"الخَمْرِيَّاتُ فِي الثَّقَافَةِ الكَنَسِيِّةِ"
الحمد لله الحميد المجيد, المبدئ المعيد, ذي العرش المجيد, والبطش الشديد, طيّبٌ لا يقبل إلا طيّباً, أحلّ الطيبات وحرم الخبائث الخمريات, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إله البريّات, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه وخيرته من المخلوقات, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت الأيام والساعات, أما بعد:
ففي كل الشرائع المنزلة, بل وحتى بعض الوضعية، يكون تحريم الخمر من أولوياتها, لعظيم أضراره الدينية والصحية والاجتماعية والمالية، وليست شريعة المسيح عليه السلام بمعزل عن ذلك الهدي الإلهي، فالمسيح عليه السلام حارب الخمر ولم يسالمها، بل قد شدّد النكير في شأنها وأبدأ وأعاد، واعتبر أن شارب الخمر من المبعدين عن ملكوت الله (أي الجنّة).
وقد قال بولس كلامًا جميلاً ــ وليته ثبت عليه ولكنه نقضه بكل أسف ــ: «ألستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله لا تضلّوا لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون... ولا سكّيرون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله» (كورنثوس (1) 6: 9، 10).
وقد بشر الملك زكريا بأن ابنه يحيى «أنه يكون عظيمًا عند الله وخمرًا ومسكرًا لا يشرب» (لوقا 1: 15).
وكل هذا قد سبق به العهد القديم المشدد في الخمور والمسكرات ونبذها «وأمر الرب موسى قل لبني إسرائيل إذا انفرز رجل وامرأة لينذر نذر النذير للرب فعن الخمر والمسكر لا يفترز ولا يشرب خل الخمر ولا خل المسكر ولا يشرب من نقيع العنب» (عدد 6ك 1ــ 8)، إذن فحتى النبيذ محرم في التوراة مهما كانت نسبة كحوله قليلة. «وقال الرب لهارون خمرًا ومسكرًا لا تشرب أنت وبنوك معك» (لاويين 10: 8ــ 11)، والمسيح من اللاويين، فهو من نسل هارون، ومن معلمي المعبد ( أي المسجد الأقصى ويسمونه الهيكل السليماني) فكيف يخالف المعلّم هذه التعاليم الصارمة؟! فضلًا عن اصطفائه بالنبوة والرسالة «ومن كل ما يخرج من جفنة الخمر لا تأكل وخمرًا ومسكرًا لا تشرب» (قضاة 13: 14)، وقد بيّن سفر الأمثال بعض العلل في التحريم «ليس للملوك أن يشربوا خمرًا ولا للعظماء المسكر لئلا يشربوا وينسوا المفروض ويغيروا حجة كل بني المذلة» (أمثال 31: 4ــ 7).
وقد زيّف بعض الحاخامات اليهود بعض آيات التوراة لتوافق نزواته الخمرية وإدمانه للرّاح، فذكروا أن فيها: «وأنفق الفضة في كل ما تشتهي نفسك من البقر والغنم والخمر والمسكر وكل ما تطلب به نفسك» (تثنية 14: 26) وهذه الإباحية محض كذب لمخالفتها عشرات الآيات التوراتية, وبإقرار الحاخامات لتلك المناهي.
لذلك فلا ولم يصح عن المسيح عليه السلام ما يُنسبُ إليه من إقرار هذه المباءة وإفساد البشر ــ حاشاه ــ. لذلك فلا يصح ما ذَكَرَتْهُ الأناجيلُ ورسائلُ بولس عنه عليه السلام من أنه حوّل الماء إلى خمر معتّق في عرس قانا، أو أنه أوصى به من أجل الصحة الجيدة! «لا تكن فيما بعد شراب ماءٍ بل خمرًا قليلًا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة» (تيموثاوس (1) 5: 23) بل ولا يصح ما نسب إليه في العشاء الأخير من سقايته لتلاميذه الخمر، وأمرِهِ لهم أن يفعلوها دائمًا لذكراه!.
لقد أثارت هذه الأكاذيب حفيظة بعض المنصفين ــ الذين لم يأسرهم إدمان أم الخبائث ــ الحريصين على صحة مجتمعاتهم، فأنكروا تلك الأقوال والأخبار، بل قد تحوّلت بعض الكنائس البروتستانتية إلى تقديم عصير العنب في طقس العشاء الرباني بدلًا من هذا السم (الخمر).
قال القس دميلو معلقًا على رسالة بولس الآنفة في نصيحته الطبية بشرب الخمر!: «إنها تعلمنا أنه من الصواب تعاطي المسكرات من الخمر، ولقد تعلّم آلاف المسيحيين إدمان الخمور بعد أن رشفوا ما يسمونه دم المسيحأثناء المشاركة في شعائر الكنيسة»(البهريز علاء أبو بكر السؤال: 303) _ ويرافق هذا الطقس اعتقاد عقيدتي الاتحاد والحلول «أولستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح... أولستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس» (كورنثوس (1)6: 15_19) _.
فالجميع يعلم ما تفعله الخمر بالعقل وتصيّر صاحبها إلى جنون مؤقت، وقد يرتكب أثناء تغطيتها لعقله أو نشوتها بنفسه أعنف الجرائم التي كان في صحوه ينفر من مجرد التفكير بها.
قال الدكتور شارل ريشيه الحاصل على جائزة نوبل للفسيولوجيا: «هناك العديد من القوى المدمرة التي تنتهك وتدمّر الأمم، وأحد أخبث وأخطر هذه القوى الخمر»البهريز: 303.
فالخمر مدمرة للصحة، فهي تسبب تشمّع الكبد والسرطان وأمراض القلب والمعدة والبنكرياس والأمعاء، وتسبب العلل النفسية، وتدمر الأسر والمجتمع بنتائجها الكارثية من قتل وطلاق وحوادث سير، وغير ذلك كثير«وحقًا إن الخمر غادرة» (حبقوق 2: 5).
قال الدكتور المصري وديع أحمد فتحي (عن كتابه رد شبهات النصارى ضد الإسلام: 50_51) ــ وقد كان شماسًا أرثوذكسيًا وهداه الله للإسلام_: «وكنت أرى القساوسة يموتون بسرطان المعدة والكبد والبنكرياس، وكنت أعلم أن سبب هذا هو الخمر الكثير الذي يشربونه في صلاة القداس وفي بيوتهم، لذلك نجدهم دائمًا يضحكون وخدودهم حمراء! ولما كنت طالبًا في كلية الطب كان أشهر قسيس في الإسكندرية هو بيشوي كامل راعي كنيسة جرجس، وقد مرض وسافر إلى لندن، وعاد بعد شهرين ليروي لنا أنه بعد عمل الإشاعات اكتشفوا وجود سرطان في معدته، وقرروا إجراء جراحة لها، لكنه أخذ صورة مريم العذراء في حضنه وبات يبكي، وفي الصباح اكتشف الأطباء أن الورم قد اختفى، وأخبرهم أن مريم العذراء جاءته في الليل وشفته، والمؤسف أنه كان يكذب علينا، فقد مات بعد شهر بسبب انتشار السرطان في جسده».
لقد كان نقض الناموس لأغراض عدة ومنها وصولهم لإباحة الخمر, ولنقض النّاموس حديث لاحقٌ بمشيئة الله تعالى.
أما الإسلام العظيم فقد حسم مادتها نهائيًا, وحكم عليها بأنّها من كبائر الذنوب. قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" [المائدة: 90، 91].
ولله در الصحابة الأطهار الأبرار الذين استجابوا لهذه الآية بقولهم: انتهينا انتهينا، وبفعلهم حينما سكبوا الخمر وتـخلصوا منها مباشرة بعد نهي الله لهم عنها.
وصلى الله وسلم وبارك على الرحمة المهداة محمد وعلى آله وصحبة ومن تبعهم بإحسان.
مدونة: كلنا نحب المسيح عليه السلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق