"الطاعة بين جناحي طمع"
جُبِلَ العربي ومن بعده الأمم على الأنفة من الطاعة، واعتبارها قيدًا لحريته وكسرًا لعزته.
ولما كانت أمور الناس لا تستقيم إلا بإمام مطاع؛ أبدأ الشرع فيها وأعاد، وكرر وحذر من المخالفة والخروج عن الجماعة، والشذوذ بالمنابذة.
لذلك كان المسمى الشرعي السائد لما عليه السلف الصالح هو: أهل السنة والجماعة، فهم يحرصون على العمل بالسنة قولًا وعملًا واعتقادً، ويحرصون كذلك على الاجتماع، ابتداء من الأسرة الواحدة وانتهاءً بالاجتماع للأمة خلف إمامها الأعظم، فإن تعددت الدول توثّقوا من بيعة إمامهم، ولم يشقوا عصا طاعته، مع موالاتهم للمؤمنين عامة.
المقصود: أن بعض القلوب والألسن تضعف عند ورود هذه المسألة عليها.
وللشيطان فيها نصيبان لا يبالي أيهما أصاب من العبد، إن لم يعصم منه الرحمن.
فتارة: ينتصب الشيطان للناظر فيها فيلقي في روعه تعظيم الإنكار دون اعتبار أهمية الاجتماع وخطر الفرقة وبذور الفتنة والشقاق، وأن من عظّم أمر الاجتماع فهو متّهم بالمداهنة أو ممالأة السلطان، وله في ذلك أحابيلٌ آخيّتها صولة الإنكار وقلّة البضاعة في العلم. وقد يؤتى المرء من طمع في جاه أو ثناء من العامة والرفاق، ولهو أشد على كثير من جاه من ذي سلطان! فيلبس مسوح الزهادة على جثمان الطمع.
والثانية: بالركون إلى الظالم - بزعم الحرص على الاجتماع - دون مراعاة تعظيم الأمر والنهي، ولو أفضى مآلًا لتبديل الدين! وقد يؤخذ بغفلة تارة أو بتفريط في بذل الوسع في الاجتهاد أخرى، أو بطمع في لعاعة دنيا من جاه مائل أو حطام زائل.
وبالجملة: فلا بد للمؤمن من تعظيم الأمرين جميعًا، وحسن الموازنة بينهما، فهما جناحا السلامة للمجتمع المسلم، وهذه جادة السلف الصالح، ألحقنا الله بهم غير مبدلين ولا مضيعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق