مرضُ الجسد، نِعْمَ الصاحب للآخرة
الحمد
لله وبعد، فالمؤمن يرى الأمراض نعمًا لا عذابًا، هو لا يطلبها بل يسأل ربّه
العافية، لكن إن نزلت به صبر ورضي وشكر. فأسقامُ الجسد على ثلاثة أنحاء: فمنها
العارض وأعظمه الحُمّى -أمُّ مِلْدَمٍ -فهي تدخل كل عضو وتفورُ في كل مفصل، فهي
كفارة طيّبة للخطيئات.
الثاني: أمراضٌ ملازمة تحل معه وترتحل، لا
تفارقه في فراشه ولا طعامه ولا لذته ولا عبادته كالسكر والضغط والعاهة ونحو ذلك من
الأسقام التي يسمُّونها: الدائمة، فهي نِعْمَ الصَّاحبُ والرفيقُ في الطريق
للآخرة، فالجسدُ يتأقلمُ ويتعايش معها على طول السنين، فلا يتأذى بها كشِدَة
العارض النازل، مع ذلك فهي تنظّفُ صحيفته وتُنقّيها على مرّ الأيام من الذنوب، حتى
إذا وافى العبدُ ربَّه إذْ كثير من خطاياه قد زالت بسبب تلك الأسقام في دنياه.
والثالث:
الأسقام المُفضيةُ للوفاة بإذن الله تعالى، فمنها ما هو شهادةٌ لصاحبها، ومنها دون ذلك، وكلها خير
ونعمة لمن احتسب الأجر ورضي بالله ربًّا مدبِرًا، وحمدَهُ على كل حال، وشكره على
كل فضل. وبالجملة: فالمؤمن يعلم أنّ المصيبة كفارة للسيئات ورفعة للدرجات، ولا
يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة. وقال إبراهيم المقري وقد رفسته
بغلته فكسرت رجله: "لولا مصائب الدنيا؛ قدمنا على الله مفاليس".
والمرضُ
لا يُقرّبُ الأجلَ، ولا الصحةُ تدفعُهُ، إنما هي أسبابٌ مجرّدة، أما المُسَبِّبُ
الخَلّاقُ الذي يُنزل الداء ويرفعُهُ ويُحيي ويُميت فهو الله وحده، فالمؤمن يبذل
السبب وقلبه معلّق بالله تعالى. حتى من أصيب بمرض خطير كالسرطان فهو بين إحدى
الحسنيين؛ شفاء أو شهادة بإذن الله، لأنّه إن لم يدخل فيه بالنص كالطاعون والمبطون
ومريض ذات الجنب؛ فهو داخل بالمعنى للعلل التي ذكرها العلماء في توصيفهم لأمراض
الشهادة.
ومن
رحمة الله بعبده أن تأتيه رسلُ ربه كالأمراض الخطيرة، فتلمح له بقرب رحيله إليه،
فيستعد للقاء الله ويشتاق بتوبة وعمل، ويتخفّف من كدر الدنيا لراحة الآخرة، وينفض
عن ظهره أوزار الخطايا ومظالم العباد، إنما الفاجعة بموت الفجأة، والله المستعان.
إبراهيم الدميجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق