شأن
الرَّحِم
كان النضرُ بنُ الحارث العبدري شديدَ
العداوة للإسلام فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر فرثته أخته قُتَيلة،
ومما قالته:
يا راكبًا إن الأثيل
مظِنّة ... من صبح خامسةِ وأنت موفقُ
أَمُحَمَدٌ يَا خَيْرَ
ضَنْءِ كَريمَةٍ ... فِي قومها، والفحل فحلٌ مُعرِقُ
مَا كَانَ ضرَّكَ
لَوْ مَنَنْتَ وَربَّمَا ... مَنَّ الفتَى، وهُوَ المَغيظُ المُحنَقُ
فالنضْرُ أقربُ مَنْ
أَسرْتَ قَرَابَةً ... وَأَحقُّهُم إن كان عِتقٌ يُعتقُ
ظَلتْ سُيُوفُ بني
أبِيهِ تنوشُهُ ... لله أَرحَام هُنَاكَ تُشقَّقُ
قالوا: فرقَّ لها رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى دَمعت عيناهُ، وقال: " يا أبا بكر لو سمعتُ شعرها ما قتلتُ أخاها"
أي لقبل شفاعتها فيه.
نعم فلا يهتز لصدق المشاعر سوى معادنِ الأحرار، وسيدهُم رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
هناك في داخل النفس
الإنسانية ثمّ رغبةٌ في الخصوصية، وتأمل نفسك لو جلست في مكان عام، ثم جلس بقربك
شخص لا تعرفه حتى كاد أن يلزقَ بك، فما ستحسّ به هو رغبتُك في الابتعاد عنه قليلًا
لتتنفس الخصوصية.
وبما أن الإنسان لا
مفرّ له من خُلطة البشر والاحتكاكِ بهم فمن الطبيعي أن يكون بينه وبين بعضهم نفرة
ومشاحنة وربما قطيعة، لذلك شدّد الله الأمر في كتابه بوصل ما أمر به أن يوصل كحفظِ
حق الجار وصلة الرحم ونحوِ ذلك.
ومن نفيس وصايا زينِ العابدين رحمه الله تعالى: يا بني لا تصحبنَّ قاطعَ رحم فإني وجدته
ملعوناً في كتاب الله تعالى في ثلاثة مواضع. "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك
الذين لعنهم الله"
ولكلِّ من كانت بينه وبين رحمه قطيعة: تذكّر ليالي الجُمع.. قال رسول
الهدى صلى
الله عليه وسلم: " إن أعمالَ بني آدمَ تُعرضُ كلَّ خميسٍ ليلةَ الجمعة، فلا يقبلُ
عملُ قاطعِ رحم " رواه أحمد بسند جيد. لذا فانتبه ألّا تكون قاطعًا فتُقطع! فمن وصل وُصِلَ ومن قطعَ قُطع، قال
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ
مِنْهُم قَامَتْ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: مَهْ؟ قَالَتْ:
هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ
مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ. فَذَاكِ"
متفق عليه. وفي البخاري: "لا يدخلُ الجنةَ قاطعُ رحمٍ" وفي
الصحيحين في حديث الصراط: "وترسل الأمانةُ والرحمُ فتقومان جَنْبَتَي الصراط يميناً
وشمالاً".
أُخيّ: ألا تريدُ عمرًا طويلًا ورزقًا
دارًّا؟ إن وصلُكَ لِرحمك مُؤدٍّ لذاك: "من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له
في أثره فليصل رحمه" متفق عليه.
فإن قلتَ: كيف أصلُ
رحمي وهم لا يستحقون؟ بل ولا سلامة منهم إلا بالبعد عنهم!
قلتُ: بل الوصلُ يسير والأمر هيّنٌ بحمد الله، ولكن بشرط أن تفهم سرَّ سهولته، ألا
وهو يقينُك أنكَ تتعاملُ مع الله لا معهم، وأنك تنتظر الأجر والرضى منه لا منهم، وتذكّر
حديثين:
في البخاري: "لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ
وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا" وفي مسلم أن
رجلا قال : «يا رسولَ الله ، إِن لي قرابةً أصلِهُم ويقطعونني، وأُحْسِن إِليهم ويُسيئُون
إِليَّ، وأحلُم عنهم ويجهلون عليَّ؟ قال: لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهُم الملَّ،
-وهو الرمادُ الحار - ولن يزالُ معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دُمتَ على ذلك». فهل
تريد أجمل من هذا.
أخي: اجعل صلةَ أرحامك من صلبِ
اهتماماتك وأولوياتك، واجعل لها نفيس وقتك، والأمر يسهُل بالتعوّد.
وتذكّر أن الجنة تريد منك مهرًا من
الصالحات أم هل تريدُها مجّانًا؟!
إبراهيم الدميجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق