فإنَّ
أباكُم كان راميًا!
قديما قيل: العادة تسبق القانون, ويعنون
بالعادة المستقرة او المُلحّة.. وقد وجدت نفسي يومًا وجهًا لوجه مع إحدى تلك
المتناقضات السريالية, والمفارقات الفوضوية!
اشتريت قطع سلاح في زمن أيام عصيبة من السوق
السوداء بدافع الحاجة المعنوية أكثر من الحسية للزمان أو المكان أو الحال.. ثم قطعتُ
أكثر من مئتي كيلٍ لأجل استخراج التصريح في مهلته المعلن عنها, كأنما يقال لنا: لا
بأس أن تشتروه, لكن مروا عليّ يا كرام.
وزادني
كلفًا في الحبّ أن منعت .. وحَبَّ شيء إلى الإنسانِ ما مُنِعَا
في طريقك إلى دائرة ترخيص السلاح فأنت على
خطر, فإن قُبض عليك أثناء الذهاب فأنت مذنب بجريرة حيازة السلاح غير المرخص, وإن
كان بعد الترخيص فليس عليك شيء! والسؤال: لماذا القفز على تلك المسافة بين شراء السلاح
وترخيصه؟! لماذا لا تُكمل المنظومة بتوفيرٍ ورقابةٍ ورقابةٍ؟ فلا لحيازة السلاح
عشوائيًا بأيّ نوعٍ أو كمية, ولا لمنعه مطلقًا. الحلّ – يا سادة - يكمن في التنظيم.
لا شك أن بعض الشرّ أهون من بعض, ولكن العلاج
ليس بهذا الشكل المكبِّل, إنّما بأمرٍ سابق لهذا, ألا وهو ترسيخ الثقة في المواطنة
عبر السماح بهامشٍ حرٍّ منضبط, وذلك عن طريق السماح ببيع السلاح من نقاط بيع آمنة,
مع تحمّل المشتري للمسؤولية, فتملّك السلاح ليس عيبًا, بل العيب ضده, ومتى كان
السلاح يعيب العربي؟! فهَلاَّ
سأَلْتِ الخَيـلَ يا ابنةَ مالِـكٍ؟!
الإشكاليّة أن غالبيّة أهل الشرّ مسلحون, خلاف
كثير من المسالمين الذين لا يتقنون حشو بندقية الهواء فضلًا عن مسدس أو رشاش! والأمر
في القرى والأرياف أشدّ منه حاجة من المدن والحواضر الكبرى.
وكم
من عائلِ أسرةٍ احتاج في مضائق الأزمنة والأمكنة في الحواضر والبيد إلى سلاحِ نارٍ
يردّ به عن حريمه, والسلطان والشُّرَطُ ليسوا بشمس شارقة على كل بقعة في كل حين,
بل لابد من تأخرٍ هنا أو نقصٍ هناك, وما ثَمَّ بعد حفظ الله إلا الدفع باليد في
زمنٍ قلّ وازع الأديان ورادع السلطان! هذا, وليس المراد بتملك السلاح استخدامه
بقدر ما هو ردع من تسوّل له نفسه الاعتداء, فالأفراد كالدول, إنما الفرق في القدر
والكميّة!
ثم إن تقنية الكشف الجنائي قد تقدّمت في كشف
وتحديد السلاح بنوعية مقذوفه, وبهذا يندفع إشكال فوضى إطلاق النار.
وبعد؛ فلماذا لا يُسمح ببيع الأسلحة وتنظيمها
ككثير من دول العالم, ونزيد أَمَدَ المُنى فنقول: ما المانع من السماح بأندية
للتدريب على السلاح أسوة بدول كثيرة لها تجاربها الأمنية الفذة؟
والرمي خير مربّ
للرجال, وقد قال تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون
به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم" وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قرأ على المنبر هذه الآية فقال: "ألا إن القوة الرمي,
ألا إن القوة الرمي, ألا إن القوة الرمي" وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح
مسلم أنه قال: "ارموا واركبوا, وأن ترموا أحبّ إلي من أن تركبوا, ومن تعلّم
الرمي ثم نسيه فليس منا" وفي البخاري: "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان
راميًا".
كنا
ننعى على المتخنفسين, واليوم عليهم نترحّم! إذ جاءنا مالا طاقة لاحتمال فِطَرِنا
به, من أجيال لبسَتِ التخنُّث والتأنث ثم رَبَتْ في مستنقع الانحطاط حتى كرعت في
مباءة الجندر!
رب يوم بكيت منه فلما .. صرت
في غيره بكيت عليه
أَلَا إنّ في الخامة الشبابية والغريزة
الرجولية للعرب حنين لا ينضب لمزاولة حمل السلاح ورمي النيران, فأفرغوا تلك الطاقة
الإيجابية في نوادٍ منظّمة, وإلا فحال كثيرهم مزاولة تلك الهواية بفخر وابتهاج في
الجبال والهضاب والشعاب!
وحبّذا إيجاب التجنيد الإجباري لمدة سنة على كل من بلغ ٢١ سنة, مع المرونة
في تقديمه أو تأخيره بحدّ أقصى ثلاث سنوات. ولذلك فوائد كثيرة, منها تخريج
الجيل الصاعد على معاني العزة والرجولية والخشونة والشهامة, فالتجنيد من أعظم
أسباب إنضاجهم, وليس لنا بدٌّ من بناء جيل شبابي رجوليّ خشن, وليس بناعم رقيق
يؤلمه حرّ الهجير وتخدشه نسمات الهبوب! فمثل هذا الجيل المتنعّم عبء لا عمق, ونذير
خذلان لا نُجْع. والشاب لُحْمَةُ الوطنِ
وسُداه.. فأحكموا نَسْجَهُ بمعالي الأمور, ولا تنقضوه بسفسافها, وإلا فلنخرط
القتاد!
وحتى
أفلاطون في جمهوريته قد أكّد على ضرورة ذلك للشاب والدولة. فبُعدُ اليافع عن مدرج
عشّهِ ينمّي فيه الإحساس برجوليته المبكرة, بقيامه على نفسه دون أبيه, ومخالطة أجناس
لم يحتكّ بهم في سابق عمره, والتعوّد على الانضباط, وتعظيم أواصر الاجتماع وغير
ذلك.
ومن
ثمرات ذلك جاهزيتهم عند النزال مع القوى الخارجية إقليميًّا ودوليًّا, بتكوين
خطّ حماية شعبي, وعمق دفاعي تكتيكي واستراتيجي, فقد يكون له الحسمُ يومًا!
وجملة القول: إن من
أمارات فناء الدول انغماس سوادها في الترف, فأَخْشِنُوا سواعِد حُماتِكم.
يُنادُونني
في السِّلم يا بْنَ زَبيبة ٍ .. وعندَ
صدامِ الخيلِ يا ابنَ الأطايبِ
وخليقٌ بنا إعداد شبابنا,
فليس هناك أمّة في الأرض حرّة بدون استعداد حربي وروح قتالية, مهما لبست من جوخ
الوهم ومروط الكبرياء!
إطلالة:
يعزُّ علي أن أرى:
قمّةً ذابت في بركان غضب!
وقُلّةً غرقت في بحر طمع!
وشعلةً أطفأها طولُ مدى!
وكنزًا أضاعَهُ رَهجُ عجلة!
"ولولا أن ثبّتناك.."
إبراهيم
الدميجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق