من
المناهي اللفظية
الحمد لله الذي خلق اللسان، فأعرب به عما في الجَنان، ففارق الإنسانُ غيره بعلم البيان، وأتمّ به النعمة بكمال الأركان،
وميّز العاقل عن الجاهل بما جرى على اللسانِ، أما بعد:
إن حفظَ المرء للسانه دليلُ عقله وأدبه؛
وبرهان زكاءِ نفسه، وروى البخاريُّ أن رسولِ اللّهِ صلى اللّهُ عليه وسلم قالَ:
"مَنْ يَضْمَنْ لي ما بينَ لَحْيَيْهِ وَما بينَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ".
أن كثرة اللغط مفضية للخيبة، قال عمر
بن الخطاب رضي الله عنه: مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ
كَثُرَتْ ذُنُوبُه، وَمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبه كانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ. وقال ابن
مسعود رضي اللّهُ عنه: مَا مِنْ شَيءٍ أَحَقُّ بِطول السِّجْنِ مِنَ اللسانِ.
وروى الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبر معاذًا بملاك الأمور فقال: "كُفَّ عليك هذا" وأشار صلى الله عليه وسلم
إلى لسانه، فقال معاذ: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال صلى الله عليه
وسلم: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ
ألسنتهم؟!" وروى الترمذي وغيره عن سفيان الثقفي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول
الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه،
ثم قال: "هذا".
أيها الموفق: احفظ لسانك وصُنه واحرسه
حتى لا يفتِك بدينك، فإنه سبعٌ ضارٍ عقور إن أطلقته في الهوى، وهو ذخيرة وكنز
ومِغراف أجر كبير إن استعملته فيما خلق له من طاعة الله وذكره وشكره ودعاءه
والثناء عليه.
قال ابن القيم رحمه الله: ومن العجب أن
الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر،
ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يشار إليه
بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالًا؛ يزلّ بالكلمة
الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب؛ وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم؛
ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول.
لهذا كان علقمة يقول: كم من كلام قد منعنيه
حديث بلال بن الحارث! يعني قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة
من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه،
وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها
سخطه إلى يوم يلقاه". رواه الترمذي وصححه. وكان الصديق رضي الله عنه يمسك لسانه
ويقول: هذا الذي أوردني الموارد.
عبد الله: إن صمتك عن رد مسبة الجاهل
ليست نقصًا فيك، بل هي من كمال عقلك وجمال أدبك وهي مجلبة لدفاع الملائكة الكرام
عنك، فقد جلس الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يومًا، فجاء رجل فشتم أبا بكر الصديق
رضي الله عنه، فسكت أبو بكر ولم يرُدَّ عليه، فشتمه الرجل مرة ثانية، فسكت أبو بكر،
فشتمه مرة ثالثة فرد عليه أبو بكر، فقام صلى الله عليه وسلم من المجلس وتركهم، فقام
خلفه أبو بكر يسأله: هل غضبتَ علي يا رسول الله فقمتَ؟ فقال الله صلى الله عليه وسلم:
"نزل مَلَك من السماء يكذِّبه بما قال لك، فلما انتصرتَ - أي رددتَ عليه - وقع
الشيطان - أي: حضر - فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان" رواه أبو داود.
هذا، ولا بد للمؤمن أن يعرف حدود ربه حتى لا يتجاوزَها عن جهل أو
جهالة، ولقد أولى أهل العلم مناهي الشرعِ في الألفاظ عناية تامّة، لأن اللسان
مؤاخذ بنطقه ومسؤول عن كلامه "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد".
فإلى بيان شيء من أخطاء الناس الشائعة في كلامهم:
فمن ذلك قولهم: (بِالعون) عند
الاجتهاد في الإخبار، فهنا صارت الباء للقسم، والعون ليس من أسماء الله تعالى، قال
نبي الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" رواه
الترمذي وحسنه.
ومن ذلك: القسم بغير الله مطلقًا كمن يقسم بالنبي صلى الله عليه وسلم
الله أو بحياة أحد أو حياة أولاده، أو بالأمانة ونحو ذلك.
ومن المناهي دعاء صفات الله تعالى، مثل قول بعضهم: يا قدرة الله ويا رحمة
الله ويا وجه الله، ونحو ذلك، فهذا محذور، فاسأل الله بصفته ولا تسل الصفة نفسها،
فإن الصفة ليست هي الموصوف بل هي دالة عليه، فقل: اللهم أسألك بوجهك وأسألك برحمتك
وأعوذ برضاك من سخطك ونحو ذلك.
ومما ينهى عنه من الألفاظ: الاستثناء في
الدعاء، كقول: جزاك الله خيرًا إن شاء الله، ووفقك الله إن شاء الله، وشفاك الله إن شاء الله ونحو ذلك، لأن في ذلك إيهامًا بسوء بثقلها على الله والله تعالى هو
القدير الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة
فإنه لا مكره له". متفق عليه.
ومما ينهى عنه: سبُّ الوجه وتقبيحُه، فعن
أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ضرب أحدكم فليجتنب
الوجه، ولا يقل: قبّح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام
على صورته". رواه أحمد وحسنه الألباني.
ومن المناهي اللفظية: الذكر بمجرد تكرار اسم الله، فهذا من لوثات أهل
الخرافة والتصوّف، فعندهم أن ذكر العامة هو لا إله إلا الله، وذكرُ الخاصة هو تكرارُ
اسم الله، وذكر خاصة الخاصة هو تكرار: هو هو، وهذا من الجهل المطبق الثقيل، فإن
أعظم الذكر على الإطلاق هو لا إله إلا الله، وهي الكلمة التي من أجل إقامتها خلق
الله الجن والإنس والجنة والنار وأنزل الكتب وأرسل الرسل، وهي مفتاح الجنة وسبيل
الرضوان، وهي التي ترجُح بالسماوات والأرض، فاللهم أحينا عليها وأمتنا وابعثنا
عليها إله الحق.
ومن المناهي قول بعضهم: بذلت جهدي والباقي
على الله. لأن فيه سوء أدب مع
الله من جهة الإيهام بالتشريك في تدبير الله الأمور، فالأمر كله لله وليس باقيه فقط،
وكذلك من جهة أنه اعتمد على نفسه أولًا ثم فوّض أمره ثانيًا، وهذه خطيئة، فتفويض
الأمور لله لا ينفك عنه المؤمن.
ومن المناهي: التلبيس على الناس بتزيين
ألقاب المنكر حتى تستسيغها النفوس، ولكم أن تعلموا أن إبليس هو أول من لبّس فقد سمّى
الشجرة التي نهى الله آدم عن أكلها بشجرة الخلد، ثم تبعه حزبه فسموا الخمر بمشروب
الروح والزنا بالعلاقة والميسر باليانصيب والرشوة بالقهوة والمكس بالجمارك وغير
ذلك من تلبيس الشيطان.
ومن المناهي: قول بعضهم: يعلم الله أني
فعلت كذا، وقد يكون كلامه مخالفًا للحقيقة ولو في بعض أجزائه فيكون قد اتهم الله
بالجهل بقدر ما أخطأ فيه، تعالى الله وتقدس.
ومن المناهي: قول بعضهم: فلان شكله غلط،
والله تعالى يقول: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" وقال: "الذي خلقك فسواك فعدلك". فالحذر من الاستهزاء بصنع
الله تعالى وخلقه بأي حال.
ومن المناهي قول بعضهم: تبارك علينا فلان، وسبب النهي – كما حرره ابن
القيم رحمه الله – أن كلمة تبارك جاءت على وزن تفاعل، وهذا البناء يراد به
المبالغة في البركة وإنمائها وهي لا تكون إلا لله، خاصة وأن كل ما جاء في القرآن
على هذا النحو فقد أُفرد لله تعالى وحده كقول الله تعالى: "تبارك الذي نزل
الفرقان" و"تبارك الذي بيده الملك"، ولكن لا بأس أن يقول: فلان
مبارك أو فيه بركه ونحو ذلك، إنما المحذور هو قول: تبارك فلان.
ومن المناهي قول بعضهم: شاءت حكمة الله كذا أو قدرة الله أو شاء القدر كذا ونحو
ذلك، لأن الحكمة صفة للموصوف سبحانه، فلا مشيئة
لها، والذي يشاء هو الله.
ومن المناهي الشنيعة قول بعضهم: ظلمك الله كما
ظلمتني أو خانك الله كما خنتني، ونحو ذلك وهذا جهل عظيم بالله تعالى "إن الله
لا يظلم مثقال ذرة" والله تعالى يمكر بمن مكر به ولكنه لا يخون تعالى وتبارك
وتقدّس.
ومن المناهي قول بعضهم: فلانٌ ما يستاهل،
وفلان لا يستحق، ونحو ذلك لأنه اعتراض على حكم الله تعالى وتسخط على قدره وتعقّب
لأمره. "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"، "وعسى أن تكرهوا شيئًا
ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا".
ومن المناهي: سبُّ الدهر، وهذا يجري
كثيرًا على ألسنة جهلة الشعراء، فيذمون الزمان وينعتونه بالغدر والخيانة والظلم
ونحو ذلك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: يؤذيني ابنُ
آدم يسب الدهر، وأنا الدهر؛ بيدي الأمر، أقلّب الليل والنهار" رواه الشيخان، فالدهر
مسخّر بأمر ربه فليس أهلًا للسب، وسبّه يعود على من صرّفه ودبّره، فليعتن المؤمن
بذلك، وليحفظ لسانه من سّب ربه وهو لا يدري! ولا قوة إلا بالله.
ومن مناهي الألفاظ قول بعضهم: من حسن الطالع أن حدث كذا، فهذا التعبير قد تسلل إلى بعض
العامة من شرك التنجيم وهو محرّم، لأن الطالع هو النجم، وعبدةُ النجومِ يحيلون التدبير
إليها، ويقرؤونه من مطالعها ومنازلها، وقد هدم الرسل الشرك في الربوبية كما هدموا
شرك الألوهية، فلا خالقَ ولا مدبرَ ولا متصرفَ إلا اللهُ وحده لا شريك له،
"الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار".
ومن المناهي: قول بعضهم: اقرأوا الفاتحة
على روح فلان، فهذا محدث، وكل بدعة ضلالة، والميت ينفعه الدعاء والاستغفار والصدقة
والحج والعمرة، فلا ينبغي أن يُتساهل فيما لم يرد في الشرع الحنيف، والاستحسان باب
البدع.
ومن المناهي: قول من أراد تنزيه الله تعالى عن الخطأ: العصمة لله، ووجه المنع أن
العصمة لا بد لها من عاصم، والله تعالى هو الذي لا عاصم من أمره، ولا يحتاج لمن
يعصمه فهو الخالق لكل شيء، وهو على كل شيء قدير، سبحانه وبحمده. أما إن أراد بها
أن الله هو الذي يعصم ويحفظ فلا بأس بها، والسياق هو الذي يحدّد المراد.
ومن المناهي قول: توكلت على الله وعليك،
فالتوكّل عبادة لا يتوجّه بها إلا إلى الله وحده، وعلى المرء أن يقول: توكلت على
الله ثم اعتمدت عليك، فيردف التوكل على الله بـ"ثمّ" المفيدة للترتيب،
ويتحاشى لفظةَ التوكلِ على المخلوق ويستبدلها بلفظ الاعتماد، وهو الأحوط للدين
والأبرأ للذمة والأصوَن للسان، أما عبارة: وكّلت فلانًا، فلا بأس بها لأنها من باب
الإنابة لا الاعتماد.
ومن فروع النهيِ عن التشريك: النهيُ عن قول: ما شاء الله وشئت، ولولا
الله وفلان ونحو ذلك.
ومن المناهي: الإعراضُ عن لُبابِ
التوحيد وهو الدعاء، والاستهانة به، بشبهة علمِ الله تعالى بالحال، وقد يجادلون
بما لا تصح نسبته لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام بأنه قال حينما ألقي في النار:
علمه بحالي يغني عن سؤالي. وهذا باطل لا يصح لا سندًا ولا متنًا، وقد ذكر الله
تعالى عن خليله عليه السلام أنه كثير الدعاء والضراعة إليه ومن دعواته: "رب
اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء" وقد قال حينما ألقوه في
النار: حسبي الله ونعم الوكيل، وفيها كمال التسليم مع تضمن الدعاء بالسلامة، فهذا الدعاء العظيم قد جمع الثناء والمسألة، وهذا من فقه الأنبياء العظيم، لذلك قالها
رسولنا صلى الله عليه وسلم حينما قال له الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم: "فزادهم
إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل".
ودعاء المسألة في حقيقته دعاء ثناء لأنه يتضمن
الأصول الحسنة للتوكل على الله وحسن الظن به والعلم به وعظيم الرجاء والرغبة
والرهبة، كما أن دعاء الثناء يتضمن دعاء المسألة بجميل التعرض لكرم الكريم بالثناء
عليه الثناء الجميل، وبالله التوفيق.
ومن المناهي: قول بعضهم: مسيجد، مصيحف،
لأن ذلك التصغير اللفظي موهم بالتصغير المعنوي المفضي للاستهانة بشعائر الله تعالى،
فالواجب تعظيمها وإجلالها بالقول والفعل والاعتقاد. "ذلك ومن يعظم شعائر الله
فإنها من تقوى القلوب".
ومن المناهي التي بدأت في الانتشار: القول
بأن اليهود والنصارى ليسوا كفارًا، وأن الأديان الثلاثة على سبيل نجاة، وينسبون
كفر اليهود والنصارى - ظلمًا وضلالًا - لإمام الحنيفية إبراهيمَ عليه السلام
فيقولون: الأديان الثلاثة الإبراهيمية كلها موصلة للجنة، وهذا ضلال مبين، وتكذيب
لله رب العالمين إذ قال: "لقد كفر الذين
قالوا إن الله ثالث ثلاثة" وقال تعالى: "قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله
والله شهيد على ما تعملون". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي
نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي
أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلم.
ومن مناهي القول: قول بعضهم للأخر: الله
يسأل عن حالك! فالله تعالى عليم بكل شيء، ولا تخفى عليه خافية، وليس في حاجة لسؤال
واستخبار، فحتى وإن كان قصد القائل أن يعافيَ الله فلانًا ويوفقه فالتعبير عن قصده
لم يوفَّق له، بل عليه أن يقول: وفقك الله وأعانك ولطف بك وسلّمك ونحو ذلك.
ومن الأخطاء: تسميةُ النبي صلى الله عليه
وسلم بأسماءِ بعض سور القرآن الكريم مثل: طه، يس. فهي ليست من أسمائه صلى الله
عليه وسلم، بل هي من الآيات المنزلة في أوائل سور الكتاب العزيز كأمثال: ألم، ألر،
ق، ص، ونحوها.
إما أسماؤه صلى الله عليه وسلم فخذها من فيه إذ
قال: "إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا
الماحي؛ الذي يمحو اللّه بيَ الكفر، وأنا الحاشر؛ الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب؛
والعاقب الذي ليس بعده نبي" متفق عليه.
ومن المناهي: قول: رأي الدين هو كذا
وكذا، قال الشيخ أبو زيد رحمه الله: الرأيُ أساسه مبني على التدبر والتفكر، ويتردد
بين الخطأ والصواب. فلا يقال رأي الدين، بل حكم الله وأمره ونهيه وقضاؤه، أما إذا كان
الرأي صادرًا عن اجتهاد فلا يقال فيه رأي الدين، ولكن يقال: رأي المجتهد أو العالم.
هذا ومن الأدب مع الله تعالى أن تقول
في إنكارك على من جاهر بالمنكر أو عاند أو حارب أو حادّ شرع الله أن تقول: ما أغرّ
فلانًا بالله! ولا تقل: ما أجرأ فلانًا على الله، فهي موهمة لشيء من قدرة المخلوق
على الخالق، وهذا محال. "يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم؟".
ومن المناهي الشديدة: أن يتألّى العبد على ربه إعجابًا بطاعته
واحتقارًا لعباد الله، فيقول: لن يغفر الله لفلان، أو يستحيل أن يتوب فلان، أو
فلان من أهل النار ونحو ذلك، فهذا التألي من أسباب حبوط العمل - عياذًا بالله -
ولا يغني عنه أن يكون دافعه الغيرة على محارم الله، فالله لا يُتقرب إليه بمعصيته،
والعباد عباد الله، وهو أعلم بهم وببواطنهم وبخواتمهم. ووقد روى مسلم عن رسول الله صلوات الله وسلامه
وبركاته عليه قولَه: "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: من
ذا الذي يتألّى –أي يحلف - عليّ ألا أغفر لفلان؟! فإني قد غفرت له، وأحبطت عملك".
ومن المناهي قول بعضهم في سياق إلحاحه على أخر: وجهَ الله أن تفعل كذا، أو جاه الله
عليك أن تفعل كذا، أو أسوق جاه الله عليك ونحو ذلك، وهذا سوء أدب مع الله تعالى،
لأنه استشفاع بالعظيم الكبير الباقي على المخلوق الحقير الصغير الفاني، فهو
محرم لا يجوز، بل قد ورد عند أبي داود - بسند فيه لين - أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد اشتد غضبه حينما اشتُشفع بالله تعالى عليه، وبالله التوفيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق