إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الجمعة، 17 أغسطس 2018

همسة في أذن حالق لحيته


همسة في أذن حالق لحيته
الحمد لله وبعد، فحلق اللحية يكتنفه ستة محاذير شرعية وهي كالتالي:
- معصيةٌ لله تعالى ومخالفةُ وصيةِ رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بقوله: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" متفق عليه، وقد قال: "أعفوا اللحى" "أرخوا اللحى" "أوفوا اللحى" وكلها في الصحيح.
- وهي مجاهرة بالذنب وفي الحديث: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون" متفق عليه".
- إصرار على المعصية، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا صغيرة مع الإصرار!".
- أنها دعوة عمليّة للتقليد، وبخاصة ممن يقتدون به، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء". رواه مسلم.
- وهي من التشبه بأعداء الله ومخالفة سنن المرسلين، وفي الحديث: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد.
- ومن مفاسد حلق اللحية أن ذلك مدخلٌ لتلبيسِ إبليسَ على المرء في دينه، فيوسوس له أنه لابد أن يكون مستقيمًا تامًّا قبل إعفائها وإلا فهو منافق!
 وهذا باطل، فلا يخلو أحدٌ من ذنب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاءٌ، وخير الخطائين التوابون" رواه أحمد.
 كذلك فالإعفاء عبادة مستقلة كأي عبادة، ولو طردنا ذلك اللازمَ الباطل لانهدم الدين بالكلية. فكل عبادة وأمر ونهي له وزنه المستقل وحسابه المستقل يوم القيامة مادام الإيمان في الجملة صحيحًا.
إن على المؤمن أن يحرص على الكمال قدر طاقته فإن غُلب دون ذلك كان منه قريبًا بعون ربه ولطف سيده، ولكن ‘ن ضعف دون أمر أو نهي فلا أقلّ من أن يصحّح ما استطاع من شجرة إيمانه وأن يُحصل ما أطاق من صالح العمل.
 فهل يمنع تأخير الصلاة من الصدقة، وهل يمنع شرب الدخان من صلة الأرحام، وهل يضادُّ الغيبةَ شهودُ الجمعة والجماعة؟.. وهكذا.
كذلك فلإعفاء اللحية بركات، منها: امتثال الأمر، ومنها الدعوة العملية لاتباع السنة، ومنها طرد شياطين الإنس، فمعلوم أن القلوب تهاب ذي اللحيةِ أكثرَ من حليقها، وتخجلَ أن تُظهر له المعاصي أو تدعوه إليها.
 ومن حسناتها أنها حسنةٌ مباركةٌ تنادي حسناتٍ أخرى، ومنها أنها تزيد الإيمان لمن احتسب، وبخاصة إن كان ممن يتعرض للأذى بسبب إعفائها. ومن بركاتها: امتثال الأمر الإلهي، ومنها الدعوة العملية لاتباع السنة، ومنها طرد شياطين الإنس، فمعلوم أن القلوب تهاب ذي اللحيةِ أكثرَ من حليقها، وتخجلَ أن تُظهر له المعاصي أو تدعوه إليها، فلا تستهن باللحية، فهي من شعائر الإسلام، بهاءٌ لوجهك، ونور لطلعتك، واتّباع لسنة نبيك ﷺ، وطاردة للفسقة عن جنابك.
 وبالله التوفيق.
إبراهيم الدميجي


الأحد، 21 يناير 2018

ولتكن منكم أمة

ولتكن منكم أمة
حينما يكون المجتمع هو صِمَام أمان إنكار المنكرات فلا يمكن لأحد من الخلق تغييره بالقوة مباشرة.. ولكن بالمكر طويل الأمد مع بطش السلطة بالمخالفين قد ينالون مرادهم أو بعضه، ولله حكمة في ابتلاء الخير بالشر، فالدنيا دار بلاء وابتلاء، والعاقبة في الدارين للمتقين. (ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض).
فقد تتغير أخلاق ومبادئ المجتمع بقوة السلطة وطول الأمد؛ كما ذكروا عن باسل الأسد أنه كان ينزع الحجاب بيده من وجوه العفيفات في الميادين العامة في دمشق حتى استمرأ الناس ذلك التبديل، وكما غير أتاتورك الأحرف العربية بجرة قلم رئاسي، ثم أتبعها بقرارات تبديلية للدين جملة.. بل كيف غير البويهيون والصفويون ديانة جلّ المسلمين السنة في فارس إلى دين الرافضة بقوة السلاح!
وبالجملة فمن سنن الله تعالى في المجتمعات أنها عصيّة على التبديل المباشر بالقوة إن كان لديها تديّن - مهما كان الدين - فكيف إن كان الدين المرضي من رب السماء سبحانه..
 وحتى لو صُكّت الأمة بالبطش واندفن الناس زمانًا تحت ركام خوفهم فلا يزال العزيز الحميد سبحانه يستغرس منهم فئامًا يستعملهم في عظيم مراضيه، قد جعلهم ذخائر عزم وحصون عفاف وبحار علم وسحائب رحمة وشموس هدى مهما ولوَل اليائسون ونشَج القانطون.. فعلى المؤمن أن يُحسن الظن بربه وأن يستفرغ وسعه في مدافعة منكرات نفسه وأمته لعل الله أن ينتظمه في حزبه السعيد (ألا إن حزب الله هم المفلحون).
 وتأمل ما ذكره الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في ذكرياته قال:
"وكانت النصرانيات واليهوديات من أهل الشام يلبسن قبل الحرب الأولى الملاءات الساترات كالمسلمات، وكل ما عندهن أنهن يكشفن الوجوه ويمشين سافرات، أذكر ذلك وأنا صغير، وجاءت مرة وكيلة ثانوية البنات المدرسة سافرة فأغلقت دمشق كلها حوانيتها، وخرج أهلوها محتجين متظاهرين حتى روّعوا الحكومة فأمرتها بالحجاب وأوقعت عليها العقاب، مع أنها لم تكشف إلا وجهها، ومع أن أباها كان وزيراً وعالماً جليلاً، وكان أستاذاً لنا".
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

إبراهيم الدميجي

الثلاثاء، 2 يناير 2018

حروف نفيسة للعلامة السعدي رحمه الله في حقوق طلبة العلم على بعضهم

حروف نفيسة للعلامة السعدي رحمه الله في حقوق طلبة العلم على بعضهم
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى:
أما الواجب على أهل العلم من العلماء الكبار ومَن دونهم ، والطلبة فيما بينهم: فعلى كل منهم أن يحب للآخر ما يحب لنفسه ، وهذا واجب عمومي على جميع المسلمين.
لكن أهل العلم عليهم من هذا الحقِّ أعظمُ مما على غيرهم ؛ لما تميَّزوا به ، ولما خصهم الله بهم .
وعلى كل منهم أن يدين لله ويتقرب إليه بمحبته جميعَ أهل العلم والدين ، فإن هذا الحب من أعظم ما يقرِّب إلى الله ، ومن أكبر الطاعات .
وهذا الحب يتبع ما اتصف به الإنسان من الأمور التي يحبها الله ورسوله ، من العلم والاشتغال به ، والعمل ، فإن نفس الاشتغال بالعلوم الشرعية وتوابعها من أجلِّ الطاعات .
ثم حصول العلم للشخص هو من الأوصاف التي يُحَبُّ لأجلها ، ثم تعليمه للناس وعمله مما يجب أن يُحَب عليه .
فكل هذه الأمور موجودة في أهل العلم ، فلهم من الحق على أهل العلم وعلى غيرهم أن يميِّزوا بهذا عن غيرهم ؛ لما لهم من المميزات .
وإذا عثر أحدهم وغلط في مسألة علمية تعيَّن ستر ما صدر منه ، ونصيحته بالتي هي أحسن .
ومن أعظم المحرمات وأشنع المفاسد: إشاعة عثراتهم ، والقدح فيهم في غلطاتهم ، وأقبح من هذا: إهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك .
وربما يكون - وهو الواقع كثيرًا - أن الغلطات التي صدرت منهم لهم فيها تأويل سائغ ، ولهم اجتهادهم فيه ، معذورون ، والواقع فيهم غير معذور .
وبهذا وأشباهه يظهر لك الفرق بين أهل العلم الناصحين ، والمنتسبين للعلم من أهل البغي والحسد والمعتدين .
فإن أهل العلم الحقيقي قصدهم : التعاون على البر والتقوى ، والسعي في إعانة بعضهم بعضًا في كل ما عاد إلى هذا الأمر ، وستر عورات المسلمين ، وعدم إشاعة غلطاتهم ، والحرص على تنبيههم بكل ما يمكن من الوسائل النافعة ، والذب عن أعراض أهل العلم والدين ، ولا ريب أن هذا من أفضل القربات .
ثم لو فُرض أن ما أخطؤوا فيه أو عثروا ؛ ليس لهم فيه تأويل ولا عذر لم يكن من الحق والانصاف أن تُهدر المحاسن ، وتمحى الحقوق الواجبة بهذا الشيء اليسير ، كما هو دأب أهل البغي والعدوان ، فإن ضرره كبير ، وفساده مستطير .
أي عالم لم يخطئ ؟! وأي حكيم لم يعثر ؟!
وقد عُلمت نصوص الكتاب والسنة التي فيها الحث على المحبة والائتلاف ، والتحذير من التفرق والاختلاف ، وأعظم من يُوَجَّه إليهم هذا الأمر: أهل العلم والدين .
ومتى أخلوا بذلك ، وحل محله البغي والحسد ، والتباغض والتدابر؛ تبعهم الناس ، وصاروا أحزابًا وشيَعًا ، وصارت الأمور في أطوار التغالب وطلب الانتصار ، ولو بالباطل ، ولم يقفوا على حد محدود ، فتفاقم الشر ، وعظم الخطر ، وصار المتولي أكبرها : من كان يُرجى منهم - قبل ذلك - أن يكونوا أول قامع للشر !
وإذا تأملت الواقع ؛ رأيت أكثر الأمور على هذا الوجه المحزن ! ولكنه مع ذلك ؛ يوجد أفراد من أهل العلم والدين ثابتين على الحق ، قائمين بالحقوق الواجبة والمستحبة ، صابرين على ما نالهم في هذا السبيل من قدح القادح ، واعتراض المعترض ، وعدوان المعتدين .
فتجدهم متقربين إلى الله بمحبة أهل العلم ، جاعلين محاسنهم وتعليمهم ونفعهم نصب أعينهم ، قد أحبوهم لما اتصفوا به ، وقاموا به من هذه المنافع العظيمة ، غير مبالين بما جاء منهم إليهم من القدح والاعتراض ، حاملين ذلك على التأويلات المتنوعة ، ومقيمين لهم الأعذار الممكنة .
وما لم يُمكنهم مما نالهم منهم أن يجدوا له محملًا؛ عاملوا الله فيهم ؛ فعفوا عنهم لله ، راجين أن يكون أجرهم على الله ، وعفوا عنهم لما لهم من الحق الذي هو أكبر شفيع لهم .
فإن عجزوا عن هذه الدرجة العالية ، التي لا يكاد يصل إليها الواحد بعد الواحد؛ نزلوا إلى درجة الإنصاف ، وهي الاعتبار ما لهم من المحاسن ، ومقابلتها بالإساءة الصادرة منهم إليهم ، ووازنوا بين هذه وهذه .
فلابد أن يجدوا جانب الإحسان أرجح من جانب الإساءة ، أو متساويين ، أو ترجح الإساءة ، وعلى كل حال من هذه الاحتمالات فيعتبرون ما لهم وما عليهم .
وأما من نزل عن درجة الإنصاف ؛ فهو بلا شك ظالم ضار لنفسه ، تارك من الواجبات عليه بمقدار ما تعدى من الظلم .
فهذه المراتب الثلاث: مرتبة الكمال ، ومرتبة الإنصاف ، ومرتبة الظلم؛ تميِّز كل أحوال أهل العلم ومقاديرهم ودرجاتهم ، ومن هو القائم بالحقوق ، ومن هو التارك.
والله تعالى المعين الموفق.
الرياض الناضرة (٨٩_٩٢)