إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الخميس، 9 مايو 2024

*(ربكم أعلم بما في نفوسكم)*

*(ربكم أعلم بما في نفوسكم)*

 

الحمد لله وبعد، فاحذر أخي في الله من صولة العبادة والإعجاب بالنفس، فالعُجب تلف، ومحبط للعمل، ومحرق لجميل الماضي.

 فالحسنات أعظم الذخائر الحقيقة بالحراسة من عدوك الرجيم حتى أوان عرضها يوم يقوم الأشهاد. وتدبر قول ربك الأعز: ( *ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا* ).

فيا من ترى من نفسك صلاحًا اشكر ربك على هذه النعمة، واسأله المزيد من فضله منها، وكن على الدوام من التوابين.

وتدبر قوله تعالى: ( *ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم* ). فالأمر أمره، والمشيئة مشيئته، والحكم حكمه، والدين دينه، تبارك وتعالى، فليس لك من الأمر شيء فالأمر كله لله، ولله وحده، وإليه وحده.

قال أحد الصالحين: كنت أقتات عقودا من عمري على حرف قاله واعظ الإسلام ابن الجوزي رحمه الله تعالى: " *لا يعجبنّك ثناء الناس عليك فإنما غرّهم جميل ستر الله عليك* "

فكلٌّ أعلم بغدراته وفجراته وتروكه واجتراره، وأنت بين حسنة لا تعلم قبولها وذنب لا تعلم قبول توبتك منه، فعلام العجب بحال كهذا؟!

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا مُدح في وجهه يقول: " *اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون* ".  فلئن كان هذا مقول الصديق الأكبر، فما الظن بي وبك؟! والله المستعان.

وأجمل بالأول وبنا قوله:

يظنّ الناس بي خيرًا وإني ... لشر الخلق إن لم تعفُ عني

وقال العابد الزاهد محمد بن واسع رحمه الله تعالى: " *لو كان للذنوب رائحة ما استطاع أحد أن يجالسني* ".

فالحمد لله على جميل ستره، ونسأله برد عفوه ومغفرته ورحمته. وقد قيل في ذلك مما نحن أحق به من العُجب والتألّي والإدلال والغرور:

والله لو علموا قبيح جريرتي ... لأبَى السلام علي من يلقاني

والمقصود؛ أن على المؤمن إحسان الظن بربه تعالى أولًا ثم إحسان الظن بالناس ثانيًا، أما مع نفسه فإنه يحسن سياستها بالشرع، فلا يرفعها رفعا يغرّها، ولا يخفضها خفضًا يضرّها، مع ميل إلى أن يسيء الظن فيها شيئا احتياطًا لها، بحيث يكون بحكمة واعتدال، فلا يصل للقنوط واليأس والفشل والتوقف، بل يفرح بفضل الله ورحمته، ويعظم رغبته فيما عنده، ويحسن الظن به، إنما المراد كسر صولة العجب القاتلة، لا قتل محرك الإيمان، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

 ولولا الرجاء بالرضوان وحسن الظن بالرحمن ما عمل العاملون، ولا اجتهد المشمرون، ولا تسابق المتنافسون، والله المستعان، وبه التوفيق، وعليه التكلان. وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.