هل
دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كله مستجاب؟
الحمد لله، وبعد؛ فالمسألة فيها تفصيل:
فدعاء الثناء كله مُجاب – بمعنى الثواب – أما دعاء المسألة فهو على قسمين:
الأول: الإجابة العامة، بمعنى أن الله تعالى
يستجيب دعاءهم كله بالمعنى العام، وهو أنه يعجل تحقيقها لهم، أو يؤخرها لحكمة، أو
يدفع من البلاء بقدرها، أو يدّخرها أجرًا وذخرًا، فمن هذه الحيثية كل دعاءهم مجاب
لأنّهم كُمَّلُ البشر، وأقومهم عبودية لله تعالى، وأحبُّ الخلائق إلى الله سبحانه،
وهم أدعى الناس للإتيان بشروط إجابة الدعاء واستكمال آدابه، مع قيامهم بحق الله
تعالى وإقامة دينه، وقد وعد الله من هذا شأنه بالإجابة، قال سبحانه: (وقال ربكم
ادعوني أستجب لكم).
الثاني: الإجابة الخاصة، بمعنى تحقيق المطلوب
وتنجيزه، فالأصل إجابة دعوتهم بتنجيزها إلا لحكمة يريدها الله تبارك وتعالى اقتضت
ذلك، فليس بمضطرد تحقيق ذلك، وإن كانوا هم أرجى الناس لتحقيق الله لهم ذلك، إلا ما
خصه الله لهم من ذلك كما في شفاعته صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة، قال صلى
الله عليه وسلم فيما رواه البخاري (6304)
ومسلم (199) واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجّل كلُّ نبيّ دعوته، وإني اختبأت
دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك
بالله شيئًا"، وفي رواية: "لكل نبي دعوة دعا بها في أمته فاستجيب
له، وإني أريد إن شاء الله أن أؤخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". قال
النووي رحمه الله في المنهاج - وهو شرحه على مسلم- (3 / 75): "هذه الأحاديث يفسر
بعضها بعضًا، ومعناها أن كل نبي له دعوة متيقنة الإجابة، وهو على يقين من إجابتها،
وأما باقي دعواتهم فهم على طمع من إجابتها، وبعضها يجاب وبعضها لا يجاب. وذكر
القاضي عياض أنه يحتمل أن يكون المراد لكل نبي دعوة لأمته. وفى هذا الحديث بيان
كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، ورأفته بهم، واعتنائه بالنظر في
مصالحهم المهمة، فأخّر النبي صلى الله عليه وسلم دعوته لأمته إلى أهمّ أوقات
حاجاتهم".
وفي عمدة القاري (33 / 44): "فإن
قلت: وقع للكثير من الأنبياء عليهم السلام من الدعوات المجابة ولا سيما نبينا،
وظاهرُه أن لكل نبي دعوة مجابة فقط. قلت: أجيب بأن المراد بالإجابة في الدعوة
المذكورة القطع بها، وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة. وقيل معنى
قوله: "لكل نبي دعوة" أي أفضل دعواته، وقيل: لكل منهم دعوة عامة
مستجابة في أمته إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب
ومنها ما لا يستجاب. قلت: لا يحسن أن يقال في حق نبي من الأنبياء أن يقال: مِن
دعواته ما لا يُستجاب، والمعنى الذي يليق بحالهم أن يقال: مِن دعواتهم ما يستجاب
في الحال، ومنها ما يؤخّر إلى وقتٍ أرادهُ الله عز وجل أن اختبأ -أي أدخر- وجعلها
خبيئة". أهـ.
قلت: ولو قال: أجابهم بالمعنى العام
كان أصوب؛ لأن منها ما لم يستجب له منجزًا ولا مؤخرًا – أي بالإجابة الخاصة
المنجّزة، وإن كان قد استجاب له إن شاء الله الإجابة العامة ومنها الإثابة –
كدعائه صلى الله عليه وسلم على أناس بأعيانهم فهداهم الله للإسلام – وسيأتي -.
وقال في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة
المصابيح (7 / 683): "وقيل: معناه إن لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه،
كقول نوح: (رب لا تذر على الأرض)، وقول زكريا: (فهب لي من لدنك ولياً يرثني)، وقول
سليمان: (رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي). حكاه ابن التين". أهـ.
وقد دلت السنة على هذا، فمن ذلك ما
رواه البخاري (7/423) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله
عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام" فنزلت:
(ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم
ظالمون)، وفي رواية الترمذي ( 3004) وصححه الألباني، عن ابن عمر قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: "اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن
الحارث بن هشام، اللهم العن صفوان بن أمية"، فنزلت: (ليس لك من الأمر شيء
أو يتوب عليهم أو يعذبهم) فتاب عليهم فأسلموا، فحسن إسلامهم. والله أعلم.
إبراهيم الدميجي
aldumaiji@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق