"يَا طُوبَى لِلشَّامِ!"
الحمد لله الذي فضل بعض البلدان واختارها, وقدّم بعض البقاع واصطفاها,
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته
ومصطفاه, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه, وبعد:
فلقد تربعّت الشام على أفئدة المؤمنين, وسكنتها قلوب الصالحين, ودرجت عليها
نفوس الأنبياء والمرسلين, فهي سيّدةُ البقاع بعد الحرمين, وإليها موئل الإيمان
ومأرز الجهاد في آخر الأيام, وفيها عسكر الإيمان ومهاجر جند الإسلام قبل نهاية
الزمان, ولعلّ شدة المخاض في هذه الأيام في غالية الإسلام سوريا أمارات لذلك الأمر
الجليل.
فَيَا رَبِّ هَل إلاَّ بِكَ النَّصرُ يُبتَغَى وَيَا رَبِّ هَل إلاَّ عَلَيكَ
المُعَوَّلُ
وفي هذا المقال وقفات مختصرة لإجلاء بعض
تيك الفضائل وتنويهاً بصلاح أهلها في آخر سِنِيِّ الدنيا.
كتب
شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (مناقب الشام وأهله): "ثبت
للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة وآثار العلماء, وهي أحد ما اعتمدته في تحضيضي
على غزو التتار، وأمري لهم بلزوم دمشق، ونهيي لهم عن الفرار إلى مصر، واستدعائي
للعسكر المصري إلى الشام، وتثبيت العسكر الشامي فيه، وقد جرت في ذلك فصول متعددة.
وهذه المناقب أمور: أحدها البركة فيه، ثبت ذلك بخمس آيات من كتاب الله تعالى:
الأولى: قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام: "وأورثنا القومَ الذين كانوا يُستضعفونَ مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمّت كلمةُ ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا " (الأعراف: 129-137) ومعلوم أن بني إسرائيل إنما أورثوا مشارق أرض الشام ومغاربها بعد أن أغرق فرعون في اليم.
الثانية: قوله تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" (الإسراء: 1) وهي أرض الشام.
وهذه المناقب أمور: أحدها البركة فيه، ثبت ذلك بخمس آيات من كتاب الله تعالى:
الأولى: قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام: "وأورثنا القومَ الذين كانوا يُستضعفونَ مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمّت كلمةُ ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا " (الأعراف: 129-137) ومعلوم أن بني إسرائيل إنما أورثوا مشارق أرض الشام ومغاربها بعد أن أغرق فرعون في اليم.
الثانية: قوله تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" (الإسراء: 1) وهي أرض الشام.
الثالثة: قوله تعالى في قصة
إبراهيم عليه السلام: "وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين. ونجّيناه ولوطاً
إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين" (الأنبياء: 70-71) ومعلوم أن إبراهيم
إنما نجاه الله ولوطاً إلى أرض الشام من أرض الجزيرة والعراق.
الرابعة: قوله تعالى: "ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين" (الأنبياء: 81) وإنما كانت تجري إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان.
الرابعة: قوله تعالى: "ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين" (الأنبياء: 81) وإنما كانت تجري إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان.
الخامسة: قوله تعالى في قصة
سبأ: "وجعلنا بينهم وبين القرى
التي باركنا فيها قرىً ظاهرة وقدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالَ وأياماً آمنين"
(سبأ: 18) وهو ما كان بين اليمن وبين قرى الشام من العمارة القديمة كما ذكره
العلماء.
فهذه خمسة نصوص حيث ذكر الله أرض الشام، في
هجرة إبراهيم إليها، ومسرى الرسول إليها، وانتقال بني إسرائيل إليها، ومملكة
سليمان بها، ومسير سبأ إليها، وصفها بأنها الأرض التي باركنا فيها.
وأيضاً ففيها الطور الذي كلم الله عليه موسى
والذي أقسم الله به في سورة الطور، وفي سورة التين "والتين والزيتون. وطور
سينين" (التين: 1-2) وفيها المسجد الأقصى، وفيها مبعث أنبياء بني إسرائيل،
وإليها هجرة إبراهيم، وإليها معراج ومسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، ومنها معراجه،
وبها مُلكه، وعمود دينه وكتابه، والطائفة المنصورة من أمته، وإليها المحشر والمعاد,
كما أن من مكة المبدأ، فمكة أم القرى من تحتها دحيت الأرض.
والشام إليها يحشر الناس كما في قوله تعالى: "لأول الحشر" (الحشر: 3) نبّه على الحشر الثاني، فمكة مبدأ وإيلياء معاد
في الخلق، وكذلك بدأ الأمر؛ فإنه أسرى بالرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى
إيلياء، ومبعثه ومخرج دينه من مكة، وكمال دينه وظهوره وتمامه حتى يملكه المهدي
بالشام. فمكة هي الأول، والشام هي الآخر في الخلق والأمر، في الكلمات الكونية
والدينية.
ومن ذلك أن بها الطائفة المنصورة إلى قيام
الساعة, التي ثبت فيها الحديث في الصحاح من حديث معاوية وغيره: "لا تزال طائفة من أمتي
ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة" وفيهما عن
معاذ بين جبل قال:
"وهم بالشام". وفي تاريخ البخاري مرفوعاً قال: "وهم بدمشق".
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال أهل الغرب
ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة".
وقال أحمد بن حنبل: أهل المغرب هم أهل الشام.
وهو كما قال لوجهين.... فما كان غربي الفرات فهو غربي المدينة، وما كان ثَمّ
شرقيها فهو شرقي المدينة. فأخبر صلى الله عليه وسلم أن
أهل الغرب لا يزالون ظاهرين، وأما أهل الشرق فقد يظهرون تارة، ويُغلَبون أخرى،
وهكذا هو الواقع، فإن الجيش الشامي ما زال منصوراً. وكان أهل المدينة يسمون
الأوزاعي: إمام أهل الغرب،ويسمون الثوري شرقياً، ومن أهل الشرق.
ومن ذلك أنها خيرة الله الأرض، وأن أهلها خيرة الله وخيرة أهل الأرض، واستدل أبو داود في سننه على ذلك بحديث كثير مثل؛ حديث عبد الله بن حوالة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ستجندون أجناداً؛ جنداً بالشام، وجنداً باليمن، وجنداً بالعراق". فقال الحوالي: يا رسول الله، اخترْ لي. قال: "عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها حزبه من عباده، فمن أبي فليلحق بيمنه، وليَسْقِ من غُدُرِهِ، فإن الله تكفّل لي بالشام وأهله"(2) وكان الحوالي _راوي الحديث_ يقول: من تكفّل الله به فلا ضيعة عليه.... وحديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل: "سيكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم، وتقذرهم نفس الرحمن، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير, تبيت معهم حيثما كانوا، وتقيل معهم حيثما قالوا" فقد أخبر أن خيار أهل الأرض من ألزمهم مهاجر إبراهيم، بخلاف من يأتي إليه ثم يذهب عنه، ومهاجر إبراهيم هي الشام. وفي هذا الحديث بشرى لأصحابنا الذين هاجروا من حرّان وغيرها إلى مهاجر إبراهيم، واتبعوا ملة إبراهيم، ودين نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم, وبيان أن هذه الهجرة التي لهم بعد هجرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، لأن الهجرة إلى حيث يكون الرسول وآثاره، وقد جعل مهاجر إبراهيم تعدل مهاجر نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن الهجرة إلى مهاجره انقطعت بفتح مكة.
ومن ذلك أنها خيرة الله الأرض، وأن أهلها خيرة الله وخيرة أهل الأرض، واستدل أبو داود في سننه على ذلك بحديث كثير مثل؛ حديث عبد الله بن حوالة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ستجندون أجناداً؛ جنداً بالشام، وجنداً باليمن، وجنداً بالعراق". فقال الحوالي: يا رسول الله، اخترْ لي. قال: "عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها حزبه من عباده، فمن أبي فليلحق بيمنه، وليَسْقِ من غُدُرِهِ، فإن الله تكفّل لي بالشام وأهله"(2) وكان الحوالي _راوي الحديث_ يقول: من تكفّل الله به فلا ضيعة عليه.... وحديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل: "سيكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم، وتقذرهم نفس الرحمن، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير, تبيت معهم حيثما كانوا، وتقيل معهم حيثما قالوا" فقد أخبر أن خيار أهل الأرض من ألزمهم مهاجر إبراهيم، بخلاف من يأتي إليه ثم يذهب عنه، ومهاجر إبراهيم هي الشام. وفي هذا الحديث بشرى لأصحابنا الذين هاجروا من حرّان وغيرها إلى مهاجر إبراهيم، واتبعوا ملة إبراهيم، ودين نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم, وبيان أن هذه الهجرة التي لهم بعد هجرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، لأن الهجرة إلى حيث يكون الرسول وآثاره، وقد جعل مهاجر إبراهيم تعدل مهاجر نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن الهجرة إلى مهاجره انقطعت بفتح مكة.
ومن ذلك أن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على
الشام، كما في الصحيح من حديث عبد الله بن
عمر.
ومن ذلك أن عمود الكتاب والإسلام بالشام كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ كأن عمود الكتاب أخِذ من تحت رأسي،
فأتبعتُه بصري فذُهِب به إلى الشام"...ومن ذلك أنها عقر دار المؤمنين، كما
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "وعقر دار المؤمنين بالشام" ولهذا استدللتُ
لقوم من قضاة القضاة وغيرهم في فتن قام فيها علينا قوم من أهل الفجور والبدع
الموصوفين بخصال المنافقين، لما خوّفونا منهم، فأخبرتُهم بهذا الحديث: "وأن
منافقينا لا يغلبوا مؤمنين" وقد ظهر مصداق هذه النصوص النبوية على أكمل
الوجوه في جهادنا للتتار، وأظهر الله للمسلمين صدق ما وعدناهم به، وبركة ما
أمرناهم به، وكان ذلك فتحاً عظيماً ما رأى المسلمون مثله، مثل صرح مملكة التتار
التي أذلت أهل الإسلام، فإنهم لم يهزَموا أو يُغلَبوا كما غُلِبوا على باب دمشق في
الغزوة الكبرى التي أنعم الله علينا فيها من النعم بما لا نحصيه خصوصاً وعموماً"(3).
وقال رحمه الله: "والنبي
صلى الله عليه وسلم ميَّز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائماً إلى آخر
الدهر، وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر، فهو إخبار عن أمر دائم مستمر
فيهم مع الكثرة والقوة، وهذا الوصف ليس لغير أهل الشام من أرض الإسلام، فإن الحجاز
التي هي أصل الإيمان نقص في آخر الزمان منها: العلم والإيمان، والنصر والجهاد،
وكذلك اليمن والعراق والمشرق، وأما الشام فلم يزل فيها العلم والإيمان، ومن يقاتل
عليه منصوراً مؤيداً في كل وقت"(4).
وكم بالشام من شرف وفضل ومرتقب لدى برّ وبحر
بلاد بـارك الرحــــمن فيــــها فقـدّسـها على علم وخبر
قال الحسن وقتادة رحمها الله تعالى: إن الأرض
"التي باركنا فيها": هي الشام, وقال قتادة: هي الشام وقد أُنجي إبراهيم
ولوط عليهما السلام من العراق إلى الشام, وكان يقال للشام عماد دار الهجرة، وما
نقص من الأرض زيد في الشام، وما نقص في الشام زيد في فلسطين، وكان يقال: هي أرض
المحشر والمنشر، وبها مجمع الناس، وبها ينزل عيسى بن مريم، وبها يهلك الله شيخ
الضلالة الكذَّاب الدجال (5) وقال ابن جرير رحمه الله: "هي أرض الشام،
وإنما اخترنا ما اخترنا من القول في ذلك لأنه لا خلاف بين جميع أهل العلم أن هجرة
إبراهيم من العراق كانت إلى الشام، وبها كان مقامه أيام حياته، وإن كان قد كان قدم
مكة، وبنى بها البيت، وأسكنها إسماعيل ابنه مع أمه هاجر، غير أنه لم يقم بها، ولم
يتخذها وطناً لنفسه، ولا لوط، والله إنما أخبر عن إبراهيم ولوط أنهما أنجاهما إلى
الأرض التي بارك فيها للعالمين (7).
قال الخطابي: فالهجرة الثابتة هي الهجرة إلى
الشام يرغب فيها خيار الناس، وهي مهاجر إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وعلى
آلهما وسلم(8).
وقال ابن رجب الحنبلي: واعلم
أن البركة في الشام تشمل البركة في أمور الدين والدنيا، ولهذا سميت الأرض المقدسة(9).
وعند أحمد والطبراني وابن حبان والترمذي وحسنه
والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا طوبى للشام!يا طوبى للشام! يا طوبى
للشام!قالوا: يا رسول الله ولم ذلك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على
الشام".
وفي الصحيحين عنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله
عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في
شامنا اللهم بارك لنا في يمننا..."
وعند أحمد والترمذي والحاكم بسند صحّحه
الألباني عن معاوية بن حيدة رضي الله قَالَ: قلت: يا رسول الله أين تأمرني؟ وفي
رواية (خِرْ لِي) قال: "ها هنا" ونحا بيده نحو الشام, قال: "إنكم
محشورون رجالاً وركباناً وتُجَرّون على وجوهكم".
وعند أحمد بسند حسّنه الألباني عن أبي أمامة
الباهلي قال:
"لا تقوم الساعة حول خيار أهل العراق إلى الشام، ويتحول شرار أهل الشام إلى
العراق، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
:"عليكم بالشام".
وعند ابن ماجه والحاكم بسند صححه الألباني عن
أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثاً من الموالي أكرم
العرب فرسا وأجودهم سلاحا يؤيد الله بهم الدين".
وعند أحمد وأبي داود والحاكم بسند صححه الذهبي والمنذري والألباني عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال":فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق، من خير مدائن الشام"وفي رواية " يوم الملحمة الكبرى، فسطاط المسلمن بأرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق خير منازل المسلمين يومئذ".
وعند أحمد وأبي داود والحاكم بسند صححه الذهبي والمنذري والألباني عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال":فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق، من خير مدائن الشام"وفي رواية " يوم الملحمة الكبرى، فسطاط المسلمن بأرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق خير منازل المسلمين يومئذ".
وعند
أحمد ومسلم وغيرهما عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق".
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قلت يا نبي
الله! ما كان أوّل بدء أمرك؟ قال: "دعوة أبي إبراهيم, وبشرى عيسى, ورأت أُمّي
أنه يخرج منها نور أضاءت منها قصور الشام".
قال ابن كثير (10): "وتخصيص الشام بظهور
نوره إشارة إلى استقرار دينه، ونبوته ببلاد الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان
معقلاً للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم".
وعند أحمد والترمذي واللفظ له عن قُرَّة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال
طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة".
وعند
الطبراني بسند صححه الألباني عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "عليكم بالشام, فإنها صفوة بلاد الله, يسكنها خيرته من
خلقه".
وروى
البزار عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بينا أنا نائم رأيت عمود
الكتاب احتمل من رأسي فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام".
وفي فضائل الشام ودمشق بسند صححه الألباني عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بناء له, فسلمت عليه, فقال: "عوف" قلت: نعم يا رسول الله, قال: " ادخل" فقلت: كلي أم بعضي؟ قال: " بل كلك" قال: فقال لي: " اعدد عوف ستا بين يدي الساعة أولهن موتي" قال: فاستبكيت حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكتني قال: "قل إحدى والثانية فتح بيت المقدس قل اثنين والثالثة فتنة تكون في أمتي وعظمها والرابعة موتان يقع في أمتي يأخذهم كقعاص الغنم والخامسة يفيض المال فيكم فيضا حتى أن الرجل ليعطى المائة دينار فيظل يسخطها قل خمسا والسادسة هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر يسيرون إليكم على ثمانين راية تحت كل راية ثمانين ألفا فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها الغوطة فيها مدينة ويقال لها دمشق".
وفي فضائل الشام ودمشق بسند صححه الألباني عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بناء له, فسلمت عليه, فقال: "عوف" قلت: نعم يا رسول الله, قال: " ادخل" فقلت: كلي أم بعضي؟ قال: " بل كلك" قال: فقال لي: " اعدد عوف ستا بين يدي الساعة أولهن موتي" قال: فاستبكيت حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكتني قال: "قل إحدى والثانية فتح بيت المقدس قل اثنين والثالثة فتنة تكون في أمتي وعظمها والرابعة موتان يقع في أمتي يأخذهم كقعاص الغنم والخامسة يفيض المال فيكم فيضا حتى أن الرجل ليعطى المائة دينار فيظل يسخطها قل خمسا والسادسة هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر يسيرون إليكم على ثمانين راية تحت كل راية ثمانين ألفا فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها الغوطة فيها مدينة ويقال لها دمشق".
ونقف عند فتوى جامعة للشيخ الشامي الجامع شيخ
الإسلام رحمه الله حينما سُئل: ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين؟ هل تفضل
الإقامة في الشام على غيره من البلاد؟ وهل جاء في ذلك نص في القرآن أو الأحاديث
أم لا؟ أجيبونا مأجورين. فأجاب رحمه الله: "الحمد لله، الإقامة في كل موضع تكون
الأسباب فيه أطوع لله ورسوله، وأفعل للحسنات والخير، بحيث يكون أعلم بذلك، وأقدر
عليه، وأنشط له أفضل من الإقامة في موضع يكون حاله فيه في طاعة الله ورسوله دون
ذلك. هذا هو الأصل الجامع، فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم. والتقوى هي ما فسرها الله
تعالى في قوله: "وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ" إلى قوله: "أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ
هُمُ الْمُتَّقُونَ" [البقرة:220]، وجماعها فعل ما أمر الله به
ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله. وإذا كان هذا هو الأصل فهذا يتنوع بتنوع
حال الإنسان. فقد يكون مقام الرجل في أرض الكفر والفسوق من أنواع البدع والفجور
أفضل؛ إذا كان مجاهدا في سبيل الله بيده أو لسانه، آمراً بالمعروف، ناهياً عن
المنكر، بحيث لو انتقل عنها إلى أرض الإيمان والطاعة لقلت حسناته، ولم يكن فيها
مجاهدا، وإن كان أروح قلباً, وكذلك إذا عدم الخير الذي كان يفعله في أماكن
الفجور والبدع.
ولهذا كان المقام في
الثغور بنية المرابطة في سبيل الله تعالى، أفضل من المجاورة بالمساجد الثلاثة
باتفاق العلماء؛ فإن جنس الجهاد أفضل من جنس الحج، كما قال تعالى: "أَجَعَلْتُمْ
سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ
وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ
فِي سَبِيلِ اللّهِ" [التوبة: 19، 20]. وسئل النبي صلى الله عليه
وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله، وجهاد في سبيله"
قال: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".
وهكذا
لو كان عاجزا عن الهجرة والانتقال إلى المكان الأفضل التي لو انتقل إليها لكانت
الطاعة عليه أهون، وطاعة الله ورسوله في الموضعين واحدة، لكنها هناك أشق عليه.
فإنه إذا استوت الطاعتان فأشقهما أفضلهما، وبهذا ناظر مهاجرة الحبشة المقيمون بين
الكفار لمن زعم أنه أفضل منهم، فقالوا: كنا عند البغضاء البعداء، وأنتم عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم: يعلم جاهلكم، ويطعم جائعكم، وذلك في ذات الله.
وأما إذا كان دينه هناك أنقص
فالانتقال أفضل له، وهذا حال غالب الخلق، فإن أكثرهم لا يدافعون، بل يكونون على
دين الجمهور ... وأما الفضيلة الدائمة في كل وقت ومكان ففي الإيمان والعمل
الصالح، كما قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ
وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ
صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ"[البقرة: 62]. وقال
تعالى: "وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ
نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ
عِندَ رَبِّهِ" [البقرة:111، 112]. وقال تعال: "وَمَنْ
أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ
مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً"
[النساء: 125]. وإسلام الوجه لله تعالى هو إخلاص القصد والعمل له والتوكل
عليه ....فلا ينبغى للرجل أن يلتفت إلى فضل البقعة في فضل أهلها مطلقا، بل يعطى كل
ذي حق حقه، ولكن العبرة بفضل الإنسان في إيمانه وعمله الصالح والكلم الطيب، ثم قد
يكون بعض البقاع أعون على بعض الأعمال كإعانة مكة حرسها الله تعالى على الطواف
والصلاة المضعفة ونحو ذلك. وقد يحصل في الأفضل معارض راجح يجعله مفضولاً؛ مثل من
يجاور بمكة مع السؤال والاستشراف، والبطالة عن كثير من الأعمال الصالحة، وكذلك من
يطلب الإقامة بالشام لأجل حفظ ماله وحرمة نفسه، لا لأجل عمل صالح، فالأعمال
بالنيات" (11).
إنّها الشام, مشى على ثراها كرام المرسلين كمحمد
وإبراهيم وموسى وعيسى وأنبياء بني إسرائيل, ووصلتها طلائع الأمة الحمّادة المرحومة
فاتحة مظفرة منصورة منهم عشرة آلاف من
الأصحاب مئة منهم من البدريين. قال الوليد بن مسلم: دخلت الشام عشرة آلاف عين رأت
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم تكسّرت على سواعد بواسلها حملات الصليب طوال
مئتي عام, فلله هم من حُمَاةٍ للدين, رحم الله أسلافهم, وحفظ الأحياء.
ختاماً؛ يا أهلنا في
الشام اللهَ اللهَ في الاعتصام بحبل الله وإخلاص الدين له, وفي التزام أسباب النصر,
وفي تحقيق التوكل على الله والبراءة من الحول والقوة إلا به, مع الأخذ بالمباح من
الأسباب "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"(محمد:
7) " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"
(غافر:51) وفي الاجتماع على الحق "وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا
وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين" (الأنفال: 46) وفي الأخذ بأسباب
التمكين, ومن كان الله معه فمعه القوة التي لا تُغلب, ومن آوى إليه فقد آوى إلى
ركن شديد.
ورحم الله شوقي حين صَدَحَ:
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ
وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ
دَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَهُ اِئتِلاقٌ وَوَجهُكِ ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُ
وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري وَمِلءُ رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ
غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ
وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ
تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ
وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ
سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّ
بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ
لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ
رُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها أَحَقٌّ أَنَّها دَرَسَت أَحَقُّ
وَهَل غُرَفُ الجِنانِ مُنَضَّداتٌ وَهَل لِنَعيمِهِنَّ كَأَمسِ نَسقُ
وَأَينَ دُمى المَقاصِرِ مِن حِجالٍ مُهَتَّكَةٍ وَأَستارٍ تُشَقُّ
بَرَزنَ وَفي نَواحي الأَيكِ نارٌ وَخَلفَ الأَيكِ أَفراخٌ تُزَقُّ
إِذا رُمنَ السَلامَةَ مِن طَريقٍ أَتَت مِن دونِهِ لِلمَوتِ طُرقُ
بِلَيلٍ لِلقَذائِفِ وَالمَنايا وَراءَ سَمائِهِ خَطفٌ وَصَعقُ
إِذا عَصَفَ الحَديدُ احمَرَّ أُفقٌ عَلى جَنَباتِهِ وَاسوَدَّ أُفقُ
سَلي مَن راعَ غيدَكِ بَعدَ وَهنٍ أَبَينَ فُؤادِهِ وَالصَخرِ فَرقُ
إِذاما جاءَهُ طُلّابُ حَقٍّ يَقولُ عِصابَةٌ خَرَجوا وَشَقّوا
بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا
وَحُرِّرَتِ الشُعوبُ عَلى قَناها فَكَيفَ عَلى قَناها تُستَرَقُّ
بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوا
فَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا بِأَلقابِ الإِمارَةِ وَهيَ رِقُّ
وَكَمْ صَيَدٍ بَدا لَكَ مِن ذَليلٍ كَما مالَتْ مِنَ المَصلوبِ عُنقُ
فُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي وَلا يَمضي لِمُختَلِفينَ فَتقُ
نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ
وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حَياةٍ فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ
وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ
فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ
نَصَرتُمْ يَومَ مِحنَتِهِ أَخاكُمْ وَكُلُّ أَخٍ بِنَصرِ أَخيهِ حَقُّ
لِكُلِّ لَبوءَةٍ وَلِكُلِّ شِبلٍ نِضالٌ دونَ غايَتِهِ وَرَشقُ
وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ
وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ
دَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَهُ اِئتِلاقٌ وَوَجهُكِ ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُ
وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري وَمِلءُ رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ
غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ
وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ
تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ
وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ
سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّ
بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ
لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ
رُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها أَحَقٌّ أَنَّها دَرَسَت أَحَقُّ
وَهَل غُرَفُ الجِنانِ مُنَضَّداتٌ وَهَل لِنَعيمِهِنَّ كَأَمسِ نَسقُ
وَأَينَ دُمى المَقاصِرِ مِن حِجالٍ مُهَتَّكَةٍ وَأَستارٍ تُشَقُّ
بَرَزنَ وَفي نَواحي الأَيكِ نارٌ وَخَلفَ الأَيكِ أَفراخٌ تُزَقُّ
إِذا رُمنَ السَلامَةَ مِن طَريقٍ أَتَت مِن دونِهِ لِلمَوتِ طُرقُ
بِلَيلٍ لِلقَذائِفِ وَالمَنايا وَراءَ سَمائِهِ خَطفٌ وَصَعقُ
إِذا عَصَفَ الحَديدُ احمَرَّ أُفقٌ عَلى جَنَباتِهِ وَاسوَدَّ أُفقُ
سَلي مَن راعَ غيدَكِ بَعدَ وَهنٍ أَبَينَ فُؤادِهِ وَالصَخرِ فَرقُ
إِذاما جاءَهُ طُلّابُ حَقٍّ يَقولُ عِصابَةٌ خَرَجوا وَشَقّوا
بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا
وَحُرِّرَتِ الشُعوبُ عَلى قَناها فَكَيفَ عَلى قَناها تُستَرَقُّ
بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوا
فَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا بِأَلقابِ الإِمارَةِ وَهيَ رِقُّ
وَكَمْ صَيَدٍ بَدا لَكَ مِن ذَليلٍ كَما مالَتْ مِنَ المَصلوبِ عُنقُ
فُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي وَلا يَمضي لِمُختَلِفينَ فَتقُ
نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ
وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حَياةٍ فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ
وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ
فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ
نَصَرتُمْ يَومَ مِحنَتِهِ أَخاكُمْ وَكُلُّ أَخٍ بِنَصرِ أَخيهِ حَقُّ
لِكُلِّ لَبوءَةٍ وَلِكُلِّ شِبلٍ نِضالٌ دونَ غايَتِهِ وَرَشقُ
أللهم نصراً عاجلاً وفتحاً مبيناً يا حي يا قيوم يا جبّار يا
قهّار وأنت على كل شيء قدير, والحمد لله على كل حال, وصلى الله وسلم وبارك على
محمد وآله وصحبه.
إبراهيم الدميجي
19/ 4/ 1433
@aldumaiji
...............................................
(1) (وقد سُطرت مؤلفات عدّة في القديم
والحديث حيال فضائل الشام وأهله منها: (فضائل الشام ودمشق) لأبي الحسن علي بن محمد
الربعيي, وخرّج المرفوع من أحاديثه الإمام الألباني رحمه الله، وخرّج وطبع معه (مناقب
الشام وأهله)
للإمام ابن تيمية وأكثر أحاديث هذا المقال مستفادة منه, (فضائل الشام) للحافظ أبي سعد عبدالكريم السمعاني, (فضائل الشام لابن رجب
الحنبلي), (فضائل الشام) للحافظ
ضياء الدين المقدسي, (نزهة الأنام في محاسن الشام) لأبي البقاء عبد الله بن محمد البدري, (حدائق الإنعام في فضائل الشام) لعبدالرحمن بن إبراهيم بن عبدالرزاق الدمشقي, (ترغيب أهل
الإسلام بسكنى الشام) تصنيف العز بن عبدالسلام, (بغية المرام في سكن
المدينة والشام) لعبدالمطلب بن محمد الخطيب الحسني, (الإعلام بسن الهجرة إلى الشام)
لبرهان الدين إبراهيم البقاعي وفي (تاريخ دمشق لابن عساكر) طائفة حسنة شريفة من
الأحاديث والآثار في شأن الشام ولابن عبدالهادي مصنف في ذلك, وغير ذلك كثير).
(2) قال العز ابن عبد السلام
رحمه الله: وهذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
باختيار الشام، وبفضلها وباصطفائه ساكنيها، واختياره لقاطنيها، وقد رأينا ذلك
بالمشاهدة، فإن من رأى صالحي أهل الشام ونسبتهم إلى غيرهم رأى بينهم من التفاوت ما
يدل على اصطفائهم واجتبائهم.
(3) مجموع الفتاوى (27: 505_511)باختصار
وتصرف يسير, والرسالة مطبوعة بعنوان مناقب الشام وأهله بتخريج الإمام الألباني
رحمه الله تعالى.
(4) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (4/449).
(6) أخرجه ابن جرير في تفسيره (18: 469).
(7) تفسيرالطبري (18: 470).
(8) عن (إسعد الأخصّا بذكر
صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى) (1/14).
(9) السابق (1/18).
(10) تفسير ابن كثير (1/444).
(11) مجموع الفتاوى (27: 39_
47).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق