من جميل شعر أميَّة ابن أبي الصَّلْت
في مدح الله رب العالمين
الحمد لله، وبعد؛ فقد روى الإمامُ مُسلم (1) بسنده
عَن عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه قَال: أردفني رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: "هَل مَعَك من شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت شَيْء"؟
قَالَ: نعم. قَالَ: "هيه". قَالَ: فَأَنْشَدته بَيْتا فَقَالَ: "هيه".
قَالَ: فَأَنْشَدته حَتَّى بلغت مئَة بَيت. وَفِي رِوَايَة أنشدت النَّبِي صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة قافية من قَول أُميَّة بن أبي الصَّلْت كل ذَلِك
يَقُول: "هيه، هيه". ثمَّ قَالَ: "إِن كَاد فِي شعره
ليُسْلِم". ومما يُنسب لأمية بن أبي الصلت:
لَكَ الحَمدُ وَالنَعماءُ وَالمُلكُ رَبَّنا ... فَلا
شَيءَ أَعلى مِنكَ مَجدًا وَأَمجَدُ
مَليكٌ عَلى عَرشِ السَماءِ مُهيمِنٌ ... لِعِزَّتِهِ
تَعنو الوجوهُ وَتَسجُدُ
عَلَيهِ حِجابُ النورِ وَالنورُ حَولَهُ ... وأَنهارُ
نورٍ حولَهُ تَتَوَقَّدُ
فَلا بَصَرٌ يَسمو إِلَيهِ بِطَرفِهِ ... وَدونَ
حِجابِ النورِ خَلقٌ مُؤَيَّدُ
مَلائِكَةٌ أَقدامُهُم تَحتَ عَرشِهِ ... ولولا
إلهُ الخلْقِ كَلّوا وَأَبلَدوا
قيامٌ عَلى الأَقدامِ عانينَ تَحتَهُ ... فَرائِصُهُم
مِن شِدَّةِ الخوفِ تُرعَدُ
وَسِبطٌ صُفوفٌ يَنظُرونَ قَضاءَهُ ... يُصيخونَ
بِالإِسماعِ لِلوَحيِ رُكَّدُ
أَمينٌ لِوَحيِ القُدسِ جِبريلُ فيهِم ... وَميكالُ ذو الروحِ القَوِيُّ المُسَدَّدُ
وَحُرّاسُ أَبوابِ السَمَواتِ دونَهُم ... قيامٌ
عَليهِم بِالمَقاليدِ رُصَّدُ
فَنِعمَ العِبادُ المُصطَفَونَ لِأَمرِهِ ... وَمِن
دوُنِهِم جندٌ كَثيفٌ مُجَنَّدُ
مَلائِكَةٌ لا يَفتَرونَ عِبادَةً ... كَروبِيَّةٌ
مِنهُم رُكوعٌ وَسُجَّدُ
فَساجِدُهُم لا يَرفَعُ الدَهرَ رَأسَهُ ... يُعَظِّمُ
رَبّاً فَوقَهُ وَيُمَجِّدُ
وَراكِعُهُم يَعنو لَهُ الدَهرَ خاشِعًا ... يُرَدِّدُ
آلاءَ الآِلَهِ وَيَحمَدُ
وَمِنهُمْ مُلِفٌّ في الجَناحينِ رَأسَهُ ... يَكادُ
لِذِكرى رَبِّهِ يَتَفَصَّدُ
مِنَ الخَوفِ لا ذو سأمَةٍ بِعِبادَةٍ ... وَلا
هوَ مِن طولِ التَعَبُّدِ يَجهَدُ
وَدونَ كَثيفِ الماءِ في غامِضِ الهَوا ... ملائِكَةٌ
تَنحَطُّ فيهِ وَتَصعَدُ
وَبَينَ طِباقِ الأَرضِ تَحتَ بُطونِها ... مَلائِكَةٌ
بِالأَمرِ فيها تَرَدَّدُ
فَسُبحانَ مَن لا يَعرِفُ الخَلقُ قَدرَهُ ... وَمَن
هوَ فوقَ العَرشِ فَردٌ مُوَحَّدُ
وَمَن لَم تُنازِعهُ الخَلائِقُ مُلكَهُ ... وَإِن
لَم تُفرِّدهُ العِبادُ فَمُفرَدُ
مَليكُ السَمَواتِ الشِدادِ وَأَرضِها ... وَلَيسَ
بِشَيءٍ عَن قَضاهُ تَأَوُّدُ
هو اللَهُ باري الخَلقِ وَالخَلقُ كُلُّهُم ... إِماءٌ
لَهُ طَوعًا جَميعًا وَأَعبُدُ
وَأنَّى يَكونُ الخَلقُ كَالخالِقِ الَذي ... يَدومُ
وَيَبقى وَالخَليقَةُ تَنفَدُ
وَلَيسَ لِمَخلوقٍ مِنَ الدَهرِ جِدَّةٌ ... وَمَن
ذا عَلى مَرِّ الحَوادِثِ يَخلُدُ
وَتَفنى وَلا يَبقى سِوى الواحِدُ الَذي ... يُميتُ وَيحيِي دائِبًا لَيسَ يهمَدُ
تُسَبِّحُهُ الطَيرُ الجَوانِحُ في الخَفى ... وإِذ
هِيَ في جَوِّ السَماءِ تُصَعَّدُ
وَمِن خَوفِ رَبّي سَبَّحَ الرَعدُ فَوقَنا ... وَسَبَّحَهُ
الأَشجارُ وَالوَحشُ أُبَّدُ
وَسَبَّحَهُ النَينانُ وَالبَحرُ زاخِرًا ... وَما
طَمَّ مِن شَيءٍ وَما هُوَ مُقَلِدُ
أَلا أَيُّها القَلبُ المُقيمُ عَلى الهَوى ... إِلى أَيِّ حينٍ مِنكَ هَذا التَصَدُّدُ
عَنِ الحَقِّ كَالأَعمى المُميطِ عَنِ الهُدى ... وَلَيسَ
يَرُدُّ الحَقَّ إِلاّ مُفَنِّدُ
وَحالاتِ دُنيا لا تَدومُ لِأَهلِها ... فَبَينا
الفَتى فيها مَهيبٌ مُسَوَّدُ
إِذِ انقَلَبَت عَنهُ وَزالَ نَعيمُها ... وَأَصبَحَ
مِن تَربِ القُبورِ يُوَسَّدُ
وَفارَقَ روحًا كانَ بَينَ جَنانِهِ ... وَجاوَرَ
مَوتى ما لَهُم مُتَرَدَّدُ
فأَي فَتىً قَبلي رأَيتَ مُخَلَّدًا ... لَهُ
في قَديمِ الدَهرِ ما يَتَوَدَّدُ
وَمَن يَبتَليهِ اللهُ مِنهُ بِعَثرَةٍ ... سَيَكبو
لَها وَالنائِباتِ تَرَدَّدُ
فَلَم تَسلَمِ الدُنيا وَإِن ظَنَّ أَهلُها ... بِصِحَّتِها
وَالدَهرُ قَد يَتَجَرَّدُ
أَلَستَ تَرى في ما مَضى لَك عِبرَةً ... فَمَهْ
لا تَكُن يا قَلبُ أَعمى يُلَدَّدُ
فَكُن خائِفًا لِلمَوتِ وَالبَعثِ بَعدَهُ ... وَلا تَكُ مِمَّن غَرَّهُ اليَومُ أَو غَدُ
فإِنَّكَ في دُنيا غُرورٍ لِأَهلِها ... وَفيها
عَدوٌّ كاشِحُ الصَدرِ يُوقِدُ
وساكِنُ أَقطارِ الرَقيعِ عَلى الهَوا ... وَمِن
دونِ عِلمِ الغَيبِ كُلٌّ مُسَهَّدُ
وَلولا وِثاقُ اللَهِ ضَلَّ ضَلالُنا ... وَقَد
سَرَّنا أَنّا نُتَلُّ فَنُوأَدُ
تَرى فيهِ أَخبارَ القُرونِ الَتي مَضَت ... وَأَخبارَ
غَيبٍ في القيامَةِ تَنجُدُ
وَلَيسَ بِها إِلا الرَقيمُ مُجاورًا ... وَصِيدهُمُ
وَالقومُ في الكَهفَ هُمّدُ
إبراهيم الدميجي
aldumaiji@gmail.com
.....................
(1)
مسلم (2255)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق