جفَّ
القلمُ بما هو كائنٌ
الحمد لله، وبعد؛ فمن المعلوم أن الركن
السادس من أركان الإيمان هو الإيمان بالقضاء والقدر، وهو أصل عظيم به افترق
المؤمنون عن الكفار، ومن جمال الإيمان بالقدر أن الكفار المؤمنين بالقدر – مع
شركهم وكفرهم وتشويش مفهوم القدر في قلوبهم – هم أطيب عيشًا وأهنأ حياة وأجلد
صبرًا من غير المؤمنين به، فالإيمان بالقدر سلوان للنفوس وعزاء للقلوب وريحان
للأرواح، بل إنه مورث للشجاعة مُوقدٌ للإقدام. حتى إن مُنظّري فكرهم ينادون
بأهميّة ذلك الإيمان حتى وأن لم يكن تحته حقيقة – تعالى الله عما يقولون – وذلك
لرؤيتهم أثره في الحياة، من احتمال الرزايا واقتحام الشدائد، قال المفكر الفرنسي
الشهير فولتير: "إذا لم يكن في صدور الناس دين؛ فلا بدّ أن نصنعه لهم، فلا
غناء لهم عنه"، ولديورانت في قصة الحضارة كلام كثير في نفع هذا لهم. (1)
فإذا كان هذا أثره الطيّب في حياتهم؛
فكيف يكون مع أهل الإسلام والإيمان والإحسان والملّة المحمّدية المهديّة،
فبالإيمان بقضاء وقدَرِ الله اتّسعت صدورهم وقرّت عيونهم وانقطعت عنهم واردات آلام
فوائت الرغائب وغموم حلول المصائب، وأقدموا على الكريهات والمَخوفات إقدام الكماة
البواسل، لا يخشون إلا الله ولا يرجون سواه ولا يتوكلون إلا عليه، ويعلمون أنّه
المدبّر القاضي للأمور: (ألا إلى الله تصير الأمور)، (وإلى الله ترجع الأمور)، (وأن إلى ربك المنتهى)، وذلك لعقد قلوبهم على
الإيمان بأن ما قضاه الله كان وما لم يقضه لن يكون، قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه
بقدر)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال: "يا غلام، ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهن؟" فقلت: بلى.
فقال: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إليه في الرخاء
يعرفْك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جفّ القلم
بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك
لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه،
واعلم أنّ في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع
الكرب، وأن مع العسر يسرًا". (2)
عَسَى فَرَجٌ يَأْتِي بِهِ الله
إِنَّهُ ... لَهُ كُلّ يَوْمٍ فِي خَلِيقَتِهِ أَمْرُ
قال الإمام الطحاوي رحمه الله:
"ونؤمن باللوح والقلم، وبجميع ما فيه قد رقم، فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء
كتبه الله تعالى فيه أنه كائن؛ ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم
على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه؛ ليجعلوه كائنًا لم يقدروا عليه، جفّ القلم بما
هو كائن إلى يوم القيامة، وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه.
وعلى العبد أن يعلم أنّ الله قد سبق
علمه في كل كائن من خلقه، فقدّر ذلك تقديرًا محكمًا مبرمًا، ليس فيه ناقض ولا
معقّب، ولا مزيل ولا مغيّر، ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه، وذلك من
عَقْدِ الإيمان، وأصول المعرفة، والاعتراف بتوحيد الله تعالى وبربوبيته، كما قال
تعالى في كتابه: (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) وقال تعالى: (وكان أمر الله قدرا مقدورا).
فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيمًا، وأحضر للنظر فيه قلبًا سقيمًا". (3)
فكل شيء قضاه
الله في أزلٍ ... طُرًّا وفي لوحِهِ المحفوظِ قد سُطرَا
قال شيخنا العلامة صالح آل الشيخ حفظه
الله: "هذه الجُمَلْ من كلام الطحاوي بَسَطَ فيها جُمَلًا من آداب الإيمان
بِقَدَرِ الله، والقدر سِرُّ الله تعالى وغيبه الذي لم يُطْلِعْ عليه مَلَكٌ مقرب
ولا نبي مرسل. ولهذا أمر نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بأنه إذا ذُكِرَ القَدَرْ
أمسكنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "وإذا ذكر القَدَرْ فأمسكوا".
(4)
قال الطحاوي: "فعِلْمُ القَدَر
نوعان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود". أراد أنَّ العلم بالقَدَر
على نوعين:
علم في الخلق موجود: وهو ما عَلَّمَنَا
الله تعالى إياه في كتابه وما علمنا رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا كما قال:
"فَإِنْكَارُ العِلمِ الْمَوجُودِ كُفْرٌ"، إذا تبين أنَّهُ من عند الله
تعالى وليس ثَمَّ شبهة ولا تأويل؛ فإنّ إنكار العلم الموجود كفر؛ لأنه تكذيب لله
تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم. والعلم الموجود في القَدَرْ كما رأيت مما جاء
في الكتاب والسنة يعلَمُهُ الراسخون في العلم، وأما من ليس بذي رُسُوخٍ في العلم
فإنه في مسائل القَدَر لا يزال على اشتباه وعلى عدم وضوح.
فالواجب على من لم يكن من الراسخين في
العلم من عامة أهل الإيمان أن يقول: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا)،
كما وصف الله تعالى الراسخين، مع علمهم أنهم قالوا ذلك ليقْتَدِيَ بهم الناس فيما
لم يعلموا، قال سبحانه: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ
كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)، يعني آمنا بالمُحْكَمْ وآمنّا بالمتشابه كلّ من عند
الله تعالى لا نفرق بين كلام الله. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، هم أهل
الثُّبُوتْ والقوة في العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنَّ الرسوخ هو
الثبات والاستقرار والقوة والتمكّن. فهؤلاء يعلمون لأنَّ وصْفهم بكونهم راسخين
يقتضي أنهم يعلمون؛ لأنَّ الذي لا يعلم لا يُوصَف بالرسوخ في العلم، وهم متميزون
عن غيرهم بالعلم والإيمان. والرُّسُوخُ في العلم هو الرُّسُوخُ في أنواع العلم
الثلاثة: العلم بالتوحيد، والعلم بالفقه، والعلم باليوم الآخر والغيبيّات.(5)
فهؤلاء هم الراسخون في العلم، وقد يكون
الرُّسُوخُ في العلم يتنوع أيضًا، ولكن من لم يصحّ علمه بالتوحيد فإنه ليس بذي
رسوخ في العلم مهما كان، لأنَّ أصل الأصول هو الاعتقاد، أصل الأصول هو التوحيد
الذي معه يصحُّ الفقه، يصحّ العمل، تصحّ العبادة، يصحّ الحكم والإفتاء إلى آخره.
فإذًا أهل الرسوخ في العلم يعلمون أنَّ العلم -ممّا في القَدَرْ- علمان: علم في
الخلق موجود، يعني جعله الله موجودًا في الخلق بما أنزل في كتابه أو على لسان
رسوله صلى الله عليه وسلم، وشيء كثير من مسائل القَدَر حجبها الله تعالى. لهذا
فإنَّ أهل الرسوخ في العلم يبسطون من مسائل القَدَر بما جاء في الأدلة، ويطوون من
مسائل القَدَر ما لم يأتِ في الأدلة.
ولذلك كل ما لم يكن مبسوطًا عند أهل
العلم الراسخين من أهل الحديث والسنة والجماعة، فإنَّ هذا العلم -يعني الذي تكلم
فيه الآخرون- ينبغي ألا يتكلم فيه كل أحد. لأنَّ ما طوى الله تعالى عنّا عِلْمَهُ
فإنَّ الخير في ألا نبحث فيه، لهذا قال المصنف: "وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ
فِي ذَلِكَ" يعني في النوع الذي هو من العلم المفقود "ذَرِيعَةُ
الخذلَانِ، وَسُلَّمُ الْحِرْمَانِ، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ، فَالْحَذَرَ كُلَّ
الْحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
طَوَى عِلْمَ الْقَدَرِ عَنْ أَنَامِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ".
وقوله: "وَادِّعَاءُ الْعِلْمِ
الْمَفْقُودِ كُفْرٌ"، لأنه غيبي، ومن ادَّعَى الغيب الذي
اختصَّ الله به فإنه كافر، وذلك لقوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ
عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا(26)إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدَا(27) لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا
رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا
)، وقال سبحانه: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)،
وقال: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ
مَا فِي الأَرْحَامِ(8) وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). فهذه الخمس
اختصّ الله تعالى بها.
لهذا علم القَدَر من علم الغيب، وعلم
الغيب عام يشمل القَدَر ويشمل غيره. لهذا قال: "وَلَا يَثْبُتُ الْإِيمَانُ
إِلَّا بِقَبُولِ الْعِلْمِ الْمَوْجُودِ، وَتَرْكِ طَلَبِ الْعِلْمِ
الْمَفْقُودِ". وقال: "وَنُؤْمِنُ بِاللَّوْحِ وَالْقَلَمِ، وَبِجَمِيعِ
مَا فِيهِ قَدْ رُقِمَ". اللوح والقلم تَعَلَّقَ بالقَدَر من جهة أنَّ
القَدَر من مراتب الإيمان به الكتابة. والكتابة كانت بالقلم في اللوح، ولهذا لا يتم
الإيمان بالكتابة إلا بالإيمان باللوح والقلم. والله تعالى أقسم بالقلم فقال
سبحانه: (ن وَالقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ). هذا هو القلم الذي كُتِبَ به القضاء،
كُتِبَ به القَدَر في أحد وجهي التفسير. واللوح ذكره الله تعالى في كتابه في غير
ما آية كقوله تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ(21)فِي لَوْحٍ مَحْفُوظ). وسمّاه
سبحانه كتابًا مكنونًا فقال تعالى: (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ(78) لاَ يَمَسُّهُ
إِلاَّ المُطَهَّرُونَ). وسمّاه أم الكتاب فقال سبحانه: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا
يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ). وسُمِّيَ لوحًا لما فيه من
البهاء والنور والإضاءة لأنه يَلُوحُ بمعنى أنه يظهر ويبين لما فيه من النور.
فالإيمان باللوح والقلم من الإيمان بكتابة الله تعالى. إذا تبيّن هذا ففي مسألة
اللوح والقلم عدة مسائل:
المسألة الأولى: أنَّ اللوح جاء
وصْفُهُ في حديث حَسَّنَهُ طائفة من أهل العلم ويحتاج في بحث إسناده إلى مزيد نظر
فيه، وقد جاء في الحديث: "خلق الله اللوح من دُرَّةٍ بيضاء". (6)
ووصفه بأنَّ حافّتيه الدّرّ والياقوت؛ يعني غطاء هذا اللوح أو دفّتا هذا اللوح من
دُرٍّ وياقوت، وصفحات هذا اللوح حمراء. جعل الله تعالى هذا اللوح كما وصفه بعض
السلف على يمين العرش، وهو بين جبين إسرافيل لا يَنْظُرُ فيه. وجاء أيضًا: أنَّ
الله خَلَقَ القلم وجعله من نور، وأنَّ طوله ما بين السماء والأرض، وأنَّ اللوح
المحفوظ طوله ما بين السماء والأرض، وعرضه كما بين المشرق والمغرب.(7)
وهذا كما ذكرتُ لك يحتاج إلى مزيد بحث،
لكن يذكره العلماء من أهل السنة وتتابعوا عليه في حديث رواه -يعني في أصل وصف
اللوح والقلم- رواه الطبراني وغيره وحُسِّنَ إسناده كما ذكرت لك، وقد ساقه أو ذكر
الحديث شارح الطحاوية وغيره.
المسألة الثانية: أنَّ القلم الذي كَتَبَ الله
تعالى به القَدَر كُتِبَ به ما يتعلق بهذا العالم. يعني كُتِبَ به القَدَر إلى
قيام الساعة، كما جاء في الحديث الصحيح حديث عبد الله بن عمرو أنّ النبي صلى ا لله
عليه وسلم قال: "قدّر اللهُ مقادير الخلائق (8) قبل أن يخلق
السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء". (9) فالقلم
متعلقة كتابتُه في اللوح المحفوظ بما هو كائن إلى قيام الساعة.
المسألة الثالثة: أنّ القلم لمَّا
خَلَقَهُ الله تعالى أمره أن يكتب، فجَرَى بما هو كائِنٌ إلى قيام الساعة، كما جاء
ذلك في حديث عُبادة بن الصامت الذي رواه أبو داوود والترمذي والإمام أحمد وجماعة
بألفاظ متقاربة، وفيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ أوّلَ ما
خلق الله القلم، فقال له: أكتب، فجرى بما هو كائن إلى قيام الساعة". وهذا
لفظ أبو داوود (10) وغيره. وجاء أيضا بلفظ: "أوّلُ ما خلق الله القلم قال
له: أكتب. فجرى بما هو كائن إلى قيام الساعة". (11) ولهذا اختلف العلماء
هنا في هل هذا الحديث على ظاهره في أنَّ أول المخلوقات القلم؟ أو أنَّ هذا الحديث
له معنىً آخر؟ وجعلوا هذا الحديث وحديث عبد الله بن عمرو من الأحاديث التي ينبغي
الجمع بينها، وهذا هو المسألة الرابعة وهو الجمع ما بين الحديثين.
المسألة الرابعة: تلحَظُ أَنَّ حديث
عبد الله بن عمرو فيه قال: "قدّر الله مقادير الخلائق". ولما
قَدَّر -يعني كتب- كان عرشه على الماء. وفي حديث عبادة قال: "إنّ الله أوَّلَ
ما خلق الله القلم، فقال له: أكتب"، فيقتضي حديث عبادة أنَّ الأمر
بالكتابة كان مُرَتَّبًا على ابتداء خلق القلم. وتقدير القَدَر كان قبل خلق
السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، والعرش على الماء.
فدل حديث عبد الله بن عمرو على وجود
تقديرٍ، وعلى وجود العرش -خلق العرش- وعلى خلق الماء. ودلَّ حديث عبادة على أنَّ
خَلْق القلم تَبِعَهُ قول الله تعالى للقلم: "اكتب، فجرى بما هو كائن إلى
قيام الساعة". وهذا الترتيب جاء في حرف الفاء الذي يدل في مثل هذا السياق
على أنَّ هذا بعد هذا دون تراخٍ زمني.
ولهذا اختلف العلماء في هذه المسألة في
الجمع بين هذين الحديثين هل القلم هو أوّل المخلوقات؟ أم العرش (12) خُلِقَ قبله؟
على قولين للسلف فمن بعدهم:
القول الأول: إنَّ العرش قبل القلم،
وكذلك الماء قبل القلم. وهذا قول جمهور السلف، كما نسب ذلك إليهم شيخ الإسلام ابن
تيمية وغيره.
القول الثاني: أنَّ القلم هو أوّل
المخلوقات، والعرش والماء بعد ذلك، وهو قول طائفة من أهل العلم.
والترجيح ما بين هذين القولين: هو أنَّ
الأحاديث يجب الجمع بينها وعدم تعارضها. وحديث عبادة بن الصامت في قوله صلى الله
عليه وسلم: "إنّ أول ما خلق الله القلم، فقال له: أكتب"، يقتضي
أنَّ الكتابة كانت بعد خلقه. وحديث عبد الله بن عمرو يقتضي تقدّم وجود العرش والماء
على حصول الكتابة. فدلّ هذان الحديثان على أنَّ العرش والماء موجودان قبل، وأنَّ
خلق القلم تبعته الكتابة.
ولهذا نسبه شيخ الإسلام إلى جمهور
السلف بأنَّ القلم موجود بعد العرش والماء. وهذا تدل عليه رواية "أَوَّل
ما خلق الله القلم قال له أكتب"، يعني حين. فـ"أَوَّل"
هنا بمعنى حين. أي حين خَلَقَهُ قال له: أكتب. وهذا هو معنى "إنّ أَوَّلَ
ما خلقه الله القلم، فقال له: أكتب"، (13) لأنَّ الجمع بين الروايات أولى
من تعارضها.
وخلاصة البحث هو ما ذكرت لك من
التقدير، فإن قوله: "إنّ أَوَلَ ما خلق اللهُ القلمُ"، هنا برفع
القلم يكون خبر (إنَّ). يعني: إنَّ أَوَلَ الذي خلق الله، إنّ أَوَلَ المخلوقات
القلمُ، فقال له: اكتب. وإذا كان أَوَّل المخلوقات؛ فكيف يُفَسَّرْ مع حديث: "وكان
عرشه على الماء"؟ فقوله: إنَّ أَوَّلَ المخلوقات، أو أَوَّلَ ما خلق الله
أو أَوَّلَ الذي خلقه الله، يُفهم على أنَّ القلم جرى بما هو كائن إلى قيام الساعة
قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. فالقلم متعلّق بما كُتِبَ في اللوح
المحفوظ، مُتَعَلِّقًا بما يحدث في هذا العالم المخصوص، لا في مطلق الأشياء، ولهذا
عُلِّق بأنه إلى قيام الساعة.
فإذًا يُفهم لمَّا كان تعلق الكتابة
بهذا العالم الذي جرى التقدير عليه إلى قيام الساعة، يُفهم أنَّ القلم لمَّا
تَعَلَّقَ بهذا العالم كتابةً لِتَقْدِيرِهِ ولِقَدَرِهِ ولآجاله إلى آخره؛ فإنه
من هذا العالم؛ لأنّ العوالم أجناس والله تعالى جعل لمخلوقاته أقدارًا وأجناسًا. (14)
فإذًا يُفهم قوله: "إن أَوَّلَ ما خلق الله القلم"، يعني من هذا
العالم.
فالقلم قبل السموات وقبل الأرض وقبل
الدخان المتعلِّق الذي خُلِقَ منه السموات والأرض وكل ما يتصل بهذا العالم المرئي
المُشاهَدْ، فالقلم هو أول المخلوقات، أما العرش والماء فليسا مُتَعَلِّقَينِ بهذا
العالم. (15)
فإذًا إعمال الحديثين مع ما يتّفق مع
عقيدة أهل السنة والجماعة واضح لا إشكال فيه، فيكون ذلك هو تقرير هذه المسألة. وقد
لخّص ابن القيم المسألة في نونيّته وبحثها مفصلًا في كتابه التبيان في أقسام
القرآن، وفي غيره فقال في النونية:
والناسُ مختلفون
في القلم الذي ... كُتِبَ القضاءُ به من الدَّيانِ
هل كان قبل
العرش أو هو بعده ... قولان عند أبى العلا الهمداني
والحقُّ أنّ
العرش قبلُ لأنّه ... عند الكتابة كان ذا أركانِ
وهذا القول كما ترى من تقريره مع دليله
هو الصحيح، وهو الموافق لفقه النصّ وفقه خلق العالم وآثار فعل الله تعالى في
ملكوته، ومتّفق مع القول بأن الله تعالى فعَّالٌ لما يريد، وأن قَبْلَ هذا العالم
ثَمَّ عوالم أخرى، والله تعالى يخلق ما يشاء ويختار، وأنّه ثَم أشياء أخرى بعد
قيام الساعة، والقلم مُتَقَيِّدٌ بما خلقه الله تعالى له، والله سبحانه له الأمر
كله يقضي ما يشاء ويحكم ما يريد.
المسألة الخامسة: جاء في حديث أنس الذي
رواه البخاري وغيره في قصة الإسراء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ عروجه
إلى الله تعالى ليلة المعراج، ثم قال في وصف ارتفاعه: "ثم إنّي رُفِعْتُ
لمستوًى أسمع فيه صريفَ (16) الأقلام". (17) وهذه الأقلام غير القلم الذي
كُتِبَ به القَدَرْ، فإنَّ ذلك القلم من نور كُتِبَ به القَدَرْ في اللوح المحفوظ.
وأما هذه الأقلام فهي التي بأيدي الملائكة، وهي أقلامٌ يُكْتَبُ بها وحي الله
تبارك وتعالى إلى ملائكته مما يُوَكَّلُونَ به من الأشياء. فهم يكتبون أَمْرَ الله
تعالى، وله سبحانه وتعالى كلمات لا تنقضي كما قال سبحانه: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي
الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ
أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) فالله تعالى كلماته الكونية لا تنفد،
يأمر وينهى في ملكوته والملائكة تكتب، فهذه الأقلام نوع آخر. ولك أن تقول: هذا هو
النوع الثاني، وهي أقلام الوحي التي بأيدي الملائكة يكتبون ما يوحي الله به في
سَمَائه.
قال بعد ذلك: "فَلَوِ اجْتَمَعَ
الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى شَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ -يعني في
اللوح- أَنَّهُ كَائِنٌ؛ لِيَجْعَلُوهُ غَيْرَ كَائِنٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ،
وَلَوِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ تَعَالَى
فِيهِ؛ لِيَجْعَلُوهُ كَائِنًا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا
هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا أَخْطَأَ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ
لِيُصِيبَهُ، وَمَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ". وهذه العقيدة هي
حقيقة الإيمان بالقضاء والقَدَرْ. هي أنْ يعلم العبد أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه،
وأنَّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأنه لو فَعَلَ ما فَعَلْ فإنه لن يَحْجِبَ قضاء
الله تعالى وقدَرَه، لأنه لا يمكن أن يفعل خلاف ما قدَّرَ الله، لهذا وجب التسليم
لله تعالى في أمره، ووجب في أَمْرِ المصائب التي لا اختيار للعبد فيها أن
يُسَلِّمَ لله تعالى ذلك، وأن يؤمن بقضاء الله تعالى الذي يقضيه.
قال: "وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ
يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَبَقَ عِلْمُهُ فِي كُلِّ كَائِنٍ مِنْ خَلْقِهِ،
فَقَدَّرَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا مُحْكَمًا مُبْرَمًا، لَيْسَ فِيهِ نَاقِضٌ وَلَا
مُعَقِّبٌ"، يعني ليس له ناقض ولا معقّب. "وَلَا مُزِيلٌ وَلَا
مُغَيِّرٌ، وَلَا نَاقِصٌ وَلَا زَائِدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي سَمَاوَاتِهِ
وَأَرْضِهِ، وَذَلِكَ مِنْ عَقْدِ الْإِيمَانِ"، يعني مما يجب أن يُعْقَدَ
عليه القلب إيمانًا به، وقال: "عَقْدِ الْإِيمَانِ"، يعني مما يجب في
الإيمان يكون عقيدة يُؤْمِنُ به. "وَالِاعْتِرَافِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ
تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِهِ"، يريد بتوحيد الله تعالى في هذا الموطن توحيد
الله تعالى في تَصَرُّفِهِ في مُلْكِهِ وفي عبادته، فإنَّ العبد إذا اعترف بأنَّ
الله هو المتَصَرِّفْ في ملكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنَّهُ هو
المدبر وهو الرب فإنّه يُوَحِّدُ الله في قَدَرِهِ، ويُوَحِّدُ الله تعالى في
أفعاله كما يُوَحِّدْ الله تعالى في ربوبيته بعامة.
ففي الحقيقة من تأمّل توحيد الربوبية
وآمَنَ حَقًّا بربوبية الله تعالى فإنه يؤمن بالقَدَرْ؛ لأنَّ الإيمان بالقدر من
ثمرات الإيمان التام بربوبية الله تعالى، فإنَّ المؤمن بالربوبية، بأنَّ الله
تعالى هو الرب المتصرف في ملكه، هو السيد المطاع، هو الذي لا معقّب لحكمه ولا رادّ
لأمره، هو الذي ما شاء كان، هو الذي لا يُغالَب في ملكه، هو الذي يعطي ويمنع ويخلق
ويرزق ويميت ويحيي، من آمن بالربوبية على تفاصيلها؛ فإنّه لن يجادل في القدر؛ لأنه
يعلم أنه مربوب مستسلم لله تعالى. (18)
ولا شكّ أنَّ الإيمان بالعرش والكرسي
حقٌّ على ما جاء في ظاهر الأدلّة. ومعتقد أهل السنة والجماعة أنَّ العرش غير
الكرسي، فالعرش شيء والكرسي شيء آخر، وكلاهما حقٌ.
فالعرش حق لأنَّ الله تعالى ذكره في
كتابه في آيات كثيرة فقال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)
ووَصَفَ العرش بأنه عظيم، فقال: (رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ) ووصف عرشه بأنه مجيد،
وبأنه يُحْمَلْ فقال سبحانه: (الذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ)،
ووصف عرشه أيضًا بأنَّهُ يستوي عليه، وأنَّ عرشه موصوف بصفات العظمة التي فاق بها
سائر العروش. وجاء في السنة مزيد في وصفه بأنَّ العرش له قوائم تحمله الملائكة،
كما قال عليه الصلاة والسلام "يُصعق الناس فأكون أول من يُفيق، فإذا بموسى
باطشٌ -أو قال آخذٌ- بقائمة من قوائم العرش". (19)
فالعرش إذًا مخلوق من مخلوقات الله
تعالى العظيمة، ومن عِظَمِهْ أنه قال فيه: "مثل السماوات السبع للعرش كمثل
حلقة ألقيت في فلاة، ومثل الكرسي للعرش كذلك".(20) يعني كحلقة ألقيت في
فلاة، وهذا الحديث صححه وقواه جمع من أهل العلم، وروي من طرق كما ذكر الإمام ابن
تيمية، والبحث يقتضي ذلك.
وصْفُ العرش في النص جاء بأنه مجيد؛
يعني أنه ذو سَعَةْ، وأنه ذو جمال، وجاء بأنه عظيم؛ يعني أنه أعظم من غيره، وجاء
في وصف العرش أنه كريم؛ يعني أنه فاق جنس العروش والمخلوقات في البهاء والحُسْنِ
والعظمة؛ لأنَّ لفظ كريم في اللغة تعني أنه فاق غيره في الأوصاف التي يُحْمَدُ
فيها، فقول العرب للإنسان الجواد الذي يبذل الندى ويبذل الطعام للأضياف أنه كريم
داخلٌ في قاعدةٍ كبيرة في معنى كلمة كريم في لغة العرب. ولهذا من فاق غيره في
الأوصاف فإنه كريم، ومن أسماء الله تعالى الكريم الذي بلغ المنتهى في علو صفاته
وحُسْنِ أسمائه بحيث لا يشابهه ولا يماثله شيء فيما وُصِفَ به.
فهذا عرش الرحمن، ووُصِفَ في الأدلة في
الكتاب والسنة بهذه الأوصاف، وأنَّ العرش يُحْمَلْ، وأنَّ له قوائم، وأنه يُدَار(21)
حوله من الملائكة، وأنه مُقَبَّب كالقبة فوق السماوات، كما جاء في الحديث الذي في
السنن واعتمد ما دلَّ عليه في جهة العرش أهل العلم لما جاء عن الصحابة في تقوية
ذلك بأنَّ "عرشه على سماواته لَهكذا" وأشار بيديه مثل القُبّة. (22)
(23)
فقال أهل العلم إن العرش مُقَبَّبْ.
وكونه مُقَبَّبْ لا يعني أنه أصغر كما يدل عليه النظر العقلي، مثل تقبيب سطح الأرض
على مستوى النصف فيها فإنه مُقَبَب عليها وهو أعظم منها فكيف بالعرش.(24)
وللإيمان بالعرش والكرسي أثر عظيم، فالمؤمن إذا آمن بأنَّ عرش الله تعالى
حق، وأنَّ هذه التي ذُكرت هي صفة العرش، وأنَّ عرش الله عظيم جدًّا، وأنه مجيد
وأنه كريم، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ عن أحد حملة العرش بأنَّ
مسيرةَ ما بين عاتقه إلى شحمة أذنه مسيرة خمسمئة عام، (25) وأنَّ السموات بالنسبة
للكرسي كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض، وأنَّ الكرسي بالنسبة إلى العرش كذلك، وأنَّ
الكرسي موضع قدمي الرحمن، فلا شك أنَّ هذا يَؤُولُ بالمؤمن الحق إلى اعتقاد عظمة
الله تعالى، وإلى أنَّ الله سبحانه تتناهى المخلوقات عنده في الصِّغَر، وأنه
سبحانه كما وصف نفسه بقوله: (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)،
وجاء في الأثر في تفسير ذلك أنه يرمي بها يوم القيامة كما يرمي الصغير بالكرة
فيقول: "أنا الله الواحد أنا الملك.. إلى آخره". (26)
فمعرفة صفة الكرسي وصفة العرش، ويبتدئ
المرء من نفسه التي يُعَظِّمُهَا، وكيف هو على هذه الأرض العظيمة جدًّا وهو صغير
جدًّا جدًّا، هذه الأرض، حتى إنَّ المدن الكبار إذا صعدت بالطائرة تراها صغيرة
جدًّا وهي تحوي ملايين الناس، فكيف بالفرد؟! والأرض هذه بالنسبة للسماوات صغيرة،
والسماوات السبع على سعتها وعِظم ما فيها من الأفلاك والنجوم والسيارات بالنسبة
للكرسي صغيرة كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض، والكرسي بالنسبة إلى العرش كذلك،
والله تعالى فوق العرش مستغن عن العرش، وكل شيء محتاج إليه، والله سبحانه محيط بكل
شيء إحاطة سعةٍ وقدرةٍ وذاتٍ وشمولٍ، جلّت صفاته وتقدّست أسماؤه، فإنَّ المرء ولا
شك يصيبه بل يحصل له في قلبه نوعٌ عظيم من الذل لله تعالى، ونوع عظيم من احتقار
النفس ومعرفة قدر الإنسان كيف هو، وأنه شُرِّفَ أعظم تشريف أَنْ جعله الله تعالى
عبدًا له سبحانه، ولهذا ينظر المرء إلى عِظَمْ المخلوقات هذه ويؤمن بها فيُعَظِّمْ
الله تعالى.
حقيقةً الإيمان بأسماء الله تعالى
وصفاته يُثْمِرُ ثمراتٍ عملية في القلب من وَجَلِ القلوب، من إجلال الله تعالى،
وحبّ القلوب لجمال الله تعالى، وأنواع ما يحدث في القلب من الإيمان، ومدارج
الإيمان التي تتصل بالإيمان بالأسماء والصفات، كذلك الإيمان بالجنة والنار، كذلك
الإيمان بالعرش والكرسي لمن تأمّله فإنه يجعل القلب خاضعًا لربّنا ويجعل القلب
مُخْبِتًا مُنِيبًا لله تعالى، فإنْ غَفَلَ جاءه تعظيمه وإيمانه وعقيدته بالإنابة
السريعة بالاستغفار الحقّ.
إذًا حين نبحث هذه المباحث في العقيدة
ليست كما يبحثها أهل الكلام المذموم في كونها أشياء لا ثَمَرَةَ لها على الإيمان
والعمل الصالح وتَعَبُّد المرء لله تعالى، فإنَّ كل شيء وَصَفَهُ الله تعالى لنا
من الأمور الغيبية لم يُقْصَدْ إيماننا به واعتقادنا له من جهة الوجود دون جهة
الإيمان وما يُثْمِرُ منه؛ بل قُصِدَ الإيمان به -يعني بوجوده وأثر الإيمان الذي
يُحْدِثُهُ في النفس- لأنَّ المقصود إصلاح القلوب بالله.
وهذا يجعل المرء على الحقيقة يتصور كيف
هذه المخلوقات جميعًا، والأرض هذه الكبيرة وما فيها، ثُمَّ السماوات، ثم الكرسي
بعد ذلك، ثم العرش، ثم الملائكة الحافّين من حول العرش؛ لا شك يُحْدِثْ له أنواع
من الإيمان والوجل والخوف وحب الله تعالى وتعظيمه والإنابة إليه، وهذا لا شك كلّه
من المقاصد الشرعية.
فإذًا؛ الإيمان بهذه يحتاج منك إلى
تأمل وتدبر في أن تُعْمِلَ في قلبك هذه الأشياء وتتذكر عظمة الله تعالى". (27)
إن الحديث عن عظمة الله تبارك وتعالى
من خلال بيان عظمة مخلوقاته يصُبُّ في القلب المهابة والإجلال وتمام الرضا بالله
ربًّا خالقًا مالكًا مدبّرًا وإلهًا مفردًا بالعبادة، فإذا انعقد القلب على ذلك
امتلأ بالتعظيم والإجلال والمهابة والحياء والزهد فيما سوى الله والدار الآخرة، حينها
لا تسل عن رضاه التام وراحته الكبرى وسعادته السابغة بتدبير مولاه الحق مهما نهنهت
نفسه ببعض لوازم ضعفها الإنساني، ومهما تعثّر في حياته بالمشاقّ وطُرِحَت في دربه
العقبات فمسيره لربّه ثابت ساكنٌ مطمئن بالإيمان، ذلك أنّه يُحَدِّث قلبه على
الدوام أنّ هذه الدنيا بأسرها محض ابتلاء وتمحيص، فما دامت المصائب قد تخطّت دينه
فإنّه لا يعدّها مصائب، بل رحمات وألطاف، فهي بين درجة ترفعه وخطيئة تكفّرها وحسنةِ
صبر يُحصّلها، ويعلم أن الجنة هي ميعاد المحبين المؤمنين.
قال الشنقيطي حفظه الله: "وقد كان
بعض الصحابة رضوان الله عليهم، وبعض السلف لما مرض بالطاعون يقول: "اطعنّي
فوعزّتك وجلالك إني لأتلذذ بما يصيبني منك"، وهذه هي منزلة الرضا عن الله عز
وجل". (28) وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله على حديث أبي الدرداء رضي الله عنه
عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ لكلِّ شيء حقيقةً، وما بلغ
عبدٌ حقيقةَ الإيمان حتى يعلمَ أنَّ ما أصابه لم يكُنْ ليخطئَهُ، وأنَّ ما أخطأه
لم يكن ليصيبَه". (29): "إنَّ العبد إذا علم أنَّه لن يُصيبَه إلا
ما كتبَ الله له مِنْ خير وشرٍّ، ونفعٍ وضرٍّ، وأنَّ اجتهادَ الخلق كلِّهم على
خلاف المقدور غيرُ مفيد البتة، علم حينئذٍ أنَّ الله وحده هو الضَّارُّ النَّافعُ،
المعطي المانع، فأوجبَ ذلك للعبدِ توحيدَ ربِّه عز وجل، وإفرادَه بالطاعة، وحفظَ
حدوده، فإنَّ المعبود إنَّما يُقصد بعبادته جلبَ المنافع ودفع المضار، ولهذا ذمَّ
الله من يعبدُ من لا ينفعُ ولا يضرُّ، ولا يُغني عن عابدِهِ شيئًا، فمن علم أنَّه
لا ينفعُ ولا يضرُّ، ولا يُعطي ولا يمنعُ غيرُ الله، أوجبَ له ذلك إفراده بالخوف
والرجاء والمحبة والسؤال والتضرُّع والدعاء، وتقديم طاعته على طاعةِ الخلق جميعًا،
وأنْ يتّقي سخطه، ولو كان فيه سخطُ الخلق جميعًا، وإفراده بالاستعانة به، والسؤال
له، وإخلاص الدعاء له في حال الشدَّة وحال الرَّخاء، بخلاف ما كان المشركون عليه
من إخلاص الدعاء له عندَ الشدائد، ونسيانه في الرخاء، ودعاء من يرجون نفعَه مِنْ
دُونِه، قال الله عز وجل: { قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي
بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ
يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ }.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "واعلم
أنَّ في الصَّبر على ما تكره خيراً كثيرًا"، يعني: أنَّ ما أصاب العبدَ
مِنَ المصائب المؤلمةِ المكتوبة عليه إذا صبر عليها، كان له في الصبر خيرٌ كثير.
وفي رواية عمر مولى غُفرة وغيره عن ابن عباس زيادة أخرى قبل هذا الكلام، وهي: "فإنِ
استطعتَ أنْ تعمل لله بالرِّضا في اليقين فافعل، وإنْ لم تستطع، فإنَّ في الصَّبر
على ما تكره خيرًا كثيرًا". (30) ومعنى هذا أنَّ حصول اليقين للقلب
بالقضاء السابق والتقدير الماضي يُعين العبد على أنْ ترضى نفسُه بما أصابه، فمن
استطاع أنْ يعمل في اليقين بالقضاء والقدر على الرّضا بالمقدور فليفعل، فإنْ لم
يستطع الرِّضا، فإنَّ في الصَّبر على المكروه خيرًا كثيرًا. فهاتان درجتان للمؤمن
بالقضاء والقدر في المصائب:
إحداهما: أنْ يرضى بذلك، وهذه درجةٌ عاليةٌ
رفيعة جدًّا، قال الله عز وجل: { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ
اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }. قال علقمة: "هي المصيبة
تصيبُ الرَّجلَ، فيعلم أنَّها من عند الله، فيسلِّمُ لها ويرضى".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنّ الله تعالى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم،
فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السّخط". (31) وكان النَّبيُّ صلى الله
عليه وسلم يقول في دعائه: "أسأَلكَ الرِّضا بعد القضاء". (32)
وممَّا يدعو المؤمن إلى الرِّضا
بالقضاء تحقيقُ إيمانه بمعنى قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي
الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له؛ إنْ أصابته سرَّاءُ شكر كان خيرًا له، وإنْ
أصابته ضرَّاءُ صبر كان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن". (33) وجاء رجلٌ
إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فسأله أنْ يُوصيه وصيَّةً جامعةً موجَزةً،
فقال: "لا تتَّهم الله في قضائه". (34)
قال أبو الدرداء رضي الله عنه:
"إنَّ الله إذا قضى قضاءً أحبَّ أنْ يُرضى به"، وقال ابن مسعود رضي الله
عنه: "إنَّ الله بقسطه وعدله جعلَ الرَّوحَ والفرح في اليقين والرضا، وجعل
الهمّ والحزن في الشكِّ والسخط"، كذا رُوِيَ عَنْ عمر وابنِ مسعود وغيرهما. (35)
وقال عمر بن عبد العزيز: "أصبحت ومالي سرورٌ إلا في مواضع القضاء
والقدر". فمن وصل إلى هذه الدرجة، كان عيشُه كلُّه في نعيمٍ وسرورٍ، قال الله
تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }. قال بعض السَّلف: "الحياة الطيبة: هي
الرضا والقناعة". (36) وقال عبد الواحد بن زيد: "الرضا باب الله الأعظم،
وجنّة الدنيا، ومُستراح العابدين". (37)
وأهل الرضا تارةً يلاحظون حكمة
المُبتَلِي وخيرته لعبده في البلاء، وأنَّه غير متَّهم في قضائه، وتارةً يُلاحظون
ثوابَ الرِّضا بالقضاء، فيُنسيهم ألم المقتضي به، وتارةً يُلاحظون عظمةَ
المُبتَلِي وجلالَه وكمالَه، فيستغرقون في مشاهدة ذلك، حتى لا يشعرون بالألم، وهذا
يصلُ إليه خواصُّ أهل المعرفة والمحبَّةِ، حتى ربَّما تلذَّذوا بما أصابهم
لملاحظتهم صدوره عن حبيبهم، كما قال بعضهم: "أوجدهم في عذابه عُذوبة". وسئل
بعضُ التابعينَ عن حاله في مرضه، فقال: "أحبُّه إليه أحبُّه إليَّ". (38)
وسُئلَ السّريّ: هل يجد المحبُّ ألم البلاء؟ فقالَ: لا. وقال بعضهم:
عذابُه فيكَ
عَذْبُ ... وبُعْدُهُ فيكَ قُرْبُ
وأَنْتَ عِندي
كرُوحي ... بل أَنْتَ مِنها أَحَبُّ
حسْبي مِنَ
الحُبِّ أنِّي... لِمَا تُحِبُّ أُحِبُّ
والدرجة الثانية: أنْ يصبرَ على البلاء، وهذه لمن لم
يستطع الرِّضا بالقضاء، فالرِّضا فضلٌ مندوبٌ إليه مستحب، والصبرُ واجبٌ على
المؤمن حتمٌ، وفي الصَّبر خيرٌ كثيرٌ، فإنَّ الله أمرَ به، ووعدَ عليه جزيلَ
الأجر. قال الله عز وجل: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ
حِسَابٍ } وقال: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }. قال
الحسن: "الرِّضا عزيزٌ، ولكن الصبر معوَّلُ المؤمن". (39)
ثم تأمل - رحمني الله وإياك- عاقبة تسخّط
نعم الله تعالى في قصة سبأ، ذلك أنهم كانوا في نعيم رغيد وأمن سابلة وتقارب بلاد وإدرار
أرزاق وعيشة رخيّة؛ فبدّلوا رضاهم سخطًا وشكرهم كفرًا؛ فأبدل الله حالهم، وقلب
عليهم زمانهم، وجزاهم بكفر نعمته عذابًا، قال تبارك وتعالى: (لقد كان لسبإ في
مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور
(15) فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل
وشيء من سدر قليل (16) ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور. وجعلنا بينهم
وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما
آمنين (18) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم
كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور). والله المسؤول أن يعصمنا من مضلات الفتن
ومصارع السوء وخواتيم الهلاك، إله الحق آمين.
وَلَرُبَّ نعمة في ثوب محنة، وكم من
كرامة في شكل بلاء، ولطفٍ خفيٍّ عن الناظرين، ولكن أين الموفقون المُبصرون بنور
قلوبهم مواطن قطرِ النِّعم! ولمحمود الوراق رحمه الله تعالى:
تَعصي الإِلَهَ
وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّه ... هَذا مُحالٌ في القِياسِ بَديعُ
لَو كانَ
حُبُّكَ صادِقاً لأَطَعتَهُ ... إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ
في كُلِّ يَومٍ
يَبتَليكَ بِنِعمَةٍ ... مِنهُ وَأَنتَ لِشُكرِ ذاكَ مُضيعُ
إبراهيم الدميجي
aldumaiji@gmail.com
..........................................................................
1. انظر: نافذة على قصة الحضارة (16) للمؤلف.
2. أحمد
(2803) وصححه محققوه. وصححه الألباني في السلسلة (1076)
3. العقيدة
الطحاوية، مع تخريج الألباني (1/53)
4. الطبراني
في معجمه الكبير (1427) عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا
ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذُكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذُكر القدر فأمسكوا".
قال الألباني في تخريج الطحاوية (1 / 50): "وهو حديث صحيح، روي عن جمع من
الصحابة، وقد خرجته في الصحيحة ( 34 ) يعني: أمسكوا عن الخوض فيه بما لم تُوقَفُوا
فيه على علم".
5. قال
ابن القيم في النونية:
والجهلُ
داءٌ قاتلٌ وشفاؤُه ... أمران في التركيب متّفقانِ
نصٌّ
من القرآن أو من سُنّةٍ ... وطبيبُ ذاك العالمُ الرباني
والعلم
أقسام ثلاث مالها ... من رابعٍ والحق ذو تبيان
علمٌ
بأوصاف الإله وفعلِهِ ... وكذلك الأسماء للرحمنِ
والأمر
والنهي الذي هو دينُه ... وجزاؤُه يوم المعادِ الثاني
والكلُّ
في القرآن والسنن التي ... جاءت عن المبعوث بالفرقانِ
واللهِ
ما قال امرؤٌ مُتحذْلِقٌ ... بسواهُما إلّا من الهذيانِ
6. يعني
حديث ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا، قال: "إنّ اللَّه خلق لوحًا محفوظًا من درّة بيضاء، دفّتاه من ياقوتةٍ حمراء، قلمه نور، وكتابه نورٌ، عرضه ما بين السّماء والأرض، ينظر فيه كلّ يومٍ ثلاثمئةٍ وستين نظرة، ففي كلِّ نظرةٍ منها يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء، فذلك قوله تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي
شَأْنٍ﴾. رواه الحاكم في المستدرك (3771) والطبراني في المعجم الكبير (10605) وأبو
نعيم في حلية الأولياء (1/325). وقال الشيخ محمد أبو شهبة رحمه الله تعالى في
كتابه "دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين" (١/٢٠٦) في ذلك: "لم
يصح عن النَّبِيِّ ﷺ في تفصيل ذلك حديث مرفوع، وإنما هي آثار عن بعض الصحابة
والتابعين، والواجب أن نؤمن بوجود اللوح المحفوظ، وأن اللهَ دَوَّنَ فيه كل ما كان
وما يكون. أما ما وراء ذلك مِمّا ورد في وصفه وكيفيته والقلم الذي كتب به فلا،
والأقرب فيما ورد عن ابن عباس وغيره في هذا أنه من الإسرائيليات التي أُخذت عن أهل
الكتاب، ورُويت لغرابتها، ولا سيّما وأنه ليس في القرآن ما يصدقها ولا ما يكذبها،
فبقيت روايتها على أصل الإباحة". وقال ابن القيم رحمه الله تعالى لما ذكر هذه الأحاديث وما في معناها: "فهذا تقديرٌ يومِيّ، والذي
قبله تقدير حولي، والذي قبله تقدير عمرِي عند تعلقِ النفس به، والذي قبله كذلك عند
أوّل تخليقِهِ وكونِهِ مضغة، والذي قبله تقدير سابق على وجوده لكن بعد خلق
السماوات والأرض، والذي قبله تقدير سابق على خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة،
وكلّ واحدٍ من هذه التقادير كالتفصيل من التقدير السّابقِ.
وفي
ذلك دليلٌ على كمال علم الرّبِّ وقدرتِه وحِكمتِهِ، وزيادة تعرِيفِهِ الملائِكة
وعباده المؤمنين بنفسه وأسمائه". أهـ. شفاء العليل (١ / ٦١-٧٤)
7. مثل
هذا التفاصيل التي لم عليها دليل تُعرف من باب العلم بأنها قيلت، ولكن لا يُعقد
الإيمان بها في القلب إلا بعد ثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
8. أي:
كتب أقدار الخلائق.
9. مسلم
(2653)
10.
أبو داود (4700) وبنحوه عند الترمذي
(3319) وصححه الألباني.
11.
المسند (22759) وصححه محققوه، مصنف ابن
أبي شيبة (35922)
12.
قال الضحاك، عن ابن عباس: "إنّما
سُمّي عرشًا لارتفاعه". تفسير ابن كثير (5 / 489)
13.
فحملوا هذه الرواية على التي قبلها
وفسروها بها، فصار معناها: حين خلق الله القلم قال له.. فـ"أوّل"
هنا بمعنى الحينية وليست بمعنى الأوّلية، وهذا شائع في كلامهم فتقول لصاحبك: أوّل
ما رأيتك تذكرت فلانًا، بمعنى حينما رأيتك تذكرته.
والراجح هو قول الجمهور، وبه تجتمع
الأدلة، وإن مما يساعد على تصوّر هذه المسألة والترجيح فيها العلمُ بأن الله
خلّاق، كما قال تعالى: (بلى وهو الخلاق العليم)، والخلاق مبالغة من الخلق وأنه
يخلق ما يشاء، فهو قادر على خلق شيء بعد شيء سبحانه وتعالى، وأسماء الحسنى تقتضي
آثارها، وتستلزمها استلزام المقتضى الموجب لموجبه ومقتضاه، فلا بد أن تظهر آثارها
في الوجود، والله تعالى (فعال لما يريد)، ففيه صفة المبالغة بالفعل بعد الفعل،
وهكذا.
والشرع لم يمنع أن يكون لله تعالى
مخلوقات قبل السماوات والأرض وما فيهن، ولم يمنع أن يخلق الله مخلوقات أخرى وعوالم
أخرى بعد نهاية الدنيا واستقرار أهل الآخرة في دورهم الخالدة، والله على كل شيء
قدير، ولم يمنع أن يكون هذا الكون المشهود الذي انتهى إليه علمنا إنما هو جزء يسير
جدًّا من مخلوقات الله تعالى، قد سبقه مخلوقات لله تعالى لا تتصوّرُ عقول البشر
ولا تستوعب كثرتها وعددها وبعد زمنها وتفاصيل أخبارها، ولم يمنع أن يلحق هذا الكون
مخلوقات لله تعالى ومخلوقات لا يعلمها إلا الله تعالى.
وإن هذه السماوات والأرض وما بينهم وما
فيهن ليست بشيء عند عظمة وحجم العرش العظيم الكريم المجيد الذي هو أكبر مخلوقات
الله المشهودة لدينا، فنسبتها إليه كنسبة حلقة ألقيت في فلاة!
والمقصود؛ أنّ كتابة القلم لها بداية،
كما أنّ لها أمدٌ ينتهي بقيام الساعة، ولا يعني هذا نهاية مخلوقات الله تعالى التي
لا نعلم عنها شيئًا. وبالله التوفيق.
14.
أي على تقدير صحة القول بأولية القلم
على سائر المخلوقات؛ يكون المعنى حينها: أنّ لله تعالى عوالم مخلوقة متعددة، وأنّ
منها عالمنا هذا المشهود بما فيه من السماوات والأرض، وأنّ أول مخلوقات عالمنا هذا
القلم. أما العرش والماء فهي من عالم آخر غير عالمنا هذا.
15.
ظنّ بعض الفضلاء أن القول بأوّليّة
العرش أو القلم يهدم قول أهل السنة في إثبات حوادث لا أول لها -وهي مسألة التسلسل
المشهورة -، وهذا ليس بصواب، لأنّ أهل السنّة قالوا: إنّ أوّلية المخلوقات في هذه
الأحاديث إنّما يراد بها مخلوقات هذا العالم المشهود، أي المخلوقات المعلومة
المخصوصة التي علِمْناها وحَدَّثنا الوحيُ عنها، وإلّا فليس في الأحاديث أنّها
أوّل مخلوقات الله مطلقًا. وانظر: الصفدية (1 / 17) (2 / 224) والرسالة العرشية (1 / 8) ومجموع الفتاوى
(18 / 210-243).
ثم تدبر
قوله تعالى في سورة المؤمنون: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ
رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ). فإنه تعالى لمّا ذكر الأرض ثم
السماوات ثم العرش، وهي المخلوقات المشهودة مع الجنة والنار، ثم ذكر أن بيده ملكوت
كل شيء وهي المِلْكيّة المطلقة لكل شيء، فإمّا أنّه أراد الجنة والنار، أو أنه قصد
التأكيد لملكيّته ما سبق ممّا ذكر، أو أنّه أومأ لمخلوقاته الأخرى غير المعلومة
لدينا وأنها مُلكُه، سواء قبل خلق هذا العالم أو بعد دخول أهل الجنة والنار
منازلهم، فقد ذكرها تعالى بترتيب أولويّ من الأقل للأكثر، وهو الخلاق العظيم
سبحانه وبحمده. والله أعلم.
16.
الصريف في اللغة: هو صوت احتكاك
أسَلَةِ القلم بالورقة حين الكتابة. ويقال صرير أيضًا.
17.
البخاري (349) مسلم (163)
18.
فشجرة الإيمان في قلب المؤمن تثمر
اليقين بالقدر، وتنفي حرج النفس عند ثوران الوساوس، وتدفع وَحَر الصدر عند نزول
أقضية الرب تعالى شرعية كانت أو كونية، ولا يزال مِن يقينٍ إلى يقين حتى يلقى ربه
حق اليقين، قال قتادة رحمه الله تعالى: "المؤمنون هم العجّاجون بالليل والنهار،
والله ما زالوا يقولون: ربنا ربنا؛ حتى استجيب لهم".
19.
البخاري (4/187 ، 6/74و9/16و154)
20.
ابن حبان (361) وصححه الألباني في
الصحيحة" (109) بلفظ: قال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما
الكرسيّ في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض".
ورواه المستدرك (2/ 282) موقوفًا، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال
شيخنا الجبرين رحمه الله في شرح العقيدة الطحاوية (2 / 179): "قال الشارح
رحمه الله: "وأما الكرسي فقال تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ) وقد قيل: هو العرش، والصحيح أنه غيره، نقل ذلك عن ابن عباس رضي الله
عنهما وغيره، روى ابن أبي شيبة في كتابه صفة العرش والحاكم في مستدركه وقال: إنه
على شرط الشيخين ولم يخرجاه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَسِعَ
كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ) أنه قال: "الكرسي موضع القدمين،
والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى"، وقد روي مرفوعًا، والصواب أنه موقوف
على ابن عباس. وقال السدي: "السماوات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي
العرش". وقال ابن جرير: قال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري
فلاة من الأرض". وقيل: كرسيّه علمُه، وينسب إلى ابن عباس، والمحفوظ عنه
ما رواه ابن أبي شيبة كما تقدم، ومن قال غير ذلك فليس له دليل إلا مجرد الظن،
والظاهر أنه من جراب الكلام المذموم، كما قيل في العرش.
وإنما
هو كما قال غير واحد من السلف: "بين يدي العرش كالمرقاة إليه". هذا
الكلام على الكرسي الذي ذكر الله أنه وسع السماوات والأرض، وهو كالمرقاة بين يدي
العرش، أو أن الكرسي موضع القدمين، وبكل حال فهو مخلوق، وقد ذكر الله أنه وسع
السماوات بأكملها: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255]،
فإذا كان الكرسي قد وسع السماوات والأرض؛ فكيف بالعرش؟ هذا هو القول الصحيح: وهو
أن الكرسي مخلوق، وأنه غير العرش. وهناك قول بأن الكرسي هو العرش، والصحيح أنه
غيره؛ هذا هو المشهور، فالكرسي مقدمة العرش أو مرقاة بين يديه. وهناك قول ثالث
ولكنه ضعيف: وهو أن الكرسي هو العلم، (وسع كرسيه) أي: علمه، وهذا القول -وإن روي
عن ابن عباس- فإنه لا يثبت عنه، والصحيح القول الأول عنه، ولعل هذا من أقوال بعض
المبتدعة الذين يريدون أن يُأولوا الأشياء بغير ظواهرها، فلما
أوّلوا العرش بأنه الملك، أوّلوا الكرسي بأنه العلم؛ حتى يبطلوا الصفات التي وردت
في النصوص، والتي تتعلق بالعرش والكرسي، والتي الإيمان بها من الإيمان
بالغيب".
21.
أي: يطاف حوله كالكعبة.
22.
أبوداود (4726) عن جبير بن مطعم رضي
الله عنه قال: «أتَى رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أعْرَابيٌّ فقال: يا رسولَ
اللَّهِ، جَهِدَتِ الأنفُسُ، وَضَاعَتِ العِيَالُ، وَنُهِكَتِ الأمْوالُ،
وَهَلَكَتِ الأنْعَامُ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا، فَإِنَّا نَستَشْفِعُ بِكَ على
اللَّهِ، ونَستَشْفِعُ باللهِ عَلَيكَ، قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَيْحَكَ،
أَتَدْري ما تَقُولُ؟" وسَبَّحَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا
زالَ يُسَبِّحُ، حَتى عُرِفَ ذلك في وجوه أصحابِهِ، ثم قال: "إنّه لا
يُستَشْفَعُ بالله على أحدٍ من خلقه، شَأنُ الله أعْظمُ من ذلك، ويحكَ، أتدري مَا
اللَّهُ؟ إنّ عَرشَهُ على سَمَاوَاتِهِ لَهكَذَا"، وقال بِأصبعِهِ مثل
القُبْةِ عليه "وإنَّهُ لَيَئِطُّ أطِيطَ الرَّحلِ بالرَّاكِبِ».
وضعفه الألباني في تخريج الطحاوية (310) من جهة تدليس ابن إسحاق، وقد عنعن.
ولكن
وإن ضعف هذا الحديث فيغني عنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري (7423) أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنّه أوسط الجنة،
وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجّر أنهار الجنة". قال شيخ
الإسلام مبيّنًا ذلك: "والأوسط لا يكون الأعلى إلا في المستدير... وقال إياس
بن معاوية: السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْقُبَّةِ". الرسالة العرشية
لابن تيمية (1 / 13) وانظرها في مجموع الفتاوى (6 / 556)
23.
نقل الدكتور محمد عمارة عن الشيخ محمد
عبده أنه قال عن ابن تيمية: إنه أعلم الناس بالسنة، وأشدهم غيرة على الدين. وأنه
هو الذي أشار بطبع كتابه درء التعارض ومنهاج السنة.
وختم
د. مجمد عمارة مقالته بقوله: "إبداعاته هي لباب الشريعة الإسلامية، ولقد عاش
شاهدًا ومات شهيدًا، وكان نجمًا ساطعًا وشمسًا مشرقة في سماء الإسلام".
د.
محمد عمارة: لماذا الهجوم على شيخ الإسلام؟ مقالة في صحيفة هوية بريس 11 نوفمبر
2016
24.
قال العلامة أحمد شاكر في شرح العقيدة
الطحاوية (1 / 181): "وفي صحيح البخاري (4/28) عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال: «إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى
الجنة، وفوقه عرش الرحمن». يروى "وفوقه" بالنصب على الظرفية،
وبالرفع على الابتداء، أي: وسقفه.
وذهب
طائفة من أهل الكلام إلى أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه محيط بالعالم من كل
جهة، وربما سمّوه: الفلك الأطلس، والفلك التاسع! وهذا ليس بصحيح؛ لأنه قد ثبت في
الشرع أن له قوائم تحمله الملائكة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «فإن الناس يصعقون،
فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي
أم جوزي بصعقة الطور». البخاري (4/187) (3217)
والعرش
في اللغة: عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال تعالى عن بلقيس: {وَلَهَا عَرْشٌ
عَظِيمٌ}، وليس هو فلكًا، ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما نزل بلغة العرب،
فهو: سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقبّة على العالم، وهو سقف المخلوقات.
فمن شعر أمية بن أبي الصلت:
مجّدُوا
الله فهو للمجد أهلٌ... ربّنا في السماء أمسى كبيرًا
بالبناء
العالي الذي بهر النا... س وسوى فوق السماء سريرًا
شَرْجَعًا
لا ينالُهُ بصرُ العـ ... ين ترى حوله الملائك صورًا
والصور
هنا: جمع "أصور"، وهو: المائل العنق لنظره إلى العلو. والشرجع: هو
العالي المنيف. والسرير: هو العرش في اللغة. ومن شعر عبد الله بن رواحة رضي الله
عنه، الذي عرّض به عن القراءة لامرأته حين اتهمته بجاريته:
شهدتُّ
بأنّ وعد الله حقٌّ... وأنّ النار مثوى الكافرينا
وأن
العرش فوق الماء طافٍ... وفوق العرش ربُّ العالمينا
وتحمله
ملائكة شدادٌ... ملائكةُ الإله مُسوّمِينا
25.
الذي في السنن سبع مئة عام، فعن جابر
بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُذِنَ لي أن أُحدِّث
عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إنّ ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة
سبعمئة عام». رواه أبو داود (4727) وسكت عنه. وصحح سنده الذهبي في العلو (97)
وقال الحافظ في الفتح (8/ 665): إسناده على شرط الصحيح، وصححه الألباني.
26.
قال شيخ الإسلام: يجب أن يُعلم أن
العالم العلوي والسفلي بالنسبة إلى الخالق تعالى في غاية الصغر، كما قال تعالى: {
وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه
سبحانه وتعالى عما يشركون }. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: "يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة،
ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟". وفي
الصحيحين واللفظ لمسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء
بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟". وفي الصحيحين واللفظ لمسلم
عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله
السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك؛ أين الجبارون؛
أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول: أنا الملك؛ أين الجبارون؛ أين
المتكبرون؟". وفي لفظ في الصحيح عن عبد الله بن مقسم أنه نظر إلى عبد
الله بن عمر كيف يحكي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأخذ الله
سماواته وأرضه بيده، ويقول: أنا الملك"، ويقبض أصابعه ويبسطها: "أنا
الملك"، حتى نظرت إلى المنبر يتحرّك من أسفل شيء منه حتى إنّي أقول:
أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وفي لفظ قال: رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم على المنبر وهو يقول: "يأخذ الجبار سماواته وأرضه". وقبض
بيده وجعل يقبضها ويبسطها ويقول: "أنا الرحمن، أنا الملك، أنا القدوس، أنا
السلام، أنا المؤمن، أنا المهيمن، أنا العزيز، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الذي
بدأت الدنيا ولم تكن شيئًا، أنا الذي أعدتها. أين المتكبرون؟ أين الجبارون".
وفي لفظ: "أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟"، ويميل رسول الله صلى
الله عليه وسلم على يمينه وعلى شماله حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه،
حتى إني لأقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والحديث مروي في الصحيح
والمسانيد وغيرها بألفاظ يصدّق بعضها بعضًا. وفي بعض ألفاظه قال: قرأ على المنبر:
{ والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } الآية، قال: "مطويّة في كفّه يرمي بها
كما يرمي الغلام بالكرة" وفي لفظ: "يأخذ الجبار سماواته وأرضه
بيده، فيجعلها في كفّه، ثم يقول بهما هكذا كما تقول الصبيان بالكرة: أنا الله
الواحد". وقال ابن عباس: "يقبض الله عليهما فما ترى طرفاهما
بيده" وفي لفظ عنه: "ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما
بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم". وهذه الآثار معروفة في كتب
الحديث.
وفي
الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم
رجلٌ من اليهود فقال: يا محمد؛ إن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع،
والجبال على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيهزّهنّ،
فيقول: أنا الملك، أنا الملك، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه
تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ: { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم
القيامة والسماوات مطويات بيمينه } الآية.
ففي هذه الآية والأحاديث الصحيحة المفسرة لها
المستفيضة التي اتفق أهل العلم على صحتها وتلقيها بالقبول ما يبيّن أن السماوات
والأرض وما بينهما بالنسبة إلى عظمة الله تعالى أصغر من أن تكون مع قبضه لها إلا
كالشيء الصغير في يد أحدنا حتى يدحوها كما تُدحَى الكُرَة". مجموع الفتاوى (6
/ 559- 560)
27.
شرح العقيدة الطحاوية، صالح آل الشيخ
(1 / 257- 264 مختصرًا.
28.
شرح زاد المستقنع (11/ 348)
29.
أحمد ( 6 / 441 ) وصححه الألباني في
صحيح الجامع (2150)
30.
أحمد (2803) وصححه محققوه. وصححه
الألباني في السلسلة (1076)
31.
البخاري 7/109 ( 5470 ) ، ومسلم 6/174
( 2144 ) ( 23 )
32.
ابن أبي شيبة ( 2946 ) وابن أبي عاصم
في السنة ( 128 ) (378) والبزار في البحر الزخار ( 1392 ) والطبراني في الدعاء (
625 ) والحاكم (1/524-525) وصححه الحويني في الفتاوى (1 / 262)
33.
مسلم ( 2999 )
34.
خلق أفعال العباد ( 163 )، والجهاد
لابن أبي عاصم ( 25 ) وضعفه محقق جامع العلوم. وبنحوه عند أحمد (5/ 318) بسند صححه
ابن كثير في جامع المسانيد والسنن.
35.
شعب الإيمان ( 207 ) عن أبي سعيد
الخدري به، وزاد في أوله: "إن من ضعف اليقين أن تُرضي الناس بسخط الله، وأن
تحمدهم على رزق الله".
36.
أُثرت عن علي رضي الله عنه، كما عند
الطبري في تفسيره ( 16526 ) كذلك رواهما
عن ابن عباس والحسن.
37.
الحلية (6/156)
38.
وهي كلمة شريفة قالها الصحابي عمران بن
حصين رضي الله عنهما لمّا سأله التابعي الجليل مطرف بن عبد الله عن حاله في مرضه.
وانظر الطبراني في الكبير (18/ 193)
39.
جامع العلوم والحكم (1 /191- 195)
مختصرًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق