إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

إِنَّها السَّلفية.. نورٌ ونار!

إِنَّها السَّلفية.. نورٌ ونار!


الحمد لله, قولُه الحقُّ ووعدُه الحقُّ ودينُه الحقُّ, أما بعد:

فموجبُ التدوين؛ موجةُ سُعَارٍ لا تهدأُ ولا تفتر عن محاولاتِ طمسِ معالم الرسالة المحمدية, تولّى كبْرَها أراذلُ البشرِ وسَقَطُ الكُتَّابِ, ويأبى الله! كأنّما يستبق دهاقينُها الزمنَ قبل فواتِ شيءٍ ما! أو نضوب حِبْرٍ ما! واللهُ مُتمُّ نورِه, ومظهرٌ دينه على الدين كلّه.

حينما يُستكتب أو يكتب مرَدَةُ الصحفيين ومتسلّقو وَهْمِ المجد, حروفًا تهاجم السلفيّة, فإنهم عن نفاقٍ وفسقٍ, أو غباءٍ وحُمْقٍ, قد طعنوا الإسلام في خاصرته, كيف لا وهم بشِنْشِنَتِهِم المعروفة يحاولون هدم البنيان الذي قام على الوحي المنزّل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, على فهم سلف الأمة الذين هم أزكى القرون قاطبة, لا كان ولا يكون مثلهم, وإن شرق بذلك مرضى القلوب.

إنها السلفيّة التي سَبَرَها المستشرقون فتيقنّوا أنها مَحْضُ الدين القويم لمحمد صلوات الله عليه وسلامه. قد كرّروا في مساربها النظر وكرّوا الكيد ليفتكوا بها, فانقلب إليهم بصرُهم خاسئًا وكيدُهم خائبًا فقالوا بمرارة مهزومٍ: إنها السلفية إن تركناها امتدّت, وإن حاربناها اشتدّت! إنها السلفية, نعم إنها السلفية التي أنشأت لها دولٌ عظمى دوائرَ بحث خاصة, فدرستها دراسةً مشبعة مستفيضة, ونَخَلتْها وحلَّلتها, فخرجت إلى أنها الأنموذج الكامل للدين الإسلامي في حال صفائه الأول, وهذا ما لا تطيقه قلوبهم!

إنها السلفية نورٌ ونارٌ: نورٌ يهتدي به من أراد الحق, ونارٌ تُحرق يدًا امتدّت إليها بالأذى, نورٌ يكشف الله به شبهات الشياطين المضلّين, ويهتك أستارهم, ويدحض تخرّصاتهم وتهوّكاتهم, ونارٌ تُصلَى بها شهواتُ عُبّادِ الهوى وسَدَنةِ أضرحة الفواحش, فحدودُ الله فيهم تُقام طالما عن حدودِ الله حادُوا.

 نورٌ يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام, ونارٌ تَنْصُرُ بإذنه, وتقطعُ حبال الهوى وعروقَ الردى من جسد الأمة الواحد.

قالت الماردةُ لأذنابها: لا يُهدمُ بنيانٌ بأمضى من مِعْوَلٍ بيمينِ أهله! لذا فحديث بعض الأصاغر عن حرجِ الدولة من دعوة الإمام المجدد, وعن تشويه رموزها, سواءً من مضى لربه بعد طول دعوة وجهاد, أو من بقي بتقصيرٍ أو غيره, إما بالطعن المباشر, أو بنشرِ خَطَلِ بعضِ من لوّث نقاء تلك الصفحة الساطعة بانتسابه _سُلالةً إلى الشيخ الإمام المجدد - عبر القول أو الفعل؛ لهوَ مؤشّرٌ مريب على مكرٍ كبّارٍ, مُؤذنٌ بسيلِ فتنةٍ قد انعقد غمامُها إن لم تُتدارك من لدن رواجحِ الأحلام!

آل سعود _ وإن رغِمَتْ أُنوفُ الرافضةِ والقبوريةِ والليبراليةِ _  هم أهل توحيد وجهاد وفضيلة, وتصفَّحُوا تاريخَهم, وقَلِّبُوا أخبارهم, تروا عيانًا من ذلك الطراز النادر الذي طالما انتظره كثير من أسلافكم في أحلامهم!

حَدِّثْني يا صاحبي عن مُبَرِّرِ حكم الأسرة المباركة آل سعود, أليست السلفيّة؟! ألم يقم حكمهم قبل عقود طِوالٍ على عَقْدِ التوحيد والجهاد والشريعة والفضيلة؟! وإلا فهناك من هو أشرف منهم نسبًا, وهناك من هو أكثر منهم ولدًا! 

إنّ حَزَّ السكينِ في الحبل الرابط بين الأسرةِ وبين السلفية هو في حقيقتِهِ حَزٌّ في مبرّرِ حكمهم مباشرة, "وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" 

فليعتنِ الناصحون بهذا, ولْيعلموا أن وراء الأكَمَة ما وراءها من منافقين ومشركين, وأنّ من أراد الإصلاح فليبدأ من هنا, أعني إصلاحَ الخلل الطارئ من ضَرْبِ المسلّمات العقديّة وركائزِ الفضيلة عبر تيّار التغريب الهائج الذي كشف وجهه البشع وحربه القذرة ضد أصول الديانة وركائز الأخلاق!

ولكل داعيةِ تغريبٍ وفجورٍ وإلحادٍ في هذه الدولة المجيدة يصرخ الماضي والحاضر: لماذا حرب الثلاثين عامًا بين محمد بن سعود وابن دواس؟! بل جهاد الستين عامًا مع آل عريعر وغيرهم, بل قتالٌ قارب مئتي عام! قام به أهلُ التوحيد والجهاد والشريعة والفضيلة بزعامة رئيسهم وحامل لواء دعوتهم وجهادهم الإمام محمد بن سعود, ثم من بعده ابنه الإمام المجاهد عبد العزيز الذي تربّى على عينِ عَلَمِ الإمام المجدد من يفاعةِ صِباهُ_ الذي قال عن عهده بعض علماء عصره: إنها خلافة على منهاج النبوّة _ ثم من بعده ابنه الإمام المجاهد سعود الذي ضربت أطناب دولةِ الدعوة الحنيفية ورفرفت راياتها المنصورة في عهده سوادَ العراق وتخوم فارس وسهوب الشام وبحر العرب وجبال اليمن, ثم من بعده ابنه الإمام الشهيد عبد الله _ أسد الدرعيّة _ الذي جاد بنفسه ككثير من الموحدين دفاعًا عن عقيدته السلفية, حتى كانت روحه قربانًا لربه شهيدًا في إستامبول, فرفعوا جثمانه مصلوبًا, ولم يعلموا أن الله أبقى لهم من صُلبه من يدُكَّ عروشَ خرافتهم ويبطل سحر صولتهم.

 أربعةُ أجيال ذهبيّة لهذه الأسرة المباركة المجاهدة في دورها الأول, فحدّثوني عن أسرةٍ أو قبيلة _ خلا قريش _ لها في الولاية في الإسلام قدمُ صِدْقٍ كهؤلاء؟! أتُغَطّون الشمس بغربال, قاتلكم الله أنّى تؤفكون؟!

مَضت الأجيال الأربعة لربها في الدور الأول للدولة السلفية المباركة, ثم أعقبتها أجيالٌ مباركة زكيّة _ والخير من معدنه لا يستغرب _ فخرج الإمام تركي بن عبد الله من سجن مصر لنجد, كخروج صقر قريش من الشام للأندلس, فأعاد الله به دولة التوحيد جذعةً فتيّة, ثم من بعده ابنه فيصل _ الذي كان يعتزي به حفيدُه عبد العزيز هاتفًا: أنا ابن فيصل! _ ثم من بعده ابنه الإمام عبد الرحمن وأَخَوَاه. ثم أشرقتْ _ بإذن الله _ شمسُ الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن؛ فأقام الله به عمودَ مِلَّةِ الجهاد, وسراجَ الدعوة للدين الخالص, وساق لهُ ربُّهُ إلى يمينه أَعِنَّةَ الأجناد الموحّدة, فقام بدين الله كما لم يقم به في الأمة إلا القليل, فنشرَ كتب السلف, وأقام السنن, وعظّم الشريعة, وحَرَس الفضيلة, ودعا إلى الله بالقرآن والسّنان, ثم من بعده بنوه الكرام, فخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله أنما هو من الجيل التاسع لهذه الأجيال المتصلة المتعاقبة بلا انقطاع حتى اليوم, فكل آبائه بأجيالهم الثمانية قد حكّمهم الله هذه البلاد حينما حكموا بشرعه, فهم سلالة ذلك الإمام الصالح أعني به محمد بن سعود _ ولا أزكي على الله أحدًا _ فهل عرفت يا صاحبي مدى ارتباط هذه الأسرة السلفية مع الدعوة السلفيّة؟!

وقد آنَ لخادم الحرمين - حفظه الله وأعانه - أن يشمّر لرفع البلاء الواقع على الناس من شَرَرِ نارِ التغريب المستطيرة, التي لم يعد يطيقها أهلُ الإيمان! فيا خادم الحرمين: قد آن لدِرَّةِ عمر أن تقرعَ جِباه العُصَاةِ!

كذلك رفع مظالم المعتقلاتِ التي ضجَّ الناس منها, فمن ثبت جرمه وبقي من مدة حكم الشرع فيه فليبقَ, ومن لم تثبتْ عليه جريرةٌ, أو أنهى محكوميته, فما موجب حبسه والتضييق عليه؟!

 أَلَا وإن بعض أهل الضلالة والجهالة والفجور ينعق زورًا عن ذروة سنام الإسلام الجهاد على أنه إرهاب مذموم, ويعيبُ على الدولة عدم براءتها منه, فيا سبحان الله! أليس الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة؟ أليس إمام المجاهدين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ألم يقم عمود هذه الدولة "السلفية" على الجهاد؟ لقد أَتْرَعَتْ بطونَ الكتبِ بطولاتُ الموحدين من أهل هذه الدولة المباركة, وغني عن التنويه أن ليسَ من الجهاد في شيء إرهابُ المسلمين ولا المعاهدين, إنما ذلك من ضلال الغلاة, فضاع بعض قومي بين حريقِ الغلاة وجليدِ القَعَدة!

لقد قامت هذه الأسرة المباركة بدين الله, بالدعوة إلى دين الرسول الصافي النقي, الخالي من لَوَثِ المحدثات وَدَنَسِ الشهوات. ألم يدعوا الناس إلى دين الله في أقصى الأرض وأدناها؟! بلْه بلادهم وديار رعيتهم, ألم يُنشؤوا المراكز الإسلامية وينشروا الكتب السلفية ويكفلوا الدعاة إلى الله في أركان المعمورة؟! ألم يستجبْ لهم الفئامُ من البشر؟! أليس لهم _ بعد الله _ فضلُ حملِ رسالة الدين الصحيح في زمان طمّت فيه البدعُ أركانَ الدول المنتسبة للإسلام؟! أليست الأشعرية والماتُريدية والصوفية القبورية _ فضلًا عن الرافضيّة المشركيّة _ هي السائدة في أكثر مشيخات تلك الدول؟! هل استكثرتم علينا ونحن نَدْرُجُ في مَهد الرسالة ومهبط الوحي أن ننعم بالإسلام الصافي وأخلاقه الطاهره؟!

حدثوني عمن قام بالجهاد الحقيقي من عهد الأصحاب إلى هذا اليوم ليُخرج الناس من ظلمات عبادة الطاغوت إلى عبادة الله وحده, أليسوا هم حَمَلة السلفية؟ حتى وإن انتسب بعض كبار المجاهدين ورؤسائهم إلى سبيل بدعةٍ ظاهرًا, فغالبهم _ إجمالًا _ من العامة في المعتقد, والعامة على الفطرة, والفطرة هي الإسلام الصافي ما لم تَشُبْهُ المحدثات, وكم من منتسبٍ لسبيلٍ مُحدَثٍ هو بريء في الحقيقة من بواقعه! مع عدم اضطراد ذلك بلا شك, خاصة في مسائل بدع العبادة.

إنها السلفية نور ونار: حتى في الحِجَاجِ والجدل والمناظرة, فللسلفيّة السبقُ والظفرُ والغلبةُ, واسألْ مَحَكَّات المناظرات المشهورة, _ كابن تيمية مع البطائحية مثلًا, أو مناظراته لعلماء السوء حين امتحنوه في عقيدته الواسطية, أو مناظرات تلميذه ابن عبد الهادي مع السبكي في الصارم المنكي, إلى كثير من مناظرات أئمة الدعوة مع خصومها.. _ فالمُنَاظرُ السلفي غير يحتاج لتمحّل ولا اعتذار, إذ يكفيه بيان الحق كما هو, ثم هو ينساب بلطف الله في خلجات النفوس التّواقة للهدى والحق. ثم تأمّل الحركات الإصلاحية على اختلاف مشاربها, ترى أن الوقود المحرّك لها هو يقينها بمركزيّة الوحي وسلامة طريقته, وهل هذا إلا محض السلفية!

ودفعًا لعادِيةِ من يصول بهُجْرِهِ: إنك تتكلم عن السلفية كأنما حصرْتَ الإسلام فيها, وأخرجْتَ مَنْ عَداها من الدين! أقولُ: إنّ كل ما يقال عن الإسلام فإنه يقال عن السلفيّة, فأهل القبلة هم من السلفية إجمالًا, فمن شهد الشهادتين وصلّى فله نصيبه من السلفية "الإسلام والإيمان" وعلى قدر تكميله لإسلامه يكون تكميله لسلفيّته, فالمصطلح والمسمّى لا يغيّر من الحقيقة شيئًا, - وإن ادّعاهُ من شاء من منتحلة المسميّات والمباني دون الحقائق المعاني! -
إنما احتاج العلماء أن يفرزوا مَنْ عَظّم أمر التوحيد والاتّباع عمَّن تساهل من المسلمين فقالوا: إن من سلم معتقدُه وكان صاحب سنة فهو سلفي, بمعنى أنه مسلم مستمسك بالإسلام وبخاصة في الأصول. وبهذا مايزُوا السنّي عن المبتدع, وإن كانت البدع ليست على دَرَكٍ واحد, ففيها البدعُ المسلكيّة, وفيها البدع المخرجة عن ملّة المسلمين.

 إن الإسلام هو السلفية, بمعنى أن من أراده غضًّا طريًّا كما أُنزل؛ فليتديّن لله بها, فهي الإسلام العريق العتيق التليد. وعلى قدر قُرْب المرء من السلفية يكون قربه من الإسلام, ولا يعني هذا كفر مخالفيها, ولكنهم ليسوا بأنقياء كنقاء من دخل في السلم كافّة! فالسلفية نقاء معتقد, وصفاء تصوّر, وحسنُ أخلاق, وشمولية رسالة.

نقاء معتقد: لم يتلوّث بخرافات أممِ الأوثانِ, وأساطير الكهان, ومسالك الطُّرُقيّة, وقرمطات الباطنية, وسفسطات الفلاسفة وأفراخهم من المعتزلة وأهل الكلام, وجحود ملاحدة الزمان, كما قد سلمت صدورهم على أمّتهم وبخاصة آل الرسول ومنهم أزواجه وصحابته الكرام صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم.

صفاء تصوّر: وانسجام بين الطارف والتليد, وبين الدنيا والآخرة, وبين الجسد والروح, وبين الواقع والمأمول. تصوُّرٌ صاغَهُ الوحي الإلهي الذي من اتبّعه فمعه الهدى بحذافيره, تصوّرٌ لم تفسده حياةُ العربدة الغربية والشرقية, ولم يُبهر أهله تقدّم مصانعهم على المسلمين في التقنية والبطش الحديدي, ولم تغبّش علمهم تيارات الفكر الطيني الحاكي طفولة عقول البشر, ولا صيحات الإلحاد والتناسخ واليوجا, وبهرج السياسات التي وحي الله بمعزل.. وبشّر هذه الأمة بالسَّناء والرِّفعةِ والنَّصر والتمكين.

حسنُ أخلاق: يحبون للناس ما يحبونه لأنفسهم, يودّون لو هدى الله بهم البشر من الضلاله, ونوّر لهم بعد الظلام, في لطف وسماحة ورفق وتيسير وبشر وطلاقة وجه وحسن منطق, ومن خرج عن حسنها فهو المُلام لا هي!

شمولية رسالة: فلها صفةُ الشمول والثبات والتطور, فشاملة إذِ استوعبتِ الدين والدنيا, وثابتةٌ بمبانيها ومبادئها ومسلّماتها وقيمها, متطوّرة مرنةٌ في كل ما خلقه الله للمؤمنين, وامتنَّ به عليهم, وسَخّرَهُ لهم مما في السماوات وما في الأرض, لا يجدون غضاضة في كل ما تقذفه المدنيّة من تسهيلِ عمارة الإنسان أرض الله وخلافته فيها, وإن اتّصفوا بالرويّة عند الحكم على ما استحدُث من تلك المدنيّة لنفوذِ بصيرتهم في المآلات إذ نظر الأغرار للبدايات.

وبعد: فَمِنَ الجميع للجميع: الخطأُ واردٌ, والذنبُ واقعٌ, والتقصيرُ حاصلٌ,  فليس بمعصوم أعلى الهرم ولا أدناه. والواجب: التناصحُ فيما بيننا أهل البيت الواحد, والقبلة الواحدة, وعبيد الرب الواحد, فكلٌّ راعٍ ومسؤولٌ, والمؤمنون نَصَحَةٌ, والمنافقون غَشَشَةٌ, والمؤمن توّابٌ أوّاب, وكل مؤمنٍ لا يخلو من خير, وكل قلبٍ له مفتاح, فَقَمِنٌ بمن وفّقَه الله للرفق والإخلاص والاتّباع؛ أن يُكتب له النُّجْح, "بسم الله الرحمن الرحيم: والعصر . إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".

إبراهيم الدميجي

16/ 11/ 1434

aldumaiji@gmail.com

aldumaiji@


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق