صفحة مطوية من تاريخ الجزيرة العربية
(الجزء التاسع وهو الأخير)
"وللإخوان حُسَّادٌ وَأَعْدَاءُ,...وَمُنْصِفُونَ, وَمُحِبُّونَ"
(الجزء التاسع وهو الأخير)
"وللإخوان حُسَّادٌ وَأَعْدَاءُ,...وَمُنْصِفُونَ, وَمُحِبُّونَ"
الحمد لله الملِك المجيد, المبدئ المعيد, الفعّال لما يريد, لا إله إلا هو الولي الحميد, وأشهد أن نبينا محمد عبدالله ورسوله وخليله وكليمه وكريمه, خير المرسلين, وقائد الغر المحجلين, وإمام أولياء الله الأولين والآخرين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وبعد:
لا شكّ أنّ حركة بهذا الحجم والزَّخَمِ, والقَدْرِ من الأعداء, والقدرةِ بإذن الله على تغيير دَفَّةِ سفينة الأحداث, وتعديل بوصلتها للجهة الحقّ الّتي ألحد عنها أهل الباطل بعد أن ضجّت الأرض من بغيهم وتبرّمت السماء من عصيانهم . لذا فلا غرو ولا عجب من التفات كثير من النّاس إليها متعجِّبِين مُعْجَبِين مذهولين, بين مُحِبٍّ راضٍ شاكرٍ, وآخرَ مكلومٍ حاقدٍ سافرٍ, وكلٌّ ينهل من نهجه ويكرع في خبيئته, ويسطّر شهادته للزّمان, فهذا يُدَوِّنُ في أضابير التّاريخ ما يراه الحقّ والوفاء, قُرباناً لربّه, وذاك يكتبه قرباناً لغيظه, علّه يشفى وأنّى له, لَاهُمَّ إلّا من بعض من صَفَتْ نيّاتُهُم, وطلبوا الحق فتاهوا عن إدراكه, إذ أُخِذُوا بزلّات من سبقهم . وكم من مريد للخير لم يبلغه, عفا الله عنا وعنهم, فلقد بذلوا بعض جهدهم, وليتهم أتمّوا ذلك بحسن الظنّ وبذل المزيد من البحث, ومراعاة المحاسن وصفّها إلى جنب المثالب, ولأن تخطئ في العفو خير من أن تخطئ في العقوبة .
ولمّا كانت الآلة الإعلاميّة في ذلك الوقت ليست لعبد العزيز وإخوانه, بل لمخالفيهم من أهل البدعة والخرافة أو الصّليب, فلا غرو أن يُمسخ تاريخهم الحافل بالكرامة الربانيّة إلى مسخ مشوّهٍ من الجريمة, والقتل للقتل, والتعصّب والجهل! حتّى صيّروا خلفيّات سامعي صدى الماضي صورة نمطيةً بشعة! وما ذنبهم إلّا أنّهم أزاحوا الضَّلال وأزالوه من عرشه! وهتكوا ستر الباطل وأحرقوه وعجّلوا رمسه! .
وحروفنا هذه ليست لأجل الدفاع عنهم, فهم قد نزلوا الدّار الآخرة عند مليك برٍّ رحيمٍ, فهم في غنىً عن تسويد الصّفحات ونثر المداد لهم, لكن يعزّ علينا تشويه التّاريخ, وظلم الأجيال بدسائس الزّور والبهتان, بتعميم أخطاء أفرادهم على مجموعهم. وربنا جلّ وعزّ فطرنا وأمرنا بالقسط: "وإذا قلتم فاعدلوا" (الأنعام: 152 ) "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" (النحل: 90) .
فالمقصد هو ذِكر التّاريخ كما هو, غضّاً ليّناً طرياً, من أفواه من عاشه ورآه وسمعه من الإخوان أنفسهم(1) أو من أبنائهم الّذين أدركوا بعضه وسمعوا الآخر من آبائهم, أو ممن كتب عنهم(2) وكذلك ردّ الشّبهات الّتي علّقت بهم, أو الأكاذيب الّتي لُطخ بها ناصع مجدهم, وَوُصم بها عظيم حقّهم وفضلهم, حتّى صار الحقّ باطلاً, والمعروف منكراً, والصّالح مجرماً, والفاسق وليّاً, وعُيّرَ الطّائيُّ بالبخل, وقسٌّ بالفهاهة, والشمس بالكسوف, والبدر بالحؤول!.
ومقصود الإخوان وغرضهم قد أدركوه, ولا نزكيهم على الله, فهم في ظاهر الحال شُرَاةٌ لمرضاةِ ربّهم تعالى وتقدّس, قد قدّموا أرواحهم على أيديهم النحيلة المتوضّئة, بنفوس تقيّة, وقلوب بيضاء رضيّة, وهمم باذخة عليّة, وعزمات سابقة باهرة, يسوقها عظيم الرجاء بالخلود الأبديّ في جوار البرّ الرّحيم . فهم لم ينتظروا منّا جزاءً ولا شكوراً, بل ولا تأريخاً ولا مدحاً, إنمّا سلّمُونا الأمانة العظمى وهي هذه الرّسالة المُعَنْوَنَةُ بـ" الدّعوة السّلفيّة " الّتي هي مَحْضُ توحيدِ المرسلين, ولُبابُ القرآنِ المجيدِ الكريمِ, وبرهان محبة خاتم الأنبياء والمرسلين؛ بتقديم سنته وأمره ونهيه وفعله وقوله وإقراره وسلمه وحربه وجميع شأنه على كل من سواه من العالمين. نسأل الله تعالى أن يُحْيِيَنَا وأن يُمِيْتَنا على تحقيقه, إنّه سميع قريب مجيب .
وليس من نافلة الحديث أن نَرُدَّ عَبَثَ من زعم أن حركة الإخوان المسلمين في مصر تعد امتداداً لهؤلاء, فهذا الزعم لا يعضده برهان, ولا تسنده حجة, ولا تسعده الوثائق والأحداث, فهؤلاء الإخوان الذين ذكرناهم ليس لهم ارتباط مكاني ولا زماني ولا منهجي بتلك الحركة, بل ليس لهم تنظيم ولا تحزّب ولا ترتيب ولا عضويات ونحو ذلك من أساسات جماعة إخوان حسن البنا _رحمه الله تعالى_ والأمر الأوضح من ذلك؛ أن أعظم مظهر لهؤلاء الإخوان هو أصل الولاء والبراء, فكانوا لا يزايدون عليه بالدنيا وما عليها, بل ربما زاد بعضهم من هذا الأصل فوقع في بعض التصرفات الموصوفة بالغلوّ والانفعالية وتحجير الواسع, بينما نرى عند جماعة الإخوان بمصر أنّ هذا الأصل _ بكل أسف _ قد صُيِّرَ هشّاً رخواً, وجداراً قصيراً, يجتازه من أراد القفز أو الالتفاف أو المراوغة, ولا يجد أمامه من يرده عن ذاك الحمى, ولا من يمنعه من تلك الجريمة, إلى غير تلك الدلائل الواضحة على بطلان ذلك الزعم .
لذلك نقول: إن أعظم هدف عند الإخوان السعوديين هو إقامة التوحيد الخالص في نفوس الناس, برفع عَلَمِ الجهاد في سبيل الله باللسان والسنان, أمّا جماعة الإخوان في مصر وغيرها فنرى الهدف المعلن هو إقامة الحاكمية لله تعالى على رأس هرم الدولة(3) ولو كان ثمن ذلك هو تقديم قرابين من تمييع الدين, وطعن الولاء والبراء في الخاصرة, وتغبيش صفاء راية التوحيد! لذا فقد انضم لجماعتهم الخرافي الصوفي القبوري, والرافضي الوثني, اللذان لو رآهما إخوان من أطاع الله لطهّراهما سبعاً والثامنة بالتراب, فان تاب ووحّد وأناب, وإلا أطاروا رأسه ووسدوه التراب .
ولا إخالنا بعد تلك المقارنة إلا أن نتمثل بقول القائل:
أيا منكحاً سهيل الثـريا هداك الله كيف يجتمعان
هي شاميّة إذا ما استقلت وسهيل إذا ما استقل يمان
ولا يعني هذا أن جماعة إخوان مصر وما تفرع منها ليس فيهم خير!_ معاذ الله_ بل نقول بثقة: إن فيهم خيراً وفضلاً ودعوةً وجهاداً, ولكن ليتهم يبطلون بالقول والفعل شعارهم المنكر: (نجتمع فيما اتفقنا عليه, ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه!) بـ ( نجتمع على التوحيد والعقيدة المرضيّة, والسنة النبوية, ويعذر بعضنا بعضا في المسائل الاجتهادية, التي ساغ الخلاف فيها في الشريعة المحمديّة ) ويبدأون بإصلاح القاعدة والأساس وهم عامة الناس, حتى تصلح الأمة, فيولّي الله عليها خيارَها, وتقوم الحاكمية لله تعالى: "وكذلك نولّي بعض الظالمين بعضاً" (الأنعام: 129) وكل من لم يجعل طريقة المرسلين في البدء بالتوحيد أساساً لطريقته؛ فقد غشّ نفسه وأتباعه, وإنك لا تجني من الشوك العنب . "وأتوا البيوت من أبوابها" (البقرة: 139) فكل الأنبياء والمرسلين بدأوا دعوتهم بالتوحيد والنهي عن الشرك "يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" (الأعراف: 59 , 65 , 73 , 85 ) (هود: 50 , 61 , 84 ) (المؤمنون: 23).
شاهد المقال: أَنْ ليس هناك وجه وعلاقة بين الحركتين سِوَى الاسم والجهاد وسبب هذا _ والله أعلم _ هو الصّيت والزّخم بطرفيه الذام والمادح الذي عمّ أقطار المسلمين, ولعلّه ما حدا بالشيخ حسن البنا رحمه الله تعالى, وهو تلميذ الشيخين؛ محمد رشيد رضا (4) ومحب الدين الخطيب (5) رحمهما الله تعالى الذين كانا معجبين بتلك الحركة ونقائها وصفائها وجهادها, فأخذ الشيخ حسن ذلك المسمّى فقط وإيقاعه الجهادي, أمّا أن يقال بأنها امتداد وتنظيم أو اتفاق فكلّا .
أمّا من جعلهم امتداداً لجماعة التبليغ والدعوة, فيكفي أن نرد باطله بقولنا: إنّ هذه الجماعة _للأسف_ ليس من أصول دعوتهم إنكار المنكر باللسان أصلاً! دعك من جهاد المنكر بالسيف والسنان, والأدهى من ذلك أنّ التوحيد الذي قامت عليه الملّة, وهو لباب دعوة المرسلين؛ لم يجعلوه من أولوياتهم, ولم يشفوا لَبَانَةَ تابعيهم بتأصيله, بل قد جعلوه خلف الدعوة لحسن الأخلاق ورقائق القلوب! على أهمية ذلك, لكن الأسوة الحسنة صلوات الله وسلامه عليه, قد حسم الأمر بأن قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: ( فليكن أَوّل ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى)(6) فكلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة, وإن اجتمعا للأمة فواها! نعم فيهم تألُّهٌ وتضحيةٌ وحسنُ خلق, ولكن شوهت دعوتهم البدع! هدانا الله وإياهم والمسلمين الصراط المستقيم.
إذن فلا مقارنة بين أولويات دعوة المرسلين وأَتْبَاعِهم بإحسان, وبين من تنكب نهجهم, واستبدل سننهم. فمن يساوي الدر بالحصى! والسيف بالعصا!: "وما يستوي الأعمى والبصير . ولا الظلمات ولا النور . ولا الظل ولا الحرور . وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور" (فاطر: 19_22) .
وكما قيل: في زمن الغربة ووقت الشدائد يختار القلّة سلامة المنهج, ويختار الأكثر منهج السلامة! وعند الصباح يحمد القوم السُّرى .
وقد نُقِل عن محدث العصر الإمام الألباني رحمه الله مبيناً حال الكثير من الدعاة وناصحاً لهم: لو اجتمع للدعاة حسن خلق جماعة التبليغ ورفقهم, مع حسن تنظيم جماعة الإخوان واهتمامهم بخدمة الناس, مع منهج من ينتسب لطريقة السلف وسلامتهم من البدع لصلح الناس. وعلى كلٍّ فالأولويات لابد من مراعاتها؛ فلا بد من البدء بدعوة التوحيد وتعظيم السنن ومحاربة البدع, مع حسن الخلق والرفق بالناس, وإحسان العبادة, وجودة العمل وتنظيمه, وابتغاء وجه ربنا الأعلى بالدعوة إليه, وكلّ شيء لغير الله يضمحل.
وبالجملة؛ فعلى الناصح لنفسه وأمته أن يُعنى بفقه الأولويات, وبماذا يبدأ؟ وماذا يقدم؟ وماذا يؤخر؟ وأن يتّبع ولا يبتدع فقد كُفِي, فدين الله سام شامل, وباسق كامل "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" (المائدة: 3) ويعرفُ قدر هذه الآية من قرأها وفي ذهنه من حُرموا ثمرتها من أهل الملل والنحل, حتى يرى عظيم نعمة الله تعالى عليه بخلقه أولاً, ثم بتخصيصيه بالإنسانية من سائر المخلوقات, ثم بتخصيصه بأن يكون من خير أمة أخرجت للناس, وبأن يُخاطَبَ بأعظم كتاب نزل, وبأن يوفق لاتّباع أعظم نبي بعث.....فما أعظم نعم الله علينا, وأقل شكرنا له!.
وعلى الداعي إلى الله تعالى, أن يقدم مراضي الله على ما سواه, كالسلطان ومن تحسّى مرقة السلطان أحرقت شفتاه ولو بعد حين! وكالعامة والجمهور وصولتهم ورهبتهم ورغبتهم أحياناً أشد من السلطان, وما أخفى ضحاياهم في عباءات الاحتساب! فيرائي العامة بذم السلطان, وكلا طرفي قصد الأمور ذميم, وكحظوظ النفس الأمارة الجلية التي تُودي به حتى ببيع رسالته جهاراً, والخفية الأخفى من دبيب النمل, والنفسُ تملي وتتمنى, وتزيّن وتسوّل, وتبدل وتتأول...والعقل واعظ ناصح, والقلب بينهما حرون متقلب, حتى يطمئن في فردوس الإيمان, والمعافى من عافاه الله, والسعيد من وفقه الله.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الدعوة السلفية, وإن زاد بعضهم عبارة النجدية؛ فمرادهم التنويه بدور الإمام وتلاميذه وأمرائهم في نشر الدعوة المحمدية النبوية وتجديدها ليس إلّا.
لذلك فالسلفية ليست خاصة بقطر دون آخر, ولا بإقليم دون غيره, فلا نجْد ولا غيرها لها اختصاص بذلك, وليس هناك بقعة أفضل من الحرمين, اللذين شعّ منهما نور الهدى وضياء الإسلام, وحقائق القرآن والإيمان, والأرض لا تقدّس أحداً, ولكن يقدس الرجلَ عملُه, كما قاله سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما. ومن كان مخلصاً الدين للرحمن, متبعاً في شأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, سالماً من شوائب البدع, وأخلاط الخرافات, فهو سلفي صميم, وسنّي مستقيم, حتى وإن انتسب جهلاً لطائفة بدعة, أو شيخ ضلالة, فالعبرة بالحقائق والمعاني, لا الصور والمباني, مع تحريم الانتساب لبدعة أو مبتدع إطلاقاً . كما أن مجرد الانتساب لها لا يعني صدق الاتباع مالم يحقق ذلك بقلبه وقوله وفعله.
لذا فمن طعن في أهل نجد لأجل دنياهم ودنياه, فأمره مختلف تماماً عمن طعن فيهم بقصد التوصل إلى طعن رسالتهم الإصلاحية السلفية, كما كان السلف يطعنون في من ذم بعض الأئمة الذين علت قاماتهم في الدين والعلم, لأن التوصل لطعنهم وهتك حرمتهم عند العامة يفضي إلى الطعن في علمهم وديانتهم وحرمان الأمة من الانتفاع بهم, كما كان يحيى بن معين يقول _فيما يرويه عنه الذهبي في السير_:" إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة وحماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام". رحمهم الله (7).
وبحمد الله فهذه الدعوة الإصلاحية السلفية قد عمّ نفعها أركان العالم الإسلامي بجهاته الأربع, ومن غاص في تتبع أحوال العامة أو الحركات الإصلاحية والجهادية في القرون المتأخرة وجد أن للدعوة الإصلاحية حضور ورواج واضح فيها, باستلهام نهجها أو بعضه علمياً أو عملياً, وبعضها أقرب إليها من بعض, وقد تفطنت لذلك دوائر الرصد الصليبية والصهيونية, فرمت هذه الدعوة عن قوس واحدة, وطعنتها برمح واحد, وسلّطت عليها المسلمين قبل الكفّار, بشبهة علم أو شهوة طمع, فتكسرت على صدرها النصال فوق النصال, ولولا أنها حقّ ومحفوظة من الله ما بقيت لها بقية منذ قرون, والله غالب على أمره.
هذا وقد كتب الشيخ المؤرّخ محمد جلال كشك في كتابه: "السعوديون والحلّ الإسلامي" فصولاً نفيسة عن الإخوان, بيّنت مدى عِزّةِ المسلم الرّفيع على الكافر الوضيع, واستعلاء المؤمن بدينه على الأرجاس الأنجاس من معتنقي ملل الكفر, ونحل الوثنية, وَضَرَبَ لذلك أمثلةً أسوق بعضها مكتفياً بذكر معاملة الإخوان مع أحد أولائك وهو "فلبي" الّذي زعم أنه قد أسلم وتسمّى بعبد الله, لكنّه فضح كذبه لمّا عاد لموطنه, مع أنّ فلبي هذا كان هو ممثّل الإمبراطوريّة العظمى للتّاج البريطاني على بلاط الإمام عبد العزيز, وهو الّذي كان يُسلّم الإعانة الشهرية من حكومته. مع ذلك فقد أذاقه الإخوان ذلّ الكافرين على أيدي المؤمنين, فتارة يتناقشون في مجلسه عن حكم السّلام على من يتعاون معه من موظّفي الحكومة, أمّا حكم السّلام على الكافر فقد فرغوا منه .
وذات مرّة لمّا مرض, وكان برفقته أحد الإخوان في سَفَرِهِ بتكليف من قبل الإمام, قال فلبي: فما سلّم علي, ولا ردّ السّلام, ولا بشّ في وجهي, ولمّا مرضت قلت له: إنّي مريض يا نوار . فالتفت عنّي وقال: والحمد لله .
وقد كان ذلك في الوقت الذي يفتخر فيه أحد الحكّام العرب, أنّ المعتمد البريطاني _وهو قرين فلبي_ قد أصلح له عباءته ذات مرّة! ولو فعلها فلبي لنوار لغسل نوار عباءته سبع مرات, والمرء حيث يضع نفسه .
لقد كان الإخوان يعاملونه كمجذوم بني إسرائيل: لا مساس, بل ربّما دخلوا عليه خيمته ونهروا مرافقه وقالوا: لماذا تأتي بالكافر عندنا؟ فيجيبهم صاحبهم: اذكروا الله, فيخرجون غضاباً قائلين: لا إله إلّا الله .
وقال له أحدهم: أُشْهِدُ الله على بغضك .
والآخر كان يغطّي عينيه حتّى لا يرى ذلك الكافر(8).
ولمّا دخل أحدهم خيمة فلبي, وتحدّث مع مرافقه وخرج, عنّفَهُ الإخوان, وقالوا: كيف تدخل خيمة الكافر؟ فلم يجد كفّارة يكفّر بها خطيئته إلّا أن استدار وبصق في اتّجاه فلبي .
وليس هذا من عامّتِهم فقط, بل هذا سلوك عقديّ قد ارتضعوه من علمائهم, ولمّا سلّم حافظ وهبة على فلبي, ودعاه لمائدته, وكان عنده الشّيخ العلاّمة عبد الله بن حسن, فنهره الشّيخ وقال: أعوذ بالله, أتقوم للنّصراني وتصافحه وتهشّ في وجهه وتدعوه للأكل معنا! وكلُّ هذا وفلبي يسمع, ثمّ لم يملك إلّا أن خرج ذليلاً صاغراً . "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين" (المنافقون: 8) .
"منهج الإخوان"
كانوا يحاولون انتهاج نهج الصّحابة في أمورهم قدر طاقتهم, ولا نزكيهم على الله, ونبرأ إليه مما فعله بعض أفرادهم من أمور, فهم يحبّون أن يتشبّهوا بالصّحابة في كلّ شي, حتّى أنّهم لبِسوا المعمّ وهو عمامة العرب الأولى تشبّهاً بالصّحابة, لدرجة أن تشدَّدُوا فيها حتّى صار عند بعضهم ولاءٌ وبراءٌ عليها, حتّى نهاهم العلماء عن ذلك, وأخبروهم أنّها ليست بسنّةٍ أصلاً, إنما هي من العادات لا العبادات, وبعض رسائل العلماء في نهيهم لهم مذكورة في الدّرر السّنيّة, والشّاهد من ذلك بيان حرصهم على التأسّي بالصحابة في سمتهم وهيئتهم وعبادتهم وأعمالهم, رضي الله عن الصّحابة, ورحم الله الإخوان .
من منهجهم؛ أنّهم كانوا لا يقتلون الأطفال والنّساء والهرم, وعلماؤهم يشددون عليهم في ذلك, وترقُلُ على ميمنتهم وميسرتهم ناقتان عليهما من يذكرهم بآداب الجهاد في الإسلام أثناء سيرهم, وكلّ ما قيل بخلاف ذلك فهو زور وبهتان, خلا بعض الحوادث الفردية المردودة على فاعلها ومرتكبها, فقد كان الإخوان يتحرّزون من قتل أولئك ويشدّدون النّكير على فاعله .
هموا معشر الإخوان دام سرورهم ولا ســرّ من يرميهمُ بالمعائب
لهم أسوة في فعل صحب نبيهـم وهمـتهم مصـروفة في العواقب
"عِلْمُ الإخوان"
كانوا حريصين على تعلّم العلم وحفظ القرآن, ومن الأمور المعتادة في زمنهم أن ترى أحدهم بين الأذان والإقامة, أو بعد أذكار الصلاة, أو في نخله, أو عند ماشيته, وهو يصدح ويرفع صوته مراجعاً حفظه لقصار السور, أو الأصول الثّلاثة للإمام المجدّد .
وكانوا في جملتهم وقّافين عند فتاوى العلماء إلّا ما شذ منهم خاصة بعد فتنة الانشقاق, فارّين من الجهل بكلّ ما أوتوا من طاقة, قصدوا العلم وطلبوا مظانّه .
وكان العلماء والدعاة والوعاظ "المطاوعة" يحرصون على تعليمهم وتحفيظهم الأصول الثّلاثة, فيحفّظون أهل الهجر والبادية الأصول, ويدقّقون في حفظهم لها, ويسألونهم: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيّك؟ حتّى أنّ بعض البادية ربّما هرب من تشديد الدّعاة في الحفظ والتّسميع والتربية .
وكانوا سبّاقين للخيرات, مُتنافسين على الطّاعات, مُسارعين للقُرُبَات, ومن أقوالهم في ذلك والحثّ عليه:
أحد قدّم في الخير واحد توخر وأحد يقيّس مرقده في الظلالي
"عبادة الإخوان"
قوم لقد آمنوا بالله خالقـــهم وهـــاجروا ووقوا إثماً وعدوانا
وجاهدوا في سبيل الله بل صبـروا وصــابروا لذوي الإشراك أزمانا
تعلم العـلم في الإصباح همـهم وينقـضــي ليلهم ذكراً وقرآنا
وجامع الأمرين تطلب لوصفـهم نهارهم أُسُــد وفي الليل رهبانا
كثيروا التلاوة للقرآن ولو من ما حفظوه من قصار السور, وغزيروا التسبيح والاستغفار والذّكر, إذا أقبل الليل وجاء وقت الأصيل لزموا المساجد للذّكر والتسبيح والتهليل, وإذا أقبل السّحر لبّوا نداء القيام والوتر والدّعاء والضّراعة, وصفّوا أقدامهم للقيام وراوحوا بينها وبين الجِباه, لصدورهم أنين, ولعيونهم دموع, ولبيوتهم دويّ كدويّ النحل من القرآن والبكاء والدّعاء, كسرت الدعوة وحرارة الإيمان جفاء باديتهم وشدة طبعهم, فنصعت معادن العرب الأول, وانقادوا للقرآن فتضوع المسك الأذفر, وخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا, كانوا يشبِّهون سَفِر بن محسّن بالوتد لطول صلاته بالليل, كذلك ناصر الحارث, وبجاد بن ثامر, وسلطان بن بجاد (9) في آخرين كُثُر من الإخوان, رحمهم الرحيم الرّحمن .
يتحلقون حول من يقرأ عليهم مجموعة التوحيد أو مجموعة الحديث ولهم نشيج ونهيج .
قال أحدهم: دخلت المسجد قبل غيبوبة الشمس فعددت فيه اثني عشر صفاً قد سبقوني, ولهم همهمة بالتسبيح والابتهال والذكر .
قد هَدَمَ التديّن إِحَنَ الجاهليّة بينهم, فيرى الرجلُ قاتلَ والدِهِ في الجاهليّة فيسلّم عليه, ولا يذكره بشرّ لا بلسانه ولا يده .
كانوا ينهرون من اعتزى بعزاء الجاهليّة, أو من انتخى بغير الدين, فأبدلوا ( أخو فلانة, وخيال فلانة, ويا آل فلان....) بصبي التوحيد, وخيّال التوحيد, وأهل التوحيد, وأنا أخو من أطاع الله, وكبر وهلّل, فإن استحرّ القتال وحمي وطيسه؛ قالوا: إياك نعبد وإياك نستعين .
شعار حالهم مع مولاهم كما قال أبو فراس:
فليتك تحلوا والحـياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العـالمين خـراب
إذا صح منك الود فالكلّ هيّن وكل الذي فوق التراب تراب
زَهِدُوا في حطام الدّنيا فأعطوها حقّها من الصّغار والزّهد, وَرَعُهُم عميقٌ دقيقٌ, آمرون بالمعروف قدر الطّاقة, ناهون عن المنكر بجلاد الكفّار بالسّيف, وبجلد العصاة بالعصيّ أطْراً, إن لم ينتهوا عن منكرهم, معظّمون لشعيرة صلاة الجماعة, ويتفقّدون النّاس بأسمائهم بعد الفجر متأوّلين حديث: ( أَشَهِدَ فلان؟ أشهد فلان؟ ) (10) ومن تخلّف عن صلاة الجماعة؛ أحرقوا عمامته أو جلدوه, حتّى ولو كان أميرهم .
خرج سيف بن فرجان من الهجرة, هجرة خالد, مع مغيب الشمس ذاهباً إلى حوقان فمرّ على طريقه بناحية تسمى "الرّقبة" ومؤذنهم يؤذن, فنادوه وقالوا: لن تدرك المغرب في حوقان فصلّ معنا . لكنّه تركهم وقال: سأدركهم إن شاء الله, وذهب لحوقان مُجِدّاً سيره, ولمّا وصل لحوقان (11) إذ الشّيخ عبد الرحمن الرشيد خارجٌ من بيته ليصلّي بالنّاس, فتعمّد المرورَ بجانبه والسّلامَ عليه, وتمسيتِهِ بالخير ليثبِّت نفسَهُ بشهادة شيخه . ثمّ صلّى معهم, ولمّا أصبح الصّبح دعاه داعي الإخوان . فقال له الشّيخ: مررت بأهل الرّقبة وقت الأذان ولم تصل؟ فقال: الحمد لله لحقت الصّلاة مع أهل حوقان, واسألوا مطوَّعَنَا ابن رشيد, فسألوا الشّيخ فصدّقه فنجا ظهره من العصا .
وعبد الله بن حامد كان يقول وهو في طريقه لمعركة تربة: الّلهم اجعل قتلنا مقبلين غير مدبرين, فأصابته الرّصاصة مع نحره رحمه الله .
وانظر إلى صفاء فطرتهم, ونقاء ديانتهم, وصدق توكّلهم, وهم ينظرون للطّائرة الّتي تلقي القنابل, فيقول أحدهم لإخوانه: يا إخوان هذه الطّائرة التي أخافتكم هل هي فَوْقَ اللهِ؟ أمِ اللهُ فَوْقَهَا؟ قالوا: بل اللهُ فوقَها . قال: فتوكّلوا على الله وارموها, فرموها فزلزلوها وأنزلوها كالطّير الكسير, وما يدٌ إلّا يَدُ اللهِ فَوقَهَا.
وما الخوفُ إلا ما تخوّفه الفتى وما الأمنُ إلا ما عدّه الفتى أمناً
وفي معركة حائل, وأثناء الحصار؛ كانت مجموعة قليلة من الإخوان تحاصر قلعة حصينة, وزاد من حصانتها أنها كانت في أعلى جبل, فصلى الإخوان صلاة العشاء تحت ذلك الجبل فلما قرأ الإمام: (ولا الضالين ) جهر المأمومين بالتأمين, فردد الجبل صدى صوتهم, فألقى الله الفزع في قلوب أهل القلعة, فلم يلبثوا أن أدلوا حبلاً لهم ونزلوا منه واحداً بعد واحد, حتى نزلوا جميعاً وأخلوا القلعة, وهربوا لأميرهم محمد الطلال الرشيد, الذي غضب وهم بقتلهم بسبب تسليمهم القلعة بلا سبب, وليس لهم عذر سوى أنهم خافوا لمّا سمعوا التأمين . وكان في المجلس محمد العوني؛ وهو من مستشاري الأمير ومن خاصته, فقال محاولاً إطفاء غضب الأمير وكشف كربة المآمير: يا طويل العمر قد كنت أسمع عن قصة تروى ولم أصدقها حتى هذا اليوم, فإنهم يقولون: إن الفأرة إذا كانت في سقف المنزل, وزمجر تحتها القط في الأرض؛ فإنّها تسقط عليه من السقف! فاليوم رأيت مصداق هذه القصة_ أي مثالها مع الفارق_ فضحك الأمير ثم عفا عنهم (12).
قال هذّال الغزيلي: والله لقد رأيت رجلاً من الإخوان أسود الّلون متقلّداً مصحفه, ويركض أمام المكائن والرشّاشات, ويرمي العدوّ, فإن رأى فسحة من الوقت وهدأ الرمي جلس ونشر مصحفه وقرأ . وكان ابن باز رحمه الله يحبّ الإخوان وسيرتهم, ويفرح بقدوم من يخبره بأخبارهم, خاصّة إن كان هذّال الغزيلي, فإذا دخل عليه هذّال أدناه وحنا رأسه ولهج بدعوات مقرونة بدمعات, وهو يسمع ما يُثلج صدره, ويُظهر بِشْرَه, من أخبار تلك الكوكبة النّفيسة, من العبّاد الفرسان, من الّذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه, نحسبهم والله حسيبنا وحسيبهم, ولا نزكّي على الله أحداً .
وتأمّل حسن ظنهم بالله, حيث كانوا يقولون: والله ليبعثنّ الله جراداً الصّميلي على حصانه . لمّا استشهد وهو مقبل على العدوّ .
والآخر كان يَعْرِضُ في حوقان قبل المعركة, أي يرقص رقصة الحرب بالأصول الثلاثة, فلله درهم .
وانظر إلى أشعارهم الحماسيّة التي مضت(13) وكقولهم:
ماذكر في الكتاب والســنّة كــــود تسبيلة قدام
وينك ياللي تريد الجـــنة التزم ذروة الســــنام
أو أبياتهم الأخرى:
يالنشـاما مـابه الا الله ودعوا ذا النفـس واليها
ربع سـاعة في سبيل الله تازن الدنـــيا ومافيها
وقول الآخر:
لبسوا معم جديد هبل الأكفان تبايحوا والكل منهم كاتب دينه
كذلك:
تنادبوا هل التوحــيد وسبلوا تســـالموا وكل قال مباح
كل كتب دينه ولبس احـرامه وقال امشوا هذي حجة الأرواح
كذلك:
بانت البينة والديـن دين الله ما نطاوع هل الردات والجافي
كذلك:
ذا يوم الحجـة ذا يوم العـيد
فتح باب الجـنة يا هل التوحـيد
كذلك:
يوم المكـاين دندنت ما جنبوا نادى المنادي يا هل التوحيد
كذلك:
عقـب اللي يوم يجرون المدافع ما حمى في دين رب العالمين
كذلك:
مانبي منــك ياعباد الاصنام كود تقرا الكتاب وتتبع السنة
كذلك:
هـبت هبوب الجـــنة ويـن أنت يا باغـــيها
كذلك:
من تدبر تالي الأنفــــال جـــانا قدام يجيه داعينا
كذلك:
نحمـد اللي جمع كل الشفوف نصرة الدين طار بها الخبر
كذلك:
بانت البينة والــدين دين الله ما مشينا في دين الرب كذابة
ياسلامي على كل من طاع الله واتـبع ملة إبراهيم واصحابه
كذلك:
استعنا بالإله المعـــــتلي يوم النصارى تعتزي بجنودها
كذلك:
من بغى الناموس لا يطري المنية من وفى أجله مات لو كان متعافي
ويروى عن أحد الإخوان, أنّه وقف على رجل آخر من الإخوان والبندقية في يده, وكان الأخير قد قتل والد الأول في جاهليتهم, فنظر إليه ثم قال: والله لولا الإسلام لكان لي ولك شأن! .
وإذا كانت النفـوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
وهذا سعد آل مفرج كان صائماً نهار إحدى المعارك فقال له أخوه سليم: يا سعد أفطر أنت تخدم أصحابك والفطر أقوى لك . فقال: اسكت عني يا سليم إنّي أرجو أن أفطر مع الحور العين, واستشهد قبل مغيب الشمس . رحمه الله(14).
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفســي حياة مثل أن أتقدّما
أمّا محسن بن خالد بن لؤي فاستشهد في نفس اليوم وهو على حصانه "كحيلان" وهو ينشد أبيات ابن رواحة رضي الله عنه:
يا نفس مالك تكرهين الجنّة هل أنت إلاّ نطفة في شنّة
وذاك هزاع بن محمد الحارث يقول يوم الحنو: الّلهم إن كانت المنيّة قريبة فاجعلها اليوم فاستُشهد في تلك المعركة رحمه الله .
نُهِيْنُ النّفُوسَ وَهَونُ النُّفُوسِ يَومَ الكَـــرَيْهَةِ أَوْقَى لَهَا
يروى عن علي الناقول رحمه الله تعالى وكان من كبار الإخوان, قال: قتل واحد من الإخوان, وكان بيني وبينه صلة ومحبة خاصة, فلمّا دفنّاه في قبره, ونمت تلك الليلة وأنا محزون عليه, فرأيته في المنام فقلت: ما حالك؟ فقال: والله إن أتلى علمي بالشر (15) منذ أن دفنتموني! وهذا يصدقه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "مستريح ومستراح منه" (16) فالمؤمن يستريح من نصب الدنيا وعنائها, والفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب . وهذا عبد الهادي المقاطي من الغطغط في يوم جبّار, يرفع صوته بالتّكبير في بداية المعركة ويقول: لا إله إلّا الله, بيعة يا إخوان بيعة, فتقدّم الصّفوف, وباع نفسه لربّه, حتّى ألهبه الرّصاص وزفّه للشهادة ولا نزكيه على الله (17).
على مثل ليلى يقتـل المرء نفـسه وإن كان من ليلى على الهجر طاويا
أمّا إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان فإنّ جامع هجرة خالد, كان يمتلئُ من الإخوان المعتكفين, قال من رآهم: كانت خيامهم من ركن المسجد إلى ركنه الآخر, مليئةٌ بالعبّاد الصائمين المصلّين الذّاكرين . لقد كان الإخوان رحمهم الله تعالى, على اختلاف ألوانهم وقبائلهم وأوطانهم, يحنّون إلى الجنة حنين الأمهات إلى أولادها, والإبل إلى أعطانها, بل أعظم, فما كانوا يسمعون بغزوة إلا تسارعوا للخروج فيها "يرجون تجارة لن تبور" (فاطر: 29).
وما كنتُ ممن يدخل العشق قلبه ولكنّ مَن يُبصرْ لِحَاظكِ يعشق
فيُروى أنّ أحدهم كان له عامل فأخذ يوصيه بأمور تخص النخل ورعايته, فقال العامل: وأنت إلى أين تذهب؟ فقال: أريد الذهاب مع الإخوان أرغب فيما عند الله . فقال: وأنا كذلك أريد ما عند الله, فخرج الإثنان إلى معركة "الحنو" ولم يعودا إلى نخلهم . ونرجو إن شاء الله تعالى؛ أنّهما من الحنو إلى الجنّة مباشرة . ولا نزكي على الله أحداً . أََلا رَحَمَ اللهُ تلك العظام, التي حملت تلك النفوس العظام,وغفر لتلك الأقدام ذات المعالي والإقدام, وأعلى نزلهم في عليّين, يا حيّ يا قيّوم, يا ذا الجلال والإكرام, يا رحمن يا رحيم, يا ربّ العالمين .
إله الحق آمين .
وَأسْـأَلُ ربي أن تكــون منيتي بعيداً عن الأوطان للشرك غازيا
ويا كامل الأوصاف هب لي شهادة وخـتم حياتي بالسرور المواتيا
لئن عز ديني واستبيحت جوارحي فأين مقــام العز إلا مقاميا؟
فخـذ من دمائي يا سميعاً لدعوتي فما أطيب الآلام إن كنت راضيا
ويارب قطّـعني وفرق مفاصـلي بجوف طـيور أو بطون العوافيا
ويارب عامـلني بما أنت أهلـه فـذنبي عظـيم والرحيل دنا ليا
أعـزّ إله الحـقّ أمـة أحـمد فقـد سامها الكفار ذلاً مصاليا
وبعد: فآمل من الأخ القارئ الكريم, أن يأخذ من هذه الصفحات ما صَفَى, وأن يَذَرَ ما كَدَرَ , وأستميحُهُ فيما قد يجد في ثناياها من خطأٍ في اسم شخص, أو مكان, أو بيت شعر, أو معلومة, أو حتى فكرة, ونحو ذلك, وأن يحملها على أحسن المحامل, عامله الله بالعفو والرحمة والغفران! وما هذا القصور مني إلا لعجزي وضعفي, والعهدةُ على من أملوها, وهم قد شارفوا التّسعين, بل بعضهم قد جاوز المئة ببضع سنين, وقد مات جُلُّهم, فلا غرو أن يحدث بعض الخلل, والمنصف النصوح من وهب خلل المقال ونقصه لمحاسنه وحقائقه, أبى الله إلاّ أن يكتب النّقص على كلّ حيّ, واستغفر ربّي من الزّلل, وأعتذر للقارئ عن الخَطَلِ, والعُذْرُ عِنْدَ كرامِ النّاسِ مقبولُ .
وأشكر من قرأه, فصوّب ونبّه ونقّح, وزاد وعدّل ووضّح, جزاهم الله الحسنى وزيادة .
عَلَى المَرْءِ أَنْ يَسْعَى إلَى الخَيْرِ جهْدَهُ وَلَيْسَ عَلَـْيهِ أَنْ تَتِمَّ المَقَـاصِدُ
واللهَ أسألُ, أن يجعل هذه الكلمات خالصة لوجهه الكريم, وأن ينفع بها, وأن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين, ويُذلَّ الشرك والمشركين, وأن يُبرم لهذه الأمّة أمراً رشداً, يُعَزُّ فيه أهل الطّاعة, ويُذلّ فيه أهل المعصية, ويؤمر فيه بالمعروف, وينهى فيه عن المنكر, وأن يستعملنا في طاعته, وأن يتوفانا وهو راض عنا, وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلّا الله.
وَخِتَاماً:
وَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى كَمَا قَرَّ عَـيْنَاً بِالإيَابِ المُسَافِرُ
فها قد ألقينا عصا التّسيار, وانتهى بنا جميل المشوار, ووقفت أقدام الأقلام, على عتبة النّهاية, وقد رأينا لُمَعَاً, وقرأنا طَرَفَاً من سيرة الإخوان العطرة, وأخبارهم الجميلة, التي هي أعذب من فرات المطر, وأعبق من فتات المسك والعنبر, سائلاً ربي الكريم الوهاب, بأسمائه الحسنى, وصفاته العلى, واسمه الأعظم, ووجهه الأكرم؛ الرّحمة والغفران, وأن ينزلنا جميعاً ووالدينا وذرارينا والإخوان منازل الصديقين والشهداء في الفردوس الأعلى بلا حساب ولا عذاب, فرحمته أرجى من أعمالنا, ومغفرته أوسع من ذنوبنا .
وَإِنّي لَأَدْعُـو الله حَتّى كَأنَّمَا أَرَى بٍجَمِيلِ الظَّنِّ مَا اللهُ صَانِعُ
سبحانك الّلهم وبحمدك, أشهد أن لّا إله إلّا أنت, أستغفرك وأتوب إليك, سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون, وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين, وصلّى الله وسلّم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين, والتّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
إبراهيم الدميجي
25 / 1 /1433
aldumaiji@
رابط تحميل
الكتاب بجميع أجزائه كاملا مجانا
....................................................
(1) بوّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من كتاب الجهاد: ( باب: مَنْ حدّثَ بِمَشَاهِدِهِ في الحرب ) وساق حديث السائب بن يزيد, وفيه: إلاّ أنّي سمعت طلحة يُحدِّثُ عن يوم أُحُد .
(2) وأُشيد هنا بأحسن كتابين أحسبهما من أفضل ما قرأت في موضوع الإخوان, هما: "تاريخ نجد الحديث" لأمين الريحاني, على ما فيه من هنّات, وكتاب: "السعوديّون والحلّ الإسلامي" لمحمد جلال كشك, وهو الأفضل, على أنّهُ لم يستوعب الحركة ككلّ, بل أغفل جانباً مهمّا من أركانها, ألا وهو الحديث عن تفاصيل مغازيهم في الحجاز والخرمة, مع شيء من تحليل شخصيّة القائد المظفّر خالد بن لؤي, الّذي أظنّ أنّهُ لم يأت في قوّاد الملك عبد العزيز من هو في شاكلته, إذ قد اجتمع فيه ما تفرّق في غيره, من الدّين, ولزوم غَرْزِ العلماءِ, والحكمة, والشّجاعة, والصّبر, والكرم, والحلم, والمعرفة بتركيبتي نجد والحجاز الاجتماعية والثّقافيّة والدّينيّة, والدّخول والخروج بينهما بسلام وحنكة .
كما أنّ كتابي الدّكتور العثيمين: "تاريخ المملكة العربيّة السعودية", و"تاريخ معارك الملك عبد العزيز" جيّدةٌ جدّاً في هذا الموضوع, كذلك كتاب:"لسراة الليل هتف الصباح" لعبد العزيز بن عبد المحسن التويجري, وتبرز قيمته التاريخية في أنه قد حوى وثائق ومراسلات هامة في تلك المرحلة, وليته أخرج جميع تلك الرسائل حتى وإن اختلف مع بعضها, فالوثائق معدودة من أهم لبنات النسيج التاريخي, وأوثق مصادره وأصدقها .
(3) وقد استلموا عنان الملك والرئاسة, فهل يوفون فيُشكرون من الخالق والمخلوق, أم الأخرى أجارهم الله تعالى منها, ووفقهم وسددهم وأعانهم على مرضاته.
(4) صاحب مجلّة المنار .
(5) مؤلف كتاب: "الخطوط العريضة لدعوة الاثني عشرية" .
(6) رواه البخاري عن ابن عباس, رضي الله عنهما, وفي رواية: "إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" وهما بمعنى, فالأولوية لدعوة التوحيد قبل أي دعوة, مهما ألحّ الناس .
(7) ثَمَّ مطلبان في ذكر الشركيات التي كانت في الحجاز:
الأول: لا يوجد مؤمن بالله واليوم الآخر يفرح بوقوع أدنى معصية لله تعالى, فكيف يفرح بمحاربته بأعظم ذنب "إن الشرك لظلم عظيم" (لقمان: 13) "إن الله لا يغفر أن يشرك به" (النساء: 48 , 116) "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار" (المائدة: 72) فليس في ذكر وقوعه في بلد أو بقعة شماتة أو إزراء بأحد, بل هو محض النصح وصدق المحبة إذا كان القصد سليماً "كل نفس بما كسبت رهينة"(المدثر: 38) "يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم"(الشعراء: 89) كذلك في ذكر البدع التي هي عين المشاقّة والمحادة والاتهام والتنقص لمقام النبوة والرسالة! وذكر ذلك إنما هو حفظ للتاريخ, وتحذير للأجيال الحاضرة واللاحقة أن لا يركنوا إلى الأمن من الشرك مهما دق في عين من لم يقدر الله قدره, وأن لا يتساهلوا في ذرائعه, وأن لا يتراخوا في حربه في نفوسهم ومجتمعهم, فالناصح حقاً من دعا إلى التوحيد والسنة, مهما ناله في طريقه من ابتلاءات وعقبات:
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ونكّب عن ذكر العواقب جانبا
فلا أمان للمؤمن من تقلب القلب والحال إلا بخروج روحه وربه عنه راض.
الثاني: أن العصر المذكور هو العصر الذي عاشه الإخوان, وليس ما قبله, كي لا يُشغب علينا بلازم ذكر نجد! فشركيات نجد المشهورة وأوثانها وأشجارها وأحجارها المعبودة, كانت قبل عهد الإخوان بمئة وخمسين سنة! وويل للشجيّ من الخليّ!.
(8) كان الإمام أحمد رحمه الله يغطي وجهه إذا مر به نصراني من شدة إعظامة لشناعة قول النصارى في الله تعالى, وأورد شيخ الإسلام في الجواب الصحيح عن عمر وحذيفة رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان:" أهينوا النصارى ولا تظلموهم, فقد سبّوا الله مسبّة ما سبّه بها أحد" وهل بعد وصمه بالصاحبة والولد والأقانيم والشركاء والتجسد مسبّة؟!. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
(9) سلطان بن بجاد بن حميد الكريزي البرقاوي, الملقب " سلطان الدين" الذي تولّى مشيخة برقا عام: (1333) بعد وفاة الفارس الشهير محمد بن هندي, وتوفي عام: (1353) رحمه الله تعالى.
(10) رواه النسائي .
(11) حي في الخرمة واقع جنوب غرب السوق بنحو ثلاثة أكيال, وقعت فيه أولى المعارك مع الشريف عام: (1336)وسميت بمعركة حوقان .
(12) مخطوطة النجم اللامع, العبيد.
(13) سلاح الشعر كان ولا يزال سلاح رئيس في الحروب ورسول الله صلى الله عليه وسلم وصف شعر حسان أنه أشد على المشركين من وقع النبل , وأمره أن يهجوهم ودعا الله أن يؤيده بالروح القدس.
وقد كان لهذا السلاح حضور دائم مع الإخوان ومخالفيهم ومن ذلك قول أحد مناوئيهم محرشاً عليهم لمّا كانوا أقلية في الخرمة_ التي اندلعت منها شرارات المعارك الكبار التي أزال الله بها دولاً وممالك بعدما نصرهم الله بإخوتهم من أقطار الجزيرة وبخاصة أهل الغطغط أعلى الله نزلهم في عليين وأبرد قبورهم ونورها من الجنة _ قال ذلك الرجل:
خمسة رياجيل كلّ واحد من دِحِل وحنّا عيال العـود من فصايله
تكفون يا لجذعان شحّـموا الفحل حتّى الدّقل يصبح كثير عايله
وقصدهم بالفحل خالد بن لؤي أي أنّهم عزموا على قتله . والرجال المقصودون هم: مفرح بن شارع, ومنير الحضبي, وعبد الله بن فيصل, وأبوه, وخامسهم خالد .
وهذان البيتان لهما معنى عميق وخطر كبير؛ فهو يعني بالفحل خالد, وصدق في قوله؛ فالأمير خالد رحمه الله فحل من فحول الرجال العظام, شهد بذلك القاصي والداني, وقد عنى الشاعر أن لو قُتل خالد سيتفرق عنه الغرباء عنه, النزاع من القبائل المختلفة, ويعودون لقبائلهم, وستخلو الخرمة من أتباعهم وأنصارهم لقلتهم فيها في بداية التدين وقبل "الفرق" أي: إظهار البراءة بين المعسكرين والافتراق والاحتراب. وهذا يشبه ما ذكره الله تعالى عن المنافقين: "وقالوا لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا" (المنافقون: 7) فهو في الحقيقة شاعر يجيد صيد المعاني الدقيقة حينما شبه الأمير خالد بالفحل, وشبه المناصرين والوافدين بالدقل _ نوع من التمر _ ومعلوم أن الغالب في نخيل الخرمة هو تمر الصفري, أما الدقل فهو قليل إذ لا يمثل إلا ما نسبته: 1% تقريباً .
هذا ولمّا دخل الناس في التدين أفواجاً, ومنهم هذا الشاعر وقام الأمير ببناء الهجرة(*) مسجدها وقصرها, فبينما كان الأمير جالساً في الظل يراقب العمل في البناء, ومعه الشيخ _ ولعله عبد الرحمن بن داود _ فمر بهما هذا الشاعر ولحيته تقطر من الطين الذي فوق رأسه, فقال له الأمير ممازحاً: إيه يافلان انقض ما قلت . فقال في الحال:
ما ذكر في الكتاب والسنة كود تسبــيلة قدام
وينك ياللي تريد الجـنة التزم ذروة الســنام
وهذا من ذكائه وسرعة بديهته, ويشبه هذه القصة أن ابن مونس كان يبني جداراً على الشارع للشيخ القاضي إبراهيم بن حسين _من الرعيل الأول لقضاة الإخوان وقد جمع الله له العلم والفروسية_ فمرت به بنات فقال:
أنا ليا شفــت البني المـزايين قلت ياليتني مع جملة الصيد روّحت
فلمّا التفت إذ الشيخ إبراهيم ينظر إليه! فقال على البديهة:
وأنا ليا شفت الشيخ إبراهيم تركت جميع المعاني وسبّحـت
ومن باب الشيء بالشيء يُذكر؛ فيقال: إن شاعراً من السلمات, وهو أبو زايد وفد على عبد الله "البيه" في إحدى القرى قبل معركة تربة بأيام فقال:
سلام يا صــقر على قِلَّة خجّ الطيور بضرب مخلابه
جوك ..... ابّوشـهم كله لو النخل يمشي مشيـنا به
ولم يقلها حتى تأكد من غياب شاعر تلك القبيلة المعنية, فطرب لها الشريف, وربما كافأه عليها, ثم ذهب هذا الشاعر السلمي من فوره للخرمة, ولما جاء شاعر القبيلة وأخبره الشريف بالأبيات وذكر إعجابه بها. فطن للمغزى على البديهة_ وكذا الشعراء لهم فنون عجيبة في فهم رموز بعضهم _ قال: يا سيدي الرجل لا يعنيك وإنما عنى خالداً! فطلب الشريف السلمي فإذ هو قد ذهب للخرمة .
فهذه الأبيات تحتمل معنيين:
الأول: (صقر على قِلّة) أي على شيء مرتفع, و(جوك .... ابّوشهم كلّه) يعني أنهم جاءُوك فرحين بمجيئك والسلام عليك والانضمام لخدمتك .
المعنى الثاني: إذا كان يريد خالداً؛ فـ(صقر على قلّه) أي على قلّة من الناس, فخالد لا يساوي "البيه" في العدد والعتاد, و(جوك .... ابّوشهم كلّه) أي أنهم سيغزونك مع الشريف حتى أنهم لو استطاعوا الغزو بالنخل لغزوا به! . وهذا الأسلوب في المبالغة معروف في اللغة, ومثله قول أبي تمّام للمتوكل لمّا خرج ليصلي بالناس عيد الفطر:
ولو أن مشتاقاً تكلّف فوق ما في وسعه لسعى إليك المنبر
(*) وسميت هجرة خالد, وبنى فيها الإخوان مسجداً جامعاً, عرف بمسجد خالد, بنوه بالطين عام: (1336) ثم جدّد في عهد ابنه الأمير سعد رحمه الله وبني بالحجر, ثم جدّد في عهد الملك فيصل رحمه الله عام: (1392) وبني بالأسمنت المسلح, ثم سُمّي باسم جامع الملك عبد العزيز ثم جدّد ( وهذه هي البناية الرابعة) في عهد الملك فهد رحمه الله عام: (1420) تحت إشراف الأمير سلمان حفظه الله بتكلفة قاربت سبعة ملايين ريالاً .
(14) بوّب البخاري رحمه في كتاب الجهاد من صحيحه: ( باب: عملٌ صالح قبل القتال ) وفيه: وقال أبو الدرداء: إنّما تقاتلون بأعمالكم . وساق حديث البراء في الرجل المقنع بالحديد الذي قال: يارسول الله, أُقاتل وأُسلم؟ قال: ( أًسلم ثم قاتل ) فأسلم ثم قاتل فقتل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عمل قليلاً وأُجر كثيراً ) .
(15) أي آخر المشاق التي جرت علي انتهيت منها حين دفنتموني .
(16) متفق عليه .
(17) إنها أمنية النبي صلى الله عليه وسلم, فقد قال عليه الصلاة والسلام: والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين, ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدًا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل . رواه البخاري ومسلم .
ولما قُتِل من قُتِل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ولقوا ربهم تبارك وتعالى، فسألهم: ماذا يُريدون ؟ ما اختاروا غير العودة للدنيا من أجل أن يُقتلوا في سبيل الله مرة ثانية .
ولما قتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر ألا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك؟ قال: بلى . قال: ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وكلّم أباك كفاحاً، فقال: يا عبدي تمنّ عليّ أعطك . قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية! قال: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون . قال: يا رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه.
وقال عليه الصلاة والسلام: لمّا أصيب إخوانكم بأُحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة, تأكل من ثمارها, وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلمّا وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب . فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات على رسوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون . فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين . الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم )رواه الإمام أحمد وأبو داود.
وقال عليه الصلاة والسلام: ( للشهيد عند الله عز وجل سبع خصال:
يُغفر له في أول دفعة من دمه .
ويرى مقعده من الجنة .
ويُحلّى حلّة الإيمان .
ويزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين .
ويُجارُ من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر .
ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها .
ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه ) . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، ولما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال : (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) . رواه النسائي .
وقال صلى الله عليه وسلم: من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من نفاق ) . رواه مسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام: ( من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه ) . رواه مسلم.
ولو لم يرد في فضل الجهاد والشهادة إلا هذه الآية لكفت الناس: ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) .
أسال الله العظيم أن يرفع قدرك ويصب عليك من الخير صبا
ردحذفوأن يسددك في القول والعمل وأن يزيدك من الحلم والعلم وأن يحبب فيك عباده المتقين وأن يجعلك من هداة المسلمين ومهدييهم قادر على ذلك إنه جواد كريم .
موضوع قيم وكتابة تاريخية موثقة تدل على مكانتك استاذ ابراهيم الدميجي ومصداقيتك
ردحذفوفقك الله وسدد على الخير خطاك ( اخوك عبدالله الحضبي)
جزاك الله خيراً أخي عبدالله
ردحذفوآمل تكرمك بإرسال ملاحظاتك، فأنت أعلم مني بهذا الشأن
أ
جزاك الله خير كتايك هذا درة من درر تاريخ الاخوان المغيب كتب الله اجرك
ردحذفجوك .... ابّوشهم كلّه
ردحذفالبوش هي الابل يقصد جوك بأبلهم