الجزء الثاني:
الفصل الثالث:
العهد الجديـــد
العهد الجديـــد
العهد الجديد يقصد به الجزء الخاص بالمسيحيين ضمن الكتاب المقدس ويحتل قرابة الثلث من محتويات الكتاب المقدس (البيبل). ويضم بين دفتيه سبعة وعشرين سفرًا، ويشتمل على الأناجيل الأربعة المعتمدة: متى، مرقس، لوقا، يوحنا، ثم أعمال الرسل، وواحد وعشرين سفرًا تعليميًا منها أربعة عشر رسالة لبولس، وأخيرًا سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي([1]).
وأسفار العهد الجديد تُنسب إلى ثمانية مؤلفين تتفاوت مقادير كتاباتهم؛ ففي حين لم تزد رسالة يهوذا عن صفحتين فإن لبولس ما يربو على مئة صفحة.
والمسيحيون بكنائسهم المختلفة وطوائفهم المفترقة لا يتفقون على حدود العهد الجديد وأسفاره ومؤلفيه كما هو الحال في العهد القديم. أما عند المسلمين فيعتقدون أن الإنجيل هو كتاب واحد أنزله الله هدى ونورًا لبني إسرائيل على لسان المسيح |. قال تعالى في القرآن الكريم: ﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [المائدة: 46]، ولقد طرأ التحريف والتبديل والطمس لإنجيل المسيح |([2])، وإليك الأدلة:
1ـ ما يقال في تحريف العهد القديم فينسحب على العهد الجديد لارتباطه به، وذلك لأمرين:
الأول: أنهما قد جمعا في كتاب واحد (البيبل) الكتاب المقدس وعمّت القداسة عليهما واتحد مصيرهما.
الثاني: أن كثيرًا مما ورد في القديم من نقود وثغرات موجود منها كثير في العهد الجديد، وسيتضح هذا فيما يلي ــ إن شاء الله تعالى ــ.
2ـ الخلاف الشديد بين طوائف المسيحيين وكنائسهم في تحديد أسفار العهد الجديد.
فمثلًا يرى يوسي بيوس (ت: 340م) ــ الذي يعتبر أبًا لتاريخ الكنيسة ــ وقد تابعه كثير من المؤلفين المعاصرين له؛ أن رسائل يعقوب وبطرس الثانية ويهوذا ويوحنا الأولى والثانية ليست من الكتاب المقدس.
وقبل ذلك كتب آئيري نيوس (ت: 200م) فهرسًا للأسفار المسيحية ولم يضم رسائل بطرس الثانية ويوحنا الثالثة ويعقوب ويهوذا وبولس للعبرانيين، بل على العكس؛ فقد ضم مؤلفًا دينيًا لراعي هرماس([3]).
|
كذلك يختلف فهرس كليمنت وفهرس طرطوليان (ترتليان) عن الفهرس المتداول حاليًا، وعلى كل حال فقضية اعتماد الكتب المقدسة لم تُحل لدى المسيحيين إلا بعد نحو ثلاثة قرون من عصر المسيح |([4]).
3ـ الأناجيل المتداولة ليست بلغة المسيح عليه السلام:
|
فالإنجيل المنزل على عيسى | قد نزل بلغة المسيح | وقومه هي الآرامية على المشهور، وهذه النسخة ليست موجودة، والظن أنها أتلفت وأحرقت بعد المجمع النيقاوي مع كثير من الأناجيل المخالفة لهم.
4ـ جميع أسفار العهد الجديد لم تكتب في عصر المسيح عليه السلام:
بل كتبت بعده، والمسيح | لم يمل هذه الأسفار والأناجيل، ولا رآها، ولا سمع بها، بل إن أقدمها هو إنجيل مرقس ولم يكتب قبل سنة (65م)، وإن كانت رسائل بولس قد كتبت قبله وأثرت فيه، ولكن بولس لم يدخل المسيحية إلا بعد عهد المسيح بفترة.
5ـ هذه الأناجيل تنسب لأصحابها ولا تنسب للمسيح عليه السلام:
والأغرب من ذلك أن هذه الأناجيل الأربعة ــ المعتمدة ــ لم تسمَّ إلا بعد مضي جيلين من تأليفها! والسبب أنها كانت تنشر بدون ذكر أسماء مؤلفيها في عصر الاضطهاد الروماني خوفًا من البطش، والخلاف شديد في تحديد وتعيين شخصيات مؤلفيها الحقيقية، وهم ليسوا من حواريي المسيح | على كلّ حال.
6ـ انقطاع أسانيد الأناجيل:
فالسند المتصل الموثوق به هو الدعامة الأولى في صحة المصادر الدينية، وبدون السند تنعدم صلاحيتها، والأناجيل الأربعة المعتمدة منقطعة الأسانيد بل لا إسناد لها أصلًا، وذلك راجع إلى عصور الاضطهاد الديني التي ذاق المسيحيون ويلاتها حتى أوائل القرن الرابع، فلم يكن في الإمكان أن يجهر أحد بإنجيل أو حتى بكلمة المسيحية، بل كان المسيحيان يلتقيان فيسب كلًا منهما المسيح والمسيحية خوفًا من الآخر، فاليهود من هنا والرومان من هناك.
ولم تذكر أسماء الأناجيل الأربعة إطلاقًا إلا سنة (209م) حين ذكرها أرينيوس. وبشهادة الموسوعة البريطانية: «فإن جميع النسخ الأصلية للعهد الجديد التي كتبت بأيدي مؤلفيها الأصليين قد اختفت، وأن هناك فاصلًا زمنيًا لا يقل عن مئتين أو ثلاثمئة سنة بين أحداث العهد الجديد وتاريخ كتابة مخطوطاته الموجودة حاليًا»([5]).
وبعبارة موريس بوكاي: «فإننا لا نملك أي شهادة لشاهد عيان لحياة المسيح، وهذا خلافًا لما يتصوره كثير من المسيحيين»([6]).
7ـ كتبة الأناجيل المعتمدة ليسوا من حواريي المسيح عليه السلام وتلاميذه:
أ ـ متّى: فإنجيل متى لم يكتب ــ على الراجح ــ قبل سنة (85م) وقد كتب بالعبرانية وفقدت تلك النسخة، وبقيت ترجمة لها باليونانية مجهولة المصدر ولا يُعرف مترجمها. فالجهل بالمترجم وبالأصل المترجم عنه يضعف مصداقية ذلك الإنجيل([7])، فقد يكون المترجم لا يحسن اللغة المترجم عنها، وقد يكون سيئ النية ــ وهذا قد يفسر اختفاء الأصل أو إخفاءه ــ فيحوّر ذلك الإنجيل حسب عقيدته المخالفة للأصل، ثم يدسّه على متى الحواريّ لتروج عقيدته.
قال القديس جيروم: «الذي ترجم متى من العبرانية إلى اليونانية غير معروف».
وهذا الإنجيل المنسوب إلى متى ليس له بالحقيقة إنما نسب له من أجل الترويج لهذا الإنجيل المُحدث، ومن الأدلة على ذلك:
أن متّى قد ذكر اسمه مرتين في هذا الإنجيل المنسوب له مع ذلك فلم يلح ولم يشر إلى كونه المقصود «وفيما يسوع يجتاز هناك رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية فقال له اتبعني فقام وتبعه» (متى 9: 9).
كذلك ففي إنجيلي مرقس ولوقا أن العشّار ــ حواريّ المسيح | ــ هو لاوي بن حلفي، ولم يذكرا متى.
كذلك فالثقافة التوراتية التي ملئ بها إنجيل متى لا يتصوّر أن تكون من لدن عشّار!
قال أ. تريكو في شرحه للعهد الجديد (1960م): «إن الاعتقاد بأن متّى هو عشار في كفر ناحوم ناداه عيسى ليتعلم منه لم يعد مقبولًا خلافًا لما يزعمه آباء الكنيسة».
وقال البروفسور هارنج: «إن إنجيل متى ليس من تأليف متى الحواري بل هو لمؤلف مجهول أخفى شخصيته لغرض ما!».
ب ـ مرقس:
إنجيل مرقس مختلف حول كاتبه: هل هو مرقس؟ أم بطرس عن مرقس؟ والثاني هو المشهور عن جمهورهم، وهذا غريب؛ فكيف يكتب الأستاذ عن تلميذه السفر الذي سبق أن لقنه وعلّمه إياه؟! والأظهر أن بطرس لم يعلم عن هذا السفر شيئًا، وإنما اتـخذ اسمه وسيلة لبعض المآرب لا غير.
علمًا بأن مرقس معدود من تلاميذ بولس فلعل للمدرسة البولسية يد في ذلك.
إضافة إلى أن التسمية بمرقس كانت شائعة آنذاك في الإمبراطورية الرومانية، فهذا الاسم وارد على الكثير.
وهناك شهادة لبطرس قرماج ينقض بها نسبة هذا السفر لمرقس الحواري، فيقول: «إن بطرس ومرقس كانا ينكران ألوهية المسيح»([9]).
وأهم مسألة شغلت الباحثين في هذا الإنجيل هي خاتمته (16: 9ــ 20) فهي غير موجودة على الإطلاق في المخطوطات المهمة كمخطوطة الفاتيكان والمخطوطة السينائية!
قال عنها الأب كسينجر: «لابد أنه قد حدث حذف للآيات الأخيرة عند الاستقبال الرسمي (النشر للعامة) لكتاب مرقس... ثم توليف خاتمة محترمة لمرقس بألفاظه من هنا وهناك لدى المبشرين الآخرين» وقد علق على ذلك البروفسور موريس بوكاي قائلًا: «يا له من اعتراف صريح بوجود التغييرات التي قام بها البشر على النصوص المقدسة».
جـ ـ لوقا:
إنجيل لوقا قد اختلف حذاق المؤرخين في تحديد شخصية كاتبه وفي جنسيته وفي القوم الذين كتب لهم إنجيله، والشيء الوحيد المتفق عليه هو أن لوقا هذا ليس من تلاميذ المسيح |، بل ولا حتى من تلاميذ تلاميذه! بل كان من تلاميذ بولس، ويحوم الشك وتشير أصابع الاتهام إلى أن بولس هو من خطه بيده وكتبه بقلمه أو على الأقل قد أملاه على كاتبه! وكذلك سفر أعمال الرسل المنسوب إلى لوقا([10]). وبعض الباحثين يرى أنه قد كتب من قبل أربعة أشخاص بالتناوب.
وقد كتب هذا الإنجيل الغامض بين سنوات (75ــ 85م).
د ـ يوحنا:
وهذا الإنجيل طراز وحده، وله مكانة خاصة عند رجال الدين. قال القس إبراهيم سعيد: «إن إنجيل لوقا كتب لليونان، وإنجيل متى كتب لليهود، وإنجيل مرقس للرومان، وإنجيل يوحنا كتب للكنيسة العامة»([12]).
|
وسبب هذا الاعتقاد بإنجيل يوحنا كونه الإنجيل الوحيد بين الأناجيل الذي يصرّح بألوهية المسيح تصريحًا لا تأويل فيه، فهذا الإنجيل هو حجر الزاوية لعقيدة المسيحيين مع أنه آخر الأناجيل كتابة؛ فأناجيل متى ولوقا ومرقس كتبت بعد جيلين من عصر المسيح |، أما إنجيل يوحنا فبعد ثلاثة أجيال، وهو أكبر أسباب الغلوّ في المسيح |([13])؛ ذلك أن الجيل الأول هم من يعرفون حقيقة بشرية المسيح | ونبوته ورسالته وعبوديته لربه تعالى، وقد رحلوا للآخرة بشهاداتهم إلا من بعض الكتابات والرسائل المطاردة من أعدائهم في الداخل والخارج، فقد كانت العداوة ابتداء من اليهود ثم ازدادت بالرومان، ولكن العدو الحقيقي المستحكم كان من المنتسبين لملتهم من البولسيون الجدد الذين غيروا دين المسيح | واضطهدوا أتباعه، ومن مظاهر العداء تزوير الكتابات والأناجيل على ألسنة تلاميذ المسيح ونسبتها إليهم، وحتى يكتمل المكر وتلتقي حلقتي بطانته فقد ألحّ كتبة تلك الأناجيل على كون التلاميذ رسلًا يوحى إليهم، ولهذا سُمّوا رسلًا([14]) «كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم» (يوحنا 17: 19) وبما أن يسوع عندهم إله فهم رسل الإله، وهم يشفعون ويشفون المرضى ويحيون الموتى «فأخرج بطرس الجميع خارجًا وجثا على ركبتيه وصلى ثم التفت إلى الجسد وقال: قومي يا طابيثا ففتحت عينيها» (أعمال الرسل 9: 41) وأطلق عليهم وصف النبوة «ويهوذا
|
وسيلا إذ كانا هما أيضًا نبيين وعظا الإخوة» (أعمال 15: 32).
إذن فقد أكمل إنجيل يوحنا الحلقات الناقصة من مسلسل تأليه المسيح | والغلو فيه، وبقدر ما لهذا الإنجيل من أهمية بقدر ما ازدحمت حوله الخلافات وقويت الشكوك والريب؛ فجمهور المسيحيين يعتقدون أن مؤلفه هو يوحنا بن زبدي حواري المسيح |([15])، ولكن المحققون من علماء اللاهوت يؤكدون خلاف ذلك، ويقولون: إنه من وضع غيره، وقد دسه عليه ليروّج ما ضمّنه من عقائد([16]). كما فعلوا بالأناجيل الثلاثة قبله.
وهذا الإنجيل الفلسفي بعباراته ومعانيه يؤكد أن الذي كتبه ليس رجلًا صيادًا عاميًا مثل يوحنا الحواري، إنما كتبه رجل درس الفلسفة واشتغل بها حتى ظهرت على أسلوبه وألفاظه ومعانيه.
ولقد لقي هذا الإنجيل الكثير من الإنكار من متقدمي المسيحيين ومتأخريهم.
تقول دائرة المعارف البريطانية: «إن إنجيل يوحنا قد كتب بواسطة يوحنا آخر ــ غير يوحنا الحواري ــ في نهاية القرن الأول الميلادي»([17]).
وقال استادلن: «إن كافة إنجيل يوحنا من تأليف طالب من طلبة مدرسة الإسكندرية»([18]) والنقاد غير التقليديين من القرن التاسع عشر نفوا أن يكون من تأليف يوحنا الحواري، ولهم حيثيات كثيرة منها كثرة
|
يضاف إلى ذلك أن الأسقف المشهور لآسيا الصغرى القديمة بابياس (60ــ 130م) الذي كان خبيرًا في روايات الرسل لم يشر من قريب أو بعيد لهذا الإنجيل، كما أن بولي كارب (ت: 150م) وهو من الآباء المسيحيين البارزين القدامى لم يذكر هذا الإنجيل، مع كونه تلميذًا ليوحنا الحواري الحقيقي!
|
وحينما فشلت محاولات نسبة هذا الإنجيل الملفق ليوحنا الحواري لجأ بعضهم إلى حيلة أخرى فنسبه ليوحنا الراهب الذي يُشك في كونه من تلاميذ المسيح | أو من تلاميذ تلاميذه، ولكنه يبقى افتراض يعوزه البرهان.
وهذا الإنجيل المثير للجدل أصبح هو النظارة التي ينظر بها المسيحيون إلى النصوص التي تذكر يسوع (عيسى المسيح). وهو الإنجيل الوحيد الذي ذكر بنوة المسيح | لله تعالى، أما الأناجيل الثلاثة الباقية فلم تذكر ذلك؛ إنما ذكروا أنه مخلص أرسل من الله تعالى، وأنه المخلص الذي يرشد لطريق الاستقامة.
وقبل نشر إنجيل يوحنا كان الكثير ــ حتى من اليهود ــ ينظرون إلى المسيح | على أنه هو المخلص، بمعنى: يخلصهم من ذنوبهم بإنارة الطريق لهم، ولكن بعد كتابة هذا الإنجيل الجديد (يوحنا) تغير مفهوم كثير من المسيحيين للمخلص بطريقة مأساوية، وثارت النقاشات بعد هذا الإنجيل؛ هل المسيح إنسان؟ أم إله؟ أم مُبعّض؟! وبهذا دخلت الغنوصية([20]) لدين المسيحيين.
تقول دائرة المعارف البريطانية: «هناك شهادة إيجابية في حق من ينتقدون إنجيل يوحنا وهي أنه كانت في آسيا الصغرى طائفة من المسيحيين ترفض الاعتراف بكونه من تأليف يوحنا وذلك في نحو (165م) وكانت تعزوه إلى سرنتهن الملحد».
وفي دائرة المعارف الفرنسية: «ينسب ليوحنا هذا الإنجيل وثلاثة رسائل أخرى من العهد الجديد، ولكن البحوث الحديثة في علم الأديان لا تسلّم بهذه النسبة»([21]).
وفي الموسوعة البريطانية: «إن إنجيل يوحنا هو الإنجيل الوحيد الذي نص بكل صراحة على ألوهية المسيح»([22]).
أما دائرة المعارف الأمريكية فكانت أشجع حين قالت: «إن سلم بصحة الأناجيل المتوافقة([24]) فإن هذا يعني ثبوت عدم صحة إنجيل يوحنا»([25]).
بعد هذا كله فهناك سؤال منطقي: هل هناك منطق سليم يبرر أخذ العقيدة الأم (عقيدة ألوهية المسيح) عند الكنائس المسيحية عن مثل هذا الإنجيل الذي لا علاقة له ولا لكاتبه بعصر المسيح |، ولا اتساق بينه وبين الأناجيل الثلاثة المعتمدة فضلًا عن غير المعتمدة التي يرفض كثير منها تأليه المسيح | ويقرر كونه عبدًا رسولًا؟!
إننا ندعو كل عاقل مسيحي حر إلى التفكير الواقعي النزيه، وإلى التأمل الجدّي المنطقي في هذا السؤال والإجابة الصريحة غير المترددة، فالقضية قضية دين تترتب عليه أمور عظيمة، وسعادة وشقاء، وحساب وجنة ونار. فهي قضية بحث عن الدين الحق وليست عصبية للباطل حتى ولو شاب رأسه وهو ليس من المؤمنين، فهي ليست مغالبة على حطام الدنيا الفانية التي لا خير فيها إن لم تكن وعاءً لطاعة الواحد الأحد الحق. والدين الصحيح هو السبيل الوحيد إلى السعادة الأبدية والخلود الدائم في النعيم، وضمان سلامة المصير، والنجاة يوم الحساب، يوم لا يغني أحد عن أحد، بل كل يسأل لوحده، ويحاسب لوحده، ويلقى مصيره لوحده، والعمر لا يأتي في الدنيا إلا مرة واحدة فهي حياة واحدة وفرصة واحدة، فلا سبيل للمراهنة عليها بدون برهان واضح ومنطق جلي ودليل شاف واف كاف.
قال الله تعالى في القرآن العظيم: ﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ﴾ [التوبة: 34]، وقال تعالى: ﴿ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [القيامة: 14، 15]، وقال تعالى: ﴿ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [الانفطار: 19].
هـ ـ بقية الأسفار والرسائل:
قالت دائرة المعارف البريطانية: «اعترض الدارسون النقاد على صحة بعض تلك الرسائل»([26])، وهاك ثلاث رسائل تحوي مسميات ومراتب كنسية لم توجد إلا بعد عصر بولس!
وعن رسالة بولس للعبرانيين قال أوريجان (ت: 254م): «الله وحده أعلم من الذي كتب هذا السفر!».
وقال المفكر المشهور توماس بن: «يقال لنا: إن هذه الأسفار كلام الله، فإلى أي مدى نعتمد على هذا الخبر؟ والجواب: أنه لا أحد يقدر أن يخبرنا، ولكننا نلقن بعضنا بعضًا، والذين اختاروا وصوتوا لقبول أسفار وحذف أسفار لا ندرك حقيقتهم، ولا نعلم إلا أنهم تستروا وراء اسم الكنيسة العام».
وقال: «والغريب أن مقياس الإعجاب والاستحسان يتغيّر لدى أصحاب الكنيسة، وإلا فما هو السبب في أن الأسفار والنصوص التي اعتبرها كليمنت الإسكندري وأوريجان وطرطليون وغيرهم من المؤلفين صحيحة لم تلق نفس الدرجة من القبول؟!»([27]).
8ـ أكثر مواد العهد الجديد منسوبة لبولس وتلاميذه وليست للمسيح عليه السلام:
هل تعلم أن (21) من أصل (27) من أناجيل وأسفار ورسائل العهد الجديد هي من وضع بولس وتلاميذه؟! ذلك أن بولس قد كتب (14) سفرًا، ثم وضع تلميذه لوقا إنجيله المنسوب إليه كذلك أعمال الرسل، ثم وضع تلميذه الفيلسوف يوحنا إنجيله المنسوب إليه كذلك رسائله المنسوبة إليه، وكذلك رؤياه اللاهوتية الخرافية (بولس 14 + لوقا 2+ يوحنا 5) فالمجموع (21) فلم يبق سوى (6) أسفار ورسائل سلمت ظاهرًا من أصابع بولس! لذلك فلا تعجب من تسمية كثير من الباحثين المسيحية الحالية بالبولسية؛ لأن جُلّها من نتاج مدرسته الفلسفية بالأصالة أو النيابة.
9ـ أناجيل العهد الجديد تذكر أحداثًا كثيرة جرت بعد عصر المسيح عليه السلام:
فهي تذكر الأحداث المزعومة لصلب المسيح |، وموته، وقيامته بعد موته، وأخبار التلاميذ ووصاياهم وأحداثًا حصلت بعد ذلك. فكيف يكون هذا من إملاء المسيح؟!
فإن قيل: إن الرسل من بعده كانوا يلهمون ويوحى إليهم. قيل: فأين البرهان على ذلك؟
ولو فتح هذا الباب لكان لكل أحد أن يقول ما شاء باسم إلهام الروح القدس. وهو ما حصل في عصر المسيحية بكل أسف، فكيف يستقيم الدين؟!
10ـ أن الأناجيل المعتمدة توجّه إلى إنجيل آخر خاص بالمسيح عليه السلام وتشير إليه:
|
إذن فهو ليس أحد هذه الأناجيل المعتمدة المتداولة([30]) بل هو إنجيل آخر كان المسيح | يبشر به ويكرز به في المجامع([31]).
|
قال متى في إنجيله على لسان المسيح |: «الحق أقول لكم حيثما يكرز([32]) بهذا الإنجيل في هذا العالم يخبر أيضًا بما فعلته هذه تذكارًا لها» (متى 26: 12)، وفي مرقس: «وبعدما أسلم([33]) يوحنا جاء يسوع([34]) إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بهذا الإنجيل» (مرقس 1: 14، 15)، وهناك عشرات الفقرات في ثنايا الأناجيل المتداولة تتكلم عن ذلك الإنجيل الخاص بالمسيح | الذي كان يكرز به ويبشر في وقت لم يكن لهذه الأناجيل الأربعة وجود!
وهناك أناجيل كثيرة سوى هذه الأربعة، فالأناجيل المعروضة على مجمع نيقية كان عددها مترددًا بين (70ــ 300) إنجيل، منها إنجيل برنابا، وإنجيل توما (توماس)، وإنجيل المصريين، وإنجيل الحواريين الاثني عشر، وإنجيل متى (الكاذب)، وإنجيل مرقيون، وإنجيل بطرس، وإنجيل مريم، وإنجيل فلب (فيليب)، وأناجيل باسيوس وغيرها([35]).
ودلت مخطوطات نجع حمادي أن هناك أربعة أناجيل كانت مكتوبة قبل الأناجيل المعتمدة وهي إنجيل مريم المجدلية، وإنجيل فيليب، وإنجيل بطرس، وإنجيل المصريين. إذن فبأي منطق قبلت تلك الأربعة وردت العشرات وقد تكون المئات؟!([36]).
وعلى كُلٍّ فإذا كان إنجيل المسيح | قد ذكر في صلب تلك الأناجيل المعتمدة مع أنه ليس واحدًا منها، فأين ذهب ذلك الإنجيل؟ وكيف اختفى؟ وماذا كان فيه؟ وهل هو متفق مع هذه الأناجيل أم مختلف عنها؟ وإذا كان متفقًا معها فلماذا اختفى ولم يبق له أثر؟ ألا يدل اختفاؤه مع بقاء هذه الأناجيل التي هي دونه في الأهمية على أنه لا يتفق معها؟ ثم ألا يوحي ذلك بأنه أُخفي عمدًا؟([37]) فإن كان قد أخفي عمدًا فمن أخفاه؟
والجواب عن كل ما سبق أن من أخفاه هو من أسس المسيحية الحاليّة، لأنه لن يتأتى له تأسيس أصول تناقض إنجيل المسيح | وتعاليمه المسطورة في ذلك الإنجيل، فيستحيل تغيير وتبديل ديانة مع وجود كتابها الأصيل بين أيدي أتباعها([38]).
11ـ كان نقل العهد الجديد عن طريق الكتابة فقط دون الحفظ، والاعترافات بالتحريف الكثير والكبير:
مع ما يعتور الكتابة من سقط وتبديل وتحريف، ومَن عانى النسخ وجرَّبه وجد مصداق ذلك.
قال جورج كيرد: «إن أول نص مطبوع من العهد الجديد كان الذي قدمه أرازموس عام (1516م) وقبل هذا التاريخ كان النص يحفظ في مخطوطات نسختها أيدي مجهدة لكتبة كثيرين.. وإن جميع نصوص هذه المخطوطات تـختلف اختلافًا كبيرًا ولا يمكننا القول بأن أيًّا منها قد نجا من الخطأ»([39]).
ويؤكد تشيندورف الذي عثر على نسخة سيناء (وهي أهم النسخ) في دير سانت كاترين عام (1844م) والتي ترجع إلى القرن الرابع الميلادي، فيقول: «إنها تحتوي على الأقل على (16.000) تصحيح، ترجع على الأقل إلى سبعة مصححين أو معالجين للنص، بل وجدت بعض المواضع قد تم كشطها ثلاث مرات وكتب عليها للمرة الرابعة»([40]).
وبنص عبارة الموسوعة البريطانية: «فإن جميع نسخ الكتاب المقدس قبل عصر الطباعة تظهر اختلافات بين النصوص.. وإن مقتبسات آباء الكنيسة من كتب العهد الجديد والتي تغطيه تقريبًا تظهر أكثر من مئة وخمسين ألفًا من الاختلافات بين النصوص»([41]), وصدق الله العظيم الذي قال: ﴿ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [النساء: 82].
وقال القس شورر: «إن الهدف من القول بالوحي الكامل للكتاب المقدس هو زعم باطل، ويتعارض مع المبادئ الأساسية للعقل السليم، وما يزيد دهشتنا أن الكنيسة الكاثوليكية لا زالت تنادي بأن الله هو مؤلف الكتاب المقدس!»([42]).
وقال محررو دائرة المعارف البريطانية: «لم يبق من أعمال السيد المسيح شيء ولا كلمة واحدة مكتوبة»([43]).
إن من بداهة العقل والمنطق والفطرة أن الله تعالى لا يخطئ، فكيف يكون كتابه مليئًا بهذه الأخطاء، طافحًا بالغرائب والأباطيل والتناقضات؟!
إذن فقد طالت أيدي التحريف المتعمد إلى الكتاب السماوي المقدس، وعلى ذلك شواهد كثيرة منها:
قال الدكتور محمد عمارة: «لقد كان انتقال التبشير بالمسيحية من الإطار الإسرائيلي (الخاص بدعوة اليهود الذين بُعث إليهم المسيح) إلى إطار دعوة الأمم سببًا في تغيير وتعديل نصوص الأناجيل لتلائم التبشير بين الأمم، وذلك بحذف الكلمات التي تشير إلى خصوصية دعوة المسيح |:
ففي كتاب (الدسقولية: تعاليم الرسل) الذي وصفه الآباء الأولون من إنجيل متى يقول المسيح: «مكتوب في الناموس لا تزن.. وأنا أقول لكم إني أنا الذي نطقت بالناموس من فم موسى» وهذا خطاب لليهود، فلما تغيرت الدعوة إلى العمومية غُيرت الكلمات. فصارت بعد التحريف: «قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن» فحُذفت كلمة «الناموس» وهي التوراة، وحذف اسم «موسى» | ليلائم الخطاب بالدعوة الجديدة!
وانظر كذلك وقارن بين الدسقولية والنسخة المعدلة الحالية من العهد الجديد (متى 5: 27، 28، 6: 25ــ 32). لذلك قال القاضي عبد الجبار معلقًا على هذه التحريفات المتعمدة لتوائم الأمم الأخرى: «إن النصرانية عندما دخلت روما لم تتنصَّر روما، ولكن النصرانية هي التي تروّمت»([44]).
هذا بالإضافة إلى التفاسير المقحمة في الكتاب المقدس من قبل الكتبة والنساخ كما في يوحنا: «يقال له البلاط وبالعبرانية جبّاثا... يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة..., قالت له ربّوني الذي تفسيره يا معلم...» (يوحنا 19: 13، 17، 20: 16).
ومن أمثلة التحريف المتعمد:
جاء في رسالة يوحنا الأولى: «فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد» (يوحنا الأولى 5: 7).
فهذا النص موجود في نسخة فانديك، ولكنه في كتاب الحياة وضع بين معقوفين أي أنها عبارات تفسيرية ليست من أصل الكتاب، ثم جاءت الطبعة الكاثوليكية فلبّست على الناس بأن حذفت الأقواس، ثم في الطبعة اللاحقة (1986م) حذفت تمامًا!
والدارس لمخطوطات الكتاب المقدس يرى أن هذه العبارة لم ترد إلا في ثمان مخطوطات للكتاب المقدس من ضمن ألوف المخطوطات الموجودة، وسبع من هذه الثمان تعود للقرن السادس عشر والثامنة تعود إلى القرن العاشر (أي بعد ألف سنة من إعدام الإله ــ حسب عقيدة المسيحيين ــ).
الجدير بالذكر أن هذا النص الـمُقحم، وإن كان موجودًا على تلك المخطوطة التي تعود إلى القرن العاشر([45])، إلا أنه قد كتب بخط مختلف وقد كتب على الهامش وليس في المتن، ولا يعرف من كتبه بل ولا تاريخ كتابته! إذن فهو لم يوجد في الحقيقة إلا في القرن السادس عشر!
هذا ولما كتب إيرازموس نسخته سنة (1522م) أقحم فيها ذلك النص بعد ضغط الكنيسة الكاثوليكية عليه، مع أنه لم يدرجه ولم يقحمه في الطبعة الأولى سنة (1516م) ولا الثانية سنة (1519م)، وقد سئل عن سبب عدم وضعه ذلك النص فيما مضى من الطبعات؛ فأجاب الإجابة المنطقية: «لأني لم أجد هذا النص في أي كتاب يوناني قديم!»([46]) وليته ثبت على ذلك المبدأ.
كيف يحق للكنيسة أن تضيف للكتاب المقدس نصوصًا مختلقة؟! فقط من أجل تمرير عقيدة ما! وكأنما هي نبوءة من النبوءات «بينما حوّلها قلم الكتبة المخادع إلى أكذوبة» (إرميا 8: 8).
هذا وتعتمد الترجمة الألمانية على الطبعة الثانية من كتاب إيرازموس، ولذلك حذف الألمان من نسختهم هذه الصيغة في كل عصورهم، بينما نسخة الملك جيمس الشهيرة قد اعتمدت بصورة رئيسية على الطبعة العاشرة لنسخة تيودور بيزا التي هي في الأساس تعتمد على الطبعة الثالثة لنسخة إيرازموس.
ولذلك فعندما اجتمع (32) من علماء اللاهوت، يدعمهم (50) من المحاضرين المسيحيين لعمل النسخة القياسية المراجعة حذفوا هذا النص بلا تردد، فلك أن تتـخيل أن علماء الكتاب المقدس قد صحّحوا كلمة الرب! ــ تعالى الله عن ذلك ــ.
قال إسحاق نيوتن: «إن هذا النص لم يستـخدم في أي محاولات لاهوتية حول الثالوث ولكنه تسلل بطريقة شيطانية مستغلًا غفلة أتباع الصليب الذين يقبلون أي شيء إلا التنازل عن الثالوث المفبرك كما رأينا»([47]).
ونكتفي بما أوردناه من هذا المثال المطوّل الذي يُعّد أنموذجًا
|
12ـ التصريح في الأناجيل بأنها ليست وحيًا:
|
كما كتب لوقا في مقدمة إنجيله: «رأيت أنا أيضًا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس...» (لوقا 1: 2ــ 4).
وفي نفس الإنجيل نجد كلمات دالة على التردد لا القطع مثل (نحو، يُظن...) ففي ذكر نسب يسوع «وهو على ما كان يُظن أنه ابن يوسف بن هالي...».
وقد تم حذف الكثير من كلمات (نحو) من الطبعات الجديدة بكل بساطة ودونما اكتراث.
13ـ الكم الهائل من التناقضات والاختلافات الشائعة في الأناجيل المعتمدة:
وقد قررت الموسوعة البريطانية ــ كما سلف ــ أنها ربت على (150.000) تناقض!
منها على سبيل المثال ــ لا الحصر ــ:
1- (متى 2: 19، 20) هيرودس مات ويسوع صبي لم يره.
- (لوقا 23: ) هيرودس رأى يسوع وفرح جدًا!
2- (متى 2: 1ــ 3) تربص هيرودس بيسوع.
- (لوقا 2: 25ــ 38) لم يتربص هيرودس بيسوع!
3- (متى 1: 1ــ 7) المسيح من أولاد سليمان بن داود ــ عليهم السلام ــ.
- (لوقا 3: 23ــ 38) المسيح من نسل ناثان بن داود!
4- (لوقا 9: 53ــ 56) المسيح جاء يدعو للسلام.
- (لوقا 12: 49ــ 51) المسيح جاء يدعو للانقسام والحرب وليس السلام!
5- (يوحنا 1: 29ــ 49) أرخ دعوة المسيح | باليوم التالي لمجيئه من عند يوحنا المعمدان.
- (مرقس 1: 12ــ 20) أرخ دعوة المسيح | بأنها كانت بعد أربعين يومًا من التعميد!
6- (متى 13: 2ــ 3) المسيح تكلم بالأمثال بعد هيجان البحر.
- (مرقس 4: 12ــ 20) المسيح تكلم بالأمثال قبل هيجان البحر!
7- (متى 26: 1ــ 17) تاريخ العشاء الأخير قبل عيد الفصح بيومين.
- (يوحنا 12: 1) تاريخ العشاء الأخير قبل عيد الفصح بستة أيام!
8- (مرقس 14: 1ــ 53) يوم الصلب كان الجمعة، ووافقه متى ولوقا.
- (يوحنا 13: 1ــ 38، 19: 30) يوم الصلب كان الخميس!
9- (متى 16: 18) في تقييم المسيح لبطرس أنه لا يمكن دخول الشيطان فيه.
- (متى 16: 32) يصف المسيح بطرس بأنه شيطان!
10- (متى 28: 16، 17) ظهر المسيح للتلاميذ مرة واحدة.
- (يوحنا 20: 19، 26) ظهر المسيح للتلاميذ مرتان.
وقد توعد الله تعالى في محكم التنزيل كذبة الكتبة فقال جل شأنه: ﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [البقرة: 79].
14ـ اشتماله على تشبيهات قبيحة لله تعالى وتقدس عنها:
الله سبحانه وبحمده ليس كمثله شيء، فله الكمال المطلق، وقد جاء التأكيد على كماله وتنزهه عن العيب النقص وعن مشابهة خلقه في نصوص كثيرة في الكتاب المقدس «لا إله مثلك في السماء والأرض» (أخبار الأيام (2) 6: 14)، «قد عظمت آية الرب الإله لأنه ليس مثلك وليس إله غيرك» (صموئيل (2) 7: 22) ومع هذا فانظر كيف يشبهون الله تعالى بالحيوانات والحشرات ــ تعالى وتقدس ــ.
ــ الرب إنسان ــ سبحانه وتعالى عن ذلك ــ «الله ظهر في الجسد» (تيموثاوس (1) 3: 16)، بل ونسبة الولادة صريحة إلى الله تعالى وتقدس عن ذلك([50]) «وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يعيدوا أولاد الله أي المؤمنون باسمه الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيمة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله»([51]) (يوحنا 1: 12، 13).
ــ الرب خروف([52])ــ تعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا ــ «والخروف سيغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك» (رؤيا يوحنا 17: 14). وهذا مشيًا على تأسيس العهد القديم لذلك مثل:
ــ الرب أسد ونمر ودبة ولبوة ــ تعالى وجل وعز عن ذلك ــ «فأكون لهم كأسد أرصد على الطريق كنمر أصدمهم كدبّة مثكل وأشق شغاف قلبهم وآكلهم هناك كلبوة» (هوشع 13: 4ــ 8)([53]).
15ـ الوثنية في العهد الجديد:
هناك حقيقة يغفل عنها كثير من المسيحيين مفادها أن العقائد المسيحية المستوحاة من العهد الجديد تلتقي بشكل جذري مع العقائد الوثنية القديمة.
فالفكر الوثني يقوم على تأليه قوى محسوسة لها قدرات غيبية وشهودية بدافع الخوف أو الرجاء أو كليهما.
لهذا بعث الله تعالى المرسلين ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، وليصفّوا عقائد البشر من علائق التعلق بغير الله تعالى ومن شوائب الباطل وتراكماته، وينقوا نفوسهم من لوثة التشريك وظلامه إلى طهارة التوحيد وضيائه، لهذا اتفقت دعوة الرسل على التوحيد وتعبيد الناس للإله الحق الواحد وهو الله تعالى، كما اتفقت دعوة أعدائهم على خلاف ذلك، وبين المدرستين تباين وتمايز ولكل منهما سمات تحدد الجوهر والمنهج.
والعجب أن الطوائف الوثنية الكبرى كالهندوسية والبوذية والميثراوية والزارادشتية والقبطية الفرعونية والإغريقية تجمعها سمات ذات خلفية متحدة وأصول متشابهة وإن اختلفت ظاهرًا في الطقوس أو التعاليم.
وفي (تاريخ العالم): «إن المسيحية لم تكن عند أكثر الناس غير ستار رقيق يخفي تحته نظرة وثنية خالصة للحياة»([54]).
والمؤسف أن المسيحية المبدّلة (البولسية) انقلبت على مدرسة الرسل إلى مدرسة أعدائهم فاعتنقت تلك الأسس وتشربت تلك الأصول الوثنية للأمم الجاهلية، مما يدل على أنه قد جرى السطو على مدرسة المسيح | النبوية لتتحول دفة السفينة إلى الوحل الوثني والخندق الشركي بكل مرارة وأسى على يد قراصنة أظهروا حب المسيح وأبطنوا حربه، وقد بسطت القول في إثبات ذلك وفي إثبات فقرتَي التوحيد التاليتين في رسالة (المسيحية بين التوحيد والوثنيّة) مما أغنى عن إعادته هنا. وتلك البراهين باقتضاب واقتصار كالتالي:
من مظاهر الوثنية في العهد الجديد:
أــ الفاتيكان مبني على موقع المعبد الميثراوي الأول.
ب ــ تقام في هذا المكان طقوس مشابهة تمامًا للطقوس الميثراوية الوثنية.
ج ــ تتفق أيام الاحتفالات المسيحية الدينية مع أيام الاحتفالات الوثنية.
د ــ استنساخ الديانتين اليونانية والرومانية.
هـ ــ تشابه أصولها مع أصول الهندوسية.
وــ تشابه أصولها مع أصول البوذية.
زــ تشابه أصولها مع البابلية.
ح ــ تشابه أصولها مع الفرعونية.
ط ــ تشابه أصولها مع ديانات أخرى.
ي ــ الرمزية الوثنية في المسيحية المبدلة.
16ــ شواهد التوحيد الظاهرة في العهد الجديد.
17ــ وجود الكتب والطوائف التوحيدية:
أ ــ الطوائف التوحيدية.
ب ــ الكتب التوحيدية.
1- مخطوطات نجع حمادي.
2 ــ إنجيل توما (توماس).
3 ــ إنجيل برنابا.
4 ــ إنجيل يهوذا.
5 ــ مخطوطات البحر الميت.
16ــ شواهد التوحيد الناطقة بالفردانية والوحدانية لله في الكتاب المقدس:
وهذا نقض لتأليه الخلق الذي احتواه العهد الجديد، والفقرات والآيات في ذلك كثيرة متضافرة يؤكد بعضها بعضًا سواء في العهد القديم أو الجديد، وبما أن الكل كتاب مقدس عند المسيحيين فسنعطي نماذج من العهدين رافعة راية التوحيد محذرة من الشرك والوثنية:
أ ــ من العهد القديم:
فالعهد القديم طافح بالأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، وأمة يهود في الجملة أمة موحدة؛ أي أنها تؤمن بإله واحد خالق مدبر مالك، وإن وقع فئام منهم في أنواع من الشرك، كمن عبدوا العجل أو عزير أو تموز أو عشتار أو غير ذلك، ولكن السمة الغالبة هي التوحيد، بل حتى معابدهم تـخلو من الأصنام والصور والتماثيل([55])، والتوراة فيها تعيير وتوبيخ لليهود بوقوعهم في الشرك وتحذيرهم منه، ومن آيات التوحيد في أسفارهم:
«إنك قد أريت لتعلم أن الرب هو الإله ليس آخر سواه» (تثنية 4: 35).
«اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد» (تثنية 6: 4).
«يا الله إلهي أنت» (مزمور 63: 1).
«لأنه هو الإله الحي القيوم للأبد» (دانيال 6: 26).
«أنا الله ولا يوجد إله آخر» (إشعيا 45: 33).
وتكثر فقرات التوحيد في التثنية والمزامير ودانيال.
ب ــ العهد الجديد:
أما في العهد الجديد فقد طغت فقرات الشرك والتثليث والوثنية وتأليه البشر والملائكة بسبب التبديل الهائل لإنجيل عيسى |، ولكن أبى الله تعالى إلا أن يُظهر أنوار التوحيد وإشراقات الحق من ثنايا صفحات الأسفار ليقبس الموحدون منها قبسًا يكشفون به زيف الشرك والباطل، وليهتدي بها الحيارى ليطمسوا ما سواها من أباطيل، ومن ذلك:
«أيّة وصية هي أول الكل. فأجابه يسوع إن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد([58])... فقال له الكاتب جيدًا يا معلم بالحق قلت لأن الله واحد وليس آخر سواه»([59]) (مرقس 12: 28ــ 32).
«وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك يسوع المسيح الذي أرسلته» (يوحنا 17: 3) وهذا نص إنجيلي صريح في الدلالة على وجوب إفراد الله تعالى وحده بالألوهية، والشهادة للمسيح بالرسالة، وهذا هو لباب دعوة المرسلين، وبهذا يتفق الدين الإبراهيمي والموسوي والمسيحي والمحمدي على إفراد الله بالتوحيد، والشهادة للمرسلين بالنبوة والرسالة.
وفي القرآن الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [الإخلاص: 1ــ 4]، وقال تعالى: ﴿ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾ [البقرة: 163].
لذلك فحينما أراد بولس وحزبه تحريف دعوة المسيح | اصطدموا بآيات العهد القديم فكان عليهم أن يهدموها أولًا، وهو ما حصل، فهدموها ونقضوا ناموس موسى |، الذي قال عنه المسيح | فيما يروونه عنه: «لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمّل فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس» (متى 5: 17)([60]).
«ليس كل من يقول يا رب يدخل ملكوت السماوات([61]) بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات كثيرون سيقولون في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا الشياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة فحينئذ أصرّح لهم أني لم أعرفكم قط اذهبوا عني يا فاعلي الإثم» (متى 7: 21ــ 23).
|
ففي هذا النص يعلن المسيح | صراحة وبلا مواربة براءته ممن توسلوا باسمه بدلًا من اسم الله الواحد الذي في السماء([62]). ونحن عندما نقرأ هذا النص نتذكر فورًا ما جاء في القرآن العظيم عن حال عيسى | يوم القيامة في ذلك الموقف المهيب الجليل: ﴿ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ
|
|
ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ﴾ [المائدة: 16ــ 19].
17ـ وجود الكتب والطوائف الموحدة:
|
لما كان التثليث والتأليه للمسيح | متأخرًا عن عصره فقد بقيت بقايا من المسيحيين الأوائل ممن بقوا على التوحيد([63]) وإنكار التثليث([64]) واعتقاد أن عيسى | عبد الله ورسوله، ومن أولئك فرقة بولس الشمشاطي، وفرقة أبيون، وفرقة ميلينوس، وفرقة آريوس، وفرقة الأسينيين، وغيرهم([65])، ومنهم كذلك طائفة الجوهريين وكانوا يعيشون حياة زهد وتقشف وعزلة على شواطئ البحر الميت في فلسطين، وكانوا يشيرون إلى أنفسهم بعبارة «أبناء النور»([66])، وهم من اليهود الذين كانوا ينتظرون وصول المسيح، ولعلهم آمنوا به ونصروه حتى غلبتهم الطائفة الأخرى المعادية للمسيح ودعوته النبوية... وانظر تفاصيل تلك الطوائف كذلك الكتب التوحيدية لدى الرعيل المسيحي الأول مع بقاياهم إلى هذا الزمان, في الرسالة المذكورة: (المسيحيّة بين التوحيد والوثنية)
18ــ الخمريات في العهد الجديد:
في كل الشرائع المنزلة بل وحتى في بعض الوضعية، يكون تحريم الخمر من أولوياتها لعظيم أضراره الدينية والصحية والاجتماعية والمالية، وليست شريعة المسيح | بمعزل عن ذلك الهدي الإلهي، فالمسيح | حارب الخمر ولم يسالمها، بل قد شدّد النكير في شأنها وأبدأ وأعاد، واعتبر أن شارب الخمر من المبعدين عن ملكوت الله، قال بولس كلامًا جميلاً ــ وليته ثبت عليه ولكنه بكل أسف نقضه ــ: «ألستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله لا تضلّوا لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون... ولا سكّيرون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله» (كورنثوس (1) 6: 9، 10).
وقد بشر الملكُ زكريا بأن ابنه يحيى «يكون عظيمًا عند الله وخمرًا ومسكرًا لا يشرب» (لوقا 1: 15).
وكل هذا قد سبق به العهد القديم المشدد في الخمور والمسكرات ونبذها. «وأمر الرب موسى قل لبني إسرائيل إذا انفرز رجل وامرأة لينذر نذر النذير للرب فعن الخمر والمسكر لا يفترز ولا يشرب خل الخمر ولا خل المسكر ولا يشرب من نقيع العنب» (عدد 6ك 1ــ 8)، فحتى النبيذ محرم في التوراة مهما كانت نسبة كحوله قليلة. «وقال الرب لهارون خمرًا ومسكرًا لا تشرب أنت وبنوك معك» (لاويين 10: 8ــ 11)، والمسيح من اللاويين، فهو من نسل هارون، ومن معلمي المعبد([67]) فكيف يخالف هذه التعاليم الصارمة؟! فضلًا عن اصطفائه بالنبوة والرسالة «ومن كل ما يخرج من جفنة الخمر لا تأكل وخمرًا ومسكرًا لا تشرب» (قضاة 13: 14)، ثم بين سفر الأمثال بعض العلل في التحريم «ليس للملوك أن يشربوا خمرًا ولا للعظماء المسكر لئلا يشربوا وينسوا المفروض ويغيروا حجة كل بني المذلة» (أمثال 31: 4ــ 7)([68]).
لذلك لا يصح عن المسيح | أن يُقِرَّ هذه المباءة، ويعمل لإفساد البشر ــ حاشاه ــ لذلك فلا يصح ما ذكرته الأناجيل ورسائل بولس عنه من أنه حوّل الماء إلى خمر معتق في عرس قانا، أو أنه أوصى به من أجل الصحة الجيدة! «لا تكن فيما بعد شراب ماءٍ بل خمرًا قليلًا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة» (تيموثاوس (1) 5: 23)([69])، بل ولا يصح ما نسب إليه في العشاء الأخير من سقايته لتلاميذه الخمر، وأمره لهم أن يفعلوها دائمًا لذكراه!
لقد كان نقض الناموس لأغراض عدة ومنها وصولهم لإباحة الخمر. وانظر تفاصيل هذه الفقرة في: (أخلاق الكنيسة وأخلاق الإسلام) للمؤلف.
19ــ نقض الناموس:
لقد كانت التوراة شديدة على بني إسرائيل، وثقيلة على الكثير منهم، فقد أبوا أن يأخذوا بما فيها حتى نتق الله الجبل فوقهم كأنهم ظلة ﴿ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [البقرة: 93] ولما رأوا أن الجبل سيقع عليهم خنعوا وخضعوا ﴿ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [الأعراف: 171] فبعد أخذ الميثاق الغليظ، والتهديد بسحقهم بالجبل وافقوا مكرهين على حمل التوراة بما فيها من أحكام وتكاليف، لذلك فكان كثير منهم يسارع في الخروج من تلك التكاليف عندما تواتيه الفرصة، بغربة أو تبديل أو رشوة كاهن ونحو تلك الحيل التي أتقنونها على مر الدهور، لذا فلا عجب أن يخرج منهم حاخام (بولس) لينقض تلك الآصار الشديدة في ردة فعل عنيفة عليها حتى أشبه الإباحيين والملاحدة في بعض تشريعاته كما سيأتي.
فمن أحكام التوراة الثابتة التي أراد كثير من اليهود التملص منها:
1ــ الأمر بالتوحيد، وتحريم الحلف بغير الله، وتحريم صنع التماثيل والصور (تثنية 4: 35ــ 49).
2ــ تحريم الخمر مطلقًا ولو كانت قليلة.
3ــ تحريم أكل الخنزير (لاويين 11: 6).
4ــ الأمر بالاغتسال من الجنابة بعد المعاشرة الزوجية (لاويين 22: 4، 15: 16) ومن الاحتلام كذلك (تثنية 23: 10).
5ــ إباحة تعدد الزوجات والطلاق (خروج 21: 10) (تثنية 24: 1).
6ــ الأمر بالختان، وكذلك تفاصيل العبادات كالصلاة والصيام والكفارات والنذور والسبت في كثير مما نقضته المسيحية المبدلة([70]).
لقد نقض بولس (شاول اليهودي السابق) الناموس حتى يؤسس على أنقاضه دينًا جديدًا وأصولًا وعقائد من أهمها عنده عقيدة الفداء، التي اقترنت بمؤسسها (بولس) منذ نشأتها.
لقد أراد بولس ومن وافقه أن تكون عقيدة الفداء ذريعة لإلغاء شريعة موسى | وهي المسماة بالناموس، حيث جعل الخلاص إنما يكون عن طريق الإيمان بالمخلص فحسب، من غير حاجة للعمل الصالح، فأضحى الفداء ليس مجرد خلاص من الذنوب، بل خلاص حتى من الأعمال الصالحة!
وقد أكثر بولس (القديس!) من نقد وتجريح الشريعة الموسوية التي كان المسيح | يعظمها ويحترمها ويلتزم أحكامها، ومن أقواله |: «لا تظنوا أني قد أتيت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لانقض بل لأكمل([71])، فإني أقول الحق لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل» (متى 5: 17).
مع ذلك نرى بولس يقول: «المسيح افتدانا من لعنة الناموس» (غلاطية 3: 13) هكذا ببساطة صيّر التوراة لعنة لأنها قيدته، فهي موحدة لا مشركية! ومزكية للنفس بالأعمال الصالحة وليس بمجرد الإيمان بوجود المخلص! وانظر إلى بولس كذلك حين يقول: «الإنسان لا يتبرر ــ أي لا يكون برًا تقيًا ــ بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما» (غلاطية 2: 16) ويعلل ترك العمل بالناموس: «وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال» (عبرانيين 8: 7) بل وصل به الحال لنسبة الخطايا لوصاياها: «لم أعرف خطيئة إلا بالناموس فإني لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشته» (رومية 7: 7ــ 9) وليس هذا بغريب على من قال عنها: «فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها» (عبرانيين 7: 18) وما ننتظر ممن ينظر للتوراة الموسوية على أنها لعنة! وغير صالحة للتبرر! وقد عتقت وشاخت! وسبب للخطايا! وضعيفة لا نفع فيها!.
لقد نقض بولس ديانة العهد القديم جملة واحدة وليس مجرد إلغاء فروع من الشريعة الموسوية، ومن تلك النقوض تحليله لكل الأطعمة بلا قيد أو شرط، وقد زعم حلها برؤيا بطرس والوحي المزعوم النازل عليه من الروح القدس، فقال بولس: «أنا عالم ومتيقن في الرب يسوع أن لا شيء نجس في حد ذاته([72]) ولكنه يكون نجسًا لمن يعتبره نجسًا» (رومية 14: 14)، ويقول: «كل شيء طاهر للأطهار وما من شيء طاهر للأنجاس» (تيطس 1: 15).
وقارن هذا الجدل بما في العهد القديم من سفر التثنية([73]): «لا تأكل رجسًا ما هذه البهائم التي تأكلونها... وكل بهيمة من البهائم تشق ظلفًا وتقسمه ظلفين وتجترّ فإياها تأكلون إلا هذه فلا تأكلوها مما يجترّ وما يشق الظلف المنقسم الجمل والأرنب والوبر لأنها تجترّ... والخنزير... فهو نجس لكم.. لا تأكلوا جثةً ما([74])» (تثنية 14: 1ــ 24) وهذا الانسلاخ من أحكام التوراة وهجر الأعمال الصالحة والورع عن المحرمات قد سرى في معتنقي العهد الجديد، حتى أن مارتن لوثر زعيم الإصلاحيين البروتستانت([75]) قال: «إنه لكي تظهر فينا قوة التبرير يلزم أن تعظم آثامنا جدًا وأن يكثر عددها»!
وبنحو ذلك قال في تعليقه على (يوحنا 3: 16) وتبعه في هذا الصنيع ميلا نكتون في كتابه (الأماكن اللاهوتية) وكذلك القس لبيب ميخائيل، حتى بلغ الأمر عند هؤلاء وأتباعهم أن الأعمال الصالحة ليست من الدين في شيء مما فتح الباب على مصراعيه للملاحدة والدهريين والإباحيين ومختلف طوائف الضلال.
|
ويقال إن أول نقض للناموس كان في مجمع القدس، وهو أول المجامع المسيحية والذي يُزعم أنه قد ضم بعض تلامذة المسيح |([76]) وقد ألغى المجتمعون شعيرة الختان، وألغوا خصوصية بني إسرائيل بالدعوة المسيحية، وغير ذلك.
بعد رفع المسيح | بدأ النقض في شريعته وشريعة موسى | عقدة عقدة، حتى تم الانفصال، ولذلك أسباب غير ما ذكرنا، منها رغبة القيادة المسيحية وقتها إدخال الوثنيين في المسيحية لكسب مزيد من الأتباع والسلطة والنفوذ، وقد يكون بعضهم عن حسن نية، ومن الأسباب مغايضة اليهود كما نقل عنهم ابن القيم رحمه الله: «فلما قال اليهود في المسيح: إنه ساحر وولد زنا ــ وحاشاه ــ ردوا عليهم بأن قالوا: هو إله تام، وهو ابن إله ــ تعالى الله عما يقولون وحاشا نبيه أن يدعي هذا الإفك ــ وأمرتهم التوراة بالختان فتركوه، ورأوا اليهود يبالغون في الطهارة فتركوها جملة، ورأوهم يتجنبون مؤاكلة الحائض وملامستها ومخالطتها جملة؛ فجامعوها! ورأوهم يحرمون الخنزير؛ فأباحوه وجعلوه شعار دينهم! ورأوهم يحرمون كثيرًا من الذبائح والحيوان؛ فأباحوا ما دون الفيل وفوق البعوضة! وقالوا: كل ما شئت ودع ما شئت! ورأوهم يستقبلون بيت المقدس في الصلاة؛ فاستقبلوا الشرق! ورأوهم يحرمون نسخ الشريعة؛ فأباحوا لأساقفتهم ولبطارقتهم أن ينسخوا ما شاءوا، ويحللوا ما شاءوا! ورأوهم يحرمون السبت ويحفظونه؛ فحرموا الأحد وأحلّوا السبت مع إقرارهم بأن المسيح كان يحرم السبت ويحفظه! ورأوهم ينفرون من الصليب، ففي التوراة: «ملعون من عُلَّق على خشبة» (تثنية 21: 23)؛ فعبدوا الصليب!»([77]).
وخلاصة الكلام أن من نَقَضَ الناموس فقد نقض دين المسيح لأنه متعبد بأكثر شرائع التوراة، وأن هذا الدين المبدل لا يستحق أن ينسب في الحقيقة للمسيح |.
20ــ اختلاف العهد الجديد عن القديم كلية:
أ ــ اختلاف العهد الجديد مع القديم في أصول العقيدة:
ومرد ذلك إلى التحريف والتبديل في شريعة المسيح | وديانته، وإلا فهي في حقيقتها لا تنافي ولا تناقض العهد القديم بل تجدده وتكمله، ولكن لما نقض المسيحيون الناموس الأول الموسوي بنوا على حطامه فلسفة شركية وأقاموا على أنقاضه عقيدة وثنية، ومن أمثلة ذلك:
في الوحدانية والتثليث: ففي العهد القديم التوحيد واضح لا لبس فيه([78]) «مثلي لم يصوّر إله وبعدي لا يكون أنا أنا الرب» (إشعيا 34: 25)، «أنا الأول أنا الآخر ولا إله غيري» (إشعيا 24: 6)، «اذكروا الأوليات منذ القديم لأني أنا الله وليس آخر الإله وليس مثلي» (إشعيا 46: 9). ففي العهد القديم لا شبيه ولا نظير ولا ند ولا شريك مع الله بنصوص حاسمة قاطعة.
أما في العهد الجديد فإنا نرى التناقض الصارخ، فمع إشاراته إلى التوحيد في نصوص؛ إلا أنه يناقضها في أخرى، ومن ذلك: «اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدهم باسم الأب والابن والروح القدس» (متى 28: 29)، «كما أن الأب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضًا أن تكون له حياة في ذاته» (يوحنا 5: 26، 27).
ب ــ اختلاف العهد الجديد عن العهد القديم في أصول الشريعة:
والاختلاف بينهما في الشريعة والأحكام شبه كلّي، ومن ذلك مسائل الخمر والختان والسبت والنكاح والطلاق والطهارة والمطاعم المختلفة ــ كما مر معنا ــ ونزيد أمثلة، فمنها:
ما جاء في الخمر: «خمرًا ومسكرًا لا تشرب أنت وبنوك معك» (لاويين 10: 8)، كذلك (تثنية (28: 39).
أما العهد الجديد: «فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب» (كولوسي 2: 16)، «إن كنتم قد مُتم مع المسيح عن أركان العالم فلماذا كأنكم عائشون في العالم تفرض عليكم فرائض لا تمس ولا تذق ولا تجس» (كولوسي 2: 20، 21).
أما الختان فقد جاء التشديد في أمره في العهد القديم من عهد إبراهيم | وذريته: «يُـختن منكم كل ذكر فتـختنون في لحم غرلتكم فيكون علامة عهد بيني وبينكم» (تكوين 17: 13)، «وأما الذكر الذي لا يُختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها إنه نكث عهدي» (تكوين 17: 14).
ومع ذلك التشديد في الناموس في أمر الختان إلا أننا نرى خلاف ذلك في العهد الجديد «ما هو نفع الختان»؟! (رومية 3: 1)، «ها أنا أقول لكم إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئًا» (غلاطية 5: 2).
أما حفظ وتحريم السبت ففي التوراة: «سبوتي تحفظونها... فتحفظون السبت لأنه مقدس لكم من دنسه يقتل قتلًا» (خروج 31: 12، 13)، واليهود يتذكرون نكال الله تعالى بهم لما اعتدوا في السبت فمسخهم الله قردة خاسئين، مع هذا نرى العهد الجديد يعلن المفاصلة التامة بين العهدين والدينين «فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت» (كولوسي 2: 16، 17) وكانت النتيجة أن استبدلوه بالأحد بلا مبرر([79]).
أما في مسألة أكل لحم الخنزير فشريعة التوراة تقول: «والخنزير الذي له أظلاف ولا يجترّ محرم عليكم فلا تأكلوا من لحوم هذه البهائم ولا تمسوا لحومها لأنها نجسة محرمة عليكم» (لاويين 11: 7، 8) كذلك (تثنية 14: 8).
وهذا الكائن النجس الذي قد حرمت التوراة مجرد لمسه؛ قد أحلّه العهد الجديد كما في رؤيا بطرس ــ المفتراة ــ أنه حين جاع وكان نائمًا: «فرأى السماء مفتوحة وإناء نازل عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف مدلاة على الأرض وكان فيها كل دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء وصار إليه صوت قم يا بطرس اذبح وكل فقال بطرس: كلا يا رب لأني لم آكل قط شيئًا دنسًا أو نجسًا فصار إليه أيضًا صوت ثانية ما طهّره الله لا تدنسه أنت وكان هذا على ثلاث مرات ثم ارتفع الإناء إلى السماء» (أعمال الرسل 10: 10ــ 16) إذن فقد أبيح كل دنس ونجس، وأحلت كل دابة وطائر بلا استثناء بغض النظر عن نجاسته واستقزازه ودنسه فليهن أصحاب المسيحية المبدلة إباحة الكلب والغراب وسائر الجوارح والكواسر والحشرات والخنافس والديدان والضفدع والخفاش والذباب والفيل والدب والعقرب والحية والفأرة والتمساح والسحلية بل حتى الوزغ!! علمًا بأن الغرض من كل هذه التلفيقة هو الوصول إلى إباحة الخنزير ليس إلا، وقد تعمد بولس أو لوقا تلميذه أو من أمر بذلك وضع اسم بطرس (القديس ورئيس التلاميذ) ليروج هذا الحكم في أرجاء المسيحية الملفقة!
إذن فما الجدوى من ضم العهد القديم للعهد الجديد إذا كان المسيحيون أصحاب العهد الجديد لا يأخذون بأحكام التوراة؟!
جـ ــ تناقض أخبار العهدين:
وهي كثيرة، ومن أمثلة ذلك ما جاء في العهد القديم: «ناموس الرب كامل يرد النفس شهادات الرب صادقة تصيّر الجاهل حكيمًا وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب» (مزمور 19: 7، 8).
أما في الجديد: «يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها إذ الناموس لم يكمل شيئًا» (عبدانيين 7: 18).
أما في العهد الجديد فالخراب حل في سدوم فقط (لوقا 17: 28، 29).
وفي عدد آل يعقوب الذين جاءوا إلى مصر، ففي القديم ذكر أن عددهم (70) (تكوين 46ك 27)، أما في الجديد فذكروا أنهم (75) (أعمال 7: 14).
وفي مدة بقاء بني إسرائيل في مصر، ففي القديم أنهم سكنوها (430) سنة (خروج 12: 40)، أما في الجديد فمدة بقائهم كانت (400) سنة (أعمال 7: 6)([81]).
وفي الذين ماتوا بسبب الوباء من الزنا، ففي القديم أنهم كانوا (24.000) (عدد 25: 1ــ 9). أما في الجديد فذكر أنهم (23.000) (كورنثوس (1) 10: 8).
وفي فترة انقطاع المطر زمان إيليا، ففي القديم ثلاث سنين (الملوك (2) 18: 1، 2)، أما في الجديد بزيادة ستة أشهر (لوقا 4: 25).
وفي الصعود إلى السماء، ففي القديم إثبات إصعاد أخنوخ (تكوين 5: 24)، أما الجديد فينفي إصعاد غير المسيح | (يوحنا 3: 13).
وهذا غيض من فيض وقليل من كثير، والله المستعان.
وللعلم ففي العهد الجديد نفسه يوجد اتجاهان متعارضان حيال الأخذ من العهد القديم أو تركه وإغفاله، ويستحيل أن تصدر كل تلك التناقضات عن وحي الله تعالى المنزه عن العبثية واللعب والنسيان، تعالى الله عن ذلك([82]).
21ــ تشريع القسوة والدموية في الكتاب المقدس:
ينسب إنجيل متى إلى المسيح | قوله: «لا تظنوا أني جئت لألتمس سلامًا على الأرض ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنّة ضد حماتها وأعداء الإنسان أهل بيته» (متى 10: 35ــ 37).
ولا عجب من نسبة عداء المسيح | للإنسانية والاجتماع فليست أول الافتراءات عليه ــ وحاشاه من ذلك ــ والمشكلة أن كتاب العهد الجديد مع فصامه مع القديم فإنه لا يفوّت العثرات والسقطات فيه من أجل أن يبني على ذلك المنهج القديم ــ المنحرف ــ بناءً إنجيليًا ملفّقًا مسُوقٌ بهوى كنسي.
لقد اضطر مؤرخو المسيحية أمام هذه الفظائع باسم المسيح أن يقولوا: «تمتاز المسيحية بين الديانات التاريخية بأنها قتلت منكريها، وشددت عليهم من حيث الكم والكيف، لدرجة أنه لا يمكن أن تتنافس معها أي ديانة أخرى» «وهي ديانة سفاكة وقتالة وتتعامل بالسيف مع كل من يقاومها»([83]).
22ــ احتقار المرأة وازدراؤها في الكتاب المقدس:
من المعايير التي تدل على رفعة وسمو أي ديانة أو حضارة أو فكر أو أمة هي سمو تعاليمها في العناية بالمستضعفين كالنساء والأطفال والخدم والعبيد والفقراء والضعفاء والمرضى([84]) وتوفير حقوقهم، والدفاع عنهم حال ظلمهم، ومنع اضطهادهم، ومنحهم الكرامة اللائقة ببني الإنسان.
ولننظر إلى معايير الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد في حال هؤلاء:
ففي العهد القديم لا تعجب حينما تسمع من يقول: إنه قل أن يوجد على ظهر الأرض كتاب يضاهي ما سطرته أيدي الأحبار الكذبة من عنصرية وإسفاف واستعلاء لجنسهم واحتقار لغيرهم عامة، وللمرأة خاصة, فهي في نظرهم نجاسةٌ تمشي على قَدَمَين!
أما في العهد الجديد، فالنظرة الدونية المزدرية للأنثى تبدأ من لحظة خلقها الأول، وتظل ملازمة لها، فهي مصدر الخطيئة والغواية، وهي مخلوقة لأجل خدمة الرجل فقط «الرجل لم يخلق لأجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل» (كورنثوس (1) 11: 9).
لقد أثمرت تلك التعاليم (الموصوفة بالقداسة!) في العالم المسيحي الاحتقار والازدراء للأنثى، واستمع لما قاله يوحنا الملقب بفم الذهب: «المرأة خطر أسري وسيئة مصورة»([85]).
وفي القرون الوسطى ساء وضع المرأة جدًا في المجتمعات المسيحية، حتى أصبح من حق الزوج أن يبيع زوجته كما تباع الحيوانات بحسب القانون، وذلك حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر([86])!
وقد كتب أسقف فرنسي في القرن الثاني عشر: «إن كل النساء بلا استثناء مومسات([87])، وهن مثل حواء سبب كل الشرور في العالم!» وقال الأب جريجوري توماركوس: «لقد بحثت عن العفة بينهن فلم أعثر على أي عفة!» وقال ترتليان: «أنتن أيتها النساء مدخل للشيطان، أنتن اللاتي قطفتن من تلك الشجرة الممنوعة... أنتن اللاتي خدعتن آدم... وحتى موت ابن الله يرجع إلى عملكن الشنيع!»([88]).
بل إن المرأة عندهم ليست بكائن بشري! إذن فهي لا تستحق الإنسانية، فقد أعلن البابا اينو سنسيوس الثامن في (1484م) «إن الكائن البشري والمرأة يبدوان نقيضين عنيدين!»، وقال الفيلسوف نيتشه: «إن المرأة إذا ارتفعت أصبحت بقرة! وأنصح الرجل أن لا ينسى السوط إذا ذهب إلى النساء!»([89]).
وقال شوبنهور: «المرأة حيوان يجب أن يضربه الرجل ويطعمه ويسجنه!».
وقال الأديب الفرنسي لامنيه: «المرأة آلة للابتسام، تمثال حي للغباء!».
وقال المؤرخ ميشليه: «المرأة كائن نسبي!». حتى الكينونة شحّوا بها عليها!
وقد كتب أودو الكاني في القرن الثاني عشر: «إن معانقة امرأة تعني معانقة كيس من الزبالة!». وفي عام (586م) اجتمع مجمع باكون الكنسي في فرنسا وكانت قضية البحث: «هل المرأة جثمان بحت أم هي جسد ذو روح يُناط به الخلاص والهلاك؟!»، وقد كان القرار الصاعق: «إن المرأة خالية من الروح الناجية التي تنجيها من جهنم، وليس هناك استثناء من بنات حواء إلا مريم!» ([90]). وصدق الله العظيم: ﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [التوبة: 31] فصار أولئك القسس بزعمهم حُجّابًا للجنة والنار، وملّاكًا لرحمة الله وعقابه ــ تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا ــ.
وليست هذه العجائب (المضحكات المبكيات) خاصة الكاثوليك أو الأرثوذكس بل حتى ما يسمون بالإصلاحيين البروتستانت لم يستطيعوا الانفكاك من وصمة الكتاب المقدس للمرأة بالاحتقار والانحطاط والاضطهاد، فهذا مارتن لوثر يقول: «إذا تعبت النساء، أو حتى متن، فكل ذلك لا يهم، دعهن يمتن في عملية الولادة فلقد خلقن من أجل ذلك»([91])!
وفي عام (1500م) تشكل مجلس اجتماعي في بريطانيا لتعذيب النساء! وقد ابتدع ذلك المجلس وسائل جديدة لهذه السادية المرضيّة، وقد أحرقت آلاف النساء حتى الموت بجريرة أنهن بنات حواء! وكانوا يتلذذون بسكب الزيت المغلي على أجسادهن العارية([92])! وقد أصدر البرلمان الإنجليزي في عصر هنري الثامن ملك إنجلترا قرارًا يحظر على المرأة أن تقرأ العهد الجديد لأنها كائن نجس!
وللعلم فقد كانت النساء غير معدودات من ضمن المواطنة حسب القانون الإنجليزي، وليس لهن حق الملكية البتة، وكان هذا القانون الجائر معمولًا به حتى منتصف القرن التاسع عشر([93])!
وقد شرح الكاتب الدنمركي ويث كوردستن اتجاه الكنيسة الكاثوليكية نحو المرأة بقوله: «المذهب الكاثوليكي يعد المرأة مخلوقًا من المرتبة الثانية!» ومن وصايا سان بول فانتير لتلاميذه: «إذا رأيتم امرأة فلا تحسبوا أنكم رأيتم كائنًا بشريًا، بل ولا كائنًا وحشيًا، وإنما الذي ترونه هو الشيطان بذاته، والذي تسمعونه هو صفير الثعبان!»([94]).
وفي اعترافات جان جاك روسو: «المرأة خلقت لكي تـخضع للرجل، بل لكي تتحمل ظلمه!».
وفي كتاب وستر مارك([95]): «لقد صرح أحد القساوسة الكبار ذات مرة في مجلس مسكوني بأن المرأة لا تتعلق ولا ترتبط بالنوع البشري!».
حتى الرّقّ والاستعباد جروا فيه إلى النهاية, ويرى بعض الباحثين أنه حتى سنة (1000م) لم يذم أي مسيحي الرق والعبودية لا البابا ولا المجامع الكنيسة ولا رجل دين ولا عالم لاهوت واحد([97])! بل كانت الكنيسة تحث على استرقاق واستعباد البشر من مسلمين وغيرهم، وقد أعلن البابا ليو الأعظم أن أحدًا من العبيد لا يستحق أن يحتل منصبًا من مناصب الكنيسة وعلل ذلك بقوله: «لكي لا ينجس العبد هذه السلسلة المقدسة» كذا!
وبعد أن قلّ عدد العبيد نسبيًا لجأت الكنيسة إلى مشروع يُعتبر وصمة عار في تاريخها إلى اليوم وهو مشروع الإقطاع، واستوت في هذا المشروع البغيض الكنائس الثلاث الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية، فجعلوا الناس مرتبطين بقطعة أرض، وكانوا يباعون معها إذا بيعت، ويخدمون أسيادهم (النبلاء) على ملء بطونهم بلا أجرة ولا ادخار فهم من ضمن رأس المال أصلًا! ويحق لصاحب الإقطاع (الأرض) استغلالهم ليل نهار، ومعاقبتهم، وتقطيع أعضائهم، وقتلهم بلا حساب، وقد ظل هذا الظلم الإقطاعي حتى القرن الثامن عشر([98]).
23ــ عدم الثقة في نزاهة كَتَبَةِ ونَقَلَةِ وحَمَلَةِ الأناجيل:
تعطي الكنيسة صفتي العصمة والقداسة لكتبة الكتاب المقدس، وأن ما يدونونه ليس من عندهم بل هو من وحي الروح القدس لهم عن طريق الإلهام، لذلك استحال على الكنيسة تفسير التناقض المتضاد في كثير من الأسفار والإصحاحات والفقرات، وهذا قد بيناه سابقًا، ونضع بين يديك ناقض آخر لهذا الزعم الكنسي ألا وهو الطعون الكبار في نزاهة وأخلاق كثير من كتبة وحملة الكتاب المقدس، وسنركز على حَمَلَةِ العهد الجديد الملهمين! وسيكون كلامنا هنا على أربعة محاور:
الأول: بولس:
(القديس بولس الرسول) هكذا تلقبه الكنيسة مع ثبوت فساده في أمور كثيرة لديها؛ فقد كان يعلّم الناس الارتداد عن ناموس موسى |، وقد حاكمه تلاميذ المسيح لأجل ذلك وأدانوه (أعمال الرسل 21: 17ــ 30) بل وكان يعترف بكذبه «فإنه إن كان صدق الله ازداد بكذبي لمجده فلماذا أدان أنا بعد كخاطئ» (رومية 3: 7)، كما قام بختان تابعه تيمو ثاوس لينافق اليهود بعدما كان يحارب الختان «فأراد بولس أن يخرج هذا معه فأخذه وختنه لأجل اليهود» (أعمال 16: 3) علمًا بأن بولس ليس من تلاميذ المسيح وليس من حوارييه بل إن التلاميذ لما نفوا واحدًا اختاروا مكانه متياس «فوقعت القرعة على متياس فحسب مع الأحد عشر رسولًا» (أعمال 1: 26) لكن بولس هو الذي عدّ نفسه منهم من تلقاء نفسه «لأني أحسب أني لم أنقص شيئًا عن فائقي الرسل» (كورنثوس (2) 11: 5).
بل قد عدّ نفسه من الملائكة، بل إنه سيحاكمها بزعمه (كورنثوس (1) 6: 3) حتى وصل به الغرور إلى ادعائه أن عنده روح الله! (كورنثوس (1) 7: 40)، بل إن هذه الروح تفوق روح الله وتقوم بفحصها ــ تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا ــ «الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله» (كورنثوس (1) 2: 10)([99]).
والعجب أنه حتى بعد ظهوره إلا أن إدانات تلاميذ المسيح المخلصين ظلت تلاحقه، بعدما ظهر لهم كفره ومحاولاته وكيده لهدم دين الأنبياء، بل قد أدانه التلاميذ لما اجتمعوا لمناقشة عقيدته وقد خرجوا من ذلك بتضليله وتكفير اعتقاداته، وقد حكم عليه رئيس الحواريين يعقوب بالزندقة، بل ذهبوا أبعد من ذلك فحاولوا إصلاح ما خرّبه من عقائد الناس، فأرسلوا لمن أضلهم بولس من يصحح عقيدتهم وتصوراتهم (أعمال الرسل 21: 17ــ 26)، لكنه كان ماكرًا فقد كان يتلوّن وينافق حسب مراد المدعوين سواء كانوا يهودًا أم مسيحيين أم وثنيين، فقد نافق أهل أثينا وهم عبدة أصنام حينما رأى صنمًا قد كُتب عليه إله مجهول فقال لهم: «هذا أنا أنادي لكم به» (أعمال 17: 23).
وإنه لغريب أمر المجامع المسكونية، فحينما ترفض الأناجيل الأصلية لتلاميذ المسيح | الملازمين كبرنابا وتوما وبطرس، نراها تقبل أناجيل ورسائل هذا البولس وتلامذته التي تمثل خمسة أسداس العهد الجديد!
كيف قبلوا أن يهديهم بولس الذي لم ير المسيح |، ولم يتتلمذ على يديه، ولا على يدي تلامذته، بل كان صاحب النصيب الأوفى في اضطهاد وتعذيب تلامذته وأتباعه (أعمال الرسل: الإصحاح 9 بتمامه).
ولم يصدق بولس إلا في اعترافه أن هذا الإنجيل لم يأخذه عن أحد أتباع المسيح |: «وأعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به بأنه ليس بحسب إنسان» (غلاطية 1: 11ــ 16). بل هو من وحي الشياطين له كما قال تعالى: ﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ﴾ [الأنعام: 112].
وكثير من أحكامه إنما هي من عنده وليس من المسيح ولا من عند الله باعترافه «وأما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب إن كان أخ له امرأة...» (كورنثوس (1) 7: 12، 13)، «ها أنا بولس أقول لكم إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئًا» (غلاطية 5: 2) وهو ذات الأمر الذي أدانه فيه التلاميذ وكفروه بسببه.
والأدهى من ذلك أنه كان إباحيًا مع نفسه «كل الأشياء تحل له» (كورنثوس (1) 6: 12، 10: 23) وكان يصرح بأشياء كأنها من قبيل المسّ الشيطاني «لأني لست أعرف ما أنا أفعله إذ لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فإياه أفعل... فإني أعلم أنه ليس ساكن في أي جسدي شيء صالح... ولكني أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبني إلى ناموس الخطيئة الكائن في أعضائي وَيْحِي أنا الإنسان الشقي...» (رومية 7: 15ــ 24).
قلت: ولعل ذلك المس الشيطاني هو ما أوحى إليه بتهمته لله تعالى بالجهل والضعف ــ تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا ــ «لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس» (كورنثوس (1) 1: 25)، ولا داعي للتمحك والاعتذار عنه فالرغوة أبدت عن الصريح.
الخلاصة: أن بولس هذا لما رأى صعوبة التغلب والسيطرة على دين المسيح | الحقيقي من الخارج بالبطش والتنكيل، وأن العذاب يزيد في كيفية وحمية أتباع المسيحية الأولى، دخل فيه نفاقًا ليهدمه من الداخل، وهو الأمر الذي نجح فيه بكل مرارة وأسف! لذلك فقد لاحظ الكثير من علماء الكتاب المقدس وجود ديانتين في العهد الجديد، ديانة المسيح | التوحيدية، وديانة بولس الوثنية، لذا فقد أطلقوا على الثانية الديانة البولسية، كما فعل بولينجبروك (1678ــ 1751م).
ويؤكد براون وهو البروفسور في علم اللاهوت أن بولس قد تجاهل العنصر الاجتماعي في كتاباته تمامًا، وهذا أدى في النهاية إلى مقولة كارل ماركس الشهيرة: الدين المسيحي أفيون الشعوب.
أما رجل الدين والفلسفة باول هيبرلين فلم يتردد في تعريف الديانة البولسية بأنها: قوة الشر نفسها([101]).
أما الكاتب اللاهوتي الكاثوليكي الفونس روزنبرج فقد تناول في كتابه (تجربة المسيحية) موضوع بولس وأفرد له فصلًا بعنوان (من يقذف بولس إلى خارج الكتاب المقدس؟)([102])، وقال فيه: «وهكذا أصبحت مسيحية بولس أساس عقيدة الكنيسة، وبهذا أصبح من المستحيل تـخيّل صوت يسوع بمفرده داخل الفكر الكنسي إلا عن طريق هذا الوسيط»([103]).
إذن فبولس (الدخيل) لا يستطيع منصف الاطمئنان على رواياته وصدق تدينه، هذا أوّلًا.
ثانيًا: مجمع نيقية وما حصل فيه من التعسف والتسلط من قبل فئة قليلة تدعمها سلطة هواها وثني على الفئة الكثيرة الظاهرة في المناظرات والجدل والعلم والمغلوبة والمقهورة تحت حد السيف وسطوة السلطة ــ وقد أفردنا الكلام عن هذا المحور فيما مضى من هذا الكتاب ــ.
أما المحور الثالث: فهو رأس السلطة في الإمبراطورية الرومانية وهو الوثني قسطنطين والذي يُشك أنه لم يعتنق المسيحية إلا قبل (18) يومًا فقط من وفاته، وماذا ننتظر من مجمع مسكوني يرأسه رجل وثني؟! لذا فلا تعجب أن سفينة المسيحية قد وجهت دفتها تلك الفئة المنصورة من ذلك الإمبراطور في ذلك المجمع النيقاوي عام (325م) الذي قرر القانون الذي حكم المسيحيين إلى هذا اليوم وهو قانون الإيمان النقادي الإثناسيوسي. وبناء على هذا القانون الوثني اختيرت الكتب الموافقة له أو المائلة معه من بين قرابة (100) إنجيل، فجعلت هي العهد الجديد المعترف به وغيرها هو الدخيل والمزور
|
|
قال الدكتور روبرت كيل تسلر في كتابه (الروح القدس): «يُعد من الثوابت أن قسطنطين الأكبر([105]) قد تم تعميده قبل موته، وبعد (15) عامًا من مجمع نيقية على أحد أتباع آريوس» لقد كان قسطنطين مرتبطًا بشدة بعبادة الشمس وميثرا، ويدل على ذلك عملاته المعدنية التي كان يطبع عليها إلى وقت طويل من العصر المسيحي (الشمس التي لا تهزم) وعند تدشين القسطنطينية شيّد عمودًا ضخمًا صورت عليه صورته مع شعار الشمس التي لا تهزم، كما أمر عند تدشين القسطنطينية أن يحملوا شعار الصدفة([106])، كذلك سمح لإحدى المدن بتشييد معبد لعبادة وثنية بدائية([107]).
بل لقد كان للإمبراطور الروماني والقائد الكنسي لقب قديم حمله معه حتى مات وهو: كبير حراس عباد الآلهة الرومانية القديمة! والأعجب من ذلك ــ إن صح ــ ما قيل من أن البابوات لا زالوا يحملون هذا اللقب الوثني إلى اليوم!
أما عن عقيدة ذلك الإمبراطور العسكري غريب الأطوار فقد اختلفت فيه الآراء اختلافًا كثيرًا، والأظهر أنه كانت لديه نظرة دينية بدائية نظرًا لكونه رجلًا عسكريًا معظمًا للحجب التي كان يظنها قد ساعدته في انتصاراته ومنها شعار الصليب الذي كان يتوهم أنه قد ساعده في نصره على ماكسنتيوس، وقد أظهر عبادته له مع خلفياته الأخرى من الديانات الرومانية والإغريقية والظلال الفلسفية المختلفة التي كان يجمعها عند قسطنطين نظرته لها على أنها وسيلة للهيمنة والسيطرة على العالم أكثر منها غاية نبيلة أو هدفًا ساميًا شريفًا.
قال الدكتور سفر الحوالي مخاطبًا المسيحيين: «عجبًا لكم! لا يوجد باب للعلم إلا طرقتموه حتى لم تقنعوا بتاريخ الأرض فصعدتم وبلغتم ــ كما تقولون ــ للمريخ، وسبرتم الزمان القديم حتى قلتم: قد علمنا عمر الأرض، وأخرجتم الديناصورات ودقائق الحشرات من قبورها، ولم تكتفوا بذلك بل سبرتم المستقبل وتوقعتم ورجمتم بالغيب! ثم بعد ذلك كله لم تنظروا تحت أقدامكم من تاريخكم الحقيقي، وتركتم بولس وقسطنطين يتلاعبان بكم!»([108]).
|
أخيرًا قال الدكتور روبرت كيل تسلر في كتابه (الروح القدس): «ولسوف يُدهش ما حدث كل كاثوليكي وكل بروتستانتي يؤمن بقرارات تلك المجامع الأولى، حيث يعتقد أنها تمت بالوحي المطلق للروح القدس إذا ما وعى حقيقة ودوافع تكوين قرارات هذه المجامع، فهي تنبثق أساسًا من القياصرة الرومان أي هم الذين أوحوا بها وليس الروح القدس([109])، وعلى الأخص قرارات المجمع الأول التي اتـخذها قيصر ولم يكن مسيحيًا مُعَمّدًا، كان بعيدًا كل البعد عن الإيمان والعقيدة المسيحية، وبصفة عامة فإن القياصرة وزوجاتهم لا نرى في حياتهم الأخلاقية والأدبية أي انطباع يدل على أنهم أشخاص يتمتعون بقدسية خاصة تجعلهم يقومون بتمثيل صورة الروح القدس».
رابعًا: رعاة الكنيسة من البابا حتى أصغر راهب وخادم الكنيسة الذين يؤخذ عنهم الدين المسيحي الذي ائتمنوا عليه، ما مدى نزاهتهم وعفتهم وتدينهم وصدقهم؟ وقد بسطتُ الجواب في كتاب: (أخلاق الكنيسة) فلا أُثقُل قلبَك بتيك الفجائع والفظائع والكوارث الأخلاقيّة التي لا أظنّك تتوقّع معشارها في من الباباوات الذين نسبوا أنفسهم خلفاء للمسيح عليه السلام والكرادلة والقسس الذين نصّبوا أنفسهم بمثابة تلاميذه وحواريّيه.
|
وأكتفي هنا بذكر مقولة مؤرخ الكنيسة لي: «ليس هناك ديانة أخرى تنافس الديانة المسيحية في أمور المنكرات والفواحش، لذلك يجب أن نستحي من أن نعيب المسلمين أو غيرهم في قضية تعدد الزوجات» ثم قال: «السجل التاريخي للقرون الوسطى يشهد على كون الكنائس في العالم المسيحي كلها غارقة في الفجور إلى أذنيها([110])، وقد اعترف البابا أنوست الثالث أن «كثيرًا من أديرة الراهبات تسببت في تلويث الأخلاق في المنطقة المحيطة بها!».
|
وهذه نقاط ست أضحت سمات لأولئك القوم وقد أوردتُ مع كل نقطة استشهاداتها وبراهينها في الكتاب المذكور. وهي كالتالي:
أولًا: الوثائق المزيّفة (المزورة).
ثانيًا: حب المناصب والخداع والرشوة.
ثالثًا: الطمع وحب الدنيا، والانغماس في الترف.
رابعًا: الخيانة ومحاباة الأقارب.
خامسًا: الظلم والقسوة والوحشية وسفك الدماء.
سادسًا: الفسق والفساد الخلقي.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه.
الفهرس
نظرة فاحصة للكتاب المقدس.................................................
الفصل الأول: تمهيد ومدخل
الفصل الثاني: العهد القديم.................................................
قصة تدوين التوراة..............
أدلة التحريف.....................................................................
1ــ كتبة الأسفار مجاهيل.......................................................
2ــ آيات مقدسة تنص على التحريف........................................
3ــ ذكر موسى | بلفظ الغائب..................................................
4ــ انقطاع السند.................................................................
5ــ كثرة اختلافات النسخ وتناقضها.........................................
6ــ حذف الآيات والأسفار وفقدانها..........................................
7ــ احتوائه على حشو كثير بلا هدف........................................
8ــ اشتماله على العقائد الباطلة الشنيعة......................................
9ــ اتهام الأنبياء الكرام بالكذب والنجاسة...................................
10ــ المستوى المتدني للتعاليم الأخلاقية....................................
11ــ قداسته طارئة وليست طارئة...........................................
12ــ شهادات علماء أهل الكتاب على التحريف والتبديل................
13ــ يؤصل الجهل والتخلف ويحارب العلم والتعليم.....................
14ــ انتحال كثير من قصصه من الأمم والشعوب........................
15ــ علم الميثولوجيا يثبت التحريف.........................................
الفصل الثالث: العهد الجديد................................................
أدلة التحريف.....................................................................
1ــ ما قيل في العهد القديم يقال في الجديد..................................
2ــ الخلاف في تحديد الأسفار................................................
3ــ الأناجيل المتداولة ليست بلغة المسيح |..................................
4ــ جميع الأسفار المعتمدة لم تكتب في عصر المسيح |..................
5ــ الأناجيل تنسب لأصحابها ولا تنسب للمسيح | .......................
6ــ انقطاع أسانيد الأناجيل.....................................................
7ــ كتبة الأناجيل ليسوا من الحواريين.......................................
8ــ أكثر مواد العهد الجديد منسوبة لبولس وتلامذته......................
9ــ الأناجيل تذكر أحداثًا جرت بعد المسيح |...............................
10ــ الأناجيل توجه إلى إنجيل خاص بالمسيح |..........................
11ــ لم ينقل العهد الجديد عن طريق الحفظ في الصدور................
12ــ التصريح في الأناجيل بأنها ليست وحيًا..............................
13ــ الكم الهائل من التناقضات والاختلافات في الأناجيل..............
14ــ اشتماله على تشبيهات قبيحة لله تعالى................................
15ــ الوثنية في العهد الجديد...................................................
من مظاهر الوثنية فيه.....................................................
أــ الفاتيكان مبني على موقع المعبد الميثراوي الأول................
ب ــ تقام في هذا المكان طقوس مشابهة تمامًا للطقوس الميثراوية الوثنية
ج ــ تتفق أيام الاحتفالات المسيحية الدينية مع أيام الاحتفالات الوثنية
د ــ استنساخ الديانتين اليونانية والرومانية............................
هـ ــ تشابه أصولها مع أصول الهندوسية.............................
وــ تشابه أصولها مع أصول البوذية...................................
زــ تشابه أصولها مع البابلية.............................................
ح ــ تشابه أصولها مع الفرعونية.......................................
ط ــ تشابه أصولها مع ديانات أخرى..................................
ي ــ الرمزية الوثنية في المسيحية المبدلة.............................
16ــ شواهد التوحيد الظاهرة في العهد الجديد..............................
17ــ وجود الكتب والطوائف التوحيدية.....................................
أ ــ الطوائف التوحيدية....................................................
ب ــ الكتب التوحيدية......................................................
1- مخطوطات نجع حمادي.......................................
2 ــ إنجيل توما (توماس)..........................................
3 ــ إنجيل برنابا.....................................................
4 ــ إنجيل يهوذا.....................................................
5 ــ مخطوطات البحر الميت......................................
18ــ الخمريات في العهد الجديد..............................................
19ــ نقض الناموس.............................................................
20ــ اختلاف العهد الجديد عن القديم كلية..................................
21ــ تشريع القسوة والدموية في الكتاب المقدس..........................
22ــ احتقار المرأة وازدراءها................................................
23ــ عدم الثقة في نزاهة كَتَبَة الكتاب المقدس ومن ذلك.................
أولًا: الوثائق المزيفة......................................................
ثانيًا: حب المناصب والخداع والرشوة................................
ثالثًا: الطمع وحب الدنيا والترف........................................
رابعًا: الخيانة ومحاباة الأقارب.........................................
خامسًا: الظلم والقسوة والوحشي.......
سادسًا: الفسق والفساد الخلقي.........
([4]) وصف الله تعالى أهل الكتاب بوصفين، وجعل لكل أمة منهما وصفًا: اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون: ﴿ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾ [الفاتحة: 7]، ذلك أن اليهود أشد كفرًا وعنادًا، أما النصارى فأغلظ شركًا، يوضح ذلك أن الديانة اليهودية هي ديانة توحيدية في الجملة، فتنبذ عبادة الأصنام والذبح لغير الله وتمنع دعاء غير الله، ولا يوجد في كنسهم صور ولا تماثيل ــ مع عبادة فئام منهم الأصنام ــ لكنهم أُتوا من جهة الكفر بالله تعالى والعناد والاستكبار، وسبّ الله تعالى ومعصيته وارتكاب العظائم، والكفر برسل الله وكتبه ونقض عهوده ومواثيقه وجحد البعث، بل وقتل المرسلين والمصلحين، فكفرهم مستقر مع اجتماع أصول الأخلاق الرذيلة في كثير منهم من الشح والبخل والكبر والحسد والظلم، وهم أعلم بدينهم من المسيحيين بدينهم.
أما المسيحيون فدينهم (البولسي) مبني على الشرك وتعدد الآلهة أصلًا ــ حتى وإن لم يقرّوا بذلك ــ فهم يعبدون ثلاثة آلهة (أقانيم) ولا يعبدون ربًا واحدًا وإلهًا واحدًا، فهم من جهة الشرك أشد إيغالًا من إخوتهم اليهود، أما من جهة العاطفة والتدين والأخلاق فهم أحسن حالًا من اليهود، وكثير منهم لا يتصور أنه يسبُّ الله تعالى وينتقصه بقوله بالتثليث وتأليه المسيح | والروح القدس ومريم العذراء، بل يظن ــ لجهله ــ أنه يعظم الله تعالى، وهذا هو الضلال المبين، فهو يظن ــ بتصوره الفاسد ــ أنه يتقرب إلى الله تعالى بعبادة هي محض السب لله تعالى والانتقاص من مقام الألوهية والربوبية بنسبة الوالدة والولد والصاحبة لله تعالى وتقدس! ﴿ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [الكهف: 103- 104]، ﴿ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [الغاشية: 3- 4].
الخلاصة: أن اليهود أعلم من المسيحيين لكنهم لم يعملوا بعلمهم، والمسيحيين عملوا بلا علم وعبدوا بجهل، فكلا الفريقين خاسر، والرابح هو من عمل بعلم وهم أمة محمد ^.
لذلك قال أحد السلف الصالح: من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عُبّادنا ففيه شبه بالنصارى.
([19]) الغنوصية: كلمة يونانية الأصل من «غنوسيس» بمعنى المعرفة، والمراد بها اصطلاحًا: التواصل بنوع من الكشف إلى المعارف العليا، أو هو تذوق تلك المعارف تذوقًا مباشرًا بأن تلقى في النفس إلقاء، فلا تستند إلى البرهنة العقلية ولا الاستدلال. وهي كحركة وفلسفة قديمة تمثل مزيجًا من العقائد اليونانية والإسرائيلية والفارسية الآرية والكلدانية السامية، مع غلبة الطابع الوثني عليها.
ويلاحظ أنه مع تعدد اتجاهات الغنوصية كالقبالا (الكبالا) (التي تمثل الديانة الشعبية الإسرائيلية بما فيها من سرية التعاليم والقول بإله تصدر عنه الأرواح المدبرة للكون، واعتقاد عقيدة الجفر وحساب الجمّل واعتبار الإنسان العالم الأصغر الذي جاء على صورة العالم الأكبر) والأفلاطونية الحديثة (بما تمثله من نزعة توفيقية بين الآراء الفلسفية المختلفة، كما ظهرت في الهرمسية التي تقول بإلهين: الإله المثالي الذي لا يصدق عليه وصف، والآخر الخالق الصانع الذي خلق العالم فهو يتجلى فيه) والديانات والمذاهب الفارسية (وتمثلت في مانوية ماني في القرن الثالث الميلادي التي حاولت التوفيق بين المسيحية والزرادشتية، وقالت بثنائية النور والظلمة كإلهين، وظهرت المزدكية كإحدى فرق المانوية) فيلاحظ مع تعدد اتجاهات الغنوصية إلا أن جميع الغنوصيين يؤمنون بإله مخلص يهبط من السماء لتـخليص البشر من شرور الحياة ثم يموت بعد أن يحيا حياة البشر، ولهم طقوس سرية واعتقادات غريبة وتسعى في البداية للحلول ثم تنتهي بوحدة الوجود.
ومن الملاحظ أن الغنوصية استطاعت أن تتسرب إلى مختلف العقائد والأفكار، فتأثرت بها اليهودية أثناء النفي البابلي ثم في بلاد فارس، وتبلورت في الغنوصية اليهودية فيما يطلق عليه «الكبالا» وبوجود بعض اليهود في الإسكندرية وفلسطين فقد تأثرت بها المسيحية في مراحلها الأولى، فكانت سببًا رئيسيًا للتحريف والتبديل في دين المسيح |. ويظهر ذلك من خلال اعتقاد بعضهم بأن المسيح هو أبرز صفات «الغنوص» وممن تأثر بذلك يوحنا الإنجيلي ــ صاحب إنجيل يوحنا ــ وأرديمايوس. بل برز فيها فلاسفة غنوصيون مثل باسيلرس السوري وفالنتينوس المصري ومرقيون.
ينظر: الموسوعة الميسرة (2/ 1103ــ 1105).
([29]) والعجيب أن علماء اليهود حينما أخرجوا بعض الأسفار من العهد القديم (الأبوكريفا) ادّعوا أنهم يفعلون ذلك بوحي من الروح القدس، وحينما اختار الكاثوليك بعض أجزاء (الأبوكريفا) المحذوفة من قبل اليهود؛ ادعوا أن هذا الاختيار كان بوحي وإلهام من الروح القدس!
وحينما ردّ المسيحيون البروتستانت هذه (الأبوكريفا) المختارة من قبل الكاثوليك فعلوا هذا بحجة إلهام ووحي الروح القدس!
وقد ظلت الكنيسة الآشورية زمنًا طويلًا تنكر رسائل بولس باسم إلهام الروح القدس!
وكان مارتن لوثر يسمي رسالة يعقوب في العهد الجديد بيت القش! وهي من اختيار الكاثوليك الذين يدّعون أن اختيارها كان بوحي وإلهام الروح القدس! أليس في هذا كفاية؟!
([31]) وقد اختفى هذا الإنجيل على أيدي اليهود أولًا ثم البولسيون والرومان ثانيًا «جمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعًا وقالوا ماذا نصنع فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون فيأخذون موضعنا وأمتنا» (يوحنا 11: 47، 48)، وقد أفصح إنجيل برنابا ــ غير المعترف به ــ عن تلك المكيدة بذكره قول الكهنة والفريسيون: «ماذا يكون الثمر إذا تركنا هذا الإنسان يعيش، من المؤكد أن الإسماعيليين يصيرون ذوي وجاهة عند الرومانيين فيعطونهم بلادنا ملكًا، وهكذا يصير إسرائيل عرضة للعبودية كما كان قديمًا» (برنابا ف/142: 19ــ 21)، والرومان كانوا قد احتلّوا بلادهم قبل مجيء المسيح | بنحو ثلاث وستين سنة.
وانظر: البشارات بنبي الإسلام، د. السقا، ص69.
([37]) يؤمن المسلمون بأن الله تعالى قد أوحى إلى المسيح | إنجيلًا خاصًا، قال الله تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [المائدة: 46] فالإنجيل الأصيل هو وحي مقدس من الله تعالى وليس مجرد مواعظ وإرشادات جاء بها المسيح من قبل نفسه، بل هو مُبلِّغ للوحي المنزل عليه بما فيه من مواعظ وتعاليم وإرشادات وأحكام وأخبار وغير ذلك، والظاهر أن حواريي المسيح (وهم خاصة تلاميذه وأتباعه) قد كتبوا هذا الإنجيل من فيه ودونوه من إملائه عليه الصلاة والسلام. وقال تعالى: ﴿ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ﴾ [البقرة: 87].
([43]) عن: الجفوة المفتعلة، ص13. وقال لاندر ــ أحد مفسري الإنجيل ــ: «حكم على الأناجيل المقدسة لأجل جهالة مصنفيها بأنها ليست حسنة بأمر الحاكم. أناسطيوس في الأيام التي كان فيها حاكمًا في القسطنطينية، فصححت مرة أخرى». إظهار الحق، ص296.
وقد أورد الشيخ رحمة الله الهندي خمسة وأربعين شاهدًا على التحريف بالزيادة في الأناجيل مدعمة بالوثائق والاعترافات.
([48]) قال العلامة رحمة الله الهندي (ت: 1308هـ) في كتابه القيم: إظهار الحق، بعد سرده عدة أدلة على تبديل وتحريف الكتاب المقدس: «إن التوراة الأصلية وكذا الإنجيل الأصلي قد فقدا قبل بعثة محمد ^، والموجودان الآن بمنزلة كتابين في السير مجموعين من الروايات الصحيحة والكاذبة، ولا نقول إنهما كانا موجودين على حالتهما إلى عهد النبي محمد ^ ثم وقع فيهما التحريف، حاشا وكلا، وكلام بولس على تقدير صحة النسب إليه أيضًا ليس بمقبول عندنا، لأنه عندنا من الكاذبين الذين كانوا قد ظهروا في الطبقة الأولى وإن كان مقدسًا عند أهل التثليث، والحواريون الباقون بعد رفع عيسى | إلى السماء نعتقد في حقهم الصلاح، ولا نعتقد في حقهم النبوة، وأقوالهم عندنا كأقوال المجتهدين الصالحين محتملة للخطأ، وفقدان السند المتصل إلى آخر القرن الثاني وفقدان الإنجيل العبراني الأصلي لمتى، وبقاء ترجمته التي لم يعلم اسم صاحبها باليقين، ثم وقوع التحريف فيها صارت أسبابًا لارتفاع الأمان عن أقوالهم، وهاهنا سبب ثالث أيضًا وهو أنهم في كثير من الأوقات ما كانوا يفهمون مراد المسيح من أقواله، ولوقا ومرقس ليسا من الحواريين، ولم يثبت دليل كونهما من ذوي الإلهام.
والتوراة عندنا هي ما أُوحي إلى موسى |، والإنجيل هو ما أوحي إلى عيسى |، ففي سورة البقرة: ﴿ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [البقرة: 87]، وفي سورة المائدة في حق عيسى |: ﴿ﭞ ﭟ﴾ [المائدة: 46]، وفي سورة البقرة وآل عمران: ﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [البقرة: 136، آل عمران: 84]، أي التوراة والإنجيل، أما هذه التواريخ والرسائل الموجودة الآن فليست التوراة والإنجيل المذكورين في القرآن الكريم فهي مردودة يقينًا، فليسا واجبي التسليم بل حكمهما وحكم سائر الكتب من العهد العتيق أن كل رواية من رواياتها إن صدّقه القرآن فهي مقبولة يقينًا، وإن كذبها القرآن فهي مردودة يقينًا، وإن كان القرآن ساكتًا عن التصديق والتكذيب فنسكت عنه فلا نصدق ولا نكذب، قال الله تعالى خطابًا لنبيه ^: ﴿ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [المائدة: 48] أي قاضيًا ورقيبًا وحافظًا، وأن كل كتاب يشهد القرآن بصدقه فهو كتاب الله وإلا فلا».
وقد ألَّف الشيخ كتابه (إظهار الحق) ردًا على اجتهاد المنصرين البروتستانت في دعوة المسلمين لدينهم الباطل في الهند إبان الاستعمار البريطاني، حيث ألفوا الكتب والرسائل ونشروها بين العامة وذكروا فيها عجز المسلمين عن رد أقوالهم، ولما كانت الأرض لا تـخلو من قائم لله بحجة فقد قيض الله لهذا الدين العلامة رحمة الله الهندي فألف هذا الكتاب النفيس ثم دعا كبير القساوسة القس فندر رئيس المنصرين في الهند إلى مناظرة كبيرة، وقد كان بجانب الشيخ ثلة من العلماء كما كان بجانب القس مجموعة من القسس، وأعلنوا أن المناظرة ستكون في شهر رجب سنة (1270هـ) وظهرت غلبة علماء المسلمين مباشرة في المحورين الأول والثاني وهما التحريف والنسخ مما دعا القسس لسد باب المناظرة وإيقافها والاعتذار عن الاستمرار فيها.
وقال رسول الله ^: «لن يشاد الدينَ أحدٌ إلا غلبه» متفق عليه.
([55]) ولا يعني ذلك أنهم أمة ناجية بل كل من بلغته دعوة محمد ^ ولم يدخلها فحرام عليه الجنة، قال ^: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي أرسلت به إلا أدخله الله النار». والإيمان ليس مجرد التصديق بل هو تصديق خاص وإقرار خاص واتباع. ومن كفر بمحمد ^ ولم يدخل دينه الإسلامي فهو كافر مستحق للخلود في الجحيم عياذًا بالله تعالى. ﴿ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [آل عمران: 58].
([56]) وتأمل ما جاء في التثنية حيث الحكم بقتل المشرك رجمًا بالحجارة حتى الموت: «إذا وجد في وسطك في أحد أبوابك التي يعطيك الرب إلهك رجل وامرأة يفعل شرًا في عيني الرب إلهك بتجاوز عهده، ويذهب ويعبد آلهة أخرى ويسجد لها أو للشمس أو للقمر أو لكلّ من جند السماء، الشيء الذي لم أوصي به... فأخرج ذلك الرجل أو تلك المرأة الذي فعل ذلك الأمر الشرير إلى أبوابك الرجل والمرأة وارجمه بالحجارة حتى يموت، على فم شاهدين أو ثلاثة شهود يُقتل الذي يُقتل» (تثنية 17: 1ــ 6).
([58]) وفي هذا نص من معلم المسيحية الأول أن أهم الأمور هو التوحيد، وقد بين أنها الوصية العظمى والهداية الأولى لكل من تبعه بإحسان، وفي هذا نقض للتثليث جملة وتفصيلًا، ثم انظر إلى اتساق كلام المسيح | مع توراة موسى لتعلم أن دعوة المرسلين واحدة، وهي التوحيد أولًا. قال الله تعالى: ﴿ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [النحل: 36]، وقال مادحًا لرسوليه العظيمين الموحدين موسى وعيسى عليهما السلام: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [المائدة: 46].
1ـ تعارضه مع العقيدة الشركية البدعية الدخيلة (التثليث).
2ـ السماح لغير اليهود بالدخول في الديانة الجديدة، والتبشير بها في جميع الأقاليم.
3ـ إلغاء التكاليف الشاقّة والآصار الشديدة المفروضة في الناموس (التوراة) سواء في العبادات أو المعاملات أو العادات أو المطعومات، وإباحة المحرمات المذكورة فيها عن طريق أسطورة إباحتها برؤيا بطرس ــ وسيأتي مزيد بيان بمشيئة الله الواحد الأحد ــ.
([62]) وحق له ذلك، فتأليهه مع الله تعالى هو عين المسبّة لله رب العالمين، وقد ورد عن عمر بن الخطاب وحذيفة بن اليمان ¶ أنهما كانا يقولان: أهينوا النصارى ولا تظلموهم فقد سبّوا الله سبّة ما سبّه مثلها أحد من العالمين، وكان الإمام أحمد بن حنبل ‘ يغطي وجهه إذا لاقى أحدهم، ويعلل ذلك بأنه لا يطيق النظر لمن نسب لله تعالى الصاحبة والولد.
([65]) وقد بقيت منهم بقايا حتى فجر الإسلام كما في قصة سلمان ؓ في بحثه عن الحق وتنقله بين العلماء الأربعة، حيث كان يلزم أحدهم حتى إذا أدركته الوفاة دله على آخر، حتى كان الأخير الذي لم يُـحِلْهُ على أحد من المسيحيين من أبناء ملته لأنه لا يعلم أحدًا بقي على الحياة ممن كانوا على نهجه، لكنه أحاله على مليء؛ بأن بشره بالنبي الخاتم الذي أزف خروجه، وأعطاه أربع علامات ليتأكد بنفسه من أنه النبي الموعود، وقد وفق الله تعالى سلمان حتى أسلم مع رسول الله ^. ومنهم كذلك أصحمة النجاشي ملك الحبشة الذي كان موحدًا مسيحيًا مُـخْلِصًا، كما في قصة مهاجري الصحابة للحبشة وإقراره ما في سورة مريم ثم إسلامه، وغيرهم، وفي حديث النبي ^ لما بين حال الناس قبل بعثته الشريفة المباركة: «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب» رواه مسلم.
([66]) والأظهر أن هذه العبارة لا يقصدون بها بنوّة الولادة، إنما هي عبارة كانت شائعة عند بعض اليهود بمعنى الأتباع والاختصاص بالشيء ونحو ذلك، وهو ما يُلقي بظلال الشك على تفسر اللاهوتيين للعبارات المنسوبة للمسيح عليه السالم والتي يقول فيها: إنه ابن الله، إذ ربما ــ على فرض صحتها ــ أنه قد قصد ما ذكرنا، فهو من نسل داوود |، وقد بعثه الله تعالى لليهود لتقويم ديانتهم التي حرفوها.
([71]) كان عيسى | عاملًا بالتوراة ومجددًا لها وناسخًا القليل من أحكامها رحمة من الله تعالى بهم ﴿ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ﴾ [آل عمران: 50].
ولعل تلك الأشياء المنسوخة هي الأطعمة والأشربة التي حرمها يعقوب | على نفسه حينما نذر إن شفاه الله أن يحرمها على نفسه فالتزم نذره وتبعه بنوه على ذلك ثم حرمت في التوراة ﴿ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾ [آل عمران: 93].
([76]) من أسباب حفظ الشريعة المحمدية بتوفيق الله تعالى أن رسول الله ^ قد بقي بين ظهراني أصحابه قريبًا من ربع قرن (23) سنة، يؤصلهم على الشريعة، وقد مرت عليه وعليهم مختلف الظروف بين التضييق والمحاربة والحصار وبين السعة والرخاء والانتصار، وكان أصحابه قد عرفوه قبل ذلك إذ هو مولود بينهم وعاش قبل بعثته حتى بلغ أربعين سنة، فلما شعّ نور بعثته وضياء رسالته رأوا أحواله المختلفة في الشدة والرخاء والحرب والسلم والإقامة والظعن وليله ونهاره في ثبات كالجبال، وتربية كماء السماء العميم، فآمنوا به واتبعوه وتشربوا طريقته وهديه وسمته وعلمه ودعوته ورسالته، فلم يرحل إلى ربه حتى بيّن تفاصيل دينه القويم، وترك لهم الوحي السماوي من القرآن والسنة الذي لا يضل من تمسك به، فتـخرج من مدرسته النبوية علماء أفذاذ، وعقلاء كبار، قد امتلأوا بالدين العلمي والعملي، فثبتوا كما علمهم، وعملوا كما أرشدهم، وصاروا قدوات صالحة للاقتداء والاهتداء.
أما المسيح | فلم يبق بين ظهراني قومه وتلاميذه الحواريين سوى النزر اليسير، بين سنة واحدة أو ثلاث ــ على خلاف في العهد الجديد ــ ثم لم يلبث أن رُفع، وهذه المدة القصيرة ــ نسبيًا ــ ربما لم تكن كافية في التأسي الكامل، والعلم التام بتفاصيل دينه وشريعته، مع أنه لم يقصّر في ذرة واحدة من البلاغ والإرشاد والتعليم لكن بحكم قصر الزمان وهربه من قومه حتى حفظه الله منهم برفعه عنهم ورفعته. هذا مع إقرارنا بفضل حوارييه وجلالتهم، ومحبتنا لهم، وقد أمرنا الله تعالى بالاقتداء بهم في نصر الدين الحقيقي الذي جاء به المسيح ابن مريم | وليس وثنية بولس المزيفة ﴿ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ﴾ [الصف: 14].
وقرارات هذا المجمع القدسي ــ إن صح ــ هي ثمرة مما ذكرنا، وإن كنا نميل إلى أنه مزوّر عليهم من أجل تمرير أمور أخرى بأسماء الحواريين، والله أعلم.
([97]) في حين كانت شريعة الإسلام تتشنف إلى حرية الناس وتحث السادة على عتق الرقاب، ومن أعظم القربات في الإسلام عقد المماليك وقد رُتبت عليه الأجور المضاعفة، وكذلك فهو من أعظم أبواب الكفارات، بل هو المقدم بينها على الإطلاق سواء في كفارة القتل أو الظهار أو انتهاك حرمة شهر رمضان بالجماع في نهاره والحنث في اليمين وغيرها. وسيأتي قريبًا المزيد من ذلك بمشيئة الله.
([103]) لقد أخرج بولس (الحاخام شاول سابقًا) المسيحية من عهد الله تعالى، وأبعدهم عنه، فلم تعد ديانة التوحيد والفطرة والحكمة والفضيلة كما هي دعوة الأنبياء، بل صيّرها ديانة تثليث ووثنية وشرك، فهو من وضع الخيوط الأولية للتثليث حتى استحكمت فيما بعد بفضل تأصيله لتأليه المخلوقين وقوله ببنوة رب العالمين وولادته ــ تعالى الله وتقدس عن ذلك ــ هذا التثليث الذي لم تستطع الكنيسة بعد قرون أن تأتي بوصف جامع مانع مقنع منطقي له، إنما قصارى كلامها سفسطة وقرمطة وأمثلة وتشبيهات بعيدة عن المنطق والفهم، ثم تـختم ذلك بقولها: «وهنا تكمن أسرار العظمة!!» ثم فسرت هذه العظمة بأن على المؤمن المخلص لا يسأل ولا يستفسر ولا يجادل من أهل العلم المقدس! «افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة...» (فيلبّي 2: 1ــ 14).
([104]) بداية البابوية ناشئة مع فكرة الملوكية، أي الاعتراف بزعامة الملوك الرومان للديانة المسيحية، وهذا الانحراف المنهجي كان سببًا في ازدياد نفوذ الإمبراطور الروماني من جهة، وكذلك نفوذ رجاله القريبين منه من جهة أخرى، إضافة إلى إسهام بعض الأحداث التاريخية، مثل انتقال العاصمة من روما إلى القسطنطينية، كذلك الكذب والتزوير والتدليس الذي أتقنته الكنيسة بادعاءاتها الكثيرة، ومنها دعوى أن (القديس بطرس الرسول) كبير الحواريين هو مفوَّض المسيح وهو بدوره مفوِّض قسس روما، كذلك زوروا على الأباطرة كتابات من آبائهم وأجدادهم بسيادة الكنيسة وباباواتها، حتى وصلوا إلى استقلالهم بالسلطة الدينية أولًا ثم الدنيوية، حتى صار بيدهم سلاح الحرمان الذي أشهروه على بضعة ملوك كفردريك وهنري الرابع الألماني، وهنري الثاني الإنجليزي، بل إلى حرمان شعوب بكاملها حرمانًا جماعيًا كما فعلوا مع البريطانيين، وكذلك اخترعوا نظام الإقطاع الظالم، وأشعلوا الحروب الصليبية وأكثروا من شحن الناس وشغلهم بالقلاقل والحروب.
والبابا في الفاتيكان هو الزعيم الأكبر ويليه الكاردينال وهو المسؤول عن الأساقفة في منطقة معينة، علمًا أن البابا لا يُـختار إلا من قبل الكرادلة ولابد أن يكون منهم. (قاموس الكتاب المقدس) ص824.
1ــ ظهر فيه البرص، وكانت الروم لا تُـملّك عليها من به برص فقمعهم وأظهر تمجيد المسيحية التي لا ترى في ذلك عيبًا على الحكم.
2ــ استعان بالرهبان والقساوسة وأتباعهم في حروبه الكثيرة، وبخاصة ما يخص قمع القلاقل الداخلية، ورأى أن منارة دينهم في صعود، فراهن عليهم بإظهار اعتناقه مذهبهم، وملكّهم هياكل الكواكب ليجعلوها كنائس، واتـخذهم عيونًا له وحرسًا وعسسًا في مملكته بمشورة أمه هيلانة الحرانية التي سُرّت بتحوله إلى ديانتها المسيحية ــ ولو كان ظاهرًا بقصد مادي وليس عن قناعة وعقيدة ــ.
([109]) روى أحمد والترمذي وابن جرير من طرق متعددة عن عدي بن حاتم الطائي ؓ أنه لما بلغته دعوة رسول الله ^ فرّ إلى الشام وكان قد تنصّر في الجاهلية، فأُسرت أخته وجماعة من قومه، ثم منّ رسول الله ^ على أخته وأعطاها، فرجعت إلى أخيها ورغّبته في الإسلام وفي القدوم على رسول الله ^ فقدم عديّ المدينة، وكان رئيسًا في قومه طيء وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم، فتحدث الناس بقدموه فدخل على رسول الله ^ وفي عنق عدي صليب من فضة، فقرأ رسول الله ^: ﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [التوبة: 31] قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال: «بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم، فتلك عبادتهم إياهم» وقال رسول الله ^: «يا عدي ما تقول؟ أيضرّك أن يقال: الله أكبر؟ فهل تعلم شيئًا أكبر من الله؟ ما يضرك؟ أيضرك أن يقال: لا إله إلا الله؟ فهل تعلم إلهًا غير الله؟» ثم دعاه إلى الإسلام فأسلم وشهد شهادة الحق، قال: فلقد رأيت وجهه استبشر، ثم قال: «إن اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق