروراً, فقال له محمد بن رشيد: لا تزحم الحاج يا فلان . فرد عليه أن قال: اقطع واخس...وسبّه, فما كان من ابن رشيد إلا أن قال: لبيك اللهم لبيك ,لا رفث ولا جدال ولا فسوق في الحج, ومرّت الأيام فمرّ ابن رشيد بجيشه على النبهانية, فاختفى ذلك الرجل وفزع من نقمة محمد لو قبض عليه, حتى أنّه اندس تحت الحطب . فبلغ ابن رشيد ذلك, فقال: أخبروه أنّه في مأمن مني, فإن أتاني أكرمته, وإن بقي في بلده فهو سالم, وكانت البادية تخشاه وكان إذا تحاكم عنده خصمان أحدهما من القرى والآخر من البادية حكم مباشرة للحضري على البدوي! ومن مشهور كلامه: ما خبرت حضري ظلم بدوي! .( وإن كانت هذه ليست من مناقبه فبالعدل قامت السماوات والأرض).
وإن كان قد أخطأ خطأً فاحشاً وزلّ زلّة جسيمة حينما أمر جنده أن يقتلوا المدبرين ويجهزوا على الجرحى من أهل القصيم لمّا هزمهم بعد معركة "المليدا" المشهورة, في ( 18/5/1308) والتي ظهر فيها دهاؤه, ففي اليوم الأول(كون القرعا) كسروه, لأنهم كانوا متحصنين بالجبال ولم يكن لخيله ميدان للإغارة وكانت كتيبة الخيل ثمانية آلاف خيّال, فانسحب إلى "الشيحيّة" وجعل بينه وبينهم صحراء واسعة لكر الخيل وفرّها, فأكل أهل القصيم الطعم وتبعوه فلم يمهلهم حتى اكتسحهم بعد أن تقطعت السيوف وتكسرت الرماح بينهم, ثم انكسروا أمام جيشه, فأمر بالقتل لكل مدبر وجريح فصارت مذبحة لا يدملها مرور الأيام والليالي في أهل القصيم . وبعد هذه المعركة انتشر حكمه في كافّة نجد من وادي الدواسر حتى الجوف, إلى عروق سبيع .
واللي بعرق سبيع كنّه ببرزان والنوم والله ما تذوقه عـيونه
توفي في (15/7/1315) بعد ما أوصى لابن أخيه عبدالعزيز المتعب الرشيد_ خصم الملك عبدالعزيز_ بعدما أوصاه بالرفق بالرعية والإحسان إلى الناس والعفو وعدم البدء بالشر ولكنه لم يستمع لنصحه بكل أسف . وقد كان عقيماً, ومات وله زوجتان, وله الكثير من العبيد والسلاح والخيل والإبل, وله من المماليك (800) عفا الله عنه ورحمه, فقد كان درة تاج ملك حكام الجبل الرشيد وواسطة عقدهم, الذين دام ملكهم قرابة تسعين سنة .
ب): أي بعد رب العالمين وهذا شائع عند الناس ولا بأس به, لأن القيد والاستثناء معلوم لكل سامع, فلا يلزم الاستثناء مع كل جملة وإن كان أفضل على كل حال, والله أعلم
(13) ونحيل القارئ الكريم على كتابي الشّيخ الدّكتور عبد الله العثيمين, وهما "معارك الملك عبدالعزيز" و"تاريخ المملكة العربيّة السّعوديّة" فقد ذكر فيهما تفاصيل هامّة عن فتح جدّة وما بعدها.
(13) ونحيل القارئ الكريم على كتابي الشّيخ الدّكتور عبد الله العثيمين, وهما "معارك الملك عبدالعزيز" و"تاريخ المملكة العربيّة السّعوديّة" فقد ذكر فيهما تفاصيل هامّة عن فتح جدّة وما بعدها.
(14) القبّة: أوّل من بناها السلطان صالح بن قلاوون عام: (687) . ويقال: إن بناء القباب على الأضرحة والقبور _والذي تولى كبر نشره العبيديون_ قد دخل للمسلمين عن طريق بعض ديانات الهند الوثنية؛ كالهندوسية والبوذية, لمّا تأثر بها المتصوّفة! كغيرها من اللوثات التي حرفت الصراط المهيع السليم, عند بعض المسلمين إلى سبل ضلال, وطرق فتن, ومزالق بدع, هدنا الله وإياهم سواء السبيل.
(15) متفق عليه, من حديث عائشة رضي الله عنها.
(16) رواه أبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة بسند صحيح . وللمزيد ينظر: ( فتح المجيد: باب ما جاء فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟! ).
(17) قال الشيخ حامد الفقي في تعليقه على فتح المجيد: ( ...وأُخلي حول القبر من جهاته الأربع, وأصبح كثير من الناس يستقبلونه ممن يكون في الموضع الخاص بالأغاوات, وفي المكان المخصص للنساء, وأصبح عرضة لأن يطاف به, وقد رأيت كثيراً من العامّة يطوفون به! ويحاولون التمسح به, لولا الجند الذين خصصتهم الحكومة السعودية لذلك المنع...) (ص: 139).
(18) وللفائدة ننقل بعض كلام أهل العلم المعاصرين في مسألة احتجاج القبوريين بوجود قبره الشريف في مسجده صلى الله عليه وسلم:
- قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: ( ولا يظن ظان أن هذا من جنس البناء على القبور, واتخاذها مساجد, لأن هذا بيت مستقل, أدخل المسجد للحاجة للتوسعة, وهذا من جنس المقبرة التي أمام المسجد مفصولة عنه ولا تضره ) . ( مجموع الفتاوى ج: 10)
- وقال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله تعالى: ( جواب المسألة من ثلاثة أوجه:
الأول: أن المسجد لم يبن على القبر.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد بل دفن في بيته.
الثالث: أن إدخال بيوته صلى الله عليه وسلم للمسجد ومنها بيت عائشة رضي الله عنها ليست باتفاق الصحابة؛ بل بعد انقراض أكثرهم عام: ( 94 ) تقريباً, وممن أنكره سعيد بن المسيب, ولم نسمع في التاريخ أنه قد جعل وثناً ).
- وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى: ( البيت لا زال على شكله وحيازته, كذلك المسجد, وما يحصل من الجهال يكون في المسجد, وليس في القبر, بل القبر بعيد عنهم ومصون عنهم, ولا يرونه) (شرح كتاب التوحيد 1/291).
وقال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى:
( 1- دفن صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة رضي الله عنها .
2- ولما جدد بناء المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك أخذوا من الروضة ثلاثة أمتار من جميع الجهات, عدا الجهة الشمالية التي وسعت أكثر وجعلت جدرانها مسنّمة؛ أي مثلثة .
3- وفي توسعة أخرى أُخذ من الروضة ثلاثة أمتار ومن جميع الجهات كذلك, وهذا ماعناه ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله:
فأجاب رب العالمين دعاءه وأحاطه بثلاثة الجـدران
4- ثم وضع السياج الحديدي عليه كذلك, وهو من مترين إلى متر ونصف, يتسع ويزيد في بعض المناطق, لذا فقبره بعيد ولا يمكن الوصول إليه . ( قلت: فبين القبر والسياج أكثر من ثمانية أمتار تقريباً). فمن حرص المسلمين على إبعاد القبر فقد أخذوا ثلاثة أمتار من الروضة الشريفة لبناء الجدار الثاني, ثم الثالث كذلك, ثم أكثر من ثلاثة أمتار لبناء السياج الحديدي, وهذا تطبيق لحديث: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد ) فهم قد أخذوا من المسجد لحماية قبره من أن يتخذ مسجداً, والمسجد اليوم قد تكون صورته عند من لم يحسن التأمل صورة قبر داخل المسجد وليست الحقيقة كذلك لوجود الجدران المختلفة التي تفصل المسجد والقبر, ولأن الجهة الشرقية ليست من المسجد (كذا ! ولعله بنى قوله على منع الصلاة فيها) لهذا لما جاءت التوسعة الجديدة كان مبتدؤها من الشمال بعد نهاية الحجرة بكثير حتى لا تكون الحجرة وسط المسجد.
5- ولمّا جاء الخرافيون العثمانيون فتحوا في التوسعة التي في جهة الشرق ممرّاً, بسعة مترين تقريباً, لكي يمكن لمن أراد الصلاة أو الطواف بالقبر هناك من مراده! وقد مُنع الناس من الصلاة فيه في عهد الدولة السعودية الأولى وما بعدها, فكأنهم جعلوا لها حكم المقبرة إذ لو كانت مسجداً لما جاز منع الناس من الصلاة فيها, لذا فيغلق وقت الصلاة ويفتح بعدها للمرور والسلام . ( قلت: ولو أزالوه في ذلك الوقت لكان أحتم, ولأغلقوا عن الأمة باب فتنة عظيمة, ولحسموا مادة البدعة في مهدها, فإنا لله وإنا إليه راجعون ) ( التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص:260).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته:
ودعا بأن لا يجعل القبر الذي قد ضمّه وثناً من الأوثان
فأجاب رب العالمين دعـاءه وأحاطــه بثلاثة الجدران
حتى غدت أرجاؤه بدعـائه في عـزة وحماية وصـيان
وفي فتح المجيد: ( ودل الحديث على أن الوثن هو ما يباشره العابد من القبور والتوابيت ونحوها ).
(فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى ص:274 ).
وللتوسع انظر كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى: (27 /325-329).
(19) الذي قاتل الإخوان في الحنو . جعله الملك
حسين أميراً للبدو, وكان محبوباً منهم, كريماً معهم, عالماً بطباعهم وأخبارهم .
(ت:1353)
(20)
"ينبع البحر" أنشأت قلعتها وسورها الدولة الأيوبية لحماية الميناء, بعد
نزول الصليبيين ميناء ينبع في القرن السابع الهجري, أما تاريخ الميناء فبعيد جداً
ولا يعلم بالضبط بداياته .
أما "ينبع النخل" فتاريخها قديم, وجرت فيها غزوتا النبي صلى الله عليه
وسلم؛ بواط والعشيرة . وقد كانت موطن محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن
"النفس الزكية" عند اختفائه من العباسيين. ومن رجالات ينبع النخل: أبو
عزيز؛ مؤسس دولة الطبقة الرابعة من الأشراف حكام مكة؛ ويعرفون بالقتادات . ويسكنها
الأنصار وجهينة وليث .
والآن صار
هناك ينبع ثالثة, هي: "ينبع الصناعية" وقد تأسست بالمرسوم الملكي
بتاريخ: (1395).
(21) قال حثيري الحلحلي العتيبي حفظه الله تعالى: (حضرت الطائف وما
بعدها, وكان عمري في تربة ثمان سنين, ولمّا كنا في ينبع مع خالد بن لؤي إذ
الطّائرة على رؤوسنا تلقي القنابل فصاح فينا خالد: تفرّقوا تحت الشجر, فركضت لأقرب
شجرة فإذا تحتها شبيب بن جميع, فصاح بي: ابتعد عن شجرتي, ولم تلبث تلك الطائرة أن
ولت وأراحنا الله منها).
تقول: ثالثاً: أنّ بعض من كان في المسجد كان يصيح ويستغيث بابن عبّاس من دون الله ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً ) (الإسراء: 56) فثارت ثائرة الموحّدين إنكاراً لهذا الشرك الأكبر البواح, فأنكروا ذلك عليهم بالسّيف لمّا رأوا صاحبه مباح الدّم بشركه ووثنيته .
ردحذفكيف يكون مباح الدم ..... وهو لم يقم عليه الحجة ..
هل دماء المسلمين رخيصة إلى هذا الحد...
وعلى فرض كما تقول سبق السيف العذل ....
هل تمت محاكمتهم...
صدقوا حين قالوا ... التاريخ يكتبه المنتصر.
و انا اخوك الدميجي هذا جالس يكذب و يدلس و يخرف و يبالغ.
حذفالتاريخ هذا كلنا عارفينه و مذبحة الطايف مثبتة و مشهورة و تبريرك لقتل اللي في المسجد يدل إما على جهل بالدين او على كذبك.
منهج إخوان ما طاع الله اللي جالس تسبغ عليهم مالا يستحقونه منهج تكفيري و متخلف و الدليل ان الملك عبدالعزيز قضى عليهم بعد ما استتب له الأمر.
ودي اشوف لك مدونة تتكلم عن خلاف الاخوان مع الملك عبدالعزيز، وقتها بنشوف تسبغ عليهم الخراط اللي جالس تسوق له ولا لأ.
أخي الكريم بارك الله فيك
ردحذفمن بدهيات النقد التاريخي أن نقل الأحداث التاريخية أو توصيفها لا يعني إقرارها ولا الموافقة عليها بحال.
ومحبك يحاول نقل الحدث كما نقل إليه عبر الروايات .
أحسن الله إليك
معروفة ان قوم الصحابي الجليل عبد الله بن اونيس الجهني قبيلة جهينة حاربت الغطط 12 سنه وانتصرت بكل معاركها معاهم وابادتهم وقضي علئ كثير من قوات الغطط الي هم جيش الاخوان ومشهوره عنها
ردحذفقال الله تعالى:(والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤؤوف رحيم)
ردحذفأولا :تلك فتنة سلم الله منها سيوفنا فلنسلم منها ألسنتنا وأيدينا.
ثانيا : وأما ما قام به سيادة الشريف حمزة بن عبدالله الفعر ـ رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ـ فقد ذكر هذه القصة حفيده سيادة الشريف أ/د/حمزة بن حسين بن حمز الفعر الشريف ـ عضو مجلس الشورى وناظر وقف الشريف الجد أبي نمي الثاني ـ عند عرضه لترجمة وسيرة جده سيادة الشريف حمزة بن عبدالله الفعر العبدلي في موقع أشراف الحجاز فلا ينبغي روايتها بصيغة التمريض. والله أعلم وصلى الله على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الغر الميامين.
أخي الكريم تذكربانه لم يكون به مذبحه المذبحه الحقيقه بتربه وليس بطائف ماحصل في هو سلب ونهب للسواق فقط
ردحذفالمذبحه قبل دخول الطائف بتحديد بتربه وذالك الجيش الشريف بقيادة عبدالله بن الحسين والذي كان عدده حوالي خمسه الف منهم اكثر الفين مدرب ونظامي ومن خارج الحجاز ولم ينجو من المذبحه غيرعبدالله وابن عمه زيد بن شاكر اوبن فوازومعه عدد اصابع اليد الذي هربو مع بسواد اليل ويذكر احد الشهودالعيان بان الدم يسيل مع الوادي مثل السيل
وهذا ماسبب ارعب في قلوب الناس في مابعد وسهل اللاخوان دخول الطائف ومكه بدون معارك تذكر
ونقطه أخر بان بعد استسلام جده والمدينه ارسل الامام سعود العرافه ومعه خالد المحاربت عبدالله البيه ومن معه
والحقيقه بان عبدالله بعد فتح جده قد عين في امارة شرق الاردن وصحيح ارسلو المحاربت ابن رفادة
وأرجو ان تعطي الدويش حقه وتذكر بانه القايد العام الاخوان من طاع الله وعدم المحباه مع ابن لؤي وسلطان بن بجاد
وهذا مالاحظة من مذكرته في جميع مدوناتك السابقه
وتقبل منى خالص التقديري واحترامي
أخوكم الراوي / سلطان لافي بن نويهر
أخي الكريم سلطان
ردحذفلعلك أن ترجع لبقية أجزاء السلسلة ففيها جواب ما ذكرت. وجزاك الله خيرًا
الله يوفقك اخوي ويبارك فيك محبك مناحي بن ثنيان الغرمول
ردحذفوإياك أخي مناحي.. وأحبك الله وجزاك خيرًا
ردحذف
ردحذفقال الشيخ ابن تيميه في مجموع الفتاوى( فصل ) ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة فإن الله تعالى قال { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم .
والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين .
واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنهم كفار .
ولهذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم .
وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر الله ورسوله بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم ؟ فلا يحل لأحد من هذه [ ص: 283 ] الطوائف أن تكفر الأخرى ولا تستحل دمها ومالها وإن كانت فيها بدعة محققة فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضا ؟ وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ والغالب أنهم جميعا جهال بحقائق ما يختلفون فيه .
والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض لا تحل إلا بإذن الله ورسوله .
قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في حجة الوداع " { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا } " وقال " { كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه } " .
وقال " { من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله ورسوله } " وقال " { إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه أراد قتل صاحبه } " وقال : " { لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض } " وقال " { إذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما } " وهذه الأحاديث كلها في الصحاح .
وإذا كان المسلم متأولا في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك كما { قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك أن الله قد اطلع [ ص: 284 ] على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ؟ } وهذا في الصحيحين .
وفيهما أيضا : من حديث الإفك : { أن أسيد بن الحضير .
قال لسعد بن عبادة : إنك منافق تجادل عن المنافقين واختصم الفريقان فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهم } .
فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم : إنك منافق ولم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم لا هذا ولا هذا بل شهد للجميع بالجنة .
وكذلك ثبت في الصحيحين عن { أسامة بن زيد أنه قتل رجلا بعد ما قال لا إله إلا الله وعظم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما أخبره وقال يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة : تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ } .
ومع هذا لم يوجب عليه قودا ولا دية ولا كفارة لأنه كان متأولا ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذا .
فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل وصفين ونحوهم وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم وبغي بعضهم على بعض إخوة مؤمنون وأمر بالإصلاح بينهم بالعدل .
ردحذفقال الله تعالى:(والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤؤوف رحيم)
أولا :تلك فتنة سلم الله منها سيوفنا فلنسلم منها ألسنتنا وأيدينا.
قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله فصل ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه
ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة فإن الله تعالى قال )آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير( وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم. إلى ان قال :
فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم فلا يحل لإحدى هذه الطوائف أن تكفر الأخرى ولا تستحل دمها ومالها وإن كانت فيها بدعة محققة فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ.
والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه.
والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض لا تحل إلا بإذن الله ورسوله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في حجة الوداع " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " وقال صلى الله عليه وسلم " كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه " وقال صلى الله عليه وسلم " من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله ورسوله " وقال " إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار " قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال " أنه أراد قتل صاحبه " وقال " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " وقال " إذا قال المسلم لأخيه لا كافر فقد باء بها أحدهما " وهذه الأحاديث كلها في الصحاح.
أما عن التصوف فمما قاله الشيخ ابن تيمية : ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنزع فيه تنازع الناس في طريقهم؛ فطائفة ذمت " الصوفية والتصوف " . وقالوا : إنهم مبتدعون، خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام .
وطائفة غلت فيهم، وادعوا أنهم أفضل الخلق، وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم .
و " الصواب " أنهم مجتهدون في طاعة اللّه، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة اللّه، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب .
ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه .
وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم : كالحلاج مثلا؛ فإن أكثر مشائخ الطريق أنكروه، وأخرجوه عن الطريق . مثل : الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره . كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي؛ في " طبقات الصوفية " وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد " انتهى
هكذا نرى شيخ الإسلام ابن تيمية يفصل القول في الصوفية ولا يحكم عليهم جميعا بحكم واحد.
قال الله تعالى:(والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤؤوف رحيم)
ردحذف