"مَفْخَرَةُ
الإِسْلَامِ مَجمعُ الملكِ فَهد, وأربَعُ رَغَائِبٌ"
الحمد لله العظيم الجليل، الكريم الجميل,
امتن علينا بإنزال القرآن وتيسيره, فله الحمد على رحمته ولطف تدبيره، وبعد:
في صحيح الإمام البخاري قال ابن رواحة عليه
الرضوان يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وفينا رسولُ الله يتلو
كتابَهُ ... إذا انشقّ معروفٌ من الفجرِ ساطعُ
يبيتُ يجافي جنبهُ عن
فراشـه ... إذا استثقلَت بالمشركين المضاجعُ
أرانا الهدى بعد العمى
فقـلوبنا ... به موقنـــات أنّ ما قال واقـعُ
فهو أجلّ كتاب في الوجود،
وأعزّ عهدٍ للخليقة، "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم
حميد" لو أُنزل على جبل لخشعَ وانصدعَ, أعجزَ البلغاء وقطع الفطاحل الفصحاء،
لو اجتمع الثقلان ما نظموا كمثله آية، أعظمُ إعجازِهِ أنّهُ كلام الله تعالى، إنّه:
"تنزيل من رب العالمين" وتدبّر "إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً"
وتأمل كيف تبرك الناقة وقت الإيحاء، بل كيف كان يتفصّد وجه نبي الله صلى الله عليه
وسلم عرقاً ولو كان في الليلة الشاتية، إنه كلام رب العالمين، فلا
إله إلا الله ما أعظمه وأجله وأبهاه وأحسنه! ثم تأمل عظمة وجلال
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أذن
الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به" رواه البخاري عن أبي هريرة
رضي الله عنه _ما أذن: أي ما استمع_، ثمّ استماع الملائكة الكرام حينما نزلت على أسيد
بن حضير رضي الله عنه لما قرأ الكهف في صلاته فنزلت كالظلة التي فيها سرج..رواه
مسلم. كذلك محبة نبي الله صلى الله عليه وسلم استماع القرآن من غيره كما فعل مع
ابن مسعود وأبي موسى وسالم وأهل الصفة رضي الله عنهم.
كان عكرمة رضي الله عنه يضع المصحف على وجهه
ويقبّله، ويقول: كلام ربي، كلام ربي. احتفاءً وفرحاً وإجلالاً.
إن من أعظم منن الله تعالى على المؤمنين أن
انزل القرآن ثم يسرّه، وإلا فكيف يطيق مخلوق عظمة كلام الخالق؟! وقد نبّه الله تعالى إلى
هذه النعمة النفيسة بقوله: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر"
فالذكرى هي الغاية، وقد قال تبارك وتعالى في هذا المعنى الجليل " فإنما
يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون" فهلا وقفناً ملياً على عتبة باب هذه الآية
الجليلة ، إنه كلام الله وكفى!
وأجمل وأحسِن بمن اقتفى أثر أولئك الصفوة، فكانت له ختمة أسبوعية،
ولو أن يقرأ ما تيسر نظراً في النهار - كثلاثة أجزاء مثلاً- ثم يتغنى بجزء ونصف
آخر الليل مناجياً به ربه، قد صف قدميه وألقى سمعه وشهد بقلبه عجائب الكتاب العزيز، ألا رَبِحَتْ صفقة
السابقين!
قال يحيى بن معاذ: أشتهي من الدنيا شيئين
؛ بيتاً خالياً، ومصحفاً جيد الخط أقرأ فيه القرآن. ووجد عمر بن الخطاب مع
رجل مصحفاً قد كتبه بقلم دقيق، فقال : ماهذا؟ قال: القرآن كله. فكره ذلك وضربه،
وقال: عظِّموا كتاب الله. وكان إذا إذا رأى
مصحفاً عظيماً سرّ به.
قال أبو حكيمة العبدي: أتى علي رضي الله عنه
وأنا أكتب مصحفاً، فجعل ينظر إلى كتابي، فقال: أجِلَّ قلمك ، فقضمت من قلمي قضمة
ثم جعلت أكتب فنظر إلي فقال: نعم، نوّره كما نوَّره الله.(المتحف في أحكام المصحف.
د. صالح الرشيد)
وقال آخر: إني لأستحي أن يمر علي
يوم لم أنظر فيه إلى عهد ربي- أي القرآن- وقال الزهري فيمن يصلي وهو يقرأ من
المصحف: قد كان يفعله الصالحون من هذه الأمة.
إذن فالعناية بكتابة المصحف جادّة مسلوكة
وسابلة مطروقة لسلف الأمة الصالح, ورضي الله عن الصحابة حينما كانوا يكتبونه على
العسب واللخاف وعظام الأكتاف والرقاع والأديم ونحوها، ثم انتشرت كتابتها بعد جمع
أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه للقرآن ونشره في الأمصار، ثم أخذ النساخ في
كتابته مع عوزها عند الكثير,حتى جاء عصر
المطابع فلم يكد يخلُ بيت مسلمين من مصحف بحمد الله, ثم كان واسطة عقد
المطابع وألماسة خاتمها؛ مجمع الملك فهد بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم.
والمجمع أحد المكرمتين اللتين أكرم الله بهما
عبده فهد بن عبدالعزيز رحمه الله وأعلى نزله وشكر سعيه وقبل منه، افتتحه في 6/2/1405والأخرى توسعة الحرمين، ولا
أزكيه على الله تعالى.
فأعظم مهام هذا الصرح؛ طباعة القرآن بمختلف
القراءات ، وتفسيره، وترجمة معانيه، وخدمة السنة والسيرة النبوية، وإصدار مصاحف
صوتية مرتلة بمختلف القراءات,ويعمل فيه أكثر من (1700) بين عالم وإداري
ومهندس ومراقب , أنتج أكثر من (160) مليون نسخة, وقد أنتج
أكثر من (160) إصداراً, منها قرابة (100) ترجمة لمعاني القرآن
العظيم إلى (50) لغة.
وقد ظهر حرصهم على الضبط وجودة الطباعة
جليّاً, فالمصحف الواحد يطبع على أدقّ الطابعات وأنفس الصحائف, ويمرّ عبر مدققين كُثُر
قبل اعتماده, ويكرّم من وَجَدَ ونبّهَ على أدنى خلل, ويعاقب من مرّ عليه ذلك الخلل
دون الانتباه له.
وإنا لنرغب إليهم
بدراسة أربعة أمور:
1_ طلب إصدار نسخة مسبّعة,
وهي غالب تحزيب الصحابة.
(3سور, 5سور, 7سور, 9سور, 11سورة, 13سورة, بقية السور) أي طباعة
نسخة مجزأة لسبعة أجزاء لتسهيل الختمة الأسبوعية لأهل القرآن, سواءً نظراً أو
غيباً، في قيام الليل أو أطراف النهار. خاصة وأن المجمع الكريم قد بادر بإصدار
نسخة سداسية وقد راعى في الطبعة الثانية السور مع الأجزاء، وهذا فقه محمود.
والكلام حول التجزئه قد تجاوزه المجمع وقد عمل بالأيسر, فقد منع الإمام
مالك تقرقة المصحف وقال: لا يفرق القرآن وقد جمعه الله تعالى وهؤلاء يفرقونه، لا
أرى ذلك. أما الإمام أحمد فقد أجازه لتخفيف حمله. وقد ظهرت فوائد تجزئته خاصة
للمتعلمين كربع ياسين وعم يتساءلون ونحو ذلك, فالخطب يسير بحمد الله.
والتسبيع أسدّ وأفقه، قال عبدالله بن
الإمام أحمد: كان أبي يختم القرآن في النهار في كل سبعة، يقرأ في كل يوم سبعاً لا
يتركه نظراً. قلت: وهذا خارج قراءة صلاة الليل. وقال حنبل: كان أبو عبدالله يختم
من الجمعة إلى الجمعة. قلت: لعله راعى فضيلة يوم الجمعة بختمته. وفي مصنف ابن أبي شيبة
بسنده عن خيثمة قال: انتهيت إلى عبدالله بن عمرو وهو يقرأ في المصحف، فقال: هذا
حزبي الذي أريد أن أقوم به الليلة.
فالحزب ويسمى الجزء والورد سنة نبوية وطريقة
مصطفوية؛ فعند ابن خزيمة (١١٣٦) بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: وَجَدَ رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذات ليلة شيئاً فلما أصبح، قيل: يارسول الله، إن أثر الوجع
عليك لبيّن! فقال: "أما إني على ما ترون بحمد الله قد قرأت البارحة السبع
الطوال".
وكانوا حريصين على أحزابهم، فإن ناموا عنها
قضوها في الضحى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من نام عن حزبه أو عن
شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب كأنما قرأه من
الليل"(مسلم:٧٤٧) ولما استأذن رجل على عمر -وهو راوي حديث قضاء قراءة الليل
بالضحى- بالهاجرة، حجبه طويلاً، ثم أذن له، فقال: إني كنت نمت عن حزبي
فكنت أقضيه.(مصنف ابن أبي شيبة: ١/ ٤١٦)
قال
ابن القيم في المدارج: إذا تجردت الروح عند سماع كلام الله وكانت مستعدة، وباشر القلب
روح المعنى، وأقبل بكليته على المسموع، فألقى السمع وهو شهيد، وساعد طيب صوت
القارئ؛ كاد القلب يُفارق هذا العالم، ويلجُ عالماً آخر، ويجد له لذةً وحالاً لا
يعهدها في شيء غيره البتة، وذلك رقيقة من حال أهل الجنة.
وفي المسند(٤/ ٣٤٣) من حديث أوس بن حذيفة
الثقفي، وفيه: "فقلنا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث
سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب
المفصل ما بين "قٓ" وأسفل".-أي: البقرة وآل عمران والنساء حزب، وهكذا-
. وفي الطبراني؛ كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزب القرآن؟ فقالوا: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزبه ثلاثاً وخمساً..وذكره. قال شيخ الإسلام عقب
إيراده: وهذا الحديث يوافق معنى حديث عبدالله بن عمرو -يريد قوله صلى الله عليه
وسلم:" فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك" متفق عليه- في أن المسنون كان
عندهم قراءته في سبع، ولهذا جعلوه سبعة أحزاب، ولم يجعلوه ثلاثة ولا خمسة، وفيه
أنهم حزبوه بالسور وهذا معلوم بالتواتر...وهذا الذي كان عليه
الصحابة هو الأحسن لوجوه:
أحدها: أن هذه التحزيبات
المحدثة تتضمن دائماً الوقوف على بعض الكلام المتصل بما بعده، حتى يتضمن الوقف على
المعطوف دون المعطوف عليه، فيحصل القارى في اليوم الثاني مبتدئاً بمعطوف! كقوله تعالى:
"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" وقوله: "ومن يقنت منكن
لله ورسوله" وأمثال ذلك. ويتضمن الوقف على بعض القصة دون بعض -حتى كلام
المتخاطبين!- حتى يحصل الابتداء في اليوم الثاني بكلام المجيب كقوله تعالى:
"قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً" ومثل هذا الوقوف لا يسوغ في
المجلس الواحد إذا طال الفصل بينهما بأجنبي..
الثاني: أن النبي صلى الله
عليه وسلم كانت عادته الغالبة وعادة أصحابه أن يقرأ في الصلاة بسورة تامة...
والمقصود أن التحزيب بالسورة التامة أولى من التحزيب بالتجزئة.
الثالث: أن التجزئة المحدثة لا
سبيل فيها إلى التسوية بين حروف الأجزاء...(الفتاوى: ١٣/
٤٠٨-٤١٢ ملخصاً)
وعند أبي داود عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه
قال: استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين مكة والمدينة، فقال:
"إنه قد فاتني الليلة جزئي من القرآن، فإني لا أوثر عليه شيئاً" وله
بسند حسن من حديث أوس الثقفي، في حديث إسلام وفد ثقيف، وفيه:"فاحتبس علينا
ليلة، فقلنا: يارسول الله، لبثت عنا الليلة أكثر مما كنت تلبث؟ فقال: "نعم،
طرأ علي حزبي من القرآن، فكرهت أن أخرج من المسجد حتى أقضيه".
٢- طلب إعادة الطبعة القديمة (الأولى للمجمع) بخط
عثمان لمزاياها وجمالها وتناسقها، ويُدرِكُ ذلك بأدنى لمحة من له اهتمام بالخط
العربي، فبين النسختين فروق جوهرية في قواعد خط النسخ، فالنسخة التي كتبها محبوبنا
المرهف عثمان في شبابه أجمل بكثير، واعتبر ذلك بحرف العين في بداية الكلم بين
الطبعتين حجماً وشكلاً، كأمثلة واضحة، ولا يعني هذا الحطّ من قدرها، كلّا،
فمستواها عالٍ فاخرٌ, لكنها المقارنة بين التوأمتين لا أكثر، ورحم الله بناناً خطهما
وحرّمه على النار. وهذا الرجل مَثَلٌ شاهدٌ لمن أفنى موهبته في نفع أمته، فلله هو.
ولله مداد جرى على أَسَلَةِ يراعه. ولئن كان شوقي أميراً للشعراء فلتكن ياعثمان
أميراً للخطاطين، وهذا منشور توقيعي لك، وهذه دعوة لتكريمه والتنويه بفضله، ليعرف
النبلاء فضله وسموّ جهده.
ومن نسي الفضلَ
للسابقين ... فما عرفَ الفضل فيما عرف
ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل،
وما عند الله خير وأبقى لمن اتقى. وتلك المكارم لا قعبان من لبن..
وأقول: فليت أهل الشأن يعودوا للنسخة القديمة
بالطباعة، ولو مرّة من هذه ومرّة من تلك، وتظهر رغبتها خاصة
للرعيل الذين حفظوا عليها. وقد تفطّن لذلك القائمون على نسخة الأجهزة الكفية الذكية لبيت
التمويل الكويتي فاعتمدوا الأولى، شكر الله لهم.
وقد سمعت أن سبب اعتماد النسخة الثانية لدى
المجمع؛ نزاع مع أحدى دور النشر السورية في حقوق الطبع، لذا حرص الكاتب على تغيير
مواضع بعض الآي عن أماكنها من الطبعة الأولى إثباتاً للجدّة، وهذا جليّ في جزء
"عمّ يتساءلون" كذلك اعتماد علامات مغايرة للأولى في الوقوف. وليس هناك
تأكيد لهذا النزاع، فإن كان ثمّ فأرضوهم واصطلحوا للمصلحة العامة. وإن لم يكن فلعلّ
الغرض التصرّف الجديد في علامات الوقف، أو غير ذلك والله أعلم.
٣- إن كانت هناك نسخة غير
مطبوعة للخطاط عثمان لم تلتزم مصحف الحفّاظ الذي التزم نهاية الآي في نهاية
الصفحات, فلعلّها تصدر _ولو بأعداد قليلة للتجربة_لأنه قد ترتب على
ذلك المقصد؛ تصغير كثير من الكلمات، بل والآيات، بل والصفحات, كل ذلك مراعاة
لنهاية الصفحة أن تكون مختومة بآية. وقارن بين المائدة والأنعام على سبيل المثال،
بل قارن بين كل صفحتين مما يلي: (٩١-٩٢) و (٩٣-٩٤). وأحياناً يُضطر لتصغير مقياس
الخط كما في السطر الأخير ص(٢٧) مراعاة لأن تكون الصفحة مختومة برأس آية! ومن ظنّ أن في ذلك
تسهيلاً للحفظ فلا أظنه قد أصاب, بل الصواب ضدّه، فلكم تداخلت بداية
الصفحات في الأذهان لهذا السبب؟! ومن تأمل المصاحف القديمة وجدهاً غفلاً من ذلك.
وهذا أحد أسباب كونها أقل عدد في الصفحات. وفي هذا عون على تجميل الخط, ففي ظني أن
الخطاط لو مُكّنَ من مدىً حرٍّ لكان أجمل لحروفه لانطلاقه في فضائه دون تقييد
مساحة كلماته. وعلى كلًّ فهذا مطلب ليست أهميّته كقدر غيره.
٤- وهو المطلب الأهم والرغيبة
الأجلّ من هذه الأربع، ولأجل ذي سُطِرَ ذا المقال, ولا أقلّ من تبنّي المجمع الرفع للمجامع
الفقهية لدراسته والإفتاء فيه أو التوصية حياله، وهو إعادة النظر في علامات نهاية
الأثمان_أرباع الأحزاب_ والأجزاء، فليس ذلك من الإحداث في شيء, فلم يكن ذلك عن
الصحابة رضي الله عنهم, والمشهور أنها من وضع الحجاج بن يوسف أو بأمره (وهي من
حسناته بلا شك) ولكن تلك التجزئه لم تراع كثيراً من المعاني عند وضعها في
الابتداء، بل تجد العلامة أحيانا توضع على رأس الجزء وقد بقي آية أو آيتين, ويُدرك
ذلك بأدنى تدبّر، كما أن آلية وضعها لم تكن مراعية لطول أو قصر الآيات, فهناك
أثمان ضعفي طول أثمان أخر!
إذن لماذا وضعت بهذا الحال؟
لعل
السبب_والعلم عند الله_ أنها وُضعت بناء على نهاية صحف المصحف الذي كان بين
يدي واضعها، فقد تكون ريشة الكتابة مختلفة المقياس وبعض الكلمات أكبر من بعض,
فجعلها على حسب عدد الصفحات التي بين يديه كيفما اتفق! وإن كان قد وافق المعنى في
مواضع كثيرة، وَيَرِدُ على هذا الاحتمال؛ الاختلاف الكبير بين أطوال الأثمان،
فبعضها يصل طوله لضعف بعضها الآخر, وبرهانه مقارنة ربع آخر المائدة مع الأنعام بربع
الجمعة.
أو لعلها وُضعت على عجل
دون تأمل كافٍ.
أو قد وضعها أحدهم لنفسه ثم أخذت عنه إلى غير
ذلك.
أو أن مناط التقسيم كان
بعدد الحروف, وهوالاحتمال الأظهر، وأنهم قصدوا ذلك بالنسبة للأجزاء خلافاً
للأثمان _أرباع الأحزاب_ وكان ذلك بناء على أمر الحجاج بن يوسف (ت: ١١٠) واللذان
حزباه وقسماه هما نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر على المشهور، فلعل لتبني الحجاج هذا
الأمر أثر في الانتشار.
وبالجملة؛ فوضعها بهذا الحال
المخلّ بالمعنى أحياناً، وبالطول أحياناً ليس في صالح المتدبرين والتالين والحفظة.
وههنا عثرة, بل معضلة, وهي أن في ذلك تشويش
على الناس, وإثارة القلق والحرج لدى بعضهم, ولاشك أن هذا الأمر حريٌّ
بالوقوف طويلاً, فالاجتماع بركة, وما سار عليه الناس ليس من المستحسن الجرأة على
تغييره _في الغالب_ خاصة وأن الناس قد ساروا عليه من عهد التابعين، وقد تلقاه
جمهور الأمة بالقبول _إذ من العلماء من عابه كشيخ الإسلام وغيره_ فالتريث الطويل في
هذا الأمر حسن, والتأمل التام فيه جميل، كما أن التشويش بخلاف السائد ليس في
الصالح غالباً، ولكن هل هذه المسأله هي من هذا الغالب أم ضده؟ هذا ماننتظره من
علمائنا الأجلاء.
وفي ظني أنهم لو وافقوا على تشكيل لجنة من
كبارهم وكبار القراء في العالم الإسلامي لِوَضْعِ علامات جديدة تراعي المعنى
وتراعي القدر، كمّاً وكيفاً؛ لكان في ذلك خير، خاصة وأن هذه المسألة
ليست تعبدية, بل هي لتيسير أخذ القرآن العزيز، كما أن هناك بعض الأمور في الرّسم
القرآني محتاجة إلى مثل تلك اللجان تحت مظلة المجامع وكبار القرّاء، وفي ذلك خدمة
وتقريب لكتاب الله بين يدي الأمة، كذلك صيانة لكتاب الله من أن يقف القراء على
رؤوس آيات لا يَحْسُنُ عندها الوقوف، خاصة مع انتشار القراءة وقلة العلم والفقه،
وتأمل وقوفات أئمة التراويح تَرَ العجب! إذ صار المعوّل عند كثيرهم تلك العلامات
الملقاة دون اعتبار المعاني،"أفلم يدبروا القول" "أفلا يتدبرون
القرآن" "ليدبروا آياته" والله الموفق ، وهو المستعان.
ومما يستأنس به لِيُسْرِ ذلك؛ أن المجمع حين
نشر النسخة الثانية كان قد تصرّف في كثير من علامات الوقف, ولم يستثر ذلك الناس
بحمد الله، فهذه الأمور اصطلاحيّة مصلحيّة، لا تعبديّة توقيفية، فهل نجد لهذا النداء
صدى في صدر نبيل، أو عقل فهيم، أو خط لبيب، أو لسان عليم، أو قرار حكيم؟
لَعَلَّهُ.
لا يدرك المجد إلا سيدٌ
فطنٌ ...
لما يشق على السادات فعّالُ
وإنما يبلغ الإنســان
طاقته ... ما كلُّ ماشيةٍ بالرِّجْلِ شملالُ
ومن باب الشيء بالشيء يذكر؛ فمصاحف المجمع بلا
استثناء سريعة تمزق الكعب مما يؤثر على جودتها, فلو نظرتم ذلك. كذلك شريط التّوقف للصفحات
لو جُعل على رأسه صمغ خاص أو شيء من أجل أن لا تنسل خيوطه الدقيقة. كذلك لوحظ أن
بعض الطبعات الجديدة باهته قليلاً، تولاكم الله بتوفيقه.
والله من وراء القصد.
إبراهيم الدميجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق