إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الاثنين، 5 أكتوبر 2015

استراتيجية مجابهة الفكر الداعشي وما شابهه

استراتيجية مجابهة الفكر الداعشي وما شابهه

   الحمد لله وبعد: فلا سلاح في الحرب على ظهرها أخطر من الفكر! لأنك حين تبني أصولًا فكرية غالية في ذهن الآخر على أنقاض فكر قومه؛ فإنك حينها تزرع أفخاخًا خلف خطوط خصمك، تحرّكها عن بعد، بل وتشكلها بحيث تكون كخلايا السرطان تتمدد على هياكل من حولها، فلا يفيق الخصم – إن لم يك شديد الحذر – إلا ونارُك تحرق ذخائره وتكسر حروزه وتهدم حصونه، فيسقط صريع أيدي أبنائه!
 بتأمل واقع بعض شبابنا اليافع وقد اجتالت فكره شُبَهُ الغلاة، واغتالت براءته وحشية الفجرة المُكفِّرَة بغير حق.. حينما نمسي على كارثة شاب غِرّ يقتل بدم بارد خاله وكافله ومحبه! ثم نستيقض على فاجعة حَدَثين قتلا بلا رحمة ابن عمهما بكل غدر وخيانة بعد مبايعة مجهول خلف شبكة مجهولة وبديانة وفكر مجهول.. مع سبق مجموعات قتلت وروّعت بغير حق في البلاد والعباد، ثم لحاق خلايا مفخخة قدّ جهّزتها عقول غادرة غائرة في المكر والخديعة والحرب الفكرية والنفسية.
لفت نظري حديثٌ لأحد الآباء المكلومين وهو يصف ولده القاتل بأنه لم يغادر قريته وليس له أصحاب ويكأنما وقع عليه سحر سيّره بلا اختيار! لكنه ذكر السبب حينما قال: كان يجلس طويلًا على النت!
 قلت: قد زال العجب، فخلف كثير من تلك المعرفات المستعارة تكمن مؤسسات مخابراتية تدرس نفسية الشاب المراد تجنيده وتقيس علمه وفكره وتسبر منهجه، بل وتلج لداخلة عواطفه وغرائزه وما يحبه ويكرهه، حتى تخرج بتوصيات معينة ترشح هذه الضحية للتجنيد وتدع الأخرى المحصّنة، إذن فهي ليست مجرد جهد فردي لشاب متحمس عجول ضال في غياهب الشبكات – وإن وجدوا بلا شك -. مع التنبيه لوجود خلايا أجنبية صريحة تابعة لحزب الله وغيره، فالأمر في الغاية من الخطر.
ذكر أحد الشباب أنه كان يلعب لعبة مباشرة عن طريق النت (لاين) وكأن اللاعب المنافس أظهر له بعض الانهزام بين يديه ثم مدح طريقته وعنفوانه وأن مثله ليس مكانه حرب الكفار في العالم الافتراضي بل الحقيقي! وحاول أن يسمم فكره عن طريق أساليب بلاغية وحماسية تملأ فؤاد الشاب المتحمس العجول فتوّة ونشوة وترفع أنفه شممًا وإحساسًا طاغيًا بأنه يملك دفة تغيير العالم بطلقة رشاش على أحد أقاربه ثم من خلفهم من المرتدين!
وبالجملة فلا بد من وقفات متأملة صريحة حتى نضع أيدينا على الداء بحجمه الحقيقي، مفصلين الأسباب وطرق التحصين لهذا البلد الآمن وأهله.
 ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن داعش مجرد ورقة ستستبدل بغيرها حال استنفاد ما صُنعت لأجله، فداعش وضعت كرصاصة متشظية تصيد عدة أهداف بطلقة واحدة فتضرب المنهج السلفي والسعودية والمجاهدين في سوريا بل والإسلام ككل وبخاصة في دول الغرب ووصمه بالوحشية والهمجية وذبح الأبرياء، كذلك فهي ذريعة لتدخل سافر إيراني ثم روسي ثم لاحقًا غربي وصهيوني.
وليس مرادنا هنا اجتثاثها لوحدها بقدر ما نريد تحصين أفئدة وأذهان الناشئة من كل من كان وراء صناعتها وتوجيهها.
الأسباب: ثمة أسباب رئيسة وأخرى متفرعة عنها وثالثة هامشية لكن يبقى لها اعتبارها، فالحكيم لا بد أن يكون حازمًا لأمره فلا يترك أمره للمفاجآت مهما صغرت مباديها.
وقد كانت لي بعض المناقشات القديمة والجديدة مع بعض من تأثر بهم، وقد خلصت من زمن طويل إلى هذه القناعة التي سأنثرها باختصار عبر هذه الأحرف سائلًا ربي الإعانة والتوفيق.
فمن الأسباب:
 1- ضعف الحصانة العقدية العلمية لدى الشباب.
 فثمة أصول كبار في الشريعة لا بد من تأصيل النشء عليها، كتعظيم حرمات المسلمين ودمائهم وأعراضهم، وعظمة اجتماعهم، وخطر تفريق كلمتهم، والبعد عن الافتئات على إمامهم أو نزع يد الطاعة منه، أو خيانة المسلمين بأي قدر، وشناعة التساهل في الدم الحرام - حتى للمعاهدين من غير المسلمين - ومعاملة الناس بظواهرهم وإحسان الظن بهم، وتعظيم قدر أهل العلم من الراسخين، والصدور عن فتاويهم وتوجيههم، وعدم الثقة بالمجاهيل مهما انتفخوا بزَبَدِ البلاغة والحماسة!
2- اختلاط الأفكار وازدحامها الشديد في الفضاء الذي يتنفسه شبابنا قبل نضجهم.
 فتتلوث أفكارهم ولا بد، فالشبكة مملوءة بسموم فكرية الله وحده يعلم قدرها وخطرها وتأثيرها المباشر على عقائد ومفاهيم وتصورات الشباب اليافع الصغير! فسهولة وصول المنافذ الفكرية السيئة - خاصة عبر النت – قد أفسدت أيّما إفساد!
3- وجود منكرات حقيقية بلا نكير كاف من لدن أهل العلم أو السياسة.
 وهذا – بأسف – من أكبر مبررات أولئك الغلاة، لأن الموجّه (القابع في الطرف الآخر من الشاشة) يستغل ما يراه هذا الشاب من منكر فيوقد غيرته وحماسته بحطب حقائق المنكرات الجليّة - كالربا والإعلام والتغريب وبعض السياسات وغير ذلك – ثم يسكب على تلك الحقائق بُهاراته السامّة من تهويل وتزييف وإساءة ظن بأن الساسة يريدون حرب الإسلام وأهله، وأنهم مجرد دُمى للكفرة.. إلخ ثم يحقن دماغه بفتاوى لأئمة سيقت على غير مساقها ووضعت في غير مكانها، ثم يطير بذلك الشاب الحالم فوق سحاب المُخلِّص فلان، وأنه لا بقاء للأمة مالم تبايعه، وأنك من أصفياء المجاهدين إن نفذت أمره بلا سؤال ولو بقتل نفسك – على طريقة الحشاشين القدامى في التجنيد النفساني المغناطيسي - وأنك كافر إن وليت عنه وجهك.
 فيحوط هؤلاء المَكَرة الشاب الغَرير بالوعد والوعيد، ويكشفون أسراره وأموره إما عن طريق ولوجهم لحسابه وجهازه فمنهم خبراء هكر، أو عن طريق فضفضته وبوحه لأن منهم مختصون بالتحليل النفسي، ويخوفونه حال خوفهم منه حتى يكون في أيديهم حملًا وديعًا لكنه في أهله وحشًا بلا قلب!
ومن خبيث حيلهم أن الشاب إذا اعترف لهم بتوبته من ذنب كبير أوهموه بأن يغسل حوبته بقتل النفس قربانًا لتوبته مع الأمل في الجنة مباشرة!
 والمقصود أن شبابنا صيدٌ سمين لعدوّين؛ أحدهما من خارج الديانة كغالية الرافضة والصليبيين واليهود وغيرهم، والآخر من داخل الديانة كالخوارج الخلّص ومن تأثر بهم من غلاة المتسنّنة!
4- الصحبة السيئة.
 فالصاحب المسموم يُسممّ صاحبه، وليس الفساد هنا فساد سلوك بالضرورة فالخوارج من أعبد الناس مع ذلك فهم من أخبثهم!
ولا يعني هذا بحال الخوف والتحرّز على الناشئة ممن أظهر التدين وأشهر السنّة ودعا للخير والهدى وحِلَق العلم وتحفيظ القرآن، فأولى الناس بالمصاحبة هم أهل العلم والإيمان، وقد خطل وفَجَرَ من وصمهم بمنابع الفئة الضالة، إنما المقصود نخْلُ الأصحاب حتى لا يكون من بينهم مندس يصنعهم خلايا لهدم حصون أمته!
5- ضعف الثقة أو عدمها في العلماء.
 وبكل أسف فقد ساهم بعض الدعاة وبعض أدوات الإعلام وقنواته وبرامجه بإضعاف ذلك الحبل السُّري بين الناس وعلمائهم، فلا بد من تدارك ذلك عاجلًا، فالعلماء هم بإذن الله صمام الأمان للأمة وبخاصة في زمن الفتن العمياء البكماء الصماء كحالنا الآن!
6- الفُرقة الظاهرة المخزية بين المنتسبة للعلم والدعوة والتربية.
 فأصبح الشاب اليافع المتحمس مُحبَطًا من الجميع وفاقدًا للثقة فيهم كلهم، فهرب منهم لأحضان أغدر الناس! (ولي رجوع قريب لهذا الموضوع الخطير مفصّلًا بإذن الله).
7- الأحداث الكبار والقتال الدائر المشتعل واختلاط أوراق الفرقاء.
 وقلّة المعين الناصر والحادب الناصح والمربي الحكيم الموصل للاستنارة الفكرية في ذلك الظلام الحالك والعاصفة الشديدة، هذا إن كان سالمًا من أكدار الأفكار!
8- استفزاز بعض التيارات لهم وبخاصة التيار الليبرالي.
 وهذا الاستفزاز المتكرر للشباب والدعاة والعامّة ظاهر عبر قنوات ووسائل وبرامج وحوارات لا تخفى على فطنة المتابع.
9- المكر الكُبّار المستمر من العدو لخلخلة عقائد وأخلاق الشباب.
ولهم طرق وأساليب وكيد ومكر، وبخاصة الهجمة الغربية المتجددة سواء بزعزعة العقائد أو خلخلة الأخلاق أو فك ارتباط ولاء المؤمنين ببعض أو التشغيب والإرجاف.. (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) ولنتأمل قول ربنا تعالى: (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض) فنحن في دار ابتلاء وتمحيص لا راحة ودعة.
والمتأمل لواقع الحال يعجب من فشل كثير من كيدهم تجاه هذه الأمة المرحومة، ولكن هذا لا يعني التكاسل والاعتمادية بل يحدونا للتشمير والعمل مع التوكل على الله وإحسان الظن به والثقة بوعده واليقين بلقائه.
10- بُعد كثير من الآباء عن أبنائهم وبخاصة في جانب المشاعر والاحتواء والحوار المثمر.
 فالطابع الشرقي الجاف الغليظ في ثقافة الاحتواء من الوالدين للجنسين موجود بكثرة، ومتى وجد الابن متنفّسًا له في صدر والده الحنون الحادب فسيستغني مباشرة عن البوح لغيره وكذلك البنت مع أمها، وسيسلم النشء من غلواء المجاهيل واستدراجهم وغدرهم، وهذه قضية اجتماعية موغلة في الألم والخطر على أصعدة عديدة.
 فافتحوا قلوبكم لأولادكم وصارحوهم وصادقوهم وانزلوا لمستوى تفكيرهم وبراءتهم وعواطفهم، واحتملوا طفولية أفكارهم ورغباتهم، ولا تنسوا أن الجزرة تسبق العصا، وأن الحب والثقة والوعي صمام أمان بإذن الله في حفظهم، خاصة إن ساعدت دعوات مخلصة صادقة ملحة مستمرة.
 أعطوا أولادكم سمين وقتكم لا هزيله، اسألوهم واسألوا عنهم، وأرُوهم الحب والحنان والاهتمام والثقة مع الحزم الواعي لا الشدة الجافة. فهم مشروعكم الكبير في الحياة، فلا تدعوا هذا المشروع اعتمادًا على غيركم.. وكلكم راع ومسؤول.
سماتهم:
المتتبع لظاهرة الغلو الداعشي وغيره عبر سبر المتأثرين به أو صغار المنظرين - لأن المحرّكين الكبار في الحقيقة مجاهيل لا يخرجون من الظل - يخلص إلى سمات لا تكاد تتخلف عنهم فمنها:
صغر السن والجهل والحماسة، فهذه الثلاث مضطردة إلا فيما ندر.
 وهناك سمات أغلبية: كالانطوائية والكبت الشعوري وعقد الاضطهاد وما شابه، وكذا الإحباط والإحساس بالفشل أو التهميش، ولهذا علاقة بما سبق.
ومن سماتهم: العجلة والتسرع والرعونة وضعف الصبر وقصر البصيرة وقلة الحكمة، ومنها: التعالم والغرور والعجب والانتفاخ الباطل بالباطل وهذا فرع عن إسقاطهم العلماء وتجاوزهم لغيرهم إما لنفوسهم الجاهلة أو منظّريهم المجاهيل.
ومن أخطر سماتهم: الغلو والتنطّع في الدين، وهذه لا تكاد تتخلف إلا عند القليل منهم، ولا يعني ذلك حرصهم على شعائر العبادة ولكنهم يتنطعون في أمور معينة كثيرُها راجع لإسقاط فشلهم على مجتمعهم، وهذه معضلة نفسانية لديهم حقيقة بالعلاج.
وجامع سماتهم حديث علي رضي الله عنه قال: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فوالله لأن أخرّ من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة" رواه البخاري. قال ابن تيمية رحمه الله – وتأمل - : "الخوارج لهم خاصيتان؛ الخروج عن السنة، والتكفير بالذنوب".
أدوات مكافحة الفكر الضال:
التحصين والمكافحة والعلاج.
1- يكون بالتحصين العلمي الداخلي أوّلًا.
وذلك عن طريق ضخ موادّ عقديّة علمية بأسلوب واضح غير متكلّف مبنيّ على أدلّة صريحة صحيحة لا تقبل الإيرادات القادحة، وبناء القواطع الشرعية بدلالاتها في الصفوف الدراسية، بعد ذلك تحصينهم بردود شرعية واضحة ليستطيعوا المشي بثقة في عصر الفتن المظلمة المدلهمّة، مع التنبيه لتجنب إيراد شبههم حتى لا تعلق بالقلوب الضعيفة فالشبه خطّافة، ورب شبهة رسخت فعصفت!
ومن جدير التنبيهات أن هناك فرق دقيق بين المنهج والسلوك والمادة العلمية، وهذه الثلاثية لابد أن تُمزج أثناء الدرس وتُفصل أثناء التحليل. ففي الدرس والقدوة والتربية عن طريق الأكفاء يستلهم الطالب الديانة جملةً علمًا وسلوكًا وخلقًا ومنهجًا، ولكن عند تحليل الظواهر المختلفة المنتجة لثمرة معينة أو المفرزة لظاهرة خاصة فلابد لنا حينها أن نفصل الثلاث كل على حده مع رجوعها في الأصل لمشكاة واحدة، فربما يكون الخلل في الفهم المغلوط أو التطبيق الخاطئ أو القدوة السيئة.. فمن الظلم حينها اتهام المشكاة الناصعة الناصحة لأن مُوقِدَها ليس على ما نريد!
 ولهذا وقع من اتهم السلفية بأنها من منابع التكفير وأنها من موارد الفئة الضالة في الظلم الحيف والجور. وهذا ناتج – إن أحسنا الظن به - عن جَمْعِ المفترقات واعتساف النصوص أو الفتاوى وربطها بسياقات بعيدة عن الصواب، وتتبع شواذ الأقوال، مع تسليمنا بعدم عصمة الأفراد مهما علا كعب علمهم، لكنا نقطع بعصمة منهج السلف بمجموعه لأنه زبدة الإسلام، والله لا يجمعهم على ضلالة.
ومن الحيف كذلك ربط الغلو بمنهج الدولة السعودية الأولى، وكذلك جمع مناهج (إخوان من طاع الله) وتطبيقاتهم داخل إطار واحد، وكذلك ربط الغلو بمدرسة ابن تيمية وابن القيم.. إلخ والمقصود أن جمْعَ المختلفات تحت عنوان جامع مانع مستحيل إلا بالظلم والاعتساف، ومن فشل هنا فهو عند التطبيق والمناقشة والمناظرة أفشل، فحبل الوهم وهن! واعتبر ذلك بنقاشات أهل العلم مع المتأثرين بتلك المناهج الغالية والمنحرفة عن جادّة أهل السنة، ولا تكفي هذه الحروف لبيانٍ أكثر من هذا.
2- الكف عن المنكرات أو تخفيفها قدر الطاقة وعدم المجاهرة بها.
 والوعد الصادق بتغييرها ولو على مراحل، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي عنه الله وأرضى عنه الناس!
3- إظهار شعائر الدين وتعظيم قدره في الأمة على كافة المستويات.
 وبيان أن هذه الدولة دولة شرع منزَّل لا مؤول ولا مبدّل وإن نابها بُعْدٌ في الالتزام ببعض أهداب الشرع المطهر.
وهذه رسالة لولاة الأمر بمراعاة ذلك بشدة، وسد أفواه أولئك بالفعل لا بالقول، وبالبعد عن الشبهات، وسد الذرائع التي دخلوا منها لمبتغاهم في أذهان أتباعهم.
4- بناء جبهة مؤسسية – مجموعات تنسيقية وليست أفرادًا -.
وذلك لمكافحة ومحاربة الأفكار الدخيلة عبر فرق تخصصية ممتازة لطلبة علم مدربين ومتمرسين حتى لا يصبح الصائدُ صيدًا، وتتخصص كل مجموعة في سد ثغرة فكرية على الأمة سواء في موضوع التكفير والغلو أو الإلحاد أو الشُّبه البدعية ونحو ذلك، ويجمعون ثلاث خصال:
الأولى: العلم الواسع وبخاصة في قضايا التكفير ولوازمه وموانعه، وكذلك المعرفة الواسعة بالواقع وحال الأمم والدول والجماعات ونحو ذلك.
مع التنبيه لأهمية استيعاب شبهاتهم الكبار التي يرددونها دومًا بأساليب مختلفة، والتأكيد على تكامل موانع التكفير مع موجبات الردة، والتفريق بين تكفير الوصف والشخص وفروع ذلك.
 وبالجملة فبعض شبهاتهم في غاية الغموض، وكشفها ليس باليسير، لأن الإيرادات عليها كثيرة وقويّة لكنها مدحوضة بالمحكمات العامة والدلائل الخاصة، كمسائل الحكم بغير الشرع أو موالاة الكفار أو مظاهرتهم ونحو ذلك، وهذه محتاجة لحسن تصوّر للمسألة وحسن ورود وصدور، والا فقد يكون المحاجِجُ المحقُّ مفلوجًا لا بالحق ولكن بالشبهة العارضة التي عجز عن رفعها وكشفها. 
الثانية: قوة الحجاج ووضوح المنطق وحسن المجادلة والفن الخطابي بإيراد الحجج ودفع الشبه والحصار المنطقي للأفكار والإلزام الجدلي للمناظَر، مع العناية بأن يُعرض الحق بهدوء وبرهان ووضوح وقوة ورفق.
ومن فروع ذلك النباهة والحذر من مآلات الكلام وعدم الوقوع في فخ الإجمال.
الثالثة: الحلم والصبر وحسن الخطاب وطول النفس مع المخالف، حتى لا يزيد الأمر سوءًا بعجلته أو غلظته أو جفائه وتكبّره.
هذا مع أهمية المتابعة الحانية الحازمة الطويلة لكل حالة على حدة، فكل فرد له ميوله ورغائبه ومنهجه وطريقة تفكيره ومؤثراته ومحكماته ومبادؤه، واستنقاذ فتى من براثنهم يعدل صالحات كالجبال فلا تستهينوا ولا تكسلوا ولا تيأسوا.. فالأمر – وعزة ربي – يستحق!
هذا مع العناية بمنح الطرف المقابل وقته في التنفيس وإبداء الرأي – مهما ظهر فساده - وعدم احتقاره أو استصغاره ولو كان جاهلًا صغير السن، فبعض وسائل العلاج تسببت في تفاقم الأمر عن طريق الاستفزاز لجهة أو لفصيل أو لفئة عمرية وتهميشها. مع ملاحظة الا يُنفخ بمدحٍ فيلبس لبوسًا ليس له ولا يُترك له العنان فيخرج من المحادثة وقد جرّ إهاب زور، لأن العُجْب خوّان!
ومن فنون الحوار توجيه المُخاطب إلى الحق بأسلوب غير مباشر حتى ينقدح له أنه قد وصله بنفسه، ومن جرى عليه ذلك تحمّس للحق الذي وصله واعتنقه وناضل دونه. 
وليحذر المحاور المجادل اتهام المخاطَب بالعمالة، ولكن يبين له برفق وبرهان ووضوح عمالةَ من يتبعه أو يستمع له أو يعجب به، لأنه سينفر من فكرك حال الكسر المباشر للمقدَّس في عينه إلا إن وُفّقت لسابِلَةِ سلامٍ مع نفسه.
مع التنبيه لأهمية وجود مساندة ومشاركة لكل فريق من خبراء في التحليل النفسي والتأثير العاطفي والهندسة النفسية، وكذلك خبراء في التعامل مع العبث التقني ونحو ذلك.
والمقصود أن الطرف الآخر المعادي يعمل بتنظيم وفق مجموعات مؤسسية مدروسة، لكننا لا نزال نشتكي ضعف الجهد المقابل وتشتت العمل، لهذا فنحن في حاجة ماسّة عاجلة لمشروع مؤسسي ضخم وذي جودة عالية ومتابعة دقيقة، والجهد والبذل في هذا الثغر مخلوف بخير بإذن الله تعالى.
5- الحزم والصرامة مع من يثبت انتماءه أو مساعدته لهم.
 والصحابة رضي الله عنهم قد جاهدوا الخوارج بالعلم وبالسيف، فهما قرينان فالعلم سابق فاتح والسيف ناصر حارس.
ولا بد من تعاون الجميع في هذا الباب كلٌّ وقدرتُه، فدحرُ هذه الفئة الضالة مسؤولية الجميع وبكل وسيلة مشروعة بإبلاغٍ أو مناصحة أو غيرهما.
6- بث روح التفاؤل بالأمة وأنه ليس وقت فشل وتهور وانهزام وانتحار.
وفي القرآن والسُّنة والسيرة والتاريخ والواقع شواهد لا تحصى بحمد الله، ومن قلّب وجد شرح صدره وقرّة عينه، وأمتنا موعودة بالرفعة والسناء والتمكين، وعد الله ولا يخلف الله الميعاد، والواجب تصحيح المسيرة كلٌّ مع نفسه ثم مع من يليه.
7- التأكيد على أن الإسلام دين رحمة وعدل وسلام.
 وأن الإسلام الذي يظهرون الغيرة له - وهم في حقيقتهم مغيرين عليه – ليس بدين وحشية وظلم وتشفي.
8- اجتماع أهل العلم والدعوة والتربية، ونبذ الفرقة والخصومة.
فالاجتماع عزٌّ ونجاح والفرقة فشل وخيبة (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)
9- اقتراب العلماء وطلبة العلم من الشباب واحتواؤهم والصبر عليهم.
 سواء كان عبر البرامج الحوارية والفتاوى المباشرة والدروس الحانية السهلة التي تراعي فئتهم وعقولهم ومداركهم وعواطفهم وغير ذلك، حتى إذا نابهم شيء رجعوا لمأرز العلم وكَنَفِه لا مجاهيل الشبكة وأدعياء العلم والتديّن.
10- كفّ الاستفزاز الإعلامي وغيره ومحاسبة كل من يقدح في مسلّمات الشريعة.
فمَن يقدح في دين الأمة ومسلمات شريعتها وينادي بتنحيتها ويجرح رموزها، فهو بعد كونه حربًا لله تعالى ورسوله وكتابه فهو مهيجٌ كبير ومسعر خطير لجذوة الغيرة والحماسة لدى فئامٍ ربما بعضهم لم تضبطهم محكمات الشريعة ولم تلجمهم رؤية المآلات والعِبَر والتجارب، فإن رُمت برهانًا فانتظر أول جواب من لدن أولئك حين تسأله: ما تنقم منهم؟!
لذا فمنع أولئك المستفزِّين ومحاسبتهم هو في حقيقته طاعة لله أولًا ثم حفظ للناس من خروجِ حميّة بمسعر غضب بلا قيد.  
11- تصميم ألعاب الكترونية تنافس وتضاهي الألعاب التي يدخل منها هؤلاء وغيرهم لقلوب وعقول فلذاتنا من الجنسين.
 فتهيئة هذه الألعاب بجودة عالية منافسة من مصدر سليم وعقول نظيفة وقلوب مؤمنة لا مفر منه إن أردنا حفظهم. (علمًا بأن التنصير قد دخل تلك الألعاب بقوة ومكر) فلنصمم ألعاب أبنائنا ولنصنعها حتى تغنيهم وتحمي من ذلك العفن والخطر المنهمر منها لأفكار وأخلاق الفتية والفتيات.
وهذه المهمة حقيقة بالتطبيق العاجل من لدن تجار ومهندسين وشباب مبدعين ورعاية من الدولة عبر الدعم والتسهيل والمتابعة والتسويق، وهي في المقدور إن ساعدت الإرادة والهمة بعد توفيق الله.
وكذلك مراقبة نوعية الألعاب الداخلة لأسواقنا – ولو عبر الشبكة – وتشكيل هيئة تنسيقية مشتركة بين الدول المعنية للاتفاق على محاسبة ومنع من يخرق بنود السقف الأخلاقي أو الأمني لشبابنا أسوة بالهيئات التجارية المشابهة، وغني عن التذكير بأن هذه الهيئة أهم بكثير.
واللهَ أسأل التوفيق والسداد والهدى والرشاد لكل من سلك سبيل حفظ وحراسة هذا البلد الطاهر خاصة وكل بلاد المسلمين عامّة.. إنه سميع الدعاء، وصل الله وسلم وبارك على محمد وآله.
ومضة: مع مغيب شمس كل يوم.. ضع يدك على فؤادك، ثم اسأله: أي فؤادي! متى خفقتك الأخيرة؟! اللهم اجعلها على الإيمان.

إبراهيم الدميجي
20/ 12 / 1436

وهذه روابط لمقلات سابقة تعنى بهذا الموضوع الجلل:

براءة إلى الله من داعش وموبقاتها

الوسطية دين المسلمين

تعلّمْ أن تُحِبَّ النّاس

"وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"

هل انتشر الإسلام بحد السيف؟! (1/ 2)

هل انتشر الإسلام بحد السيف؟! (2/ 2)

معشر الدعاة: تواصوا بالحق والصبر

رائع هو.. إحسان الظن


نظرة في تكفير المعين.. غدًا إعتاقٌ أو إيباقٌ!

"الثقة بالله عمود نور المصلحين"

من وسائل الثبات للمحتسبين والدعاة

إِنَّها السَّلفية.. نورٌ ونار!

لولا الابتلاء لارتبنا الطريق!

"وإن تطيعوه تهتدوا"

مسافة اختلاف الرأي بين الراعي والرعية

أجوبة حيال إخوان من طاع الله..

...قَبْلَ ضُحَى الغَدِ!

"خطة إسقاط آل سعود, من المستفيد؟!"

التبشير الليبرالي بالدولة السعودية الرابعة.. ماذا وراء الأَكَمَة؟

حينما تخنق الفروع أصلها, وتمنع الوسائل غايتها!



قبل الرحيل الأخير

"الطاعة بين جناحي طمع"

من أخبار الواثقين برب العالمين

لنملأ قلوبنا بالثقة بالله وبوعده ولقائه..

واسألوا الله العافية!

الذنوب جراحات ورب جرح وقع في مقتل!

الإلحاح على هدم الثوابت؟!..قراءة للمشهد الكلّي, وعودة للأمر من أوله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق