هل
عدمُ الألمٌ شرطٌ للرِّضا بالله تعالى؟
الحمد لله، وبعد؛ فإن بعض الناس قد
يسمع عن أحوال بعض الصالحين من الأنبياء والصحابة وغيرهم أنهم يتلذّذون بالبلاء في
ذات الله تعالى، كحال صبر أيوب عليه السلام سنينًا كثيرة، وكما نقل عن بلال رضي
الله عنه أنه سئل: كيف كنت تصبر على عذاب حرِّ الرمضاء؟ فقال: "والله أما إنّي
كنت أجد ألمًا عظيمًا، ولكني مزجت حرارة الألم بلذة الرضا في ما أرجوه من الله؛
فغلب ذلك ما أجد من آلامها".
بِعَيْنَيْكَ ما
يلقى الفُؤادُ وما لَقِي … وللشوقِ ما لم يبْق منّي وما بقِي
فيظنّ من سمع أمثال تلك المواقف أنّ
عدم الإحساس بالألم شرطٌ لكمال الرضا، أو أنّ التلذّذ بالألم بعد الإحساس به شرط
له!
وهذا ظنٌّ غير صحيح، فليس شرطًا بحمد
الله تعالى، ولا يسع الناس إلا ذلك، والله تعالى يقول: (ما جعل عليكم في الدين من
حرج)، ويقول: (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها)، فالشعور بالألم حتميّ في العادة،
ولا يُحمد صاحبه ولا يذمّ، إنما يحمد ويذم على انفعاله بالمؤلم، أيرضى أم يجزع. فالرضا
اختياري أمّا الألم فليس بالاختيار، لذلك فالجهة منفكّة، ولولا الألم ما كان للرضا
بالمصائب وجه، فكيف يرضى بمصيبة لا تؤلمه، والامتحان إنما هو بفعل الطاعة وترك
المعصية مع مشقتهما على النفس، والمشقة هي عين الألم.
ويتبيّن هذا إذا عرفنا معنى الرضا العام، فالرضا
دورانٌ براحةِ النفس وطمأنينةِ القلب مع أمر الله مُفرحًا كان أو مؤلمًا. وعليه
فليس من شرط الرضا عدم الشعور بالألم، والألم تارة يكون حسيًّا وتارة معنويًا وهو
الأشدّ، بل إنّ سادة الناس وهم الرسل والأنبياء كانوا يتألّمون، ولكن كانت قلوبهم
راضية تمام الرضا بمُرّ القضاء، فالسعيد من كان على نهجهم، والنبي صلى الله عليه
وسلم كان يوعك كما يوعك الرجلان، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فمسستُه وهو يوعك وعكًا شديدًا! فقلت: إنك لتوعك
وعكًا شديدًا، وذلك أن لك أجرين؟ قال: "أجل، وما من مسلم يصيبه أذى إلا
حاتَّتْ عنه خطاياه كما تَحاتُّ ورقُ الشجر". (1) وقال صلى الله عليه
وسلم: "أشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الإنسانُ
على حسَبِ دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقّة خُفّف
في بلائه". (2) وإذا نزل البلاء ومعه الصبر والرضا والحمد فهو رحمة نعمة،
حتى إن ظنّ الناس خلاف ذلك، ولكن إن كان معه الجزع والسّخط فهو عذاب ونقمة، نسأل
الله العافية. قال المنجد حفظه الله تعالى: "ليس من شروط الرضا ألّا يحس
العبد بالألم والمكاره، بل من شروط الرضا عدم الاعتراض على الحكم، وألا يسخط،
ولذلك فإن الرضا لا يتناقض مع وجود التألم وكراهة النفس لما يحصل من مكروه.
فالمريض مثلًا يرضى بشرب الدواء مع أنه يشعر بمرارته ويتألم لمرارته، لكنه راضٍ
بالدواء مطمئنٌ بأخذه مقبلٌ على أخذه، لكنه في ذات الوقت يَطْعَم مرارة الدواء،
والصائم رضي بالصوم وصام وسُرَّ بذلك لكنه يشعر بألم الجوع، فهل بشعوره بألم الجوع
يكون غير راضٍ بالصيام؟! لا بل هو راضٍ بالصيام ويشعر بالجوع. والمجاهد المخلص في
سبيل الله راضٍ عند الخروج للجهاد و مُقْدِمٌ عليه، لكن يحس بالألم والتعب والغبار
والنعاس والجراح، وهكذا.
لَوْلَا المَشَقّةُ سَادَ النّاسُ كُلُّهُمُ ...
الجُودُ يُفْـقِرُ وَالِإقْدَامُ قَتَّالُ
إذًا لا يشترط أن يزول الألم و
الكراهية للشيء إذا حصل الرضا، لكن بعض أصحاب المقامات العالية جدًّا يستلذّون
بالألم إذا حصل في الجهاد أو الصيام. لكن لا يشترط أن الفرد إذا أحس بالألم في
العبادة أن يكون غير راضٍ". (3) وللإمام ابن القيم رحمه الله جواب لطيف على
ذلك، قال رحمه الله تعالى: "يظن بعض الناس أن من شرط الرضا ألا يحس بالألم والمكاره،
وطعنوا فيه وقالوا: هذا ممتنع على الطبيعة، وإنَّما هو الصبر، وإلّا فكيف يجتمع الرضا
والكراهة وهما ضدان؟ والجواب من وجوه:
الأول: أنه لا تناقض بينهما، فوجود التألم، وكراهة
النفس له لا ينافي الرضا، كرضا المريض بشرب الدواء الكريه، ورضا الصائم في اليوم الشديد
الحر بما يناله من ألم الجوع والظمأ، ورضا المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم
الجراح، وغيرها.
الثاني: أن طريق الرضا طريق مختصرة، قريبة جدًّا،
موصلة إلى غاية، ولكن فيها مشقة، ومع هذا فليست مشقتها بأصعب من مشقة طريق المجاهدة،
ولا فيها من العقبات والمفاوز ما فيها، وإنَّما عقبتُها همّةٌ عالية، ونفس زكية، وتوطين
النفس على كل ما يرِدُ عليها من الله. ويسهّل ذلك إذا وطّن نفسه على الرضا بما قدره
الله عليه، ولم يتكلف من الأسباب ما لا طاقة به له. وهذا القسم من الكوني أيضًا على
نوعين:
النوع الأول: ما للعبد فيه استطاعة واختيار وإرادة في
منازعته ومدافعته بكل ممكن، ومثاله الجوع والعطش أو البرد ونحو ذلك، فإن العبد يترك
الانقياد له، ومسالمته، ويدفعه بقدَر آخر من الأكل والشرب واللباس ونحوه. فإذا وقع
حريق - مثلًا - في دار أو متجر أو مركب، فهذا بقدر الله تعالى، والعبد لا يستسلم له
ويسالمه ويتلقاه بالإذعان، بل عليه أن ينازعه ويدافعه بالماء والتراب وغير ذلك مِمَّا
يطفئ الحريق، وما خرج في ذلك عن قدر الله.
بل يجب أن يفعل الأسباب في عدم حصول ذلك
أصلًا، كما في الحديث: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فلما حُدّث بشأنهم النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه النَّار عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم".
(4) ومن ذلك تغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله عليها،
وإطفاء السرج عند النوم، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب". (5)
والإحساس بالمؤلم لا يمنع الرضا به،
والرضا بالمؤلم لا يمنع دفعه بما شرع الله تعالى، فهو خالق السّبب والمُسبَّب، ومن
ذلك: إذا أصاب المؤمن مرض، فهذا بقدر الله تعالى وقضائه الكوني، فإن له أن يدافعه وينازعه
بقدر الله أيضًا، فيستعمل الأدوية الدافعة للمرض، فإن غلبه وقهره حرص على دفع آثاره
وموجباته بالأسباب التي نصبها الله لذلك، فيكون قد دفع القدر بالقدر، كما في قصة عمر
بن الخطاب رضي الله عنه، وقوله عندما عُوتب على فراره من الطاعون، وعدم دخوله أرض الشام
بمن معه من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم جميعًا فقالوا له: "أفرارًا من قدر
الله"؟ فقال عمر رضي الله عنه: "نعم، نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت
إن كانت لك إبل هبطت واديًا له عَدْوَتان (6): إحداهما: خَصِيبة، والأخرى جَدْبة، أليس
إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد
الرحمن بن عوف رضي الله عنه - وكان متغيّبًا في بعض حاجته - فقال: إن عندي في هذا علمًا،
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه،
وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه". قال: "فحمد الله عمر،
ثُمَّ انصرف". (7) قال ابن القيم رحمه الله: "ومن
لم يستبصر من هذه المسألة ويعطها حقّها؛ لزمه التعطيل للقدر أو الشرع، شاء أو أبى.
فما للعبد ينازع أقدار الرب بأقداره في حظوظه، وأسباب معاشه، ومصالحه الدنيوية، ولا
ينازع أقداره في حق مولاه، وأوامره ودينه، وهل هذا إلا خروج عن العبودية، ونقص في العلم
بالله وصفاته وأحكامه". (8)
وعلى هذا، فإنه لا بد أن يرضى بهذا المقضيّ،
ولا يجزع، ولا يعترض على قدر الله وقضائه وإن كره أو تألّم، أو طلب تغيير المقدور إلى
ما هو أحسن، مع علمه بأنه قد يكون ما أصابه من ذلك خير مِمَّا يحب أن يصيبه، مِمَّا
ظاهره الخير، { وَعَسى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا
شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }.
النوع الثاني: ما ليس للعبد فيه اختيار ولا طاقة، ولا
حيلة في منازعته ومدافعته. وهذا ما أشار إليه حديث عبادة رضي الله عنه: "واعلم
أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك".. الحديث. (9) فهذا
لا تنفع فيه المنازعة ولا المدافعة، فهذا يقابل بالرضا والاستسلام، وترك المخاصمة والسخط،
والعلم والإيمان بأن الأمر والحكم والقضاء لله من قبل ومن بعد، وأنه سبحانه له حكمة
في ذلك هو يعلمها سبحانه، وهو عدل في قضائه، والقدر المقضيّ ينزل مواقعه، ويحل محله
لا راد له، وذلك أوجب للرب سبحانه عدله وحكمته وعزته وملكه وموجب أسمائه وصفاته، فله
عليه أكمل الحمد وأتمه، والرضا والتسليم. (10)
دَحَوتَ
البِلادَ فَسَوَّيتَها ... وَأَنتَ عَلى طَيِّها قادِرُ
ولقد قال الشاعر العراقي بدر شاكر
السيّاب رحمه الله (1926 ـ 1964م) قصيدة جميلة في مرض موته، وقد ابتلي
بنوع شللٍ ألزمه فراشه حتى أصابته قرح الفراش، وشحب لونه، وهزل جسده، وقد ختم بها
حياته، وعسى أن تكون توبة له نصوحًا، فالعبرة بالخواتيم كما قال النبي ﷺ: «الأعْمالُ
بِالخَواتِيم». (11) وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعْمالُ
بِخَواتِيمِها، كالوِعاء: إذا طابَ أعْلاَهُ طابَ أسْفَلُه، وإذا خَبُث أعْلاَهُ
خَبُثَ أسْفَلُه". (12) وقد مرّ السياب بمحطات حياتية فكرية بعضها شديد
الانحدار، لكنه – كما قيل قد رجع لربه قبل مماته وتاب وأناب وألف كتابه "كنتُ
شيوعيًّا". وقد قال في مرض موته هذه القصيدة (13) وقد ضمّن حشوها جميل الحمد
والحب والصبر والرضا واليقين، وفيها بعض الشكوى التي ليته سلم منها، وقد وسمها
بـ"سفر أيوب" (14):
لك الحمدُ مهما
استطال البلاء
ومهما استبدّ
الألم
لك الحمدُ، إنّ
الرزايا عطاء
وإنّ المصيباتِ
بعضُ الكرم
ألم تُعطني أنت
هذا الظلام
وأعطيتني أنت
هذا السَّحَر (15)
فهل تشكر الأرضُ
قطرَ المطر
وتغضب إن لم يَجُدْها
الغَمامُ (16)
شهورٌ طِوالٌ
وهذي الجراح
تمزّقُ جنبيَّ
مثل المُدَى
ولا يهدأ الداءُ
عند الصباح
ولا يمسح اللّيل
أوجاعه بالرَّدى (17)
ولكنّ أيّوبَ إن
صاح صاح:
لك الحمد، إنّ
الرّزايا ندى
وإنّ الجراح
هدايا الحبيب
أضمّ إلى الصّدر
باقاتها (18)
هداياك في خافقي
لا تغيب
هداياك مقبولة
هاتِها
أشدُّ جراحي
وأهتفُ بالعائدين
ألا فانظروا
واحسدوني
فهذى هدايا
حبيبي
جميلٌ هو
السّهدُ أرعى سَمَاك
بعينيَّ حتى
تغيبَ النجوم
ويلمس شُبّاكُ
داري سَنَاكَ (19)
جميلٌ هو الليلُ
أصداءُ بومٍ
وأبواقُ سيارةِ
من بعيد
وآهاتُ مرضى،
وأمٌ تُعيد
أساطيرَ آبائها
للوليد
وغاباتُ ليل
السُّهاد
الغيومُ تحجّبُ
وجهَ السماء
وتجلوه تحت
القمر
وإن صاح أيوب
كان النداء
لك الحمد يا
راميًا بالقدر
ويا كاتبًا بعد
ذاك؛ الشّفاء
إبراهيم الدميجي
aldumaiji@gmail.com
.............................
1. البخاري
(5337) "تَحاتُّ": مضارع تحاتّ على وزن تباعد، وأصلها: تحاتت
فأدغمت التاء تسهيلًا. يقال: حاتّ الورق إذا تناثر. وفي الرواية الأخرى بلفظ
مقارب: «أجل، ما من مسلمٍ يصيبه أذى من مرض فما سواهُ إلاَّ حطَّ الله له
سيئاته كما تحطُّ الشَّجرةُ ورقها». رواه البخاري (٥٦٤٧) ومسلم (٢٥٧١)
2. أحمد
(1494) وحسنه محققوه من أجل عاصم بن بهدله. وصححه الألباني في صحيح الجامع (996)
3. سلسلة
أعمال القلوب، محمد المنجد (2/ 26-27) بتصرف يسير.
4. البخاري
8/81 ( 6294 ) ومسلم 6/107 ( 2016 ) ( 101 )
5. انظر:
مدارج السالكين (2 / 176) وما بعدها. وعند مسلم (٢٠١٣) عن جابر رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله ﷺ: «لا تُرْسِلُوا فَواشِيَكُمْ وصِبْيانَكُمْ إذا غابَتِ
الشَّمْسُ حَتّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ العِشاءِ، فَإنَّ الشَّياطِينَ تَنْبَعِثُ إذا
غابَتِ الشَّمْسُ حَتّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ العِشاءِ».
6. العَدْوَة:
جانب الوادي.
7. البخاري
7/168 (5729) ومسلم 7/29 (2219) (98)
8. طريق
الهجرتين (1 / 68)
9. أبو
داود (4701) وصححه الألباني.
10.
وانظر: طريق الهجرتين وباب السعادتين (١/٣٩)
وسيأتي بسط ذلك بإذن الله في فصل: الشَّرعُ والقَدَر.
11.
البخاري (٦٦٠٧)
12.
ابن حبان (٣٣٩) وحسنه الأرناؤوط.
13.
وهي من قصائد التفعيلة، أو ما يُسمّى بالشعر
الحُرّ غير الملتزم ببحور أشعار العرب، إن صح أصلًا أن نسمّي ما خلا الشعر العمودي
شِعرًا، وليس كذلك فيما أحسب إلا إن جعلناه في مرتبة تالية للشعر المعروف أوّلًا
والرجز المألوف ثانيًا. فقد يُقبل ذلك إذن تجوّزا لا إقرارًا، لأن له نوعُ جّرْسٍ
لذيذ للأذن، ونوع وزن للكَلِم، وإن كان مفكَّكًا وغير مضطرد، لذلك وسَمُوه بالشعر
الحرّ من قيد العروض، كذلك تستحليه كثير من القرائح لمن يحسنه - فقد صار بأَخَرةٍ
مركبًا لكثير من هُزَالى المتشاعرين - كما قد ضُمّن كمًّا كثيرًا من معاني ونبض
الشعر الأصيل.. وعلى كلٍّ فلا مشاحة في الاصطلاح سواء أدخلوه في الشعر أو أخرجوه،
وليس هو من التنزيل حتى يلزم التشديد، ففي الأمر سعة إن شاء الله.
14.
وفي هذا تشبه بأهل الكتاب بتسمية
القصيدة بأسفار كتابهم المحرف، وإن كان قصد الشاعر الإشارة بذلك إلى شبه حاله بشيء
من حال نبي الله الصابر الراضي الكريم أيوب عليه السلام، ولكن كان الأولى خلاف هذا
المُسمّى.
15.
يقصد أن الظلام عطيّة ربانية له،
وبخاصة وقت السَّحر، فيخلو فيه عن الخلق بربه، ويبثه ما تفيض به نفسه المتألمّة من
زَمَانةِ السقام وشوق اللقاء وبرْد الرضا، وانكسار التائب المنيب.
16.
أي أنه ثابت على الرضا والحمد والشكر
في العطاء والمنع، واليسر والعسر.
17.
كأنه يلمح إلى أن خواطرًا بتمنّي الموت
تأتيه ليلًا حتى تمسح ألم طعن سكاكين جراح القروح، وتمنّي الموت لضرر دنيا خطيئة،
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنّين
أحدكم الموت لضرّ ينزل به، فإن كان لا بدّ متمنِّيًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت
الحياة خيرًا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي". رواه البخاري
(5671)، ومسلم (2680)
18.
فمِن رضاه بربه وحمده شكره على ابتلائه
صارت البلايا عليه كباقات الورود المُهداة، لِمَا تضمّنته من معاني التكفير
والتطهير ورفعة الدرجات.
19.
لأنه كسيح طريح الفراش، مشلول لا يمشي
هنا وهناك، بل مقابل لنافذته التي يراعي فيها نجوم السماء وأحوال الأرض، ومن جمال
الأدباء أن خيالهم المُترع بالجمال يصوّر لهم المعاني متجسّدة، فيتذوّقونها
بقلوبهم، ويشمّونها بأرواحهم، ويتناولونها بعقولهم، وإن كانت عن الحسّ بعيدة، بل
حتى الشيء الذي يراه بعض أهل الكثافة في الغاية من الوحشة – كصوت البوم – نراه
يصوره كنغمٍ جميل لقيثارة ناعمة، وذلك للطف روحه، ورقّة طبعه، ورهافة إحساسه، رحمه
الله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق