براءة إلى الله من داعش
وموبقاتها
الحمد لله وبعد: يقول
أحد الدعاة من ذوي المشاركة في الحوارات مع المخالفين من أهل القبلة وغيرهم: لاحظت
أن ظاهرة داعش أصبحت مشجبًا للتنفير من منهج سيد المرسلين وصحابته المرضيين وقفلًا
مرتجًا دون وصول الرسالة السامية الصافية لقلوب أولئك، فالنصارى يصرخون بنا: هذا
القتل للأبرياء هو دين محمد الذي تدعوننا إليه، فليس بنا إليه حاجة، وقد وجدت
منظمات التنصير وجبة إعلامية كاملة الدسم من جرائم تلك الفئة المارقة. أما
المبتدعة من غلاة المتشيعة والمتصوفة والمتكلمة وغير الغلاة بل والليبرالية
فيرفعون عقائرهم بأن داعش فرع عن السلفية (ويزيدون الوهابية) وهذا دليل على أن
السلفية منهج باطل يلبّس على الناس ويقتلهم بغير حق، وأن السلفية منهج غالٍ منحرف
وهكذا يسحبون عوار داعش المجرمة للسلفية الرفيقة الرحيمة، ولن أعجب حين أرى بعض
القراء الكرام يصعّرون خدودهم استهجانًا لوصفي السلفية بالرفق واللطف فهذا من غربة
الزمان، وكم ظلمت السلفية من منتسبة لها زورًا، فكل ما خالف الكتاب والسنة فأهل
السنة منه برآء وإن زعم الفاجر خلاف ذلك, فالعبرة بالحقائق لا الشعارات (قل هاتوا
برهانكم إن كنتم صادقين)
داعش - وما أدراك! - هي
فصيل مختلط من ثلاث فئات:
الأولى: ضباط مخابرات
من رافضة وأهل كتاب ومهمتهم قيادة التنظيم ووضع الاستراتيجية (غير المعلنة) ومن
مهامها تأمين الدعم المالي واللوجستي، وصناعة قادة الصف الثاني (القيادة التكتيكية
المحدودة) باختراق أو بعمالة، وبينهم تنسيق بسبب تقاطع مصالحهم وإن لم يتفقوا،
فوحدة الهدف جمعتهم وهذا الهدف هو ضرب أهل السنة في معتقدهم وهويتهم ووحدتهم،
وإشغالهم عن الإثخان في عدوهم، وإن شئت برهان ذلك فتأمل المستفيد من ضربات داعش
ودعايتها بالنظر لأماكن العمليات وأوقاتها سواء في سوريا أو العراق أو لبنان أو
مصر أو الخليج أو غيرها وقريبا سترونهن في غزة آن غفل حماتها عنهم، بل وفي أوروبا
وأمريكا إن احتاجت تلك الدول لمبرر ما!
ومن أهداف أولئك
إشهار بشاعة أفعال داعش بشكل قُصِد منه نحت مضامين مروّعة في الخلفية الذهنية
للمتلقي هنا وهناك.
وطريقة دفع هذه الفئة
هي أن نكافحهم بنفس سلاحهم الماضي, فيجب أن تنبري مخابراتنا لاختراق هذا التنظيم
وإعادة صياغته أسوة بغيرنا، فسلاح التجنيد والاختراق هو من أمضى الأسلحة في
الميدان وما قبله وما بعده.
الثانية: خوارج
على مذهب الأزارقة وأشباههم من أفراخ ذي الخويصرة الذين يكفرون بالكبائر, ويظنّون
أن من أجل القربات استباحة الدماء المعصومة والأموال المصونة لا على شيء إلا أنهم
ليسوا من فئتهم, فيقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.
وهذه الفئة ليست
قليلة العدد للأسف وخطرها شديد جدًّا من جهة شدة ضلال مذهبهم ودمويته (وقد صح حديث
رسول الله في تضليلهم ووعيدهم من عشرة أوجه بعضها في الصحيحين، وهم شر الخلق
والخليقة، وقد توعدهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه لئن أدركهم ليقتلنهم قتل عاد،
وكذلك من جهة صدقهم وحماستهم الذاتية في ترويجه والدفاع عنه (أفمن زين له سوء عمله
فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك ليهم حسرات آن عليم
بما يصنعون)
وطريقة مدافعة هؤلاء
بسلاحين هما اللسان والسنان، فباللسان تدفع شبههم وتهتك ستور مآلات مقالاتهم وتقام
عليهم حجة القرآن، إضافة لجهادهم بالسلاح والقتال, ولنا في أمير المؤمنين علي رضي
الله عنه أسوة في الأمرين, فقد أذن أولًا لابن عباس رضي الله عنهما أن يناظرهم
ويكشف زيفهم, ثم قاتلهم بنفسه وبمن معه في النهروان, وفي الصحيحين: (لئن أدركتهم
لأقتلنهم قتل عاد). وقد سجد لله شكرًا حين واتاه تحقيق البشرى السابقة بقتل ذي
الثدية. فخطر هذه الفئة المارقة يكمن في تبديلهم حدود الدين سواء في النظر العلمي
أو التطبيق العملي.
الفئة الثالثة: شبيبة
ذوو غيرة وحماسة وحب للقتال في سبيل الله مع جهل مطبق بمناطات الأحكام ومدارك
الشرع، وسوء نظر لعواقب الأمور, فساقهم الغضب مما يرونه من تقصير أو مظالم إلى
ركوب أعظم المفسدتين, وأُتوا أكثر ما أُتوا من إساءة تطبيقات الولاء والبراء
والردة ودار الحرب ونحوها فهم لم يلتزموا مذهب الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة
ابتداءً لكنهم قلبوا قضية الواسع والمضيّق، فحجّروا الواسع مما تكلم فيه الأئمة
الأعلام من شروط وأحوال أحكام الردة والكفر وإقامة الحجة وكفر الوصف ودرء الشبهة
والحد ونحو ذلك مما يلزم التريث الطويل فيه والصدور عنه ببصيرة تامة لا مغبشة
معتمة, وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من خرج على أمتي يضرب
برها وفاجرها ولا يتحاشى عن مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده؛ فليس مني ولست منه)
وفي المقابل فإنهم
يوسّعون ما ضيّقه الشرع كتشديده في الدماء والأعراض والأموال, فحينما تدرأ الشريعة
الحد بالشبهة نراهم يستحلونه بها (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)
والجدير ذكره أن هذه
الفئة الساذجة هي حطب داعش ووقودها الأعظم، وكم من مريد للخير لم يبلغه (إنك لا
تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)
وفرض الوقت تجاه
هذه الفئة البائسة أربعة أمور سابقان ولاحقان: فالسابقان: تحصين أفكار الناشئة
والشباب ضد الغلو الفكري والانحراف المنهجي, وتلك مهمة منابر الدعوة ومحاضن
والتربية ومراكز الإعلام. والثاني: تحصين نفوسهم بنشر العدالة والوضوح والرفق
تطبيقًا عمليًّا لا ادعاء وتنظيرًا، وذلك حتى نمنع طفيليات الحقد وجراثيم المقت من
النمو والتكاثر في خلايا جسدنا الواحد.
والأخران اللاحقان هما:
مدافعتهم برفع بلائهم وشرهم باللسان فإن أبوا الفيئة فبالحرب والسنان (فقاتلوا
التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) فبغيهم وظلمهم وتعديهم واضح للعيان، كفاهم الله
شر نفوسهم وكفى الأمة شرهم.
أخيرًا إن كان ثمّة خير
في هذه النازلة فهي نفخ روح اليقظة لدى أهل العلم والدعوة والتربية والإعلام
للقيام بما يجب عليهم حيالها, فقد انتهى وقت التردد لمن كان مشتبهًا في أمرهم,
فحتى وإن قيل ببعض الأكاذيب الدعائية ضدهم _ وهي ليست بقليلة _ فما لم يُقل أكثر,
فالبكور البكور قبل قرع سن الندم ولا لات حين السلامة!
ومضة: هناك علاقة طردية
بين علم وعقل المرء وبين احتماله لخلاف الناس وحمل الأعذار لهم, فالعلم يوسّع
التسامح المنضبط في الدين, والعقل يوسّعه في الدنيا.
إبراهيم الدميجي
18/ 10/ 1435
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق