طرقُ تحصيلِ الرضا بالله تعالى
الحمد
لله، وبعد؛ فمن لطف الله تعالى بعباده أن يسّر لهم طرق الخير وسهّل ميادين البرّ،
ومن أعظم ذلك الرضا به تبارك وتعالى، فما أمرَ الله بشيء إلا وقد هيأ في المبدأ
قوّةً كامنة في نفوس البشر أجسادًا وأرواحًا على إطاقته، ولكن الموفقون منهم هم من
اختاروا فعله إرادة منهم وطاعة وبرًّا، فدينه – بحمده – يسير، قال تبارك وتعالى:
(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، وقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)
وقال نبيه صلى الله عليه وسلم: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا
أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (1)". (2)
فمن طرق تحصيل الرضا:
1- التفكر النافع في لطف الله تعالى في
اختياره لك.
فكل مصيبة أخطأت دينك فلا تعدنّها
مصيبة، بل هي نعمة في ثوب محنة، وتطهير في سربال بلاء، ورفعة في شكل خفض.
وإنّ ههنا ملحظًا جيّدًا في تهوين
البلاء على المؤمن، وهو أن يقيس لنفسه ويُقدّر أنّ الله تعالى قد قضى بنزول بلاءات
بعدد معين وأحجام مختلفة منها الكبير الشديد ومنها السهل اليسير، منها ما هو فتنة
في الدين ومنها ما هو شدّة في الدنيا في النفس أو العِرض أو الأحبّة أو المال ونحو
ذلك، وقضى أن تنزل هذه البلايا على أشخاص بأعيانهم، فهذا المؤمن قد نزل اسمه في
صحيفة البلاءات، وقد اختار الله له أن تكون مصيبته في دنياه لا دينه، ثم جعلها
أهون من غيرها من المصائب التي نزلت على غيره من الناس.
قال المنجد حفظه الله: "هناك
عباراتٌ أحيانًا ترد على القلب فإذا آمن بها وصل إلى المطلوب. وهناك مقاماتٌ
إيمانيةٌ يبلغها الإنسان بقلبه ويأخذ بها أجرًا عظيمًا يرتقي بها عند الله، وهي
عبارةٌ عن تفكّراتٍ يفكّر فيها فيهتدي إليها فيأخذ بها فيحصل على المطلوب، فلم
يبذل جهدًا بل هي أشياءٌ تأمليةٌ. فالتفكّر من أعظم العبادات، فإذا تفكّر العبد أن
ما يختاره له ربه هو الأحسن والأفضل فقد وصل. فإذا آمن بها الإنسان رضي.
وتحصيل الرضا غير معقّدٍ، وهو أن تؤمن
بأن ما اختاره الله لك وقدّره عليك هو أحسن شيءٍ لك، سواءً كان موتُ ولدٍ أو مرضٍ
أو تركُ وظيفةٍ. لكن أنت قد تجهل لماذا هو أحسن شيءٍ، أنت لا تعلم لماذا لو أعطاك
فليس في صالحك. أنت في حال الفقر لا تعلم لماذا ليس في مصلحتك أن تحصّل المال..
وهكذا. فنتيجة اعتراف العبد بجهله وإيمانه بعلم ربه وأن اختياره له أولى وأفضل
وأحسن من اختياره لنفسه هي الوصول إلى الرضا.
فطريق المحبة والرضا تسير بالعبد وهو مستريح، فهناك
أناسٌ يعملون ويجهدون وصاحب الرضا بعبادته القلبية يسبقهم بمراحل وهم من خلفه، مع
أنه على فراشه وهم يعملون؛ لأنه راضٍ عن الله ويتفكّر في هذا الأمر ويؤمن به؛
فيقترب من الله. وأناسٌ لم يصلوا لهذا المستوى ويعملون ويجهدون!
لذلك أعمال القلوب مهمةٌ جدًّا؛ لأن
المرء يمكن يبلغ بها مراتب عند الله وهو قاعدٌ، وهذا لا يعني ألا يعمل ولا يصلي.
فأبو بكر ما سبق أهل هذه الأمة لأنه أكثرهم صلاةً و قيامًا في الليل، فهناك أناسٌ
أكثر منه في عمل العبادات والجوارح، لكن سبقهم بشيءٍ وَقَرَ في نفسه".(3)
2- إغلاق باب الوساوس في تصرّف الرب
بالكليّة.
فمن أسرار بركات الرضا أنه يُسلّم
صاحبه من آفات وساوس العقل، فهو مفوّضٌ أمره لربّه بالكلية، قد أغلق قلبه دون
واردات إبليس وخبث وساوسه، وحتى لو جاءه الرجيم بخواطر سوء من مثل كيف لفلان كذا
مع فجوره ولك أو لغيرك كذا وكذا، ونحو ذلك، فإنه بدفعها بالاستعاذة منه وبالرضا
بربه تعالى. قال ابن الجوزي رحمه الله فيمن ينظر إلى من: "يلبس الحرير، ويظلم
الناس، والدنيا منصبّة عليه. ثم يرى خلْقًا من أهل الدين، وطلاب العلم، مغمورين
بالفقر والبلاء، مقهورين تحت ولاية ذلك الظالم. فحينئذ يجد الشيطان طريقًا للوسواس
ويبتدئ بالقدح في حكمة القدر!
فيحتاج المؤمن إلى الصبر على ما يلقى
من الضرّ في الدنيا، وعلى جدال إبليس في ذلك. وكذلك في تسليط الكفار على المسلمين
والفساق على أهل الدين. وأبلغ من هذا إيلام الحيوان، وتعذيب الأطفال، ففي مثل هذه
المواطن يتمحّص الإيمان.
ومما يقوّي الصبر على الحالتين النقل
والعقل. أما النقل فالقرآن والسنة، أما القرآن فمنقسم إلى قسمين، أحدهما بيان سبب
إعطاء الكافر والعاصي، فمن ذلك قوله تعالى: "إِنَّمَا نُملي لهمْ ليزْدَادُوا
إثماً ". " وَلَوْلاَ أَنْ يَكونَ الناسُ أمة واحة لجَعْلنا لمنْ يكفُرُ
بالرَّحمن لبُيوتهم سقفاً مِنْ فِضَّةٍ "، " وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ
نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيْهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ". وفي القرآن
من هذا كثير.
والقسم الثاني: ابتلاء المؤمن بما يلقى
كقوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَم
اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمُ)، "(َمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ وَلَمَا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ
مَسَّتْهُمُ الْبَأسَاءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلْزِلُوا)، (أًمْ حَسِبْتُمُ أَنْ
تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ " وفي
القرآن من هذا كثير.
وأما السنة فمنقسمة إلى قول وحال (4). أما
الحال: فإنه صلى الله عليه وسلم كان يتقلّب على رمالِ حصيرٍ تؤثّر في جنبه، فبكى
عمر رضي الله عنه وقال: كسرى وقيصر في الحرير والديباج، فقال له صلى الله عليه
وسلم: "أفي شكٍّ أنت يا عمر؟ ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم
الدنيا؟".(5) وأما القول فكقوله عليه الصلاة والسلام: "لو أنّ
الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة (6) ما سقى كافرًا منها شربة ماء".
(7)
وأما العقل: فإنه يقوّي عساكر الصبر
بجنود منها أن يقول: قد ثبتّت عندي الأدلة القاطعة على حكمة المُقَدِّر، فلا أترك
الأصل الثابت لما يظنّه الجاهل خللًا.
ومنها أن يقول: ما قد استهولته أيها
الناظر من بسط يد العاصي هي قبضٌ في المعنى، وما قد أثر عندك من قبض يد الطائع بسطٌ
في المعنى، لأن ذلك البسط يوجب عقابًا طويلًا، وهذا القبض يؤثر انبساطًا في الأجر
جزيلًا، فزمان الرجلين ينقضي عن قريب، والمراحل تطوى، والركبان في السير الحثيث.
ومنها أن يقول: قد ثبت أن المؤمن بالله
كالأجير، وأن زمن التكليف كبياض نهار، ولا ينبغي للمستعمَل في الطين إن يلبس نظيف
الثياب، بل ينبغي أن يصابر ساعات العمل، فإذا فرغ تنظّف ولبس أجود ثيابه. فمن
ترَفَّه وقت العمل ندم وقت تفريق الأجرة، وعوقب على التواني فيما كُلّف، فهذه
النبذة تقوّي أزر الصبر.
وأزيدها بسطًا فأقول: أترى إذا أُريد
اتخاذ شهداء، فكيف لا يخلق أقوام يبسطون أيديهم لقتل المؤمنين، أفيجوز أن يفتك
بعمر إلا مثل أبي لؤلؤة؟ وبعلي إلا مثل ابن ملجم؟ أفيصحّ أن يَقتل يحيى بن زكريا
إلا جبارٌ كافر؟ ولو أنّ عين الفهم زال عنها غشاء العَشا؛ لرأت المُسَبِّبَ لا
الأسباب، والمقدِّر لا الأقدار، فصبرت على بلائه، إيثارًا لما يُريد، ومن ههنا
ينشأ الرضا. كما قيل لبعض أهل البلاء: ادع الله بالعافية، فقال: أحبُّه إلي أحبَّه
إلى الله عز وجل.
إن كان رضاكم في
سهري ... فسلامُ اللّه على وَسَنِي" (8)
3- مقارنة الفائت بالباقي.
وذلك أن ينظر إلى ما أصيب به فيجد ربّه
قد أبقى عليه مثله أو أفضل منه، وادَّخر له إن صبر ورضي ما هو أعظم من فوات تلك
المصيبة بأضعاف مضاعفة، وأنّه لو شاء لجعلها أعظم مما هي.
فمما يفيد المصاب أن ينظر إلى ما أبقى
الله عليه من النعم، فينظر إلى ما أصيب به فيجد ربه قد أبقى عليه مثله أو أفضل منه
وادّخر له - إن صبر ورضي - ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة، وأنه لو
شاء لجعلها أعظم مما هي .
4- التأسي بأهل المصائب.
على المبتلى أن يطفئ نار مصيبته ببرد
التأسّي بأهل المصائب. ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا
حسرة؟ وليعلم أنه في كل واد بنو سعد، (9) وأنه لو فتَّش العالم لم ير فيهم إلا
مبتلى؛ إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وأن شرور الدنيا أحلام نوم، أو كظل زائل،
إن أضحكت قليلًا أبكت كثيرًا، وإن سرَّت يومًا ساءت دهرًا، وإن متَّعت قليلًا منعت
طويلًا، ولا سرّته بيوم إلا خبأت له ضدّه، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "لكل
فرحة ترحة، وما مليء بيت فرحًا إلا مليء ترحًا". وقال ابن سيرين: "ما
كان ضحكٌ قطُّ إلا كان من بعده بكاء!".
وقالت هند بنت النعمان: "لقد
رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشدهم ملكًا، ثم لم تغب الشمس حتى رأيتنا ونحن أقل
الناس. وأنه حق على الله ألا يملأ دارًا حَبْرَة (10) إلا ملأها عَبرة".
وسألها رجل أن تحدثه عن أمرها فقالت: "أصبحنا ذا صباح وما في العرب أحد إلا
يرجونا، ثم أمسينا وما في العرب أحد إلا يرحمنا"! وبكت أختها حرقة بنت
النعمان يومًا وهي في عزها فقيل لها: ما يبكيك، لعل أحدًا آذاك؟ قالت: لا، ولكن
رأيت غَضَارَةٌ في أهلي، وقلما امتلأت دار سرورًا إلا امتلأت حزنًا". قال
إسحاق بن طلحة: دخلت عليها يومًا فقلت لها: كيف رأيت عِبَر الملوك؟ فقالت:
"ما نحن فيه اليوم خير مما كنا فيه الأمس، إنا نجد في الكتب أنه ليس من أهل
بيت يعيشون في حبرَة إلا سيُعقبون بعدها عَبرة، وأن الدهر لم يظهر لقوم بيوم
يحبونه إلا بطن لهم بيوم يكرهونه". ثم قالت:
فبينا نسوس
الناس والأمرُ أمرُنا ... إذا نحن فيهم سُوقةٌ نتنصّفُ
قلت: والأمر في حقيقته ليس بهذه
السوداوية التي قد تطرأ على من لم يتأمل أقوالهم، وليس هذا مراد السلف من تلك
العبارات، إنما قُصَاراه التنبيه على عدم الركون للدنيا، وإن لها حتوفًا تأخذ من
اغترّ بها، وأشدّ ما تكون إيلامًا حينما تأتي بغتةً على غفلة!
وإلا فالدنيا تطيب بطاعة الله تعالى، بل لا تطيب
إلا بذلك، ويَلتذّ بها في رياض الأنس بالله وذكره وما أباح لعباده مما يعين على
مرضاته المؤمنون الراجون الله والدار الآخرة، قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو
أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) وقد فُسّرت الحياة الطيبة بالقناعة. وعن ثابت
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "حُبِّبَ إليَّ النساء
والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة". (11) وعن طلحة بن يحيى قال: كنت
جالسًا عند عمر بن عبد العزيز فدخل عليه عبد الأعلى بن هلال فقال: أبقاك الله يا
أمير المؤمنين ما دام البقاء خيرًا لك، قال: "قد فُرغ من ذلك يا أبا النضر،
ولكن قل: أحياك الله حياة طيبة، وتوفاك مع الأبرار". والله المستعان.
وكافية الوصايا في ذلك قوله عليه
الصلاة والسلام: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو
فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم". (12)
5- أن يعلم أن الجزع لا يرد المصيبة بل
يضاعفها.
فالجزع في الحقيقة هو مِن تزايد المرض، فيجتمع
عليه مُرّ المصيبة وحسرة فوات الأجر، بل قد يحمل أحيانًا الوزر. ومما يُنسب عن
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، (13) وهي من بحر الوافر:
ولا تَجزَع
لِحادِثَةِ اللَيالي ... فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وكُن رَجُلًا
عَلى الأهوالِ جَلْدًا ... وشيمَتُكَ السَماحَةُ والوَفاءُ
وإن كَثُرَت
عُيوبُكَ في البَرايا ... وسَرَّكَ أن يَكونَ لَها غِطاءُ
تَسَتَّر
بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ ... يُغَطّيهِ - كَما قيلَ - السَخاءُ
ولا تُرِ
لِلأعادي قَطُّ ذُلًّا ... فَإنَّ شَماتَةَ الأعدا بَلاءُ
ولا تَرجُ
السَماحَةَ مِن بَخيلٍ ... فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ
ورِزقُكَ لَيسَ
يُنقِصُهُ التَأنّي ... ولَيسَ يَزيدُ في
الرِزقِ العَناءُ
ولا حُزنٌ
يَدومُ ولا سُرورٌ ... ولا بُؤسٌ عَلَيكَ ولا رَخاءُ
إذا ما كُنتَ ذا
قَلبٍ قَنوعٍ ... فَأنتَ ومالِكُ الدُنيا سَواءُ
وأرضُ اللَهِ
واسِعَةٌ ولَكِن ... إذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ
6- أن يعلم أنّ فوات ثواب الجازع أعظم
من ذات المصيبة.
ففوات ثواب الصبر والتسليم - وما فوق
ذلك من الرضا والحمد والشكر - وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على
الصبر والاسترجاع أعظم من المصيبة في الحقيقة.
7- أن يعلم أن الجزع يضعف الحال
والمرتبة في الدارين.
فيُشمتُ عدوَّه، ويسوء صديقه، ويغضب
ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه.
وإذا صبر واحتسب؛ أرضى ربه، وسر صديقه، وساء
عدوه، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزو. فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، لا
لطم الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بالويل والثبور، والسخط على المقدور. (14)
8- تذكّر الرجعى إلى الله تعالى.
(وأن إلى ربك الرجعى) قال ابن القيم
رحمه الله في بيان هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حر المصيبة وحزنها: "قال
تعالى: { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } [ البقرة 155 ]. وفي المسند
عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أحد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله
وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها؛ إلا أجاره الله في
مصيبته، وأخلف له خيرًا منها". (15)
فإذا إذا تحقق العبد بأنه لله وأن مصيره إليه
تسلى عن مصيبته. وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب وأنفعه له في عاجلته وآجلته،
فإنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلّى عن مصيبته:
أحدهما: أنّ العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل
حقيقة، وقد جعله عند العبد عاريّة، فإذا أخذه منه فهو كالمعير يأخذ متاعه من
المستعير.
وأيضًا فإنه محفوف بعدَمين: عدمٌ قبله وعدم
بعده، وملك العبد له متعة معارة في زمن يسير، وأيضًا فإنه ليس الذي أوجده عن عدمه
حتى يكون ملكه حقيقة بل الله تعالى.
والثاني: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه
الحق، ولا بد أن يخلّف الدنيا وراء ظهره ويجيء ربَّه فردًا كما خلقه أول مرة، بلا
أهل ولا مال ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات. فإذا كانت هذه بداية العبد وما
خوّله ونهايته؛ فكيف يفرح بموجود أو يأسى على مفقود؟! ففكره في مبدئه ومعاده من
أعظم علاج هذا الداء". (16)
9- اليقين بالقدر.
فمن أعظم العلاج أن يعلم علم اليقين أن
ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. قال تعالى: { ما أصاب من مصيبة
في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا
تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور } [ الحديد
22 ]. قال ابن الديلمي: أتيت أبيّ بن كعب
فقلت له: وقع في نفسى شيء من القدر! فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي. فقال:
"لو أن الله عذّب أهل سماواته وأهل أرضه عذّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم
كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبًا في سبيل الله ما قبله
الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن
ليصيبك. ولو مت على غير هذا لدخلت النار". قال ثم أتيت عبد الله بن مسعود
فقال مثل ذلك، ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك، ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك". (17)
10 التلذّذ بالصبر، وتذكر بيت الحمد.
ومن علاجها: أن يعلم أن ما يعقبه الصبر
والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه،
ويكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يُبنى له في الجنة على حمده ربّه واسترجاعه. فلينظر
أي المصيبتين أعظم: مصيبة العاجلة، أو مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد؟ وفي
الأثر: "يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما
يرون من ثواب أهل البلاء". (18) وقال بعض السلف: "لولا مصائب الدنيا
لوردنا الآخرة مفاليس".
11- ترويح القلب برجاء الخَلَف من الله
تعالى.
فعلى المصاب أن يروّح قلبه برَوْح رجاء
الخلف من الله، فإنه من كل شيء عوض إلا الله فما منه عوض، كما قيل:
من كل شيء إذا ضيعته عوض ... وما من الله إن ضيعته عوض
12- تذكّر أنّ حظه من المصيبة بقدر ما
تحدِثُه له.
فيذكر نفسه أن من رضي فله الرضا ومن
سخط فله السخط. فحظه منها ما أحدثته له، فليختر خير الحظوظ أو شرها، فإن أحدثت له
سخطًا وكفرًا كتب في ديوان الهالكين، وإن أحدثت له جزعًا وتفريطًا في ترك واجب أو
فعل محرم كتب في ديوان المفرطين، وإن أحدثت له شكاية وعدم صبر كتب في ديوان
المغبونين، وإن أحدثت له اعتراضًا على الله وقدحًا في حكمته فقد قرع باب الزندقة
أو ولجه، وإن أحدثت له صبرًا وثباتًا لله كتب في ديوان الصابرين، وإن أحدثت له
الرضا عن الله كتب في ديوان الراضين، وإن أحدثت له الحمد والشكر كتب في ديوان
الشاكرين وكان تحت لواء الحمد مع الحمّادين، وإن أحدثت له محبة واشتياقًا إلى لقاء
ربه كتب في ديوان المحبين المخلصين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنّ عِظَمَ
الجزاء مع عظمِ البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا،
ومن سخط فله السخط". (19) زاد أحمد: "ومن جزع فله الجزع".
(20)
13- علمه بالسلوّ المحتوم.
فعليه أن يعلم أنه وإن بلغ في الجزع غايته فآخر
أمره إلى صبر الاضطرار وهو غير محمود ولا مثاب، قال بعض الحكماء: العاقل يفعل في
أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو
البهائم". قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الصبر عند الصدمة
الأولى". (21) وقال الأشعث بن قيس: "إنك إن صبرت إيمانًا واحتسابًا،
وإلا سلوت سلوّ البهائم".
14- علمه أنّ أنفع الأدوية موافقة الله
فيما أحبه.
فأنفع الأدوية له موافقة ربه وإلهه
فيما أحبه ورضيه له، وأن خاصية المحبة وسرّها موافقة المحبوب، فمن ادعى محبة محبوب
ثم سخط ما يحبه وأحب ما يسخطه فقد شهد على نفسه بكذبه وتمقّت إلى محبوبه. وقال أبو
الدرداء: "إن الله إذا قضى قضاء أحب أن يُرضى به". وكان عمران بن حصين
يقول في علّته: "أحبُّه إليّ أحبَّه إليه". وكذلك قال أبو العالية. وهذا
دواء وعلاج لا يعمل إلا مع المحبين، ولا يمكن كل أحد أن يتعالج به.
14- علمه أن لذة التمتع بثواب الله
أعظم من لذة التمتع بالسلامة مما أصيب به.
فعلى المؤمن أن يوازن بين أعظم اللذتين
والمتعتين وأدومهما: لذة تمتعه بسلامته مما أصيب به، ولذة تمتعه بثواب الله له.
فإن ظهر له الرجحان فآثر الراجح فليحمد الله على توفيقه، وإن آثر المرجوح من كل
وجه فليعلم أن مصيبته في عقله وقلبه ودينه أعظم من مصيبته التي أصيب بها في دنياه.
15- أن يتذكر أنه في دار امتحان.
فيتذكر ابتلاء الله العبد لامتحان
صبره، فمن علاج المصيبة أن يعلم أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين،
وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به ولا ليعذبه به ولا ليجتاحه، وإنما
ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه، وليسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحًا ببابه
لائذًا بجنابه مكسور القلب بين يديه رافعًا قصص الشكوى إليه. قال الشيخ عبد
القادر(22): "يا بني إن المصيبة ما جاءت لتهلكك، وإنما جاءت لتمتحن صبرك
وإيمانك، يا بني القَدَرُ سَبعٌ، والسبع لا يأكل الميتة". والمقصود؛ أن
المصيبة كَيْرُ العبد الذي يُسبَك به حاصله، فإما أن يخرج أحمر، وإما أن يخرج
خبثًا كله، كما قيل:
سبكناه ونحسبه لُجَينًا ...
فأبدى الكَيْرُ عن خَبَثِ الحديدِ
فإن لم ينفعه هذا الكَير في الدنيا
فبين يديه الكيرُ الأعظم، فإذا علم العبد أن إدخاله كير الدنيا ومسبكها خير له من
ذلك الكير والمسبك، وأنه لا بد من أحد الكيرين؛ فليعلم قدر نعمة الله عليه في
الكير العاجل.
16- علمه أنّ المصيبة تورثه التواضع
الرافع.
فالمصيبة كاسرة لداء الكبر وقسوة
القلب، فعليه أن يعلم أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد - من أدواء الكبر
والعجب (23) والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلًا وآجلًا، فمِن رحمة أرحم
الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حِمْية له من هذه
الأدواء وحفظًا لصحة عبوديته واستفراغًا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه،
فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه، كما قيل:
قد ينعمُ
بالبلوى وإن عظمت ... ويبتلي الله بعض القوم بالنعمِ
فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية
المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرًا سقاه دواء من
الابتلاء والامتحان على قدر حاله، يستفرغ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذبه
ونقاه وصفاه أهّله لأشرف مراتب الدنيا وهي عبوديتِه وأرفعِ ثوابِ الآخرة وهو
رؤيتِه وقربِه.
17 – علمه بأن مرارة الدنيا حلاوة
الآخرة.
فيعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة
الآخرة يقلبها الله سبحانه كذلك، وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة، ولَأن ينتقل
من مرارةٍ منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك، فإن خفي عليك هذا فانظر إلى
قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "حُفّت الجنة بالمكاره، وحفّت
النار بالشهوات". (24) وفي هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق وظهرت حقائق
الرجال، فأكثرهم آثر الحلاوة المنقطعة على الحلاوة الدائمة التي لا تزول، ولم
يحتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد، ولا ذل ساعة لعز الأبد، ولا محنة ساعة لعافية
الأبد، فإن الحاضر عنده شهادة، والمنتظَر غيب، والإيمان ضعيف، وسلطان الشهوة حاكم،
فتولد من ذلك إيثار العاجلة ورفض الآخرة، (25) وهذا حال النظر الواقع على ظواهر
الأمور وأوائلها ومبادئها، وأما النظر الثاقب الذي يخرق حجب العاجلة ويجاوزه إلى
العواقب والغايات فله شأن آخر.
فادع نفسك إلى ما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته
من النعيم المقيم والسعادة الأبدية والفوز الأكبر، وما أعد لأهل البطالة والإضاعة
من الخزي والعقاب والحسرات الدائمة، ثم اختر أي القسمين أليق بك، وكل يعمل على
شاكلته، وكل أحد يصبو إلى ما يناسبه وما هو الأولى به، ولا تستطل هذا العلاج فشدة
الحاجة إليه من الطبيب والعليل دعت إلى بسطه، وبالله التوفيق. (26)
18- ملازمة الذكر.
ومن أعظم وسائل تحصيل الرضا ملازمة
الذكر ورطوبة اللسان به وإدمان القلب عليه، والذكر هو اتصال البال بالله تعالى
بالقلب واللسان والجوارح، ومن أمثل الأذكار ههنا ذكر الرضا بالله وبدينه ونبيه صلى
الله عليه وسلم طرفي النهار، فعن أبي سلام رضي الله عنه- خادم النبي صلى الله عليه
وسلم- عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ما من مسلم، أو إنسان، أو عبد،
يقول، حين يمسي، وحين يصبح: رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا؛ إلا
كان حقًّا على الله أن يرضيه يوم القيامة». (27) وعن أبي الدرداء رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأرضاها عند
مليككم، وأرفعِها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إعطاء الذهب والورق، ومن أن تلقوا
عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: وما ذاك؟ يا رسول الله، قال:
«ذكر الله». (28) وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ما دمت تذكر الله
فأنت في صلاة وإن كنت في السوق". فكن ذاكرًا تُذكر.
19- العلم بالله تعالى.
علم الشرع على نوعين: علم بالله وعلم
بأمر الله؛ وأشرفهما هو العلم بالله، لذلك قالوا: شرف كل علم بشرف مُتَعَلَّقه،
وأشرف العلوم العلم بالله تعالى، وعليه فعلم الأسماء والصفات لله تعالى هو أشرف
العلوم بإطلاق، وعلم القرآن داخل في ذلك ابتداء لأن القرآن كلام الله، وكلامه من
صفاته تبارك وتعالى، وهو بيان لأسماء الله وصفاته وأفعاله تبارك وتعالى.
وقيدنا العلم بالشرع لأنه موقوف على
الوحي، وهو علم الآخرة بخلاف علوم الدنيا، وإذا أطلق العلم في الشريعة فهو هذا،
وهو علمُ غاية، أما غيره فعلم وسيلة، ويلحق به – بمرتبة أقل - ما كان وسيلة إليه
كعلوم الآلة الموصلة لعلوم الغاية.
أما علم الدنيا فهو مقيد، فلا يقال عالم ولا
علماء في علوم الدنيا إلا بتقييد العلم المنسوبين إليه؛ فيقال عالم فلك وعالم طب
وعالم نحو وعالم لغة وعالم كذا.. أما العالم بالشرع فيكفي أن يقال عالم. فعلم
الشرع مطلق وعلم الدنيا مقيد، وعلم الآلة في برزخ بينهما فهو فوق علم الدنيا ودون
علم الآخرة، والموفق من وفقه الله.
هذا؛ والقسمة في علم الشرع رباعية؛
فالناس – باختلاف مشاربهم - لا يخرجون عنها فمستقل ومستكثر، وهم كالتالي:
عالم بالله وبأمر الله فهو السابق الأفضل،
وعالم بالله وهو دون ذلك في علمه بأمره فهو التالي، وعالم بأمر الله لكنه دون ذلك
في العلم بالله وهو تاليهما، والرابع المغبون الخاسر وهو الجاهل بالله وبأمره.
والعالم بالله هو ما يسميه بعضهم
بالعارف، ويسمون العلم بالله المعرفة، ولا مشاحّة، والجادة استعمال لفظ العلم لا
المعرفة. وكأنهم يقصدون بالمعرفة عمل القلب وبالعلم علمه. وبالجملة؛ فالعلم بالله
تعالى هو جنة الدنيا في الحقيقة، وهو معراج القلوب والأرواح للملكوت الأعلى وحضرة
القُدُس، فمن كان بالله عالمًا على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته
والسلف الصالح في المعتقد وسلامة التصور وإثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات
والأفعال على ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته بلا تمثيل ولا تعطيل ولا تحريف ولا
تكييف، ويحفظ أسماء الله الحسنى التي جاءت في الشرع ويعلم معانيها ويعبد الله
تعالى بمقتضاها، قد امتلأت جوانح صدره بمحبة الله تعالى، وتعلقت عُرى قلبه بربه
تبارك وتعالى، ودارت روحه وجوارحه وقلبه مع أمر الله تعالى حيث دار؛ فهو السابق
والمقرب والموفق والمُختار.
وإذا طلبتَ
العلم فاعلم أنّه ... حمل فأبصر أيّ شيء
تحملُ
وإذا علمتَ
بأنه متفاضلٌ ... فاشغل فؤادك بالذي هو
أفضلُ
قال مالك بن دينار رحمه الله تعالى: "إذا
طلب العبد العلم ليعمل به كسره علمُه، وإذا طلبه لغير العمل زاده كبرُا". وقال
ابن الحاج رحمه الله تعالى: "إن العبد كلما ازداد علمًا وفيه تفهمًا ازداد
للخير طلبًا وعليه حرصًا، فخف عليه الثقيل وقرب عليه البعيد ولها في الدنيا عما
يريد، وإنما الثقل والعسر تمثال الدنيا في قلب العبد، وهي مرصد إبليس وسلاحه، فإذا
قطع عنه ذلك استنار القلب وخرجت الظلمة منه، فلم يكن للشيطان به احتمال قوة ولا له
فيه نصيب، ووصل من الأمر إلى ما يريد.
فقال له: (29) زدني ما يسهل به علي ثقل احتمال
الصبر ويخففه علي. فقال له: الأمر الذي يسهل عليك ثقل احتمال الصبر ويخففه عليك:
الرضا عن الله تبارك وتعالى بكل ما صنع بك واختاره لك وساقه إليك.
فقال له صاحبه: فأوضح لي كيف يهون علي مؤنة
الصبر برضائي عن الله ويخفف علي احتماله. فقال: ألست تعلم أنك إنما انتسبت إلى
الرضا وسميته صبرًا لأن الأمر الذي نزل بك مكروه عليك، وإن هواك ونفسك ينازعانك
إلى غيره، فاحتجت إلى الصبر فتدبرت واعتبرت فصرت من ذلك إلى موضع رضاه، ثم يتجاوز
بك الأمر حتى تصير إلى موضع السرور حتى ترى لو صرف ذلك الأمر عنك لصرت منه إلى
تقوية نفسك، وعلمت أن ما صرف عنك عقوبة لبعض ما أحدثت من ذنوبك أو قصرت فيه عن شكر
ما أنعم الله به عليك فصرت منه إلى الدرجة الرفيعة ومنازل أهل الرضا.
وإنما يوصل إلى ذلك بالمعرفة بالله، وبمعرفته
ينظر إليك، فتعلم أنك لا نظر لك من نفسك، فترضى بما رضي به وترغب فيما رغبه وتزهد
فيما زهده، والزهد من الرضا". (30)
20- الدعاء الخالص الملحّ الدائم.
إن من أعظم وأنجع الوسائل لتحصيل
الرضا: الدعاء الخالص والضراعة الملحّة، فيرضى هو عن الله، ويسأل الله أن يرضى
عنه، فالمؤمن يلتمس رضا مولاه بدعائه وإلحاحه أن يرضى عنه مولاه، فعن عائشة رضي
الله عنها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة في الفراش. فالتمسته
فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد (31) وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهم
أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك (32)
أنت كما أثنيت على نفسك». (33)
وإن عظمة تحصيل رضوان الله تعالى تتجلى
حينما يبشر الله تبارك وتعالى عباده في جنته بإحلاله رضوانه عليهم فلا يسخط عليهم
أبدًا! (34) اللهم نسألك من فضلك العظيم وكرمك العميم إله الحق، لذلك فقد كان من
أدعية نبيّنا صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ زِدنَا وَلَا تَنقُصنَا،
وَأكْرِمنَا وَلَا تُهِنَّا، وَأَعطِنَا وَلَا تَحرِمنَا، وَآثِرنَا ولَا تُؤثِر
عَلَينا، وأرضِنَا وارضَ عَنَّا".(35) فدعاء الله بتيسير العمل الموصل
لرضوانه حبل لتحصيل الرضا؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبر ثلاثًا، ثم قال: «سبحان الذي
سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (36) وإنا إلى ربنا لمنقلبون. اللهم إنا
نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا،
واطْوِ عنا بعده. اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم إني أعوذ
بك من وعثاء (37) السفر، وكآبة (38) المنظر، وسوء المنقلب (39) في
المال والأهل". وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن «آيبون تائبون عابدون،
لربنا حامدون». (40)
وهاك أدعية مأثورة يُستدفع بها البلاء
بإذن الله تعالى، واعلم أن الابتلاء حتم لازم بكل مؤمن لأن الدنيا كلها قائمة
عليه، فسرّ الإهباط الآدمي من الجنة العلوية فرز عباد الله وأوليائه عن غيرهم،
(ليميز الله الخبيث من الطيب)، وعلى قدر التديّن يكون قدر البلاء. قال الله تعالى:
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
{العنكبوت:2}، ويقول سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ
وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ {البقرة:155} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عِظم
الجزاء مع عظم البلاء، وإنّ الله تعالى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله
الرضا، ومن سخط فله السّخط". وقال صلى الله عليه وسلم: "أشدّ
الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الإنسان على حسَبِ دينه، فإن كان
في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقّة خُفّف في بلائه". (41)
وعليه؛ فالمؤمن مبتلى، وهو مع ذلك يسأل
ربه العافية، فالعافية لا يعدلها شيء، لأنه ليس كل مبتلى يوفّق لاحتمال البلاء في
ذات الله، فأكثر الناس جازعون، والله المستعان، فعن المقداد بن الأسود رضي الله
عنه قال: وايْمُ الله لقد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن السعيد
لَمَن جُنِّبَ الفِتَن"، قالها ثلاثًا، "ولَمنِ ابْتُلِيَ فصبر،
فَواها». (42) فعلى المؤمن أن ينظم نفسه في سلك الراضين وحزب المتوكلين وجادة
المرسلين الذين هتفوا لنا: ﴿وما لَنا ألّا نَتَوَكَّلَ عَلى اللَّهِ وقَدْ هَدانا
سُبُلَنا ولَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آَذَيْتُمُونا وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ﴾
[إبراهيم ١٢].
وأما الأدعية التي يُدفع بها البلاء
بإذن الله تعالى، فمنها: سؤال الله العافية، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: اللهم
إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني
ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن
خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي» قال وكيع:
يعني الخسف. (43) وكان صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه قال: "اللهم خلقت
نفسي وأنت توفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتها فاغفر لها،
اللهم إني أسألك العافية". (44)
وعن أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفى رضي الله
عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر
حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: "يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو،
واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال
السيوف". ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم منزل الكتاب،
ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم". (45) وعن أبي الفضل
العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله علمني شيئًا أسأله الله
تعالى، قال: "سلوا الله العافية" فمكثت أيامًا، ثم جئت فقلت: يا
رسول الله علمني شيئًا أسأله الله تعالى، قال لي: "يا عباس، يا عمّ رسول
الله، سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة". (46) وعن سليمان بن بريدة
عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى على المقابر قال: "السلام
عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم لنا
فرط ونحن لكم تبع، أسأل الله العافية لنا ولكم". (47) وعن أوسط البجلي
قال: خطبنا أبو بكر فقال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول - ثم بكى
أبو بكر- فقال (48): "سلوا الله العافية، فإن الناس لم يعطوا في الدنيا
بعد اليقين شيئًا أفضل من المعافاة. ألا وعليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في
الجنة، وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار، ولا تَقاطعوا ولا تباغضوا ولا
تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم الله". (49)
وعن أبي ظبيان قال: كنت جالسًا عند ابن
عمر، قال: فسمع رجلًا يتمنى الموت، قال: فرفع إليه ابن عمر بصره فقال: "لا
تمنّ الموت فإنك ميّت، ولكن سل الله العافية". (50)
ومنها هذه التعوذات النبوية فعن أبي
هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعوذوا بالله من
جَهْد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء". (51) ومن
الأدعية التي يستدفع بها البلاء بإذن الله تعالى هذه التسمية التعوّذية العظيمة؛ فقد روى عثمان بن عفان رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يقول في صباح كل يوم
ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو
السميع العليم، ثلاث مرات؛ إلا لم يضره شيء". (52) وروى أبو داود في سننه
(53) عن أبان بن عثمان يقول سمعت عثمان - يعنى ابن عفان - يقول سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: «من قال بسم الله الذى لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا
في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم تصبه فجأةُ بلاء حتى يصبح، ومن قالها
حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأةُ بلاء حتى يمسي». قال: فأصاب أبان بن عثمان
الفالج، (54) فجعل الرجل الذى سمع منه الحديث ينظر إليه، فقال له: ما لك تنظر إلي؟
فوالله ما كذبت على عثمان، ولا كذب عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن
اليوم الذى أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها. زاد ابن ماجه: (55): ولكني
لم أقله يومئذ ليُمضي الله علي قدره. (56)
ومنها حديث خولة بنت حكيم رضي الله
عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "من نزل منزلًا ثم
قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله
ذلك". (57) وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم
إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفُجاءةِ نقمتك، وجميع سخطك".
(58) وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها هذا الدعاء – وتذكّرْ محبته
لها صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما
علمتُ منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم
أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك
ونبيك، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما
قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرًا". (59) ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوات
المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا
إله إلا أنت". (60) والأدعية كثيرة والموفق من حرص عليها ولزمها، والله
المستعان.
21- تقديم محابّ الله على محاب النفس.
فالمؤمن يحرص على الدوام على تقديم
مرضاة الله تعالى على رضا الناس، وعند غلبات الهوى، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه
الله مؤنة الناس. ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس». (61) وهذا
من أعظم أسباب محبة الله تعالى لعبده، قال ابن القيم رحمه الله في أسباب محبة الله
تعالى لعبده: "ومنها: إيثار محابّه على محابك عند غلبات الهوى والتسنّم إلى
محابّه وإن صعب المرتقى". (62)
22- الحمد الدائم للحميد سبحانه
وبحمده.
فيحمد الله تعالى على كل حال، عند
مواطن السرور يحمده، وعند منازل الشدائد يحمده، وفي أحوال المصائب وأنواع المشاقّ
يحمده، فلسانه دائم اللهج بحمده، وقلبه ممتلئ بحمده، فهو حامد ربه على كل حال على
الدوام.
ومن ذلك تجدد النعم، ومنها نعمة الطعام
والشراب؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن
الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة (63) فيحمده عليها، أو يشرب الشربة
فيحمده عليها». (64)
23- توحيد الله تعالى والاعتصام به.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا. فيرضى لكم أن
تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله (65) جميعًا ولا
تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال (66) وكثرة السؤال (67) وإضاعة المال».
(68)
24- برّ الوالدين.
فبر الوالدين والإحسان لهما وتحصيل
وتطلّب مرضاتهما سبيل لرضا الله تعالى، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط
الوالد». (69) والوالد أوسط أبواب الجنة.
25- الشهادة في سبيل الله تعالى – أسأل
الله لي ولك ذلك-.
يريدون بذلًا
للنفوس وقد سَمَت ... بهم هممٌ نحو الجنان العواليا
فمن قُتل في ذات الله تعالى وفي سبيله
فهو حقيق برضوان الله تعالى عليه وبإرضائه له، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة (70) ثلاثين
صباحًا، يدعو على رِعْلٍ وذَكْوان ولِحيان وعُصَيَّة عصت الله ورسوله. قال أنس:
أنزل الله عز وجل في الذين قُتلوا ببئر معونة قرآنًا قرأناه حتى نُسخ بعدُ: "أن
بلّغوا قومنا أن قد لقينا ربَّنا فرضي عنا، ورضينا عنه".(71)
26- تصديق الحالف بالله إعظامًا
للمحلوف به سبحانه.
إن من طرق تحصيل الرضا تصديق الحالف
بالله تعالى إعظامًا لله، وضد ذلك بضده؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمع
النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يحلف بأبيه. فقال: «لا تحلفوا بآبائكم، من حلف
بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض بالله فليس من الله». (72)
27- السواك.
وهي خصلة إيمانية وسنة نبوية ومسلك
فطري طيب، فمن أسباب الوصول لرضا الرحمن سبحانه مداومة التسوّك، فعن عائشة رضي
الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب». (73)
28-
إحسان الظن بالله تعالى.
من
وسائل تحصيله إحسان الظن بمن لا يأتي الخير إلا منه تبارك وتعالى، ومن ذلك فقد
الأحبة والأصفياء،
وكفى بالجنة للمؤمنين الراضين، ومن علم أن حبيبه وصفيه قد نالها فحريّ به الحبور
والسرور والسعادة له، فكيف بمن نال الفردوس - نسأل الله الكريم من فضله وكرمه
ورحمته - فعن أنس رضي الله عنه قال: أصيب حارثة يوم بدر- وهو غلام- فجاءت أمه إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكُ
في الجنة أصبر وأحتسب. وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع؟ فقال: «ويحك، أَوَ هَبِلْتِ
(74) أوَ جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه لفي جنة الفردوس». (75)
29- ملازمة الاستخارة في المهمات.
لقد
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّم صحابته الاستخارة كما يعلمهم السورة من
القرآن، والاستخارة تشرع في الأمر كله، وبخاصة جليل الأمور، وربّ يسير أمر ترتب
عليه الأمر الجلل. وروى
البخاري رحمه الله في صحيحه قال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي
الموالي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من
القرآن، يقول: "إذا همّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم
ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك
تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر
خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاقدُره لي ويسّره
لي، ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري
- أو قال في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدُر لي الخير حيث كان،
ثم أرضني". قال: "ويسمي حاجته". وفي
رواية: "ثم رضّني به".(76) "ففي هذا الحديث: بيان لحاجة
العبد إلى فعل ما ينفعه في معاشه ومعاده، وعلم ما فيه مصلحته، وتيسير الله له ما قدره
له من الخير، فهو القادر سبحانه وتعالى على كل شيء، والعبد عاجز إن لم ييسر الله
له ما فيه مصلحته، ولذلك أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلب فضله سبحانه
وتيسيره، ثُمَّ إذا اختاره له بعلمه، وأعانه عليه بقدرته، ويسره له من فضله، فهو
يحتاج إلى البقاء عليه، وثبوت هذا الفضل ونموه، ثُمَّ إذا فعل ذلك كله فهو محتاج
إلى أن يرضيه، فإنه قد يهيء له ما يكرهه فيظل ساخطًا والخيرة فيه". (77) فالاستخارة
خير كلها، وما خاب من استخار، وما ندم من استشار، والموفق من وفقه الله.
30-
التفقه في معاني الرضا.
الرضا بحر من بحار العلوم، فمسائله
كثيرة، وغوامضه ليست قليله، وقد حوى في عمقه دررًا لا ينالها إلا من غاص تحت طباق
معارفه، وأعانه مولاه فميّز بثاقب نظره حقَّه من باطله، وفيه مسائل متشابهة ظاهرًا
لا يكاد يُفطن لها، مع أن ما بينها في الحقيقة أبعد مما بين الخافقين، فتجد الأولى
هدى ونور، والأخرى مدخل للشيطان الغَرور، والله تعالى يمتن على من شاء من عباده
بالبصيرة في الدين والحكمة والتوفيق في القول والعمل. ولا يعني هذا مشقته الشديدة
ولا بُعْد معانيه عن التقاط الفهوم لها، بل هي – بحمد الله – متاحة لمن تدبر
القرآن والحديث، وأجال بصائر فكره في غُررهما، وحرّك دوافقَ فؤاده في رياضهما،
وأرسى نوابض قلبه على ساحلهما، والله تعالى يقول: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا
يشقى) فلا يضل علمُه ولا يشقى بعمله. وهي يسيرة على من وفقه الله.
قال الإمام الرباني ابن القيم رحمه
الله تعالى مبيّنا أهمية الفقه فيه وأنه يسير على من يسره الله عليه، مع ضرب أمثلة
لبعض مهماته: "طريق الرضا طريق مختصرة قريبة جدًّا، موصلة إلى أجلّ غاية، ولكن
فيها مشقّة. ومع هذا فليست مشقتها بأصعب من مشقة طريق المجاهدة، ولا فيها من العقبات
والمفاوز ما فيها، وإنما عقبتها همّة عالية ونفس زكية وتوطين النفس على كل ما يَرِدُ
عليها من الله.
ويسهّل ذلك على العبد؛ علمه بضعفه وعجزه ورحمة
ربِّه وشفقته عليه وبرِّه به، فإذا شهد هذا وهذا، ولم يطرح نفسه بين يديه ويرضى به
وعنه، وتنجذب دواعي حبه ورضاه كلها إليه؛ فنفسه نفس مطرودة عن الله، بعيدة عنه، ليست
مؤهلة لقربه وموالاته، أو نفس ممتَحنة مُبتلاة بأصناف البلايا والمحن!
فطريق الرضا والمحبة تسير بالعبد وهو مستلقٍ على
فراشه، فيصبح أمام الركب بمراحل. وثمرة الرضا: الفرح والسرور بالرب تبارك وتعالى. ورأيت
شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في المنام، وكأني ذكرت له شيئًا من أعمال القلب،
وأخذت في تعظيمه ومنفعته - لا أذكره الآن- فقال: "أمّا أنا فطريقتي الفرح بالله،
والسرور به". أو نحو هذا من العبارة.
وهكذا كانت حاله في الحياة، يبدو ذلك على ظاهره،
وينادي به عليه حاله. لكن قد قال الواسطي: "استعمل الرضا جهدك، ولا تدع الرضا
يستعملك، فتكون محجوبًا بلذّته ورؤيته عن حقيقة ما تطالع". وهذا الذي أشار إليه
الواسطي هو عقبة عظيمة عند القوم، ومقطع لهم، فإن مساكنة الأحوال والسكون إليها والوقوف
عندها استلذاذًا ومحبة؛ حجاب بينهم وبين ربهم بحظوظهم عن مطالعة حقوق محبوبهم ومعبودهم،
(78) وهي عقبة لا يجوزها إلا أولو العزائم. وكان الواسطي كثير التحذير من هذه العقبة
شديد التنبيه عليها، ومن كلامه: "إياكم واستحلاء الطاعات فإنها سموم قاتلة".
(79) فهذا معنى قوله: "استعمل الرضا جهدك ولا تدع الرضا يستعملك". أي لا
يكون عملك لأجل حصول حلاوة الرضا، بحيث تكون هي الباعثة لك عليه، بل اجعله آلة لك وسببًا
موصلًا إلى قصدك ومطلوبك، فتكون مستعملًا له، لا أنه مستعمل لك.
وهذا لا يختص بالرضا، بل هو عام في جميع
الأحوال والمقامات القلبية التي يسكن إليها القلب، حتى إنه أيضًا لا يكون عاملًا على
المحبة لأجل المحبة وما فيها من اللذة والسرور والنعيم به، بل يستعمل المحبة في مرضاة
المحبوب ولا يقف عندها، فهذا من علل المحبة". (80)
والمقصود؛ ضرورة العبد للتفقه في معاني
الرضا وإحسان تصوره وحدوده ولوازمه كيما يحسن تطبيقه ليفوز بثوابه، وأن يسأل الله
العافية على الدوام، فعن أنس رضي الله عنه قال: مَرَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمُجَذَّمِينَ، فقال: "أما
كانَ هَؤُلاءِ يَسْألُونَ العافِيَةَ؟" (81) وبالله التوفيق.
إبراهيم الدميجي
aldumaiji@gmail.com
..................................
1. الاستطاعة
نوعان: استطاعة قوى عليها مناط التكليف ومنها هذا الحديث، واستطاعة توفيق وإمداد،
ومنه قوله تعالى: (ما كانوا يستطيعون السمع) وقوله: (الذين ضل سعيهم في الحياة
الدنيا وكانوا لا يستطيعون سمعا)، كما أن الهداية نوعان: هداية إرشاد، ومنه قوله
تعالى: (وأما ثمود فهديناهم)، وهداية توفيق، ومنه ومما قبله قوله تعالى: (اهدنا
الصراط المستقيم)، وقوله: (وهديناهما الصراط المستقيم).
2. البخاري
9/116 ( 7288 )، ومسلم 7/91 ( 1337 ) ( 131 ) فائدة نفيسة: قال الحافظ ابن رجب
رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث في الجامع: "قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا
نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". قال
بعض العلماء: هذا يؤخذ منه أن النهي أشدّ من الأمر؛ لأن النهي لم يرخص في ارتكاب
شيء منه، والأمر قيّد بحسب الاستطاعة، وروى هذا عن الإمام أحمد رحمه الله، ويشبه
هذا قول بعضهم: "أعمال البر يعملها البر الفاجر، وأما المعاصي فلا يتركها إلا
صديق". وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اتق
المحارم تكن أعبد الناس". ( الترمذي 2305 وحسنه الألباني في الصحيحة (
930 ) وقالت عائشة رضي الله عنها: "من سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف عن
الذنوب". وقال الحسن: "ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله
عنه".
والظاهر: أن ما ورد من تفضيل ترك
المحرمات على فعل الطاعات إنما أريد به على نوافل الطاعات، وإلا فجنس الأعمال
الواجبات أفضل من جنس ترك المحرمات؛ لأن الأعمال مقصودة لذاتها، والمحارم مطلوب
عدمها ولذلك لا تحتاج إلى نية بخلاف الأعمال، وكذلك كان جنس ترك الأعمال قد يكون
كفرًا كترك التوحيد وكترك أركان الإسلام أو بعضها على ما سبق، بخلاف ارتكاب
المنهيات فإنه لا يقتضي الكفر بنفسه.
ويشهد لذلك قول ابن عمر رضي الله
عنهما: "لَرَدُّ دانق من حرام أفضل من مئة ألف تنفق في سبيل الله". وعن
بعض السلف قال: "ترك دانق مما يكرهه الله أحب إلى الله من خمسمئة حجة".
وقال ميمون بن مهران: "ذكر الله باللسان حسن، وأفضل منه أن يذكر اللهَ العبدُ
عند المعصية فيمسك عنها". وقال ابن المبارك: "لأن أرد درهمًا من شبهة
أحب إليّ من أن أتصدق بمئة ألف ومئة ألف حتى بلغ ستمئة ألف". وقال عمر بن عبدالعزيز:
"ليست التقوى قيام الليل وصيام النهار والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى
أداء ما افترض الله وترك ما حرم الله، فإن كان مع ذلك عمل فهو خير إلى خير".
أو كما قال، وقال أيضًا: "وددت أني لا أصلي غير الصلوات الخمس سوى الوتر، وأن
أؤدي الزكاة ولا أتصدق بعدها بدرهم، وأن أصوم رمضان ولا أصوم بعده يوما أبدًا، وأن
أحج حجة الإسلام ثم لا أحج بعدها أبدًا، ثم أعمد إلى فضل قوتي فأجعله فيما حرم
الله علي فأمسك عنه".
وحاصل كلامهم يدل على اجتناب المحرمات
وإن قلّت فهي أفضل من الإكثار من نوافل الطاعات؛ فإن ذلك فرض وهذا نفل". جامع
العلوم والحكم (1 / 96)
3. سلسلة
أعمال القلوب، محمد المنجد (2/ 26-27) بتصرف.
4. فهوَ
المُفَسِّرُ للكتابِ وإنما … نَطَقَ النبيُّ لنا به عن ربهِ
5. روى
مسلم روايتين لعمر رضي الله عنه في سياق هذا الخبر وسأذكرهما لما فيهما من عظيم
العبر: الأولى (1479): عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما اعتزل نبيّ الله
صلى الله عليه وسلم نساءه قال: دخلت المسجد، فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون:
طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه! وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب، فقال عمر:
فقلت: لأعلمنّ ذلك اليوم.
قال: فدخلت على عائشة، فقلت: يا بنت أبي بكر؛
أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقالت: مالي ومالك يا بن
الخطاب، عليك بعَيْبَتِكَ.
قال: فدخلتُ على حفصة بنت عمر، فقلت
لها: يا حفصة، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! والله لقد
علمت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبّك، ولولا أنا لطلّقك رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فبكت أشدّ البكاء، فقلت لها: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالت: هو في خزانته في المشربة.
فدخلتُ، فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله
عليه وسلم قاعدًا على أسكُفَّة المشربة، مدلٍ رجليه على نقيرٍ من خشب، وهو جذع
يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر، فناديت: يا رباح، استأذنْ لي عندك
على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر رباح إلى الغرفة، ثم نظر إليّ، فلم يقل
شيئًا.
ثم قلت: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فنظر رباح إلى الغرفة، ثم نظر إليّ فلم يقل شيئًا، ثم رفعت
صوتي فقلت: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أظنّ
أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنّ أنى جئتُ من أجل حفصة، والله لئن أمرني رسول
الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربنّ عنقها، ورفعت صوتي، فأومأ إليّ: أن
ارْقَه.
فدخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
مضطجع على حصير، فجلست فأدنى عليه إزارَه، وليس عليه غيره، وإذا الحصيرُ قد أثّر
في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من
شعير نحو الصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيق معلّق. قال: فابتدرَتْ
عيناي!
قال: "ما يبكيكَ يا بن الخطاب؟"
قلت: يا نبيّ الله، ومالي لا أبكى وهذا الحصير قد أثّر في جنبك، وهذه خزانتك لا
أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى
الله عليه وسلم وصفوته وهذه خزانتك! فقال: "يا بن الخطاب، ألا ترضى أن
تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟" قلت: بلى.
قال: ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب،
فقلت: يا رسول الله، ما يشقُّ عليك من شأن النساء، فإن كنت طلّقتهن؛ فإنّ الله معك
وملائكتُه وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك، وقلّما تكلّمت - وأحمدُ
الله - بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدّق قولي الذي أقول، ونزلت هذه الآية آية
التخيير: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) (وإن تظاهرا عليه فإن الله
هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير). وكانت عائشة بنت أبي بكر
وحفصة تَظَاهَرانِ على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله،
أطلّقتهن؟ قال: "لا" قلت: يا رسول الله، إني دخلتُ المسجد
والمسلمون ينكتون بالحصى يقولون: طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، أفأنزل
فأخبرهم أنك لم تطلّقهن؟ قال: "نعم، إن شئت". فلم أزل أُحدّثه
حتى تحسَّرَ الغضبُ عن وجهه، وحتى كشر فضحك، وكان من أحسن الناس ثغرًا. ثم نزل نبي
الله صلى الله عليه وسلم ونزلت، فنزلتُ أتشبّث بالجذع، ونزل رسول الله صلى الله
عليه وسلم كأنّما يمشي على الأرض ما يمسّه بيده، فقلت: يا رسول الله، إنّما كنت في
الغرفة تسعة وعشرين؟ قال: "إنّ الشهر يكون تسعًا وعشرين".
فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم
يطلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، ونزلت هذه الآية: (وإذا جاءهم أمر من
الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين
يستنبطونه منهم)، فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر، وأنزل الله عز وجل آية التخيير.
وروى مسلم كذلك (1479) عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال: لم أزل حريصًا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله
عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) حتى حجّ
عمر وحججت معه، فلما كنّا ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة، فتبرّزَ ثم
أتاني فسكبت على يديه فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عز وجل لهما: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت
قلوبكما) قال عمر: وا عجبًا لك يا بن عباس! قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم
يكتمه، قال: هي حفصة وعائشة، ثم أخذ يسوق الحديث قال:
كنّا معشر قريش قومًا نغلب النساء،
فلمّا قدمنا المدينة؛ وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم،
قال: وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي، فتغضّبتُ يومًا على امرأتي فإذا هي
تراجعني، فأنكرتُ أن تراجعني، فقالت: ما تُنكرُ أن أراجعك؛ فوالله إن أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجرُه إحداهنّ اليوم إلى الليل؟!
فانطلقتُ فدخلتُ على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول
الله صلى الله عليه وسلم؟! فقالت: نعم، فقلت: أتهجره إحداكنّ اليوم إلى الليل؟!
قالت: نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسر، أفتأمنُ إحداكن أن يغضب الله عليها
لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا هي قد هلكت! لا تُراجعي رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولا تسأليه شيئًا، وسليني ما بدا لك، ولا يغرّنك أن كانت جارتك هي أوسم
وأحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، يريد عائشة.
قال: وكان لي جار من الأنصار، فكنا
نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينزل يومًا، وأنزل يومًا،
فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك، وكنّا نتحدّث أنّ غسان تنعلُ الخيل
لتغزونا، فنزل صاحبي ثم أتاني عشاء فضرب بابي، ثمّ ناداني فخرجتُ إليه، فقال: حدث
أمر عظيم! قلت: ماذا، أجاءت غسّان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأطول، طلّق النبي صلى
الله عليه وسلم نساءه! فقلت: قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظنّ هذا كائنًا.
حتى إذا صليت الصبح، شددتُّ عليّ ثيابي، ثم
نزلت، فدخلت على حفصة وهى تبكي، فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقالت: لا أدري، ها هو ذا معتزل في هذه المشربة، فأتيت غلامًا له أسود، فقلت
استأذن لعمر، فدخل ثم خرج إليّ، فقال: قد ذكرتك له فصمَتْ، فانطلقت حتى انتهيت إلى
المنبر فجلست، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست قليلًا ثم غلبني ما أجد، ثم
أتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثم خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فصمَتَ،
فولّيتُ مدبرًا فإذا الغلام يدعوني فقال: ادخل، فقد أذن لك، فدخلت فسلّمت على رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو متّكئ على رمل حصير قد أثّر في جنبه، فقلت:
أطلّقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: "لا".
فقلت: الله أكبر، لو رأيتَنا يا رسول
الله وكنّا معشر قريش قومًا نغلب النساء، فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم
نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم فتغضّبتُ على امرأتي يومًا فإذا هي
تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكرُ أن أراجعك، فوالله إنّ أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فقلت: قد خاب من فعل
ذلك منهن وخسر، أفتأمنُ إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم
فإذا هي قد هلكت! فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت: يا رسول الله، قد دخلتُ على حفصة، فقلت:
لا يغرّنك أن كانت جارتك هي أوسم منك وأحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك،
فتبسّم أخرى. فقلت: أَستأنِسُ يا رسول الله؟ قال: "نعم".
فجلستُ فرفعت رأسي في البيت؛ فوالله ما
رأيت فيه شيئًا يردّ البصر إلا أُهُبًا ثلاثة، فقلت: ادع الله يا رسول الله أن
يوسّع على أمتك، فقد وسّع على فارس والروم، وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسًا ثم
قال: "أفي شكٍّ أنت يا بن الخطاب؟! أولئك قومٌ عُجّلت لهم طيّباتهم في
الحياة الدنيا". فقلت: استغفر لي يا رسول الله، وكان أقسم أن لا يدخل
عليهن شهرًا من شدة موجدته عليهن، حتى عاتبه الله عز وجل".
6. لشيخنا
عبد الكريم الخضير حفظه الله جملة مشهورة في ذلك، فكان إذا ذكر الحديث قال: فكم
سيُقسم لك من هذا الجناح يا من تعطي الدنيا همّك؟!
7. ابن
ماجه ( 4110 ) والترمذي ( 2320 ) وقال: "حديث صحيح غريب". وصححه
الألباني في الصحيحة ( 940 )
8. صيد
الخاطر (1 / 29)
9. ذكر
الضبّي في الأمثال قصة ذلك المثل وهو أن الأضبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن
زيد مناة بن تميم كان يرى من قومه وهو سيدهم بغيًا عليه وتنقصًا له! فقال: ما في
مجامعة هؤلاء خير، ففارقهم وسار بأهله حتى نزل بقوم آخرين، فإذا هم يفعلون
بأشرافهم كما كان يفعل به قومه من التنقّص له والبغي عليه، فارتحل عنهم وحلّ
بآخرين، فإذا هم كذلك، فلما رأى ذلك انصرف وقال: ما أرى الناس إلا قريبًا بعضهم من
بعض، فانصرف نحو قومه وقال: أينما أُوجِّه أَلْقَ سعدًا! فأرسلها مثلًا. ومعنى ألق
سعدًا: أي أرى مثل قومي بني سعد. وقال: في كل واد بنو سعد. الأمثال للضبي (1)
وانظر جمهرة العسكري (1/ 61) والبيان والتبيين (3/ 294)
10.
أي سرور وحبور.
11.
النسائي (3940) وصححه الألباني.
12.
البخاري 8/128 ( 6490 ) ومسلم 8/213 (
2963 ) ( 8 ) ( 9 )
13.
ولا أظن صحة نسبة القصيدة بتمامها
إليه، بسبب ما فيها من ملاحظ عقدية في البيت الأول والأخير، ولن تخفى عن إمامنا
الشافعي رحمه الله - وما أكثر ما ينسب لعلي رضي الله عنه والشافعي رحمه الله من
القصائد ما لا يصح عنهما -وقد يصح توجيه البيت الأول، ولكن الأخير صريح في سب
الدهر، والحديث في النهي عن هذا صحيح كما عند مسلم، باب: النهي عن سب الدهر (١٧٦٣)
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «لا تسبّوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر». أما
البيت الأخير فلا شك في تحريمه، وحاشا الإمام
الشافعي أن يفوه به، فإما أنه مقحم في القصيدة من غيره، وإما أن القصيدة
بتمامها ليست له، والبيت الأخير هو قوله:
دعِ الأيام تغدرُ
كلَّ حينٍ ... فما يغني عن الموت الدواءُ
أما البيت الأول فهو قول الشاعر:
دع الأيامَ تفعل
ما تشاء ... وطب نفسًا إذا حكم القضاءُ
وقد سئل العثيمين رحمه الله تعالى في لقاء
الباب المفتوح (٢٣/ ١٢٩) عن حكم هذا البيت فأجاب: "نعم، لا شك أن فيه شيئًا
في الشطر الأول؛ لأن الأيام ليست تفعل، إنما الذي يفعل هو: الله تعالى. لكن قد يُعَبَّر
بالزمن عن الفاعل وهو الله تعالى، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا
تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر"، فقد يريد الشاعر بقوله: "دع الأيام
تفعل ما تشاء" يريد بذلك الرب تعالى، بمعنى أنه يقول: ارضَ بقضاء الله كما
بيَّن ذلك في الشطر الثاني: "وطب نفسًا إذا حكم القضاءُ". فعلى كل حال:
الشاعر له وجهة نظر في الشطر الأول، أما الشطر الثاني فلا غبار عليه؛ لكننا نقول:
لا ينبغي للإنسان أن يقول هكذا، وأن يضيف الحوادث إلى زمنها".
14.
انظر: الزاد لابن القيم (4/189-195)
15.
أحمد (26635) ومسلم 3/37 ( 918 ) ( 4 )
16.
زاد المعاد في هدي خير العباد (٤/١٧٤)
17.
أبو داود (4701) وصححه الألباني.
18.
روى ابن أبي شيبة في مصنفه (36751)
بسند فيه مبهم عن ابن مسعود، قال: "ود أهل البلاء يوم القيامة، أن جلودهم
كانت تقرض بالمقاريض". ورواه (36027) بسنده عن مسروق. قال السيوطي في اللآلي
المصنوعة (2 / 334): "وروى الطبراني بسند جيد عن ابن مسعود موقوفًا.. وذكره.
19.
الترمذي ( 2396 ) وابن ماجه ( 4031 )
وصححه الألباني.
20.
المسند (23623) وحسنه محققوه، وصححه
الألباني في صحيح الجامع (١٧٠٦)
21. البخاري 2/99 ( 1283 )، ومسلم 3/40 ( 926 ) ( 15 )
22. الشيخ عبد القادر الجيلاني
مشهور بالعبادة والفضل والزهد والحكمة، وقد غلا فيه بعض الناس جهلًا منهم بحقيقة
التوحيد أوّلًا، ثم ببراءته من أكثر ما ينسب إليه ثانيًا. فقد نسبوا إليه أشياء
غير قليلة كذبًا وزورًا هو منها بريء، ومن أباطيلهم في شأنه اعتقادهم بتصرّفه بعد
موته في الكون، وفضيلة استقبال قبره عند الدعاء، واعتقاد السرّ فيه وغير ذلك مما
لا يصح عنه رحمه الله. قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (2 / 434): "وأما
قول القائل: من قرأ آية الكرسي، واستقبل جهة الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله
عنه وسلّم عليه، وخطا سبع خطوات يخطو مع كل تسليمة خطوة إلى قبره قضيت حاجته، أو
كان في سماع فإنه يطيب ويكثر تواجده، فهذا أمرٌ القربةُ فيه شرك برب العالمين. ولا
ريب أن الشيخ عبد القادر لم يقل هذا، ولا أمر به، ومن يقل مثل ذلك عنه فقد كذب
عليه، وإنما يُحدث مثل هذه البدع أهل الغلو والشرك المشبهين للنصارى من أهل البدع
الرافضة الغالية في الأئمة، ومن أشبههم من الغلاة في المشايخ". وقد وصفه ابن
القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (1 / 175) بقوله: "الشيخ الإمام العارف
قدوة العارفين الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه". وما أكثر ما ينسب
إلى الصالحين والصالحات من شناعات هم منها سالمون وعنها غافلون، أما الكاذبون
فـ(ستكتب شهادتهم ويسألون). وما صحّ منها فنعتذر لهم عنها ولا نتابعهم عليها، فإن
الله لم يأمرنا بشرعٍ سوى ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم: (وما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم هنه فانتهوا) (وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) فمعيار
الشريعة الوحي، وإليه المردّ عند عن التنازع، والله المستعان. ورحم الله من قال:
كلُّ
إمامٍ ليسَ قوله بحُجّة ... إلا الذي من صاحبِ المَحجّة
صلّى
عليه اللهُ كلَّ حين ... ففي هداهُ شِرعَتي وديني
قال
الإمام الدارمي رحمه الله في الرد على الجهمية (١/١١٨): "إنّ الذي يُريدُ
الشذوذَ عن الحق يتبعُ الشّاذَّ من قول العلماء، ويتعلق بِزلّاتهم، والذي يَؤُمُّ
الحقَّ في نفسه، يتبعُ المشهورَ من قول جماعتهم، وينقلب مع جمهورهم، فَهُما آيتان
بَيِّنَتان يُسْتَدَلُّ بهما على اتباع الرَّجُلِ، وعلى ابتداعه".
23.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى (10 /
277): "وكثيرًا ما يقرن الناس بين الرياء والعجب، فالرياء من باب الإشراك
بالخلق، والعجب من باب الإشراك بالنفس، وهذا حال المستكبر. فالمرائي لا يحقق قوله:
{ إياك نعبد } والمعجب لا يحقق قوله: { وإياك نستعين }. فمن حقق قوله: { إياك نعبد
} خرج عن الرياء، ومن حقق قوله: { وإياك نستعين } خرج عن الإعجاب. وفي الحديث
المعروف: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه".
أهـ. والحديث رواه البزار 10-15 - (2 / 290) والبيهقي في الشعب (6491) وحسنه
الألباني في الصحيحة (1802)
24.
مسلم (2822)
25.
وتدبر الآيات: (إن هؤلاء يحبون العاجلة
ويذرون وراءهم يومًا ثقيلًا)، (وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما
عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون . أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو اقيه كمن متعناه متاع
الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين) (بل تؤثرون الحياة الدنيا . والآخرة
خير وأبقى) وفي القرآن ذكر كثير لهذا المعنى الهام جدّا لكل عاقل.
26.
من الطريقة الرابعة وما بعدها عن: زاد
المعاد (4/ 173-180) بتصرف واختصار.
27.
ابن ماجه (2/ 3870) وفي الزوائد:
إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
28.
الترمذي (3377)، وابن ماجه (2/ 3790)
واللفظ له وصححه الألباني، صحيح ابن ماجه (3057)
29.
أي محاور ابن الحاج وسائلُه، وهو من
باب ضرب الأمثال، فهو حوار نافع في ذهن الشيخ، لا في الخارج.
30.
المدخل لابن الحاج (3 / 87- 88)
31.
المقصود بالمسجد ههنا: أي في السجود،
أو في الموضع الذي كان يصلي فيه في حجرته. عن: نضرة النعيم (6 / 2123)
32.
لا أحصي ثناء عليك: أي لا أحصي نعمتك
وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء عليك.
33.
مسلم (486)
34.
البخاري 8/142 (6549) ومسلم 8/144
(2829) (9)
35.
الترمذي (3173)، والنسائي (1443) ومسند
أحمد (223) وحسّنه عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول (8847)
36.
وما كنا له مقرنين: أي ما كنا نطيق
قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا.
37.
وعثاء: المشقة والشدة.
38.
الكآبة: هي تغير النفس من حزن ونحوه.
39.
المنقلب: المرجع.
40.
مسلم (1342)
41.
أحمد (1494) وحسنه محققوه من أجل عاصم
بن بهدله. وصححه الألباني في صحيح الجامع (996)
42.
أبو داود (4263) وصححه الألباني وأيمن
صالح. فواها: واها: كلمة يقولها المتأسف على الشيء المتلهف له.
43.
أبو داود (5074) وأحمد (2/25) (4785)
وصححه الألباني وأيمن صالح شعبان.
44.
مسلم (2712)
45.
البخاري 4/62 ( 2966 ) ، ومسلم 5/143 (
1742 ) قال العثيمين: "وفي الحديث: ألّا يتمنى الإنسان لقاء العدو، وهذا غير
تمني الشهادة، فتمني الشهادة جائز، بل قد يكون مأمورًا به. وفيه أن يسأل الله
العافية والسلامة، وإذا لقيت العدو فاصبر، وينبغي لأمير الجيش أن يرفق بهم ويختار
الوقت المناسب من الناحية اليومية والفصلية، وفيه الدعاء على الأعداء بالهزيمة".
شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (1/131) عن تحقيق الفحل للرياض.
46.
الترمذي (3514) وقال: حديث صحيح، وأحمد
(1783) وصححه الألباني.
47.
النسائي (2040) وقال الشيخ الألباني:
صحيح.
48.
أي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وفي بعض الروايات بدون ذكر بكاء أبي بكر.
49.
مسند أبي يعلى (1 / 112) وقال حسين
سليم أسد: إسناده صحيح.
50.
مصنف ابن أبي شيبة (10 / 437)
51.
البخاري 8/157 (6616) ومسلم 8/76
(2707) (53)
52.
أبو داود (5088) و(5089) وابن ماجه
(3869) والترمذي (3388) وقال: حديث حسن صحيح غريب. وصححه الألباني.
53.
(5090) وكذلك أصحاب السنن وأحمد، وصححه
الألباني.
54.
وهو الشلل، وخصه بعضهم بشلل الشق
الأيمن أو الأيسر طولًا.
55.
(3869) وصححه الألباني.
56.
والأخبار والقصص من أمثال ذلك كثيرة،
وإذا أراد أمرًا هيأ له أسبابه.
57.
مسلم 8/76 ( 2708 ) ( 54)
58.
مسلم 8/88 (2739) (96)
59.
أحمد (25137) وابن ماجه (3846)، وابن
حبان (869)، وصححه الألباني. وقوّى رجاله الأرناؤوط.
60.
أحمد (20430) والبخاري في الأدب المفرد
(701) وأبو داود (5090) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3388)
61.
صحيح سنن الترمذي (1967) وهو في
الصحيحة (2311)
62.
مدارج السالكين (3 / 17) وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في
الفتاوى (١٠/ ٧٣): "اتفقت الأمتان قبلنا على ما عندهم من مأثور وحكم عن موسى
وعيسى صلوات الله عليهما وسلامه أنّ أعظم الوصايا: أن تحب الله بكل قلبك وعقلك
وقصدك، وهذا هو حقيقة الحنيفيّة ملّة إبراهيم، التي هي أصل شريعة التوراة والإنجيل
والقرآن".
63.
الأَكلة: بفتح الهمزة، وهي المرة
الواحدة من الأكل، كالغداء والعشاء.
64.
مسلم (2734)
65.
الاعتصام بحبل الله: التمسك بعهده
واتباع كتابه والتأدب بآدابه.
66.
قيل وقال: هو الخوض في أخبار الناس.
67.
كثرة السؤال: المراد به التنطّع في
المسائل والإكثار من السؤال عما لا يقع ولا تدعو إليه الحاجة.
68.
مسلم (1715)، وبعضه عند البخاري (5975)
69.
الترمذي (1899) وصححه الألباني، صحيح
الترمذي (1549)، وقال محقق جامع الأصول (1/ 401): إسناده صحيح.
70.
بئر معونة: في أرض بني سليم فيما بين
مكة والمدينة.
71.
البخاري، الفتح 6 (3046). مسلم (677)
واللفظ له. وعند البخاري: "فرضي عنا وأرضانا". ثم رفع ذلك بعد.
72.
ابن ماجه (2101)، وقال البوصيري في
الزوائد: رجال إسناده ثقات. وحسنه الحافظ في الفتح (11/ 536)
73.
النسائي (1/ 10) وصححه الألباني، صحيح
الجامع (3695)، وصحيح سنن النسائي (5) وقال الحافظ الدمياطي: رواه النسائي وابن
خزيمة وابن حبان، والبخاري معلقًا مجزومًا.
74.
هَبِلْتِ: أفقدت عقلك بفقد ابنك حتى
ظننت أن الجنان جنة واحدة؟
75.
البخاري، الفتح 11 (6550)
76.
البخاري (1162)
77.
الرضا بالقضاء. عن: مجلة جامعة أم
القرى (5 / 420)
78.
فتتحول الوسيلة لديهم لغاية، وهذا من
مداخل الشيطان وتزيينه، وليس المقصود بالتحذير ترك التلذّذ بالبلاء فهذا فضيلة
وعمل قلبي جليل، إنما المقصود ألا يقف عند هذا العمل، بل عليه أن يتقدم به للأمام
فيشهد الغايات من هذا البلاء واطّلاع مولاه وحسن ظنه بوعده والشوق إليه وتعظيمه،
ونحو ذلك، وهي مضطردة في كثير من أعمال القلب كالصبر والتوكل والمحبة والأُنس
والصدق وغيرها.
79.
لا يقصد التمتع بحلاوة الإيمان فهي من
لُباب التوحيد وهي من أسباب زيادة الإيمان واليقين، وهي مكافأةٌ من الله تعالى
لعبده في الدنيا لعمله الصالح، إنما مقصوده – كما مرّ – التحذير من الوقوف عندها،
فغاية المؤمن بعبادته إرضاء الله تعالى، فهي غاية الغايات وليس وراءها مرمى، والله
تعالى إذا رضي عن عبده أرضاه وأكرمه، (رضي الله عنهم ورضوا عنه)، فإذا وقفت غاية
العبد وقصده بالعمل الصالح عند تحصيل لذة العبادة فقد قصّر عن الغاية، وهذا كما مر
في التلذذ بالرضا بالبلاء سواء بسواء، والله المستعان.
80.
مدارج السالكين (2 / 201- 204)
مختصرًا.
81.
الدعاء للطبراني (٤٩) وصححه الألباني
في الصَّحيحَة: (٢١٩٧) والمُجذّمون هم من أصابهم مرض الجُذام مرض الجذام هو مرض جلدي بكتيري معدي،
يظهر على شكل تقرّحات جلدية شديدة، تتفاقم لتتسبب بإذن الله بتلف في الأعصاب في
الذراعين والساقين ومناطق الجلد حول الجسم، بالإضافة إلى ضعف العضلات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق