حفظ الله تعالى عقل صاحب القرآن العظيم من الخَرَف
الحمد لله رب العالمين، إنّ من بركات القرآن الكريم أنه يرجى لصاحبه وتاليه
حفظ عقله من الخرف حتى آخر ساعة من حياته ليرحل لمثواه بعقله، ولعل هذا راجع
لأمرين:
الأول: البركة القرآنية لصاحبها، فالعيش مع كتاب الله
تعالى تلاوة وتدبّرًا وحفظًا ومراجعة وعملًا يفيض على صاحبه بركات ربانية خاصة
بأهل القرآن، والأمر في ذلك واضح مشهور، ففيه بركة العلم والإيمان، فتغذّي علوم
القرآن جوعة عقله للعلم النافع وتفتح بصيرة قلبه على ما يصلحها، وتملأ جوانح النفس
بِشرًا وسعادة وسكينة وأمنًا.
الثاني: أن الاشتغال بالقرآن يحفز الذاكرة ابتداء عبر المحفوظ والمتدبر والمتلو، فمن أسباب الخرف كسل التذكر، ولكن تالي القرآن وخاصة ما كان عن ظهر قلب وكذا ما كان عن تدبر يبقى منشغلًا بإعمال الفكر والتذكر فيبعد عنه النسيان، فليس مع القرآن كسل ذهني، كما أن القرآن العظيم بذاته مناعة وعلاجًا، فكما أنه رقية بإذن الله من أدواء الجسد والقلب والروح، فهو كذلك للعقل.
وعلى كلٍّ؛ فليس المعنى المقصود استحالة إصابة حامل القرآن بالخَرَف فهو وارد، ولكنّ حامل القرآن أبعد وأسلم في الجملة من غيره لما ذكرناه، والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
ولا أعلم أن امرأً لزم القرآن في كهولته إلا حفظ الله عقله في شيخوخته، وكل
من وقفت عليه من كبار السن الذين أصاب عقولهم الخرف لا أعلم منهم واحدًا كان
ملازمًا أوراده القرآنية الكثيفة في كهولته.
وقد ورد عن السلف والخلف من ذلك
وصايا وآثار، منها ما جاء عن الحبر ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من قرأ القرآن
لم يُرَدّ إلى أرذل العمر، وذلك قوله تعالى: {ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين
آمنوا} قال: الذين قرؤوا القرآن» ([1]). قلت: معناه أي يحفظ الله له عقله من الخرف
والزهايمر والخبل ونحوها بحسب تحقيقه التلاوة نيةً وقولًا وعملًا.
وعن عكرمة رحمه الله تعالى قال: «من قرأ القرآن
لم يرد إلى أرذل العمر». ثم قرأ: ﴿لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ ([2]). وعن السّديّ رحمه الله تعالى في قوله: ﴿ومنكم من
يرد إِلَى أرذل الْعُمر﴾ الآية قال: «أرذل العُمر هو الخَرَف». وعن طاووس رحمه الله تعالى قال: «إنّ العَالم لا يخرف». وعن
عبد الملك بن عمير رحمه الله تعالى
قال: «كان يقال: إنّ أبقى الناس عقولًا قراء القرآن» ([3]). وعن الشعبي رحمه الله تعالى قال: «من قرأ القرآن
لم يخرف» ([4]). وقد أكّد العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي هذا
المعنى بقوله: «وقد تواتر عند العامة، والخاصة، أن حافظ كتاب الله المداوم على
تلاوته، لا يصاب بالخرف، ولا الهذيان» ([5]). والحمد لله رب العالمين.
إبراهيم الدميجي
aldumaiji@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق