العقائد المسيحيّة في الميزان (1/ 4)
أولًا: التأليه
اللهم لك الحمد, وإليك المشتكى, وأنت المستعان, وبك المُستَغاثُ, وعليك التكلان, ولا حول ولا قوّة إلا بك. لك الحمد حتى ترضى, ولك الحمد إذا رضيت, ولك الحمد بعد الرضى, حمدًا كثيرًا طيّباً مباركاً فيه, ملء السماوات, وملء الأرض, وملء ما شئت من شيء بعد, أهلُ الثناء والمجد, أحقُّ ما قال العبد, وكلّنا لك عبد, اللهم لا مانع لما أعطيتَ, ولا مُعطي لما منعت, ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجدّ, لك الشكر على ما أعطيت, ولك الحمد على ما قضيت, ولك الحمد على كمالك وجمالك وجلالك, تباركت ربّنا وتعاليت. هديتنا للإسلام, وعلّمتنا القرآن, وخصصتنا بأفضل المرسلين, وجعلتنا من خير أمة أخرجت للناس, اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك في ربوبيته ولا ألوهيته, ولا أسماءه, ولا صفاته, ولا أفعاله, "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" (الشورى:11) وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله, بلّغ الرسالة وأدى الأمانة, وعبد ربه حتى أتاه اليقين, وأتمّ الله به النعمة على من أراد بهم خيراً. أما بعد:
فهذه رسالة في وزن عقائد المنتسبين إلى المسيح عليه السلام على ميزان الوحي والعقل والمنطق والفطرة والتاريخ, وكبريات عقائدهم التي لا يرون النجاة لأحد إلا بها ثلاث: التأليه للمسيح عليه السلام, والتثليث, والخلاص بالإيمان بالخطيئة والتكفير والفداء, ثم ما يلحق ذلك من أسرار كنسية وطلاسم كهنوتية. وأصلها باب مستلّ من كتابي: (كلنا نحب المسيح عليه السلام) وهي على النحو التالي:
الفصل الأول: تأليه المسيح |.
توطئة.
المبحث الأول: نقض شبهة التأليه للمسيح |.
1ــ نصوص نسبت إلى المسيح الألوهية والربوبية.
2ــ نصوص تنسب المسيح إلى البنوة.
3ــ نصوص تنسب المسيح إلى الحلول والاتحاد.
4ــ نصوص تنسب صفات الله تعالى للمسيح.
5ــ نصوص تنسب أفعال الله إلى المسيح.
6ــ الاستدلال بالمعجزات.
المبحث الثاني: حقيقة المسيح ابن مريم |.
1ــ نصوص تثبت عجزه وضعفه.
2ــ نصوص تثبت بشريته.
3ــ معاصروه وتلاميذه لم يقولوا بألوهيته.
4ــ نصوص تشهد بنبوته ورسالته.
الفصل الثاني: التثليث.
المبحث الأول: تعريفه ومحاولة فهمه.
المبحث الثاني: أصول التثليث وثنية.
المبحث الثالث: مناقشة عقيدة التثليث.
الفصل الثالث: الخلاص.
المبحث الأول: الخطيئة والتكفير بالفداء.
المطلب الأول: توضيح المراد بها، وكيفية نشأتها.
المطلب الثاني: تحليل ومناقشة ونقد عقيدة الخطيئة والتكفير والفداء.
المبحث الثاني: عقيدة الصلب والفداء.
المطلب الأول: توطئة.
المطلب الثاني: نقض عقيدة الصلب والفداء وبراهين زيفها عقلاً ونقلاً.
أولاً: لا تليق بمقام الألوهية والربوبية.
ثانيًا: أصولها الوثنية.
ثالثًا: نقد الروايات الإنجيلية لحادثة الصلب.
1ــ تناقضات روايات الصلب بين الأناجيل.
2ــ تناقضات روايات قصة القيامة.
3ــ تفرد أحد الأناجيل ببعض الأجزاء من القصة
4ــ النقد الضمني للروايات.
5ــ وجود كثير من فرق المسيحيين المنكرة لصلب المسيح.
6ــ نبوءات التوراة تفيد نجاة المسيح | من الصلب.
7ــ دلالة الأناجيل والرسائل على عدم صلب المسيح.
8- كل من احتك به ــ حسب القصة ــ يشك في شخصيته.
9ــ القدرات الهائلة للمسيح |.
الفصل الرابع: الأسرار الكنسية والشعائر الكهنوتية.
1ـ سر المعمودية (التعميد).
2ــ سر القربان المقدس (العشاء الرباني).
3ــ سر تقديس الصليب.
4ــ سر الميرون المقدس (التثبيت أو سر المسحة).
5ــ سر الغفران الكنسي.
6ــ تقديس يوم الأحد.
7ــ الصلاة.
8ــ الصيام.
سائلاً ربي الأجل بأسمائه وصفاته أن يخلص لي النية فيه, وأن يلطف بي بتوفيقه وإعانته ومدده, وأن لا يكلني إلى نفسي ولا إلى خلقه طرفة عين. هي حسبي ونعم الوكيل.
إبراهيم بن عبد الرحمن الدميجي
12/ 1430
aldumaiji@gmail.com
الفصل الأول:
تأليه المسيح عليه السلام
إن توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته لهو زبدةُ الرسالات السماوية، وأعظم مهام الأنبياء على الإطلاق رد الأمم إلى جادة التوحيد والإيمان بعد اجتيالها من قبل شياطين الجن والإنس التي ألقتهم في غياهب الكفر ومهاوي الشرك وظلمات الوثنية.توطئــة
ودعوة المسيح | ليست بمعزل عن ذلك الهدي السماوي، كيف وهو من أعظم أنبياء الله ورسله؟!
وقد جاء هذا النبي العظيم عيسى ابن مريم | لتجديد توراة موسى | التي هي طافحة بشواهد الوحدانية والزجر عن الشرك والوثنية، كذلك فالأناجيل المنسوبة لدعوته هي في جملتها توحيدية خلا بعض المواطن المدسوسة فيها التي دخل عن طريقها أفراخ الفلاسفة ليلبسوا المسيحية لبوس الشرك والخرافة، فأضحت بعد ذلك في مصاف ديانات أهل الأوثان الذين جاءتهم رسلهم تترا لتردهم عن حمأة الشرك إلى نور التوحيد والإيمان ولله في ذلك أبلغ الحكم، فاستبدل هؤلاء المنافقون الدعوة الأصيلة القديمة للمسيح | بوثنيات الأمم وخرافات الفلاسفة وسفسطات الأبيقورية وقرمطات الرواقية([1]) بكل ما فيها من متناقضات، فكانوا يلوون أعناق النصوص التي بين أيديهم لتوافق تلك العقائد ثم ينسبونها بعد ذلك للمسيح |، بل قد ذهبوا أبعد من ذلك فأدخلوا كلامًا من عند أنفسهم ثم نسبوه إلى مؤسس تلك الدعوة القويمة.
وقد بدأ هؤلاء مكرهم بتأليه المسيح | عن طريق نسبة بنوّته إلى الله تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، ثم ثَنَّوا بتقرير عقيدة الخطيئة الأولى لأبوي البشرية آدم وحواء عليهما السلام وسحبها على جميع ذريتهما، ثم بعد ذلك يؤصّلون عقيدة الخلاص لهذه البشرية عن طريق افتداء الله تعالى للبشر بقتل ابنه ووحيده يسوع على الصليب، ومن ثم يستمر الخلاص المفترى للبشرية عن طريق إيمانها المجرد بيسوع ابنًا لله مخلصًا وفاديًا وإلهًا مدبرًا حتى يأتي يوم الدينونة (القيامة الكبرى) ليحاسب هو وتلاميذه الأمم ــ تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا ــ.
لذلك سنعود للنقطة الأولى التي انطلقت منها الكنيسة العامة لإقرار هذه الأمور ألا وهي قضية تأليه المسيح |.
بداية لا يوجد نص واحد في الكتاب المقدس يصرح المسيح | فيه بألوهيته أو يطلب من الناس عبادته([2])، بل على العكس من ذلك ففي تيك الأسفار إثبات بشريته وإنسانيته، وإثبات توحيد الربوبية والألوهية لله تعالى، فالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد حافل بكثير من تعاليم ووصايا المسيح | والأنبياء الآخرين كإسرائيل (يعقوب) وموسى وداود وسليمان عليهم السلام وغيرهم، المنادية بالتوحيد الخالص والمنددة بالشرك والزاجرة عنه.
انظر مثلاً إلى كلمة بني إسرائيل المشهورة الواردة في سفر التثنية (6: 4) فهي شمع (shema) أي: اسمع (بالعربية) ففي صيغتها العربية: «اسمع يا إسرائيل إن الرب إلهنا رب واحد» وفي العبرانية: «شمع يا إسرائيل ادونائي ايلوهيم ادونائي إحاد»([3])، وفي نفس السفر (4: 35): «إن الرب هو الإله ولا إله سواه»، «لا يكن لك آلهة أخرى أمامي» (تثنية 5: 7)، «أنت الله وحدك« (مزمور 86: 10)، «قبلي لم يُكوَّن إله وبعدي لا يكون أنا الرب وليس غيري مخلص»([4]) (إشعيا 43: 10ــ 12)([5]) وغيرها كثير.
أما في العهد الجديد فأول وصايا المسيح | وأعظمها هي الأمر بالتوحيد، فعندما سئل: «أي وصية هي أول الكلّ؟» أجاب: «إن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد»([6]) (مرقس 12: 28، 29) فأعاد على تأكيد التوحيد المأمور به في العهد القديم، فلباب دعوة المرسلين واحد.
وحين طلب منه الشيطان السجود له زجره بقوله: «اذهب يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجُد وإياه وحده تعبد» وقال أكثر من مرة: «الإله الواحد» (يوحنا 5: 44، 17: 3).
وقد شهد الله تعالى ــ وكفى بالله شهيدًا ــ لعيسى | أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة بالدعوة إلى التوحيد والإيمان كما أُمر ﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [المائدة: 72]([7]).
لذلك فلما عدم الدليل الصريح في الأناجيل على ألوهية المسيح | عمد بعضهم إلى تحريف طبعات الإنجيل الجديدة، فمن ذلك إضافتهم نص التثليث الصريح الوحيد في يوحنا (1: 5ــ 7)، كذلك حرفوا جملة بولس: «عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد» (تيموثاوس 3: 16)، فالفقرة كما قال المحقّق كريسباخ: محرفة، إذ ليس في الأصل كلمة الله بل ضمير الغائب هو أو الذي، وقد ترتب على هذا التحريف اللفظي إسقاطات محرفة كثيرة معنوية ولفظية([8])، وسنحاول أن نزيل اللبس عن طريق كشف الشبه ثم إقامة الحقيقة.
المبحث الأول
نقض شبه التأليه للمسيح عليه السلام
لقد حاول المؤلهون لعيسى | أن يحتجوا على هذه العقيدة الوثنية بأمور منها:
1ــ نصوص نسبت إلى المسيح عليه السلام الربوبية والألوهية (رب ــ إله):
والجواب:
أولاً: أنا لا نسلم بسلامة تلك النصوص من التحريف عند النقل أو الترجمة، بل حتى الابتداء بالاختلاق، كما فصلناه سابقًا.
ثانيًا: أن هذه الإطلاقات ما كان لها أن تجعل المسيح ربًا وإلهًا في عرف النصوص المسيحية، فقد نُعت بولس وبرنابا بذلك لما أتيا ببعض المعجزات «إن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا» (أعمال 14: 11) وقد كان من عادة الرومان تسمية من يفعل شيئًا فيه منفعة للشعب: إله.
ثالثًا: أن كلمة (الرب) الواردة كثيرًا في التراجم العربية كلقب للمسيح | نراها في التراجم الأخرى بمعنى السيد والمعلم، وقد كان استعمال لفظ (الرب) بمعنى السيد شائعًا في اليونان، بل ورد في بعض المواضع الإشارة إلى ذلك الاحتراز عن طريق إدراج جملة تفسيرية بعد كلمة (الرب) وتفسيرها بالمعلم حتى لا يتطرق الوهم إلى السامع والقارئ فينسب الربوبية لغير الله تعالى ومن ذلك: «ربوني الذي تفسيره يا معلم» (يوحنا 20: 16)، «رب الذي تفسيره يا معلم» (يوحنا 1: 38).
أما قول توما: «ربي وإلهي» فهذا من باب الاستغاثة بالله وليس بالمسيح لأنه كان يظن المسيح ميتًا كما في (يوحنا 20: 28)، ويوضح هذا الأصل اليوناني المترجم عنه ففيه «وكانت ردة فعله» فالنصوص يفسر بعضها بعضًا، وقد يشكل على بعضهم قوله: «أجاب توما وقال له ربي وإلهي» (يوحنا 20: 28) فيظن أنها خطاب للمسيح ولكنها في الحقيقة ليست كذلك فـ(له) في هذه الجملة أتت بمعنى لأجله أو لأجل ما رأى، ولهذا شاهد في سفر صموئيل الأول (20: 12) حينما دعا النبي يوناثان الله من أجل داود: «وقال يوناثان لداود يا رب إله إسرائيل... فإن كان خير لداود ولم أرسل حينئذ فأخبره» فمعنى (لداود) أي لأجل داود فهذا نداء لله وحده وليس لداود | كما هو ظاهر من السياق، وفكذلك دعاء توما يحذى فيه حذوه.
رابعًا: استدلالهم بما في وعود العهد القديم بالملك القادم، فأوصافه لا تنطبق على المسيح | بحال بل على أخيه محمد ^([9])، والمسيح لم يملك على قومه يومًا واحدًا، كما أنه ليس فيها تأليه لبشر أصلاً.
خامسًا: في العهد القديم يكثر إطلاق كلمات (الرب، الله، الإله) على غير الله تعالى، ولا يقصد بها ظاهر اللفظ، إنما المراد التشريف ليس إلا([10])، ومن أمثلة ذلك في كلمة (الرب) «فدعت اسم الرب الذي تكلم معها» (تكوين 16: 11ــ 13) ففيه إطلاق (الرب) على ملك، أما في إطلاق (الإله) فنراه في هذا النص قد أطلق على نبي «وأنت تكون له إلهًا» (خروج 4: 16)، «أنا جعلتك إله لفرعون» (خروج 7: 1)، وفي إطلاق كلمة (الله) على نبي: «كان يقول الرجل عند ذهابه ليسأل الله» (صموئيل (1) 9: 9)، والمراد سؤال نبي الله واستفتائه، كذلك: «يقدم سيده إلى الله» (خروج 21: 5، 6)، والمراد به هنا هو القاضي لأنه يحكم بشرع الله، بل قد امتدت هذه الإطلاقات لتشمل بني إسرائيل «أنا قلت إنكم آلهة»([11])(مزمور 82: 6). بل الأدهى من ذلك أن هذه الكلمات والمسميات قد أطلقت في الكتاب المقدس على الشيطان والبطن والآلهة الباطلة على سبيل المجاز كسابقتها.
فعلى الشيطان: «إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين» (كورنثوس (2) 4: 5)، وعلى البطن: «الذي إلههم بطنهم» (فيلبي 3: 19)، وعلى الآلهة الباطلة: «وربنا فوق جميع الآلهة» (مزمور 135: 5)([12]).
2ــ يستدلون بنصوص تذكر أن المسيح ابن الله تعالى.
والجواب من وجوه:
أولاً: لم يذكر المسيح | عن نفسه أنه ابن الله سوى ما نقله يوحنا([13]) في موضع واحد فقط (10: 36) وما سوى ذلك هو من إطلاق معاصريه عليه، أما هو فقد وصف نفسه في ثلاثة وثمانين نصًا بأنه ابن الإنسان([14])! فانظر إلى مدى ضلال من ترك المحكم الظاهر الصريح إلى نص مشتبه مختلق مزور!
لذلك فكثير من المحققين يشككون في صحة نسبة صدور هذه الكلمة منه أو من تلاميذه.
قال هارنيك: «إقحام الجملة (أنا ابن الله) في الإنجيل ليس من عمل يسوع نفسه، واعتبارها من نص الإنجيل بهتانٌ عليه».
وفي دائرة معارف الكتاب المقدس: «ما سمّى يسوع نفسه ابن الله قط، كما أنه لم يخاطب بهذا اللقب في حياته»([15]).
وقال سنجر في كتابه (قاموس الإنجيل): «ليس من المتيقن أن المسيح نفسه قد استـخدم ذلك التعبير».
وقال شارل جنيبر: «والنتيجة الأكيدة لدراسات الباحثين هي أنه لم يقل عن نفسه إنه ابن الله... فتلك لغة لم يبدأ في استـخدامها سوى المسيحيين المتأثرين بالثقافة اليونانية»([16]).
وقال ساجد مير: «يطلق لفظ الابن في الأسلوب السامي على الشخص الذي يكون محبوبًا عند شخص آخر أو له علاقة خاصة به، ولا يقصد بذلك الابن الحقيقي ولا الابن بالتبني، وقد ورد هذا اللفظ كثيرًا في العهد القديم»([17]).
ثانيًا: يحدثنا الكتاب المقدس عن أبناء كُثُر فهل كلهم آلهة؟!
ومن أمثلة ذلك آدم |: «آدم ابن الله» (لوقا 3: 38)، وسليمان |: «أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا» (الأيام (1) 17: 12، 13)، والملائكة: «مثل الملائكة وهم أبناء الله» (لوقا 20: 36)، والحواريين: «أباكم الذي في السماوات» (متى 5: 48)، وكل المسيحيين: «أبانا الذي في السماوات» (متى 6: 9)، واليهود: «لنا أب واحد وهو الله» (يوحنا 8: 41).
إذن فكيف تـخصّون المسيح | بالألوهية من دون هؤلاء مع أن الوصف واحد، والتفريق بين المتماثلات باطل عند النقاد كما أن الجمع بين المتناقضات باطل([18]).
ثالثًا: في إنجيل يوحنا بيان أن المقصود بأولاد الله هم المؤمنين به «وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه» (يوحنا 1: 12)، إذن فهو إطلاق مجازي وليس حقيقي.
فإن قال قائل: إن المسيح قد خُص بأنه بكر الله ووحيده وأنه ابن العلي، فنقول: لم يخص المسيح | بذلك، بل قد ذُكر غيره بها كيعقوب |: «إسرائيل ابني البكر» (خروج 4: 22، 23)، وإفرايم «وإفرايم هو بكري» (إرميا 31: 9)، وداود «أجعله بكرًا» (مزمور 89: 26، 27)، بل سائر أبناء إسرائيل أبناء للعلي في العهد القديم «وبنو العلي كلهم» (مزمور 82: 6).
رابعًا: الجواب عن ما تعلق به بعضهم من نزول المسيح | من السماء؛ هو أن المقصود هو الوحي والشريعة وليس الذات، وهذا ليس محصورًا عليه فيوحنا المعمدان (يحيى |) موصوف بذلك كما في (متى 21: 25، 26) كذلك فالنازلون بذواتهم من السماء كثر كالملائكة الكرام (متى 28: 2)، والنبي أخنوخ (تكوين 5: 24) مع (يوحنا 3: 13) وإيليا (الملوك (2) 2: 11).
خامسًا: قول المسيح |: «أنا لست من هذا العالم» (يوحنا 8: 23)، فمراده ترفعه عن حطام الدنيا وزينتها الفانية وزهده فيها وبراءته من المعاصي التي بها، وليس هو متفرد بهذا الوصف بل وصف بذلك تلاميذه «لكن لأنكم لستم من العالم» (يوحنا 15: 19).
3ـ تعلقهم بنصوص تدل على الحلول الإلهي في المسيح عليه السلام أو الاتحاد الإلهي به ونحو ذلك، تعالى الله عن ذلك.
أ ــ نصوص الحلول والاتحاد:
الحلول من أمثال: «الآب في وأنا فيه» (يوحنا 10: 38)، «الآب الحال فيّ» (يوحنا 14: 9، 10).
والاتحاد من أمثال: «أنا والآب واحد» (يوحنا 10: 309).
والجواب عن ذلك من وجوه:
أولاً: أن هذا الحلول أو الاتحاد ــ إن صح ــ فهو مجازي وليس حقيقي؛ فالله تعالى حسب الكتاب المقدس يحلّ في كثيرين، والمقصود حلول المواهب الإلهية من الإيمانيات والعلوم لا حلول الذات المقدسة العلية «من اعترف بأن يسوع هو ابن الله فالله يثبت فيه وهو في الله... ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه» (يوحنا 4: 15، 16) فهل كلهم آلهة؟!
ومثله: «أنا فيهم وأنت فيّ» (يوحنا 17: 22).
ثانيًا: في العهد القديم «المكان الذي صنعته يا رب لسكنك» (خروج 15: 17) فهل تعبدون ذلك الجبل؟!
ويتضح هذا من قراءة سباق وسياق الجملة وربطها بما قبلها وبما بعدها، فهو يتكلم عن خِرَافِه (تلاميذه) التي سيعطيها الحياة الأبدية (الجنة) ولن يستطيع أحد أن يسلبها من الله (الذي هو أعظم من الكل) فالله يريد لها الخير كذلك المسيح يريد لها الخير إذن فهي وحدة هدف لا وحدة جوهر. وهذا المعنى والتفسير قد أكده د. واين جردوم أستاذ علم اللاهوت المسيحي([20]).
|
لذلك لما همّ اليهود برجمه اتضح له أنهم فهموا كلامه خطأ فاستغرب ذلك مع معرفتهم للغة الكتاب المقدس في استـخدام الاستعارات والمجازات، فعاتبهم قائلاً: «أليس مكتوبًا في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة» وقصده ما جاء في المزامير (مزمور 82: 6) «أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم» أي فكيف تستغربون مني هذه الاستعارات؟([21])!
ب ــ من متعلقاتهم بالتأليه([22]) قول المسيح عليه السلام فيما يروونه عنه: «الذي رآني فقد رأى الآب» (يوحنا 14: 9).
|
|
والجواب: أنه يلزم من أخذهم بظاهر اللفظ وطَرْدُ أصلهم أن صفع المسيح |من قبل اليهود وبصقهم عليه وتعذيبه وشد المسامير في قدميه ويديه وصلبه ــ المزعوم ــ يعتبر صفعًا وبصقًا وصلبًا لله ــ تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا ــ([23])، بل وكل صفات المسيح من أكله للطعام([24]) ونحوه مما هو موجود في العهد الجديد من وصف المسيح | بما يلي:
الولادة ــ سلسلة النسب ــ العمل ــ يركب الجحش ــ يأكل ــ يشرب الخمر ويسقيه!ــ ينام ــ يلبس الحذاء والقميص ــ يصلي ــ كان مواطنًا صالحًا ــ يدفع الضريبة بانتظام ــ ابن يوسف النجار!ــ نشأ نشأة روحية ــ مسلوب القوة!ــ يجهل وقت قيام الساعة ــ تعلم من خلال التجربة!ــ يتعمد ــ يتوب ويعترف بالخطأ ــ غير اليهود في نظره كلاب!ــ يتعب ــ ينزعج ويضطرب ــ يبكي ــ يحزن ويكتئب ــ يندهش ــ ضعيف!ــ يخاف ــ يفر!ــ يخرج متـخفيًا من اليهود ــ خافه تلميذه ــ أوثقت يديه!ــ لم يستطع الدفاع عن نفسه ــ مات!!([25]).
|
إذن يجب رد تلك النصوص المتشابهة المنسوبة للمسيح | إلى نصوصه المحكمة الواضحة التي تنص صراحة على الوحدانية والفردانية والربوبية والألوهية لله وحده لا شريك له «أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل» (يوحنا 10: 29)، «أبي أعظم مني» (يوحنا 14: 28).
جـ ــ ومن متعلقاتهم بالتأليه: النصوص المثبتة لمعية المسيح عليه السلام الأبدية:
مثل: «وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (متى 28: 20).
وقبل الإجابة المباشرة لابد من بيان معنى معية الله تعالى لخلقه، فالمقصود بها هي المعية المعنوية سواءً كانت عامة بمعنى السمع والبصر والعلم والإحاطة أو خاصة بمعنى الهداية والنصر والتأييد، وليس المقصود بها معية الذات التي يتصورها بعض العامة بمعنى الخلطة ونحوها، وقد وردت المعية كثيرًا في الكتاب المقدس([26]) «والرب معكم» (الأيام (2) 20: 17)، «الرب إلهكم سائر معكم» (تثنية 20: 4)، «الرب معكم ما كنتم معه» (الأيام (2) 15: 20).
أما بخصوص المعية المزعومة من أن المسيح مع الناس حتى يوم الدينونة فإن المسيح | قد نفاها عن نفسه «وأما أنا فلست معكم في كل حين» (متى 26ك 11)، «أنا معكم زمانًا يسيرًا بعدُ ثم أمضي إلى الذي أرسلني» (يوحنا 7: 33)، «ولست أنا بعدُ في العالم» (يوحنا 17: 11)، إذن فحضوره معهم هو حضور شريعته وتعاليمه ووصاياه وإنجيله، وقبل ذلك حضور عناية الله تعالى بهم إن هم تمسكوا بنهجه وسنته.
د ـ ومن شبههم النصوص الدالة على أن المسيح صورة الله:
كقول بولس: «مجد المسيح الذي هو صورة الله» (كورنثوس 4: 4)، وقوله الآخر: «الذي هو صورة الله» (كولوس 1: 15)، كذلك (فيلبي 2: 2ــ 7).
وعند التأمل نجد أن هذه الأقوال كلها صادرة عن بولس فقط، الذي لم ير المسيح | طرفة عين، وهذه العبارات لم تنقل عن أحد من تلاميذ المسيح |، وهذا كافٍ لإضفاء ظلال الشك والارتياب عليها. ثم إن الصورة تغاير الذات فإن كنت تُشبِهُني في الصورة لا يعني ذلك أننا شخص واحد، وصورة الله تعالى هنا ــ تنزلاً ــ تعني نائبهُ في إبلاغ دينه وشريعته، كما قال بولس نفسه ــ وهو مخترع هذه العبارة ــ: «فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده أما المرأة فهي مجد الرجل» (كورنثوس 11: 7).
|
وفي (التكوين 1: 26، 27) أن صورة آدم كصورة الله «قال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا... فخلق الإله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه»([27])، وحتى يستقيم الفهم والتصور جيدًا في فهم عبارات العهد القديم فقد جاء في إشعيا «قبلي لم يصور إله وبعدي لا يكون» (إشعيا 43: 9ــ 11).
هـ ــ ومن متعلقاتهم النصوص التي تذكر السجود للمسيح عليه السلام.
من أمثال: «إذا رئيس قد جاء فسجد له» (متى 9: 18)، «إذا أبرص قد جاء فسجد له» (متى 8: 2).
|
والجواب: أن هذا ليس خاصًا به من جهة، ومن جهة أخرى فمن أين لكم أنه لم ينكر على من سجد له؟! وعدم العلم ليس نقلاً للعدم، بل قد جاء في العهد القديم ما ينقض ذلك وفي العهد الجديد كذلك، كما في زجره للشيطان: «للرب إلهك تسجد» (متى 4: 7)، وهذا ليس خاصًا به ــ على القول بجوازه في شريعتهم([28]) وأنه من باب إظهار الاحترام وليس العبادة ــ فقد وردت أخبار كثيرة في العهد القديم تفيد ذلك كسجود إبراهيم | لبني حث (تكوين 23: 7)، وسجود يعقوب | وأزواجه وبنيه لأخيه عيسو بن إسحاق | (تكوين 33: 3ــ 7)، وسجود موسى | لحميه (خروج 18: 7)، وسجود إخوة يوسف | له (تكوين 24: 6)([29]).
4ـ تعلقهم بنصوص نسبت صفات الله تعالى للمسيح عليه السلام.
من أمثال:
أ- أزلية المسيح عليه السلام:
«من قبل أن يكون إبراهيم كنت أنا» (يوحنا 8: 56ــ 58)، «أنا هو الألف والياء البداية والنهاية» (الرؤيا 1: 7، 8)، «في البدء كانت الكلمة» (يوحنا 1: 1، 2).
والجواب من وجوه:
أولاً: أن الوجود الزمني هنا ليس الوجود الذاتي بل هو الوجود القدري الاصطفائي، كما قال بولس عن نفسه وأتباعه: «كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين» (أفسس 1: 4)، وكما قال كذلك عن المسيح |: «وكان قبل ذلك اصطُفي قبل إنشاء العالم» (بطرس 1: 20)، وممن شارك المسيح في تلك الأزلية المدّعاة ملكي صادق «ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلي([30]) بلا أب بلا أم بلا نسب لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة بل هو مشبه بابن الله» (عبرانيين 7: 1ــ 3) فصفات هذا الكاهن الملكي المفترى أقرب إلى التأليه من المسيح!
ثانيًا: ذكر الألف والياء إنما هو في الرؤيا اللاهوتية المنامية ليوحنا اللاهوتي، وهي كما قال العلامة أحمد ديدات: «مجرد رؤيا منامية غريبة رآها يوحنا، وهي منام مختلط كسائر المنامات التي يراها الناس، وقد رأى حيوانات لها أجنحة وعيون من أمام وعيون من وراء وحيوانات لها قرون بداخل قرون...!! فهل يعوّل على ذلك؟!»([31]) (الرؤيا 4: 8) ثم في آخر الرؤيا تنسب هذه الجملة إلى الملاك وليس للمسيح (الرؤيا 22: 8ــ 13) ثم أين معنى الألف والياء والبداية والنهاية الذي يحتمل كثيرًا من المعاني التي قد ينقض بعضها بعضًا، ولو اجتمع على تفسيرها عشرة لخرجوا بأحد عشر قولاً، وهذه نتيجة المجاز.
ب ــ يحتجون بمقدمة إنجيل يوحنا:
وهي: «في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله هذا كان في البدء عند الله كل شيء وبه كان وبغيره لم يكن شيء مما كان» (يوحنا 1: 1ــ 3).
ولنا وقفات:
الأولى: نبه بعض المحققين أن هذا النص قد انتحله كاتب الإنجيل من فيلون الإسكندراني([32]) (ت: 40م)، قال فيلسيان شالي: «فكرة الكلمة التي جاءت من فلاسفة رواقيين، ومن فلسفة اليهودي (فيلون) استعارة من هذه العقائد أو النظريات على يد القديس جوستين ويد مؤلف الأسطر الأولى من الإنجيل الذي يُعزى إلى القديس يوحنا»([33]).
هذا ويرى علماء اللاهوت أن مصطلح (الكلمة)([34]) بتركيباته الفلسفية غريب عن بيئة المسيح | وبساطة أقواله، وعامية تلاميذه وعفويتهم، وبخاصة يوحنا كما في أعمال الرسل (4: 13) «فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان» فكيف يأتي هذا العامي بهذه التراكيب المعقدة ذات الإسقاطات البعيدة والخلفيات العميقة؟!
وقد نبّه الشيخ ديدات إلى أن ثمة تلاعبًا في الترجمة الإنجليزية وهي الأصل الذي تُرجم عنه الكتاب المقدس إلى لغات العالم، فعند العودة إلى الأصل اليوناني القديم الذي يعتمد عليه النص الإنجليزي نجد أنه بدلاً من كلمة «الله» قد كتب «إله» وهنا يتغير المعنى ويفتح الباب على مصراعيه لأكوام المعاني المجازية دون الحقيقية، ولكن بعد تحريف النسخة الإنجليزية المترجمة عن اليونانية نُفي المجاز وأثبتت كلمة «الله» لتكرس الفهم المحدث المبتدع الجديد([35]).
الثانية: معنى كلمة «البدء» لا يلزم منه الأزل، بل يحتمل معان أخرى كخلق السماوات والأرض مثل: «في البدء خلق الله السماوات والأرض» (تكوين 1: 1) وهي أول عبارة في الكتاب المقدس، وقد يكون مقصود الابتداء أول زمن المسيح| وعهده «كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء» (لوقا 1: 2)، كذلك (يوحنا 8: 25).
الثالثة: معنى «الكلمة» لا يختص بعيسى | وحده «وكانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا» (لوقا 3: 2) ومن معانيها الأمر الإلهي الذي به خلق الكون «بكلمة الرب صنعت السماوات» (مزمور 33: 6ــ 9)، ومن معانيها وعد الله «أين هي كلمة الرب لتأتي» (إرميا 17: 15، 16).
وليس في الأسفار وكتب الأنبياء البتة ذكر المعنى الذي تذكره الكنيسة للكلمة «اللوغوس» حيث تفسر الكلمة بأنها الأقنوم الثاني للثالوث الأقدس ــ المفترى ــ فلم يرد هذا المعنى الوثني الفلسفي في كلامهم وآياتهم.
الرابعة: جملة «وكان الكلمة الله» غاية ما فيها تسمية المسيح بأنه «الله» وقد سبق الكلام على ذلك، فقد أطلق العهد القديم على القضاة ذلك المسمى «الله قائم في مجمع الله» (مزمور 82: 1) وأشراف اليهود «قدام الآلهة أرنم لك»([36])(مزمور 138: 1)، وقال لموسى عن هارون «وهو يكون لك فمًا وأنت تكون له إلهًا» (خروج 4: 16).
خامسًا: عبارة: «والكلمة كان عند الله» فالعندية لا تعني المثلية والمساواة إنما تعني أن الكلمة خلقت بقدرة الله، كما في قول حواء: «اقتنيت رجلاً من عند الرب» (تكوين 4: 1)، «كبريتًا ونارًا من عند الرب» (تكوين 19: 24)([37]).
5ــ ومن متعلقاتهم بالتأليه للمسيح عليه السلام ما ورد من نسبة أفعال الله تعالى إلى المسيح عليه السلام. ومن ذلك:
أــ إسناد الخالقية لله تعالى بالمسيح عليه السلام.
ومنها قول بولس: «فإن فيه خلق الكل» (كولوسي 1: 16)، «الله خالق الجميع بيسوع» (أفسس 3: 9)، «كان في العالم وكوّن العالم به» (يوحنا 1: 10).
والجواب من وجوه:
أولاً: تقرير مبدأ أن ابتداء الخلق هو من الله تعالى وحده، وهذا مقرر في كافة نصوص العهدين([38]) «في البدء خلق الله السماوات والأرض» (تكوين 1: 1)، «هكذا يقول الله الرب خالق السماء» (إشعيا 42: 5)، وقال برنابا وبولس: «الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها» (أعمال 14: 15)، فلم يُذكر في الكتاب المقدس خالقٌ على الحقيقة سوى الله وحده، وهذه من كبريات العقائد عند أكثر البشر، بل حتى عند كثير من الوثنيين لإلحاح الفطرة على إثباتها، ولأنها من أخص صفات الربوبية مع الملك والتدبير.
ثانيًا: الجواب عن الأقوال الناسبة للمسيح الخالقية، فهذه تتحدث عن الله الذي خلق بيسوع أي هدى به الناس، كما صنع المعجزات بيد يسوع (أعمال 2: 22) لذلك فلا يوجد نص في الكتاب المقدس يفرد صفة الخلق بيسوع أبدًا.
أما مفهوم أن الآب (ويقصد به الله ــ تعالى الله عن الأبوة والصاحبة والولد([39])ــ) خلق العالم بواسطة الابن (بالمعنى الظاهري) فهذا فهم غريب لم تنطق به أنبياء العهد القديم ولا الجديد، إنما يُفهم ــ على نحو ما ــ من كلام بولس ومقدمة يوحنا الفلسفية المستمدة من الفكر الأفلاطوني والفلسفات الغنوصية التي تعتقد أن الله أشرف من أن يخلق الخلق بنفسه، لذلك ينيط هذا الفعل بالعقل الكلي أو الملائكة، علمًا بأن هؤلاء الفلاسفة والملاحدة يحيدون دومًا عن سؤال العقلاء: فمن خلق الأول؟! أي مَن خلق هذه المخلوقات التي تزعمونها خالقة؟ فلا خالق في الحقيقة إلا الله وحده لا شريك له وهو الأول والآخر سبحانه وبحمده. ﴿ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [الطور: 35] والمسيح مخلوق مصنوع «بكر كل خليقة» (كولوسي 1: 15).
ثالثًا: الذي عجز عن رد الحياة لنفسه عندما مات ــ على حد زعمهم ــ لهو أعجز من أن يكون خالقًا للكون! أو أن يُـخلق به! «فيسوع هذا أقامه الله» (أعمال 2: 32)، «والله الآب الذي أقامه من الأموات» (غلاطية 1: 1).
أما إذا أخذنا بالمعنى الذي يوجه الخالقيّة لتكون بمعنى أنه سبب للهداية فإن النصوص تستقيم في المعنى ذاته، حتى المتعارضة منها مثل كون التلاميذ باكورة المخلوقات «لكي نكون باكورة من خلائقه» (1: 18) أي أوائل المهتدين الذين تلبسوا بالخليقة ــ الدينية ــ الجديدة.
وعليه فالمقصود من خلق المسيح للبشر هو الخلق المعنوي الذي به تحيا الأرواح الشريفة، فالمسيح | والمصلحون جعلهم الله سببًا في إحياء القلوب الميتة من موات الكفر والشرك والظلم والفسق، ولعل هذا المعنى هو الذي عناه بولس، فقد قال بعد قوله السابق: «فإن فيه خلق الكل...» (كولوسي 1: 16، 17)، ثم قال بعدها بسطرين فقط: «وأن يصالح به الكل نفسه عاملاً الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الأرض أم ما في السماوات» (كولوسي 1: 20) فعمم الصلح ــ التدين والإيمان بالمخلص ــ لأهل السماء والأرض، وبما أن أهل السماء ليسوا بحاجة للتـخليص إذن فيعود على أهل الأرض المفتدَين بالمسيح، فتكون هذه النصوص من العام الذي يراد به الخصوص، كما أن هذه المبالغات معهودة بكثرة في الكتاب المقدس كما في (التثنية 1: 10، 11) (القضاة 7: 12) (يوحنا 21: 25).
ب ــ إسناد الدينونة للمسيح عليه السلام:
ويقصدون بالدينونة حساب الخلائق يوم الدين([40]) والقيامة الكبرى، بمعنى أن المسيح هو ديان الخلائق يوم القيامة ــ تعالى الله عن ذلك ــ «وأعطاه سلطانًا أن يدين أيضًا» (يوحنا 5: 27) ثم قالوا: بأن التوراة تقول: «الله هو الديان» (مزمور 50: 6)، إذن فعلى ذلك فالمسيح إله! ــ تعالى الله عن ذلك ــ.
والجواب من وجوه:
الأول: أن نقض الحجة موجود في دليلها الثاني، فالتـخصيص يقتضي المغايرة، فتقديم ما حقه التأخير يقتضي التـخصيص، كذلك أكد التـخصيص بلفظ «هو» إضافة إلى دخول «ال» الاستغراقية الجنسية التي تفيد الاستغراق والشمول.
الثاني: يستحيل في عرف المسيحيين أن الله تعالى هو المسيح ابن مريم بكل تجلياته وصفاته، بل هناك نصوص إنجيلية تمنع من أن يكون المسيح هو الديان فمنها «لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم» (يوحنا 3: 17)، فالمسيح لن يدين أحدًا لا من آمن به ولا من كفر به على مقتضى هذا النص، بل نزيد في الإيضاح براءته من الدينونة مطلقًا «وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه» (يوحنا 12: 47، 48) أي الله وحده.
الثالث: المسيح | لا يستطيع فعل شيء في يوم الحساب «الدينونة»! إلّا فيما أذن الله له فيه، حتى أنه لا يستطيع الشفاعة لابني خالته وتلميذيه أن يجلسا عن يمينه وشماله يومئذ([41]) «فليس لي أن أعطيه إلا للذين أُعدّ لهم من أبي» (متى 20: 20ــ 22) ومن كانت هذه حاله فهو عن الدينونة المطلقة أعجز، فصلوات الله وسلامه على المسيح ابن مريم الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح أمته حق النصح، ولكن أكثرهم لا يعلمون، وسيقول المسيح يومئذ ضارعًا إلى ربه متبرئًا من شرك قومه: ﴿ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ [المائدة: 118].
الرابع: الدينونة المذكورة في الأناجيل المعتمدة ليست خاصة بالمسيح وحده بل تلاميذه كذلك سيدينون العالم ــ على حد تعبير الأناجيل!ــ بما فيهم الخائن([42]) يهوذا الإسخريوطي «تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًا تدينون أسباط بني إسرائيل» (متى 19: 28)، بل حتى بولس وغيره ممن يلقّبون بالقديسين سيدينون العالم «ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم» بل لن يكتفوا بدينونة البشر بل سيدينون حتى الملائكة «ألستم تعلمون أننا سندين الملائكة» (كورنثوس 6: 2ــ 4) فهل كل هؤلاء ديّانون؟! وهل كلهم بعد ذلك آلهة([43])؟! ﴿ﮌ ﮍ ﮎ﴾ [هود: 122].
ولعل الدينونة المقصودة في أسفار العهد الجديد هي دينونة الشهادة([44])وليست دينونة الحساب، والعلم عند الله تعالى.
جـ ــ تعلقهم بالنصوص التي تذكر غفران المسيح عليه السلام للذنوب:
قال للمجدلية: «مغفورة لك خطاياك» (لوقا 7: 48)، وللمفلوج: «مغفورة لك خطاياك» (متى 9: 3)، والمغفرة ــ كما يرون ــ هي من خصائص الألوهية، فعلى ذلك فالمسيح إله ــ بزعمهم ــ!
والجواب ــ بكل إيجاز ــ: فأين الوحي إذن؟! فالمسيح | بشّر مريم المجدلية والمفلوج بمغفرة الله تعالى لهما بناء على وحي الله تعالى له بذلك وإخباره أن الله قد غفر لهما، وليس معنى ذلك أن المسيح هو من قام بالمغفرة، بل إنه قد نفى ذلك عن نفسه صراحة حينما اتهمه اليهود بالتجديف([45]) إذ قال للمرأة: «إيمانك قد خلّصك» (لوقا 7: 46ــ 50)، فالله قد غفر للمرأة بسبب إيمانها والمسيح أخبرها ببشارة الغفران، ويتضح ذلك من قراءة سياق القصة وأن ليس له من الأمر شيء من تلقاء نفسه، لا للمرأة (لوقا 7: 46ــ 50) ولا للمفلوج (متى 9: 3ــ 8).
وهذا السلطان الذي أعطاه الله إياه إنما هو الوحي المنزل والمعجزات الباهرة([46]) المبرهنة على نبوته ورسالته، وليس المراد الصفة الإلهية «كل شيء قد دفع إلى من أبي» (لوقا 10: 22) وإلا فهو لا حول ولا قوة له «أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئًا» (يوحنا 5: 30).
|
وبعد ذلك التحريف المعنوي طرأ التحريف اللفظي فأُعطي الغفران لغير المسيح |، فيوحنا يعطي التلاميذ صكًّا مفتوحًا بالغفران لجميع الذنوب والخطايا «من غفرتم خطاياه تُغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت» (يوحنا 20: 23) فإذن فهم ــ على حد عبارة يوحنا ــ كالمسيح تمامًا في الغفران، فهلّا اتـخذتموهم آلهة من دون الله؟! ﴿ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [الأعراف: 190]([47]).
وبالجملة فالمسيح | لا يملك المغفرة لذنوب العباد إنما يطلبها لهم من الله تعالى ويستغفره لهم، كما هو ديدن المؤمنين والمصلحين، وقد ورد هذا في دعائه لليهود واستغفاره لهم: «فقال يسوع يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لوقا 23: 34)([48]).
6ــ ومن متعلقاتهم الاستدلال بمعجزات المسيح عليه السلام على ألوهيته.
تذكر أناجيل العهد الجديد خمسًا وثلاثين معجزة للمسيح |، كولادته من غير أب وإحيائه للموتى وشفائه للأمراض وإخباره بالمغيبات...([49]) ثم يستدلون بذلك على ألوهيته وإشراكه مع الله ــ تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا ــ.
والجواب عن ذلك من وجوه:
أولاً: أن هذه المعجزات الخارقة للعادة هي من الله وحده القادر على كل شيء؛ فالخلق خلقه والأمر أمره والحكم حكمه، فهي من الله وحده استقلالاً، وليست من عند غيره لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهي ما يسميها المسلمون «دلائل النبوة» وفائدتها إثبات صدق كلام النبي أنه مرسل من ربه، وهذه المعجزات هي الأدلة والبراهين على صدق دعواه، فلو كان كاذبًا لم يخرق الله تعالى له العادة ولم يجرها على يديه.
والمسيح صلوات الله وسلامه عليه قد أكد مرارًا وتكرارًا على أن هذه المعجزات من عند الله وليست من عنده «أنا بروح القدس أخرج الشياطين» (متى 12: 28)، «لأنكم تقولون إني ببعلزبول([50]) أخرج الشياطين فإن كنت أنا ببعلزبول أخرج الشياطين فأبناؤكم بمن يُخرجون لذلك هم يكونون قضاتكم ولكن إن كنت بإصبع الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله» (لوقا 11: 19ــ 21).
ولما أحيا لعازر بإذن الله شكر الله تعالى على إجابته لدعائه وضراعته، ولتصديقه في دعواه النبوة حيث أجرى على يديه هذه المعجزة العظيمة «رفع يسوع عينيه إلى فوق وقال أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنك أرسلتني» (يوحنا 11: 40، 41)، وتأمل جملته الأخيرة([51]). وقال: «أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئًا» (يوحنا 5: 11) فماذا بقي من مستمسكاتهم لتأليهه؟! ﴿ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ﴾ [يونس: 32].
وقد علّق طامس إيملن على هذا قائلاً: «لا ريب أنه صوت إنسان وليس صوت إله»، وقال هاستنجر: «والعهد الجديد لا يترك مثقال ذرة من شك في بشرية المسيح»([52]).
ثانيًا: أن المعجزات والدلائل ليست خاصة به، بل قد أعطى الله غيره من الأنبياء أعظم مما أعطاه، عليهم جميعًا صلوات ربي وسلامه([53])، وبيان ذلك:
أ ــ الميلاد العذري (من دون أب):
فخلْقُ آدم أبي البشر | أعظم من ولادة المسيح |، فقد خُلِقَ بلا أب ولا أم، ولم يخرج من بين نجو وطمث، وأسجد الله له ملائكته، كذلك ملكي صادق ــ المزعوم ــ فقد خلق بلا أب ولا أم ــ على رواية الكتاب المقدس وقد بينا زيفها ــ (عبرانيين 7: 1ــ 3)، وسائر الملائكة خلقوا بلا أم ولا أب بل حتى إبليس نفسه! فهل يستحق هؤلاء أن يكونوا آلهة؟! ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [سبأ: 40، 41].
ب ــ إحياء الموتى:
وهي أعظم معجزات المسيح ابن مريم الحسية على الإطلاق، وهي دالّة على عظمة الله تعالى وقدرته الذي أرسله وأجراها على يديه، ولنا حيالها وقفات:
الأولى: من التحريف المعنوي لشراح الكتاب المقدس من القسس واللاهوتيين الاجتزاء المتعمد؛ وذلك بأخذ ما يوافق الهوى والغرض مع ترك ما ينافيه ويضاده ولو كان متصلاً به أو منفصلاً. ومن ذلك استشهاد القسس في مواعظهم في الكنيسة على ألوهية المسيح وتزييفهم على العامة من الأتباع بنص إنجيل يوحنا «كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيضًا يحيي ما يشاء» (يوحنا 5: 21ــ 27) ثم يبتر الكلام ويبحر في إنشائه وتـخريفه بتحريفه، ولو أنه كان صادقًا ناصحًا لأكمل آيات الإنجيل ففيها القيد الموضح للمعنى المراد: «... أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئًا... لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني» (يوحنا 5: 30)، ولاحظ أنها في سياق واحد ومعنى مترابط ولكن الهوى ﴿ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [البقرة: 146، 147]، ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [البقرة: 159]([54])، إذن فمشيئة المسيح |وإرادته ليست له استقلالاً بل هي تابعة وخاضعة لمشيئة رب العالمين الإله الحق سبحانه وبحمده.
الثانية: هل تقول الكنيسة بألوهية كل من ثبت عندها إحياؤه للموتى كالنبي إيليا (إلياس) الذي أحيا ابن الأرملة؟! «فسمع الرب لصوت إيليا فرجعت نفس الولد إلى جوفه فعاش» (الملوك (1) 17: 19ــ 24)، كذلك أليشع (اليسع) الذي أحيا ميتين، الأول منهما أحياه في حال حياته (الملوك (2) 4: 32ــ 36)، والآخر بعد وفاته! «فطرحوا الرجل في قبر أليشع فلما نزل الرجل ومس عظام([55])أليشع عاش وقام على رجليه» (الملوك (2) 13: 21) فهل إيليا وأليشع إلهان من دون الله؟! ــ تعالى الله ــ.
ثالثًا: ورد في العهد الجديد أن سوى الأنبياء يحييون الموتى كبطرس حين أحيا طابيثا (أعمال 9: 36ــ 41)، بل كل التلاميذ ــ على حسب الكتاب المقدس ــ يقدرون على الإحياء «اشفوا مرضًا طهروا برصًا أقيموا موتى أخرجوا شياطين» (متى 10: 7، 8)، فهل كل هؤلاء آلهة؟! ﴿ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ﴾ [الأنبياء: 22].
رابعًا: كيف لم يحيي المسيح نفسه بعد موته ــ على حسب البيبل ــ فقد بلغت النصوص خمسة عشر التي تنص على أن الله أقامه ولم يقل واحد منها أنه أقام نفسه من الأموات! (أعمال 2: 32، 3: 15، 4: 10) ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [الحج: 6] مع أن المسيح في الحقيقة لم يمت بل شُبّه ذلك لأعدائه ﴿ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [النساء: 157].
خامسًا: أليس أعجب من إحياء المسيح | للأموات بعث الحياة في الجمادات كعصا موسى |، فأيهما أولى بالعبادة؟! ﴿ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾[الأنعام: 71].
ويلحق بمعجزة إحياء الموتى شفاء المرضى، وانظر في ذلك شفاء أليشع أبرصًا بل وأمراضًا أخرى بل ذهب لأبعد من ذلك فشفى معه ذريته إلى الأبد! (الملوك (2) 5: 10ــ 27)، وصدق أبو الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم | حين قال فيما ذكره الله عنه في محكم التنزيل مثنيًا على ربه وإلهه الواحد: ﴿ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [الشعراء: 78ــ 82].
جـ ــ معجزة التنبؤ بالغيب:
كإخبار المسيح | التلميذين الذين أرسلهما لذبح فصح العيد بما سيكون لهما (مرقس 14: 12ــ 16)، وإخباره عن الجحش المربوط في قرية بيت فاجي (يوحنا 21: 17).
والجواب: أن هذه النبوءات إنما هي برهان من ربه على صدق رسالته وبلاغِهِ لا على ألوهيته وربوبيته، وهذا البرهان قد أعطاه الله تعالى لغيره من الأنبياء، فقد تنبأ قبله يعقوب | «اجتمعوا لأنبئكم بما يصيبكم في آخر الأيام» (تكوين 49: 1ــ 27)، كذلك صموئيل وإيليا (صموئيل (2) 10: 2ــ9) (الملوك (1) 21: 21ــ 24)، وقد تحققت نبوءتيهما كما في (الملوك (2) 10: 1ــ 17، 9: 30ــ 37)، ومثل هذا في الأسفار المقدسة([56]). إذن فلا تفرد للمسيح بهذه المعجزة المدهشة.
بل حتى بلعام المتنبئ الكافر الذي قتله موسى | ــ على ذمة العهد القديم ــ يعلم الغيب «الذي يسمع أقوال الله ويعرف معرفة العلي الذي يرى رؤية القدير([57])» (عدد 24: 16) وقد ذكرت الأسفار شيئًا من نبوءاته التي تحققت. إذن فلا دليل على الألوهية بذلك بل لا دليل فيها على النبوة ما لم تصاحبها دعوى النبوة فقد يستدرج الله بعض الكهنة والمشعوذين فيسهل لهم شيئًا من ذلك عن طريق الجن فتنة للناس.
د ــ التسلط على الشياطين بإخراجهم من البشر:
كما في (متى 12: 27، 28)، والجواب: أنها ليست بمعجزة أصلاً، فكثير من الناس يفعلون ذلك إلى يومنا هذا، وقد يعطيهم الله شيئًا من التسلط على الشياطين كما يعطيهم مثلها على البشر، واليهود عندهم قدرة على ذلك كما ذكره عنهم المسيح على رواية متى «إن كنت أخرج الشياطين ببعلزبول فأبناؤكم بمن يخرجونهم» (متى 12: 27)، كما حذر المسيح | من الكذبة الذين سينجحون في إخراج الشياطين (متى 7: 22، 23).
هـ ــ معجزات متنوعة:
كتحويله الماء إلى خمر([58]) (يوحنا 2: 7ــ 9)، وإطعام الجمع الكثير من خمسة أرغفة وسمكتين (متى 14: 19ــ 21)، وتيبس شجرة التين بأمره لها (متى 21: 18، 19)، والظلمة العظيمة عند موته ــ المزعوم المفترى ــ (متى 27: 45)، وطاعة الريح والبحر له (متى 8: 23ــ 28)، وصومه أربعين يومًا بلا جوع (متى 4: 1ــ 2)([59])، وجلوسه على يمين الله بعد ارتفاعه إلى السماء (مرقس 16: 19).
والجواب هنا مثل الجواب الذي قبله فيحتذى فيه حذوه؛ فهذه المعجزات قد ثبت أمثالها وأعظم منها للأنبياء الآخرين، فموسى حوّل الماء إلى دم بدعوته (خروج 4: 9)، وأليشع (اليسع)([60]) ملأ القدور الفارغة زيتًا من غير أن يكون فيها شيء، وهذا إيجاد من عدم وليس مجرد تحويل سائل لسائل، وكلٌّ بقدرة الله وإذنه ومشيئته (الملوك (2) 4: 3ــ 7)، وببركة موسى | أطعم الله بني إسرائيل بأسباطهم الاثني عشر المن والسلوى أربعين سنة، وكانوا زهاء ستمئة ألف (خروج 16: 35، 36)، كما حوّل موسى | العصا الجامدة إلى حية تسعى بإذن الله تعالى وهذه أبلغ من تيبس الشجرة (خروج 7: 9)، وظلمة صلب المسيح ــ المفترى ــ ليست بأعظم من الظلمة الدامسة التي ألقيت على مصر ثلاثة أيام بكفرهم بموسى | (خروج 10: 22، 23) بل وأعظم من ذلك إيقاف الشمس والقمر عن المغيب ليلة السبت من أجل أن يتم يشوع بن نون([61]) وجنده فتح بيت المقدس «فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب... فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل» (يشوع 10: 12، 13)، بل إن نبي الله إشعيا قد أعاد الله بدعائه الشمس للوراء ليبرهن للملك حزقيا على صدق وعد الرب (الملوك (2) 20: 10، 11)، وإيليا قد أطاعته النار والماء كذلك (الملوك (2) 1: 9ــ 11، 2: 7، 8)، وموسى | صام أربعين يومًا بدون أكل أو شرب (تثنية 9: 9)، كذلك إيليا (الملوك (1) 19: 7، 8)، أما الجلوس على يمين الرب فقد حصل ــ حسب رواية الكتاب المقدس ــ لإيليا (الملوك (2) 2: 11، 12)، كذلك لأخنوخ (تكوين 5: 24).
وبعد فهل ادّعى أحد ألوهية هؤلاء السادة؟! ﴿ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾ [الأنعام: 90]، ﴿ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [الزمر: 65].
المبحث الثاني
حقيقة المسيح ابن مريم عليه السلام
بعد هذا التطياف مع متعلقاتهم وكشف الشبه التي هي أوهى من بيت العنكبوت فسنقيم بين عينيك أيها القارئ الكريم نصوصًا من الكتاب المقدس وقواطع عقلية وضرورات فطرية تنقض عرى هذه العقيدة الزائفة المؤلهة لغير الإله الحق تبارك وتعالى ﴿ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [القصص: 88].
لقد رأى المحققون أن الأحوال البشرية للمسيح | طوال حياته تمنع القول بأن المسيح هو الله([62])، أو أنه ابن الله، إذ لا يليق ولا ينبغي للإله أن يولد ويأكل ويشرب وينام ويبكي ويختتن ويضرب ويجوع... ثم يموت!!
ولا يشفع للمؤلهة والمثلثة احتجاجهم بأن هذه الأفعال الغريزية والبشرية قد صدرت من الناسوت لا اللاهوت لأنهم يقولون: إن جسد الإله في المسيح | كان كالجبّة أو العمامة التي يلبسها المسيح أحيانًا وينزعها أحيانًا أخرى، فما صدر عنه فإنما صدر من الإله المتجسد ــ بزعمهم ــ وإلا لزمهم الاعتراف ببشريته الصرفة وإنسانيته البحتة وهو الحق الذي لا مرية فيه ﴿ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [يونس: 32] ([63]).
قال البابا كيرلس المقلب عمود الدين: «إننا لا نجيز الفصل بين الطبيعتين([64]) ونعلم فقط بالتمييز بينهما تمييزًا ذهنيًا»([65]).
|
إذن فبسبب الغموض الشديد بل والحيرة التي يستحيل الانفكاك منها عن هذا التصور الثالوثي المتصل أو المنفصل لم يستطع أحد أن يشفي غليل سائل من أهل ملته يحاول تلمس النور الصافي والصوت الهادي في تصوره لإلهه الحق الذي يصرف العبادة له ويتوجه بقلبه إليه([66])، لذلك تكون الأجوبة أكثر حيرة والجواب أشد غموضًا من السؤال ﴿ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [النور: 40] فتارة يكون الجواب بتمنطق فلسفي عقيم، وأخرى بديماغوجيا مضحكة([67]) وتارة بطلاسم كهنوتية، وتارة بالأمر بالتسليم المطلق بالثالوث الأقدس! وإلغاء التفكير والتأمل والتوقف عن محاولة الفهم، وهذا الأخير هو المختار عند أكثرهم لسهولته أو لعجزهم عن غيره، وضاع الحق وهلك الخلق إلا من عصم
|
|
ولتقريب المعنى أقول: لو كان بين يديك قلم فعلى المفهوم الكنسي لمفهوم اللاهوت والناموس بقوليه ومدرستيه (الطبيعة الواحدة أو الطبيعتين) ([69])، فإن هذا القلم يصح ويجوز أن يكون حارًا وباردًا في نفس الوقت، كذلك لا يمنع أن يكون متحركًا أو ساكنًا في نفس اللحظة أو أسود وأبيض ومادته سائلة جامدة في ذات الوقت! وهكذا.
إن ترك الناس في هذه الحيرة وعدم شفاء أسئلتهم وإرواء ظمأ فكرهم وعدم القدرة على كشف الحقيقة ــ المعدومة في عقيدة الثالوث لأنها جمع بين المتناقضات ــ قد دعى الكثير من أبناء الكنيسة للهروب من واقعها المضطرب الخيالي إلى أشياء أخرى كرفض الدين جملة (الإلحاد) أو التردد في حيرته وكبت تساؤلاته أو البحث عن إجاباته عند ديانات أخرى، وقد سعد من بحث عن إجاباته عند المسلمين، فعندهم وحدهم الإجابة الشافية لكل سؤال عقدي مهما دق، فبين أيديهم كتاب الله المحفوظ: ﴿ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [فصلت: 42]، ولا تتعارض معتقداتهم مع العقل الصحيح والمنطق السليم البتة([70]).
1ــ نصوص تثبت عجزه وضعفه البشري:
|
كجهله بموعد قيام الساعة([72]) (مرقس 13: 32)، ومكان لعازر (يوحنا 11: 33، 34)، والتاريخ المرضي للصبي (مرقس 9: 21)([73]).
وكان يتبرأ من مشيئته افتقارًا لربه تعالى (يوحنا 5: 43، 8: 28، 5: 19) (متى 2: 20ــ 22)، بل كان المسيح | موصوفًا بالعبودية التامة لله الحق «هو ذا عبدي» (متى 12: 18)، «قد مجّد عبده يسوع» (أعمال 3: 13، 14)، «فإليكم أولاً أرسل عبده» «عبدك القديس يسوع» (أعمال 3: 26، 4: 30)([74]).
2ــ نصوص تثبت بشريته كسائر البشر:
|
فقد حملته أمه جنينًا في أحشائها ثم ولدته، وخُتن، وتعلم مع الصبيان، وعُمِّد، وراح وجاء، وجاع وأكل وشرب ونام، وتعب واستراح، واحتاج لحمار يركبه، وبكى وحزن، وتعرض للظلم والشتم، واحتاج إلى مَلَك يقويّه، وتذلل لربه وخضع وصلّـى ودعا وجثا على ركبتيه، فمن كان يحكم العالم والإله ــ المزعوم ــ في بطن أمه بين فرث ودم؟! ومن كان يمسك السماوات أن تقع على الأرض والإله ــ المفترى ــ لا زال صغيرًا يلعب مع الصبية؟! ومن يرزق البهائم والطير والإنس والجن والإله ــ المزعوم ــ نائم أو مشغول؟! ومن كان يقوم بأمر العالم العلوي والسفلي ويرزقهم ويحفظهم والإله ــ المكذوب ــ مصلوب ميت ثم مدفون ثلاثة أيام؟! ﴿ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [فاطر: 41]، ﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [البقرة: 255].
لذلك لم يستطع الأب المشهور ترتليان في القرن الثالث أن يتقبل فكرة موت الإله! فقال جازعًا معترضًا كاشفًا حقيقة الحيرة المختفية تحت خرافات الكنيسة: «لقد مات ابن الله! ذلك شيء غير معقول، لا لشيء إلا لأنه مما لا يقبله العقل، وقد دفن في بيت الموتى، وذلك أمر محقق؛ لأنه مستحيل!»([75]).
وتأمل: «وقضى الليل كله في الصلاة» (لوقا 6: 12)، لمن كان الإله ــ المزعوم ــ يصلي طوال الليل منفردًا ضارعًا، هل كان يصلي لنفسه؟! أم للأب الحالّ فيه؟! وهل تجوز وتصح عبادته وهو في هذا الحال؟! هل نترك عبادة المعبود ونعبد العابد؟!
كما أن الدعاء والتذلل والضراعة والاستغفار هي من أخص أوصاف العبودية فلا يجوز لأحد أن يجدّف على الله تعالى فينسبها له.
كذلك فقد أخبر المسيح | أنه سيدخل الجنة التي وعد الله بها عباده المؤمنين وأولياءه المتقين كما في (يوحنا 14: 2، 3) (متى 26: 29) وهو من ضمنهم قطعًا، وقد قال للص المصلوب: «تكون معي في الفردوس» (لوقا 23: 43) ولم يقل: أنعمت عليك بالفردوس؛ لأنه عبد لا يعبد ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع، وهو بشر من البشر وولي من أعظم الأولياء.
ألم يقل عن نفسه: «وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله» (يوحنا 8: 40)؟! أفلا نقبل شهادته عليه الصلاة والسلام عن نفسه؟! أم تريدونا أن نردها ونقبل كلام غيره؟! تالله ما هذا بالنَّصَف!
لماذا الإصرار والإلحاح على تأليهه وضرب قوله وقول تلاميذه عرض الحائط؟ أليس هذا عين المشاقّة له والمحادّة والمضادّة لتعاليمه ووصاياه؟
3ــ معاصروه وأقاربه وتلاميذه لم يقولوا بألوهيته.
خافت أمه عليه (لوقا 2: 41ــ 48)، وتتعجب مما قيل عنه (لوقا 2: 33)، وذرفت على موته ــ المدّعى ــ الدموع (يوحنا 19: 25)، أما كبير حوارييه بطرس فلم يشر في خطبته المهمة ــ التي كان فيها مؤيَّدًا ممتلئًا بالروح القدس!ــ إلى ألوهية معلمه (أعمال 2: 22)، ورجلين من أصحابه حزنا لخبر وفاته (لوقا 24: 19ــ 21) وكان أقصى ما أمّلاه أن يكون المسيح هو ملك اليهود المنتظر ومخلصهم.
|
إن غاية ما دار بخلد أصحابه وأهله وأتباعه الحقيقيين ــ لا المزيفين ــ أنه المسيح المنتظر وليس الإله القادر([76]).
4ــ النصوص الشاهدة الناطقة بنبوة المسيح ورسالته:
وهذا مناقض لألوهيته ابتداءً، فالرسول عبد لله تعالى من جملة عباده، بعثه لتعبيد الناس لله وحده.
لقد كان تلاميذ المسيح | ينادونه بالمعلم ــ حسب البيبل ــ وقد أقرهم على ذلك «أنتم تدعوني معلمًا وسيدًا وحسنًا تقولون لأني أنا كذلك» (يوحنا 13: 13) (مرقس 10: 20) أفكان من حسن الأدب أن يتركوا نداءه بالألوهية ــ لو كان ــ ويستبدلون النداء بالمعلم؟!
وقد بدأت نبوته وبُعث في سن الثلاثين (لوقا 3: 23) وثمّ وقتٌ لم ينزل عليه الروح القدس بالوحي فيه (يوحنا 7: 39).
وقد شهد لربه بالوحدانية ولنفسه بالرسالة: «أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته» (يوحنا 17: 3)، «ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وفي بيته» (متى 13: 57)، كذلك صرح بالرسالة في (يوحنا 11: 42، 8: 40، 20: 21، 14: 24، 7: 16) «ولا رسول أعظم من مرسله» (يوحنا 13: 16).
كذلك فدعوته خاصة ببني إسرائيل (متى 10: 6، 15: 21ــ 28) (لوقا 1: 32، 33) والإله لا يكون خاصًا بأحد دون أحد.
لقد صدق بولس في قوله: «لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح» (تيموثاوس (1) 2: 5) أي في زمانه.
وفي دائرة المعارف البريطانية: «لم تصدر عنه ــ أي المسيح ــ أي دعوى تفيد أنه من عنصر إلهي أو من عنصر أعلى من العنصر الإنساني المشترك»([77]).
وقال السير آرثر فندلاي في كتابه (الكون المنشور): «لا يعتبر عيسى إلهًا أو مخلّصًا؛ إنما هو رسول من الله، خدم في حياته القصيرة في علاج المرضى، وبشر بالحياة الأخرى، وعلم أن الحياة والدنيا ما هي إلا إعداد للملكوت الإلهي بحياة أفضل لكل من عمل صالحًا»([78]).
إن المسيح ابن مريم عبد الله ورسوله، وهو من أولي العزم من الرسل، وهو أعظم أنبياء بني إسرائيل بعد موسى |، قال الله تعالى فيه في محكم التنزيل: ﴿ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ [الزخرف: 59].
وليس مع من قالوا بتدرج ألوهيته من حجة، بل هي شبه متهافتة يكسر بعضها بعضًا، فدعوته واحدة، ونصوصه واحدة يصدق بعضها بعضًا من بدايتها لنهايتها، وكلام تلاميذه فيه لم يتغير، عليه الصلاة والسلام.
([10]) مع طعننا في مصداقية النقل، ولكن هذا تنزلاً في الخطاب، علمًا بأن هذه الإطلاقات لا تجوز في الإسلام خلا كلمة رب مضافة أما مع التعريف بأل فلا تجوز حفظًا لجناب الربوبية والألوهية. أما كلمة (الإله) فتطلق على غير الله لأنها بمعنى المعبود فكل من عبد غير الله فقد اتـخذه إلهًا مع الله ﴿ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [الفرقان: 43] أما اسم (الله) فلا يطلق على غير الله بأي حال من الأحوال وهو أعرف المعارف وأخص الأسماء وإليه ترجع جميع الأسماء والصفات.
([21]) في القرآن الكريم ورد نحو هذا التعبير كقوله تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [النساء: 80]، ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [الفتح: 10] مع ذلك فلم يفهم منه المسلمون اتحاد الذات، بل فهموا أن الله هو المطاع لأنهم أطاعوا رسوله وهو الـمُبَايَعُ لأنهم بايعوا رسوله بأمره، فهو المطاع والمبايع بواسطة رسوله محمد ^. وانظر: تفسير ابن كثير (4/329).
([24]) في القرآن العظيم تعريض بذلك، قال تعالى في وصف المسيح وأمه: ﴿ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [المائدة: 75]، ومن أكل الطعام احتاج لإخراجه على طبيعة البشر ونقصهم البشري وغريزتهم الإنسانية، فكيف تقولون: المسيح ابن الله؟ لذلك فقد زجر الله تعالى مفتري هذه الفرية والبهتان في كثير من الآي الكريمات: ﴿ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [المائدة: 17]، ﴿ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [المائدة: 73]، ﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [مريم: 89ــ 92]، والمولود من جنس الوالد فكيف يكون هذا؟! لذا فجريمة المؤلهة عظيمة جدًا لأنها عين المسبة لله رب العالمين وقيوم السماوات والأرضين تعالى وتقدس عن قول كل أفاك أثيم.
([28]) كما في سورة يوسف ﴿ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [يوسف: 100]، قال ابن كثير رحمه الله: «وكان هذا سائغًا في شرائعهم ولم يزل جائزًا من لدن آدم إلى شريعة عيسى |، فحرم في هذه الملة، وجُعل السجود مختصًا بجناب الرب سبحانه وتعالى»، ثم ذكر الآثار في ذلك.
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير الدمشقي (4/ 412).
([39]) من أعظم سور القرآن الكريم سورة الإخلاص، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [الإخلاص: 1ــ 4]، وهي تعدل ثلث القرآن الكريم لأنها صفة الرحمن جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته، والمسلمون يقرؤونها في الصباح والمساء، وعند المنام، وفي صلاة الوتر ونافلة الصبح والمغرب، وفي الرقية وغيرها، وقد تضمنت معان شريفة عظيمة غزيرة. وللشيخين ابن تيمية وابن القيم تفسير عزيز لها، ومهما كتب البشر واستنبطوا من معانيها السامية المهيبة الجليلة فلن يحيطوا بكل معانيها.
([41]) أما الشفاعة العظمى وهي الشفاعة للبشر عند الله أن يقضي بينهم يوم الحساب ويخلصهم من كربات الموقف في عرصات القيامة فإن المسيح | يحيل الناس إذا أتوه طالبين الشفاعة إلى محمد ^ كما يفعل آدم ونوح وإبراهيم وموسى عليهم السلام، فيشفع محمد ^ للخلائق عند الله ويسجد تحت العرش فتقبل شفاعته فيحاسب الله الخلائق كما في حديث الشفاعة الطويل وهو عند البخاري (7510).
([42]) تتهمه الأناجيل بأنه قد خان معلمه ونبيه المسيح بالدلالة عليه حينما اختفى من اليهود والرومان، وهناك روايات ــ خارج الأناجيل الأربعة ــ تفيد أن يهوذا هو مفتدي المسيح وأن المسيح طلب من حوارييه أن ينتدب واحدٌ منهم ليُلقى الشبه عليه فيصلب فيكون معه في منزلته في الجنة، وهناك إنجيل باسم إنجيل يهوذا ــ كما مر معنا ــ يدافع عن هذا التلميذ، والله وحده أعلم بحقيقته.
([47]) وهذه التكأة ــ ملكية الغفران والحرمان ــ استندت عليها الكنيسة الملكية الرومانية فأصبحت ــ بصفتها المزعومة نائبة المسيح ــ تمنح صكوك الغفران لمن يدفع الأموال، ثم صار هذا السلطان ــ المفترى ــ للقسس والكهنة الذين لهم حق المغفرة بعد كشف أسرار الناس في أدق خصوصياتهم، واستـخدام هذه الفضائح في أمور لا تـخفى.
= وتزعم الكنيسة الرومانية البطرسية أن المسيح قال لبطرس: «أنت بطرس... وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السماوات، وكل ما تحله في الأرض يكون محلولاً في السماوات» (متى 16: 19)، وبما أن بطرس رحل إلى روما وأعطى قسسها سلطانه ــ مع أن بطرس لم يطأ أوروبا قط ــ فعلى ذلك فللكنيسة حق تبديل الشريعة وتحليل الحرام وتحريم الحلال بربط أو حل أي أمر!! ﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [التوبة: 31]، وهذا أحد أسباب ثورة الإصلاحيين البروتستانت (المحتجين) الذين رفعوا شعار حرب بيع صكوك الغفران.
ولم يقف حق التحليل والتحريم عند حدّ إجماع رجال الكنيسة، بل وصل لمرحلة أن يكفي اتفاق اثنين فقط من رجال الدين على عقد أو نقض أي أمر فيكون في السماء على هواهما ويكون مباشرة شرعًا سماويًا!! «كل ما تربطون على الأرض يكون مربوطًا في السماء... إن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء ويطلبانه فإنه يكون لهما من قبل أبي الذي في السماوات» (متى 18: 18ــ 20) فهل كل هؤلاء آلهة؟! وأي لعب ولهو بالدين أكثر من ذلك؟! قال الله تعالى: ﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [الأنعام: 70، 71]، وقال تعالى: ﴿ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ﴾ [الأعراف: 51] والنسيان هنا هو الترك في العذاب عياذًا بالله تعالى.
([48]) وهذا الخلق النبيل والشفقة بالناس من هذا النبي الكريم دليل كمال رحمته بالبشر وهذه صفة راسخة في الأنبياء، فقد وصف رسول الله ^ أحد الأنبياء ويده على رأسه ووجهه، يتقي بها أذى قومه وقد ضربوه فأدموه وهو يقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» (متفق عليه)، وهو عين ما قاله ^ في أحد: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» رواه ابن حبان في صحيحه، وحينما أراد أهل مكة البطش به وأرسل الله تعالى له ملك الجبال ليطبق عليهم الأخشبين إن أراد قال: «بل أستأني بهم فلعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله» مجمع الزوائد، 11129، وقد وفّى الله حسن ظنه فآمن كثير منهم به بعد ذلك، وأخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ويوحده، حتى أخرج من صلب عدو الله أبي جهل رجلاً من أصلح الناس وهو ابنه عكرمة الذي استشهد في اليرموك ؓ.
هذا وطلب المغفرة (الاستغفار) للنفس أو للغير من شعائر المسلمين الذين يشفقون على أنفسهم وعلى الناس من عذاب الله، بل حتى الملائكة تستغفر للمؤمنين ﴿ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [غافر: 7]، وتأمل هذه العظمة والجلال والبهاء في هذه الآية أو غيرها من آي القرآن العظيم، وقارنها با شئت من آي الأسفار تجد الفرق إن كنت ذا علم وحس وصدق وذوق.
([55]) يعتقد المسلمون أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، كما قال ذلك نبيهم أحمد ^: «فإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» سنن أبي داود وصححه الألباني. وقد وجد المسلمون جسد نبي الله دانيال | حينما رأوه ميتًا مسجى على سريره وعند رأسه مصحفه لما فتحوا تستر، وقد أكرموه بدفنه |. وانظر: البشارة بنبي الإسلام، د. السقا (2/ 48ــ 52)، إظهار الحق، رحمة الله الهندي (4: 1166ــ 1169).
أما ما أوتيه النبي الخاتم فلا يكاد يحصر وستجد طرفًا منه فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
([60]) لاحظ القرب الشديد بين العربية والعبرية ــ كما مر ــ ولعل للترجمة دورٌ في التحريف، فالأصل في الأسماء لا تتغير إلا في حالة عدم وجود حروف منطوقة في اللغة المنقول إليها فموسى صار (موشى) وداود (ديفيد) ويوسف (جوزيف) ومريم (ماري)، ولكن كل هذا محتمل، لكن أن يحرف الاسم بترجمة معناه دون نقل لفظه كعيسى إلى جيسس فبعيد، إلا إن كان السبب هو طول الدورة المكانية الزمانية اللغوية بين العبرية واليونانية والإنجليزية. وعلى كل فلا زال بينهما شيء من الصلة وأقرب من مسمى جيسس يسوع فهو من الاشتقاق الأوسط.
([66]) قال الباحث الفرنسي ليون روشي: «لقد كان شعوري الفطري بوحدانية الإله يمنع علي قبول مبدأ (ثالث ثلاثة) أو الإيمان بقدرة البشر على مغفرة الذنوب، كما كنت لا أصدق مطلقًا مسألة الخبز المقدس الذي يمثل جسد المسيح |، وبعد أن قرأت القرآن الكريم بعقلية من يحمل أحدث الأبحاث العلمية؛ كان ذلك كافيًا لإيماني بالقسم الثاني من الشهادتين وهو شهادة أن محمدًا رسول الله». موسوعة مقدمات العلوم والمناهج، أنور الجندي (8/ 89).
وقال البروفسور تشكنتنادا هيابا أستاذ التاريخ بجامعة ميسوري: «لقد بنيت اختياري للإسلام على ثلاثة أمور؛ أولاً: صحة أخباره، ثانيًا: موافقته للعقل، ثالثًا: أنه دين عملي لا خيالي، فلا يوجد في الإسلام ثلاثة في واحد، ولا ثلاثون مليونًا من الآلهة» آفاق جديدة للدعوة، أنور الجندي، ص149.
([67]) الديماغوجيا هي الحيدة عن الجواب بتضخيم جوانب أخرى هامشية هربًا من عمق السؤال إلى فضاءات حرة ليس لها علاقة مباشرة به، فإذا سئل رجل الدين المسيحي عن حقيقة الثالوث وكيف يكون توحيدًا في تشريك؟! يجيبه القس أو الكاهن بأن يذكر معجزات المسيح أو ضرورة الإيمان بالمخلص أو قرب الدينونة وهكذا بدون أن يشفي غليل سائله عن التصوّر المرتضى للثالوث الأقدس المزعوم!
([69]) عقيدة الكنيسة الأرثوذكسية المصرية «المرقسية» هي وحدة الطبيعة بين اللاهوت والناسوت فهو هو، والمسيح هو الله بذاته!! ــ تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا ــ فيعتقدون أن الله قد نزل من علياء مجده، واتـخذ جسدًا حقيقيًا هو المسيح ابن مريم!! لذا فهذا المذهب هو أخبث مذاهبهم وأشدها كفرًا وعتوًا، قال الله تبارك وتعالى وتقدس وجل وعز: ﴿ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [المائدة: 17]، ثم قال بعد خمس وخمسين آية مكررًا الوعيد والتشنيع على الأفاكين: ﴿ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [المائدة: 72]، ثم زجر القائلين بالطبيعتين والمشيئتين من الطوائف الأخرى وكل المؤلهة للمسيح أو الروح القدس: ﴿ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ ثم دعاهم للتوبة النصوح وفتح باب الغفران لمن رجع منهم وأناب فقال: ﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ
= ﮯ﴾ ثم بين حقيقة المسيح ابن مريم عليه وعلى أمه السلام: ﴿﴿ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ﴾، وفي هذا إشارة بديعة لبشريتهما يلحظه مباشرة كُلَّ ذي عقل لماح، ثم أرشد إلى إطلاق العقل من ربقة التقليد والجهل وكسر قيد التفكير إلى متعة التأمل وسلامة التفكر والتدبر ﴿ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ أي كيف يصرفون عن الحق وهو كالشمس في رائعة النهار قد غطى الأفق نورًا وإشراقًا، ثم أحال بعد الدليل الحسي الشرعي على الدليلين العقلي والفطري ﴿ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾، ثم بعد إقامة كل هذه البراهين الملحة على كل ذي نهى ولب ختم بنهي أهل الكتاب عن الغلو وأنه باب الضلال، ونهاهم عن التقليد في دينهم بدون عقل ولا فكر ولا تدبر، وعائبًا عليهم تقليد أسلافهم الضُّلّال ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [المائدة: 72ــ 77]، فذكر الضلال في هذه الآية ثلاث مرات تنبيهًا لهم وتقريعًا ليقدحوا عقولهم بالفكر الحر الصحيح المستنير بنور الوحي الحق لا وحي الشياطين من الإنس والجن، فإن لم يصلوا بالتأمل السليم إلى الطريق المستقيم فهم في ضلالهم يعمهون.
كما أكد سبحانه وتعالى وبيّن ضلال المثلثة بقوله: ﴿ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [النساء: 171، 172].
([73]) لما كان الطب في مرتبة عالية في عصر المسيح | كانت معجزته من جنس ما اشتهروا به، فأتى بما حيّر الأطباء وأعجزهم، كما كان الفراعنة في عهد موسى | يشتغلون بالسحر ويُعنون به فأتت بعض معجزاته الكبرى ناقضة لسحرهم كالعصا التي انقلبت حية ﴿ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [الأعراف: 118]، ولما كان العرب هم أساطين الفصاحة ودهاقين البلاغة صار جزءًا من معجزة محمد ^ فصاحة القرآن الكريم وبلاغته التي أخذت بمجامع قلوبهم وأدهشت وأخضعت معاقد ألبابهم ــ وسيأتي المزيد من ذلك بمشيئة الله تعالى ــ.
([76]) قال الإمام ابن القيم مبينًا حقيقة المسيح المنتظر: «لقد أكمل الله سبحانه بمحمد صلوات الله وسلامه عليه ما أنزله على الأنبياء عليهم السلام من الحق، وبيّنه وأظهره لأمته، وفصّل على لسانه ما أجمله لهم، وشرح ما رمزوا إليه، فجاء الحق وصدق المرسلين، وتمت به النعمة على عباد الله المؤمنين، فأهل الكتاب عندهم عن أنبيائهم حق كثير لا يعرفونه ولا يحسنون أن يضعوه مواضعه، فقد أخبر أشعياء في نبوته (11: 6، 25، 65) وطابق خبره ما أخبر به النبي ^ في الحديث الصحيح من خروج الدجال، وقتل المسيح ابن مريم له، وخروج يأجوج ومأجوج في إثره، ومحقهم من الأرض، وإرسال البركة والأمن في الأرض.
فالمسلمون واليهود والنصارى ينتظرون مسيحًا يجيء في آخر الزمان، فمسيح اليهود هو مسيح الضلالة الدجال، فإنه الذي ينتظرونه حقًا، وهم عسكره وأتبع الناس له، ويكون لهم في زمانه شوكة ودولـة إلى أن ينزل مسيح الهدى ابن مريــم،
= فيقتل مُنْتَظرهم، ويضع هو وأصحابه فيهم السيوف، فإذا نظّف الأرض منهم ومن عباد الصليب حينئذ تنزل البركة والأمن.
ومسيح النصارى لا حقيقة له، فإنه عندهم إله وابن إله، وخالق ومميت ومحيي، فمسيحهم الذي ينتظرونه هو المصلوب المسمّر، المكلّل بالشوك بين اللصوص، مصفعة اليهود، وهو عندهم رب العالمين، وخالق السماوات والأرضين!
ومسيح المسلمين الذي ينتظرونه هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، عيسى ابن مريم، أخو عبد الله ورسوله محمد بن عبد الله، فيظهر دين الله وتوحيده، ويقتل أعداءه عبّاد الصليب، الذين اتـخذوه وأمه إلهين من دون الله، وأعداءه اليهود، الذين رموه وأمه بالعظائم.
وقد حَمَّل رسول الله ^ من أدركه من أمته السلام، وأمره أن يقرئه إياه منه، وأخبر عن موضع نزوله، وهو المنارة الشرقية بدمشق، واضعًا يديه على منكبي ملكين، يراه الناس عيانًا بأبصارهم نازلاً من السماء، فيحكم بكتاب الله وسنة رسوله محمد ^، ويحيي ما أماتوه، وتعود الملل كلها في زمانة ملة واحدة، وهي ملته وملة أخيه محمد وملة أبيهما إبراهيم وملة سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهي الإسلام الذي من ابتغى غيره دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.
وسوف يعلم اليهود المغضوب عليهم إذا جاء منتظر المسلمين أنه ليس بابن يوسف النجار، ولا هو ولد زانية، ولا كان ساحرًا ممخرقًا، ولا مُكّنوا من صلبه وتسميره وصفعه وقتله، بل كانوا أهون على الله من ذلك.
ويعلم الضالون أنه ابن البشر، وأنه عبد الله ورسوله، ليس بإله ولا ابن إله، وأنه بشّر بنبوة محمد أخيه أولاً، وحكم بشريعته ودينه آخرًا، وأنه عدو المغضوب عليهم والضالين، وولي الله ورسوله وأتباعه المؤمنين، وما كان أولياؤه عبدة الصلبان والصور المدهونة في الحيطان، إن أولياؤه إلا الموحدون عبّاد الرحمن، أهل الإسلام والإيمان».
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، 251ــ 254 بتصرف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق