من وسائل الثبات للمحتسبين والدعاة
من الأسباب الجوهرية، وهي نابعة من
الثقة بوعد الله: المحاسبة الجادة للنفس, ففي الدنيا دخان وغينٌ يحيط بالقلب، ولا
تكاد النفوس تسلم منه, فتقع في غفلة وركون إلى الخسار وإخلاد إلى الأرض, فإن وفق
الله عبده للمحاسبة استيقظ ونفض عن بصيرته وقلبه غبار الغفلة وقتار الظُّلمة.
ولقد تكلم أبو محمد ابن حزم
الأندلسي رحمه الله في مداواة النفوس عن تغلّبه بعد مجاهدة شديدة على طباعه السيئة
من الحقد والشهوة وغيرهما حتى ترقّى بها للطمأنينة والسكينة, فالأمر في متناول من
وفقه الله, وإنما الحلم بالتحلم "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"
وفي الوقت الذي يُنتظر فيه من
الدعاة المجاهدة لإدراك الكمالات؛ نجد بعض الدعاة لا يزال يجاهد نفسه ضد الموبقات
كالزنا والخمر والربا! فضلًا عن بقية الكبائر والذنوب التي اصبحت كالعادات له,
كالغيبة والنميمة غير المقصودة والكذب مازحًا وجادًّا, إلى شراسة الخلق والصَّلَفِ
وتنفير عباد الله من دين الله, وإدخال الغم والحزن عليهم, وسوء ظنه بالمؤمنين, مع
علمه بعيوبه واعترافه إلا أن السنين لم تزده في تيك الأخلاق الرذيلة إلا إيغالًا!
فاين الثقة بالله وبوعده وبلقائه؟! ومتى يأتي اليوم الذي تطمئن فيه نفسه فتطبع على
أخلاق المؤمنين وتدور بطبعها فيه فتكون من النفوس المطمئنة؟!
فيا صاحبي: إن طال زمانك وأنت تراوح
المجاهدة دون تقدّم في مستوى إيمانك؛ فراجع مساقيَ قلبك, فلعل هناك دَغَل شهوةٍ
خاطئة في حاجة لعصفٍ وتهذيب, أو شبهةٍ ردّتْ عنك بركة العلم والذكر والإيمان!
إن المؤمن إذا تدبر قول
العظيم سبحانه: "إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد" لتهون في عينه
الدنيا وما عليها, فأجلُ المعاد قريب, وهذي الدنيا القريبة الزائلة بمعالمها
الفانية لن تلبث إلا أن تكون كسراب بقيعة، بل كطيف خيال أو كحلم منام, فتذهب مشقة
الطاعة والمجاهدة ويبقى الأجر مبذولًا من خزائن الحميد الشكور.
إبراهيم الدميجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق