إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الأحد، 2 نوفمبر 2025

الكشف الصوفي

 

الكشف الصوفي

 

الحمد لله وبعد؛ فيراد بالكشف: إظهار المستور عن الغير، ويُسمّى كشفًا ومشاهدات ومكاشفات ومخاطبات؛ فالسماع مخاطبات، والرؤية مشاهدات، والعلم مكاشفة، ويسمى ذلك كله كشفًا ومكاشفة ونحو ذلك. وقد الكشف يكون كرامة من الله تعالى لوليه عند حاجته العارضة، فيأتيه الكشف على صورة رؤيا منام، أو إلهام، أو تحديث، ونحو ذلك من الفتوح الربانية على قلبه المستقيم على الشرع والسنة. وقد يكون استدراجًا ومكرًا، وقد يكون باستخدام الجن والشياطين واستمتاعهم، وقد يدّعيه من يكذب فيه ليزوّر الحال على الجهلة الطغام.

ولمّا كان المتصوّفة من أهل العناية بالرياضة الروحية عن طريق طول الصيام والجوع والتأمل في الوساوس والخطرات، وغير ذلك مما زادوه على الشريعة الكاملة، فقد أتوا بما أسموه الكشف الصوفي الذي هو عبارة عن فتح الأبواب الموصدة عن الأدعياء، والكذبة والشياطين والمبدّلين. 

وإنّ من أصول الإسلام أن الله تعالى وحده هو علام الغيوب، ﴿قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ ٦٥﴾ [النمل: 65]، وأن الخلق مهما كانت منزلة أحدهم فإنه لا يصل إلى معرفة الغيب، إلا من شاء الله أن يطلعه على ما أراد من ذلك، سواء كان ملكًا مقربًا، أو نبيًا مرسلًا ﴿عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ فَلَا يُظۡهِرُ عَلَىٰ غَيۡبِهِۦٓ أَحَدًا ٢٦ إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسۡلُكُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ رَصَدٗا ٢٧ لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا ٢٨﴾ [الجن: 26-28].

فجاء المتصوفة ببدعة الكشف الصوفى، ويعنون بها: رفع الحجب عن قلب الصوفي وسمعه وبصره، ليرى ويسمع ويعلم بعد ذلك علم بعض العلوم الكونية الغيبية، وكذلك علم بعض العلوم الشرعية بلا دراسة، بل بمحض فتح الكشف، وإلقاء العلم اللّدُنِّي في القلب، بدعوى أنّ الصوفي المختار يكشف له عن معان جديدة في القرآن والسنة والشريعة لا يعلمها علماء الشريعة، الذين سمّوهم علماء الورق والظاهر والقراطيس؛ لأنهم ـــ أي علماء الشريعة ـــ إنما يعتمدون في نقل تلك المعاني من القرآن والسنة على موتى، وأما هم فإنهم يأخذونها عن الله تعالى مباشرة، فيقولون: إنّ أولئك يأخذون علمهم عن ميت عن ميت، أما نحن فنأخذها من الحي الذي لا يموت. ويقولون: إذا أتونا بعلم الوَرَق (أي: الشرع) أتيناهم بعلم الخِرَق، أي بالعلوم الكشفية الخاصة بالمتصوفة، ويعنون بالخِرق: الخِرقة الصوفية، وهي قطعة قماش تعطى بطقس معين من شيخ واصل ـ لديهم ـ لمريد من الطريقة بعد أن يثبت استحقاقه لها.

وهكذا استجرتهم الشياطين لعقائد وفتاوى ليست من الإسلام في شيء، إنما هي أفكار فاه بها من ظنّ أنه قد أُوحي إليه بما أسماه الكشف، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فمذهب أهل السنة والجماعة: أن وليَّ الله تعالى قد يُكشف له شيء من العلم لحاجته إلهامًا أو رؤية منام، كرامةً من الله له بخصوصه، لكن ليس بهذا القدر من التخريف والبناء العقائدي والشرعي عليه.  وهي ليست من شروط الطريق، ولا من علامات تأكيد الاستقامة، فأكثر الصحابة لم يذكر عنهم شيء من ذلك وهم أكرم الأمة على الله تعالى وأفضلها وأزكاها وأعلمها وأسبقها، كما أنّها لأهل الاستقامة كرامة، ولغيرهم استدراج ومكر. وبالله التوفيق.

إبراهيم الدميجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق