من المقصود في البشارة
بشيلون, وبشارات المزامير؟
الحمد لله السميع
البصير, وصلواته وسلامه على البشير النذير, وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بحسن توفيق
وتدبير, أما بعد:
سرى البرقُ من نحو
الحجاز فشاقني ... وكل حجازي له البرق شائقُ
فسنقف مع البشارات
الكتابية السابقة ومن المقصود بها, ولنا حيالها وقفتان: البشارة بشيلون, وبشارات
المزامير بالنبي الخاتم.
أولاً: البشارة بشيلون.
فقد توالى الأنبياء
وتتابعوا مبشرين بمقدم نبي آخر الزمان "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما
آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنّه" [آل عمران: 81]، فكانوا يبشرون به
ويذكرون صفاته وأحواله وعلاماته، ومن أبرزها:
أنه ليس من بني إسرائيل، وأنه صاحب شريعة كاملة،
ويدوم دينه إلى الأبد، ويسحق أعداءه، وتكون دعوته عامة لجميع البشر، وهذه الصفات الخمس لم
تجتمع في أحد سوى محمد صلى الله عليه وسلم.
وأقدم نبوءة كتابية تتحدث عن النبي الخاتم ــ بعد بشارات إبراهيم
وإسماعيل ــ هي نبوءة إسرائيل نفسه (يعقوب) فقد جمع بنيه الأسباط قبل وفاته وقال
لهم: «اجتمعوا لأنبئكم بما يصيبكم في آخر الأيام... لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع
من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب» (تكوين 49: 10)فهو يخبرهم عن وقت نزع الملك
والشريعة والنبوة منهم آخر الأيام.
أما نسخة الرهبانية اليسوعية فهي أصرح «لا يزول الصولجان(1)من يهوذا ولا عصا القيادة من بين قدميه إلا أن يأتي صاحبها وتطيعه
الشعوب».
أما النص حسب ترجوم يوناثان فهو أوضح منهما «لا يتوقف الملوك
والحكام من عائلة يهوذا ولا يتوقف معلمو الشريعة من نسله حتى يجيء الملك المسيا أصغر أبنائه» وبالطبع
فنسبة الملك المسيا لذرية يهوذا مقحمة لأنها مضادة للسياق، وهو زوال الملك
والشريعة عن نسل يهوذا(2).
والسؤال الكبير: من هو شيلون الذي تزول على يديه مملكة يهوذا؟ ــ أي نهاية اصطفاء
الله لهم ونقل الخيرية إليه ــ.
أكثر الترجمات أبقت على كلمة شيلون، وفي بعضها أبدلته ــ بكل بلادة
ــ بالمسيح، فما معنى شيلون؟
الإجابة نجدها عند القس السابق والخبير في اللغات القديمة عبد الأحد داود، فقد ذكر أن كلمة
«شيلون» لا تـخرج في أصلها العبري عن معان أهمها:
1ــ أن تكون بمعنى «الذي له» على حسب اشتقاقها من السريانية
«بشيتالوه».
2ــ أن تكون الكلمة محرفة عن «شيلواح» ومعناها «رسول الله» وتفسير
شيلون بالرسالة قد مال إليه القديس جيروم فترجم العبارة «ذلك الذي أرسل»(3).
وأيًا كان المعنى فإن النبوءة تتحدث عن شخص يدعى شيلون، ولا يمكن
القول بأنه موسى عليه السلام لأن ملوك يهوذا كانوا بعده بقرون، ولا سليمان عليه السلام لأن الملك دام بعده في
ذريته، ولم ترفع به الشريعة، كما لم ترفع بالمسيح ابن مريم عليه السلام الذي جاء بعدهم، كما
أنه لم يملك أصلاً، ولم يرسل لغير الخراف الإسرائيلية الضالة.
ولا يمكن أن يكون من بني إسرائيل لأن مبعثه يقطع صولجان وشريعة
إسرائيل، فمن هو إذن؟
الجواب المحقق: إنه النبي الذي بُشرت به هاجر وإبراهيم عليه السلام: «يده على كل واحد»
(تكوين 16: 12)، وبشر به حزقيال عليه السلام: «يأتي الذي له الحكم فأعطيه إياه» (حزقيال 21: 27)، وبشر به المسيح ابن
مريم عليه السلام:«حتى يكون الكل» (متى 5: 17، 18)، فهذا «الذي له الكل» يكون «له
الحكم» بل حتى بولس قد بشر به وسماه الكامل، وأخبر أن الشريعة
ستبطل وتنسخ به: «وأما النبوات فستبطل... ولكن متى جاء الكامل فحينئذ يبطل ما هو
بعض» (كورنثوس (1) 12: 8ــ 10)، فصلوات الله وسلامه على محمد الذي كمله بصفات
الكمال البشري وفضله على العالمين.
ثانياً: بشارات
المزامير.
فالزبور _على ما طاله من
تحريف ونقص وزيادة_ يصف هذا النبي بالكامل والجميل والخاتم، ويخاطبه باسم الملك.
«فاض قلبي بكلام صالح متكلم أنا بإنشائي للملك...أنت أبرع جمالاً من بني البشر. انسكبت النعمة على
شفتيك لذلك باركك الله إلى الأبد. تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار... اركب من
أجل الحق والدعة والبر. فتريك يمينك مخاوف نُبُلُكَ المسنونة في قلب أعداء الملك. شعوب تحتك يسقطون كرسيك يا الله إلى دهر
الدهور. من أجل ذلك مسحك إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك.. بنات ملوك بين
حظياتك... اسمعي يا بنت وانظري وأميلي أذنك. انسي شعبك وبيت أبيك فيشتهي الملك
حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له... عوضًا عن آبائك يكون بنوك. تقيمهم رؤساء في كل
الأرض. اذكر اسمك في كل دور فدور. من أجل ذلك تحمدك
الشعوب إلى الدهر والأبد»(مزمور 45: 1ــ 17).
ويسلم الشراح بأن هذه نبوءة في النبي المنتظر، ويزعمون أنه عيسى عليه السلام، ولكن الحقيقة تأبى
ذلك، بل المعني بها هو محمد صلى الله عليه وسلم، ويتبين ذلك من تحليل النص واستـخراج أوصاف ذلك
النبي ومطابقته ومقارنته بالاحتمالات المطروحة:
1ــ صاحب حسن لا يعدل في البشر «بهي في الحسن أفضل من
بني البشر» وهذا متحقق في محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان أجمل الناس كما وصفه
أصحابه رضي الله عنهم، «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا، وأحسن الناس خَلْقًا»(4)، أما المسيح فقد قطعوا ذلك عنه بقولهم إنه المعني بكلام إشعيا:
«لا صورة له ولا جمال فتنظر إليه ولا منظر فتشتهيه» (إشعيا 52: 2)، وقال كليمندوس
الإسكندراني:«أما منظره فكان حقيرًا»، وقال ترتليان: «أما شكله فكان عديم الحسن
الجسماني» كذلك قاله مارتير وأوريجانوس وغيرهما(5)اتباعًا لذلك الفهم
الخاطئ لمقصد آية سفر إشعيا.
وعليه فنقول: إن كان هذا وصفكم للمسيح عليه السلام فكيف تقولون إنه المعني
ببشارة المزامير التي وصفت ذلك المنتظر «إنه أبرع جمالاً من بني البشر» وللعلم فالمسلمون
يخالفونهم في هذا فما بعث الله نبيًا إلا كان حسن الخَلْقِ والخُلُق، ويخصون المسيح عليه السلام بجمال خاص كما أخبر
عنه أخوه محمد صلى الله عليهما وسلم في حديث المنام ــ ومنام الأنبياء حق ــ:
«فرأيت رجلاً آدم كأحسن ما أنت راء من أُدْمِ الرجال، له لمة كأحسن ما أنت راءٍ من
اللُمم قد رجّلها فهي تقطر ماء... فسألت: من هذا؟ فقيل: هذا هو المسيح ابن مريم»(6).
2ــ أن كلام النبوة وهي
الوحي الإلهي إنما يخرج من الشفتين «انسكبت النعمة على شفتيك»، ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم كان أميًا لا يقرأ ولا
يكتب ووحيه غير مكتوب، بينما كانت لإبراهيم وموسى عليهما السلام صحفًا
مكتوبة كما كان المسيح عليه السلام قارئًا، ولهذا شواهد من فقرة أخرى في بشارات الأسفار التي وصفت
النبي القادم بالأمي «وأجعل كلامي في فيه» (تثنية 18: 18)، «ويقال له اقرأ هذا
فيقول: لا أعرف الكتابة» (إشعيا 29: 12)، وقال الله تعالى: "وقرآناً فرقناه
لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً" [الإسراء: 106]، وقال تعالى:"فإذا
قرأناه فاتبع قرآنه" [القيامة: 18].
3ــ كونه مبارك إلى الأبد، فهو صاحب رسالة خالدة«باركك الله إلى الأبد.
كرسيك يا الله إلى دهر الدهور»(7).
4ــ هو صاحب سيف يقهر به أعداءه لإقامة الحق والعدل «تقلد سيفك على فخذك
أيها الجبار.. من أجل الحق... شعوب تحتك يسقطون»(8)أما المسيح عليه السلام فلم يؤثر عنه أنه حمل
سيفًا أو أسقط أعداءه.
5ــ أنه محب للخير مبغض للإثم كحال جميع الأنبياء
والرسل صلوات الله وسلامه عليهم ولكن الله فضله عليهم «مسحك الله إلهك بدهن
الابتهاج أكثر من رفقائك»(9).
6ــ تساق له الهدايا لعزه وسؤدده، وبنات الملوك يكن في خدمته أو في
نسائه «بنات ملوك بين حظياتك... انسي شعبك وبنت أبيك فيشتهي الملك حسنك
لأنه هو سيدك...» وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب الهاروني سيد
بني النضير، حيث كانت سبية له فمن عليها بعتقها وجعله صداقًا لها وأكرمها بالزواج
منها، كما أهديت له مارية القبطية من المقوقس ملك مصر، كما كان من نسائه بعض بنات كبار العرب كسيد
بني المصطلق، وكانت شهربانو بنت يزدجرد ملك فارس تحت حفيده الحسين رضي الله عنه.
7ــ تدين له الأمم بالخضوع،
وتدخل في دينه بفرح«بملابس مطرزة وتحضر إلى الملك... يحضرن بفرح وابتهاج يدخلن إلى قصر
الملك» وهذه لم تكن إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم فلم يبق على ظهرها من
شعب إلا وقد دخل بعضهم دينه. قال الله تعالى: "إذا جاء نصر الله والفتح . ورأيت الناس
يدخلون في دين الله أفواجاً . فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً" [النصر:1ــ 3]، وقد حكم أتباعه أكثر
من عشرين مليون كيلاً من الأرض(10).
8ــ يستبدل قومه بالعز بعد الذل «عوضًا عن آبائك يكون
بنوك. تقيمهم رؤساء على كل الأرض» واقرأ تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده حتى ترى
مصداق ذلك، فبعد أن كانوا أذلة ضعافًا بين فارس والروم والحبشة صار هارون الرشيد
يخاطب السحابة ويقول: أمطري يا سحابة أنى شئت فسيأتيني خراجك، بعد أن أذل الله لهم رقاب
الأمم فسحقوا الفرس والترك وطردوا الرومان وملكوا رقاب الملوك التي كانت تستذلهم
وتحتقرهم قبل الرسالة.
9ــ يكتب له الذكر الحميد
سائر الدهر «تحمدك الشعوب إلى الدهر والأبد» وقد قال الله تعالى في محكم
تنزيله: "ورفعنا لك ذكرك" [الشرح: 4]، والمسلمون في كل مكان
يؤذنون
برفيع الأصوات في كل يوم وليلة خمس مرات: أشهد أن محمدًا رسول الله، فيشهدون لهذا النبي
الخاتم بالرسالة، والمصلون كلهم في صلاتهم يقولون ذلك، والخطباء كذلك وكل مسلم
يتقرب إلى الله تعالى بالصلاة والسلام عليه«واذكر اسمك في كل دور فدور».
وانظر المزيد من البشارات في المزامير ــ التي فاقت بشارات سفر
إشعيا ــ في ذكر أوصافه وفي دخول الملوك في طاعته ومحبة الشعوب له لرحمته وعدله
وكمال شريعته (المزامير 110: 1ــ 6، 72: 8ــ 19) وغيرها كثير.
والحمد لله أولاً وآخراً على نعمة الإسلام والإيمان, وصلى الله
وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.
إبراهيم الدميجي
23/ 11/ 1433
@aldumaiji
http://aldumaiji.blogspot.com/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق