(رضي الله عنهم ورضوا عنه)
الحمد لله، وبعد؛ فليس وراء رضوان الله
لأهل الإيمان مطلب، فنسأل الله تعالى بوجهه الأكرم واسمه الأعظم أن يُحِلَّ علينا
جميعًا ووالدينا وأهلينا وأحبابنا والمسلمين رضوانه الذي لا سخط بعده، إنه سميع
قريب. قال تبارك وتعالى مبينًا مُبشّرًا مُرغّبًا واعدًا أهل الإيمان: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ
ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }، "جامعة لكل نعيم وفرح، خالية من كل أذى
وترح، تجري من تحت قصورها ودورها وأشجارها الأنهار الغزيرة، المروية للبساتين
الأنيقة، التي لا يعلم ما فيها من الخيرات والبركات إلا اللّه تعالى. { خَالِدِينَ
فِيهَا }، لا يبغون عنها حِوَلا {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ }، قد
زُخرفت وحسّنت وأعدت لعباد اللّه المتقين، قد طاب مرآها، وطاب منزلها ومقيلها،
وجمعت من آلات المساكن العالية ما لا يتمنّى فوقه المتمنّون، حتى إن اللّه تعالى
قد أعد لهم غرفًا في غاية الصفاء والحسن، يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من
ظاهرها. فهذه المساكن الأنيقة، التي حقيق بأن تسكن إليها النفوس، وتنزع إليها
القلوب، وتشتاق لها الأرواح، لأنها في جنات عدن، أي: إقامة لا يظعنون عنها، ولا
يتحولون منها.
{ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ }، يحلّه
على أهل الجنة { أَكْبَرُ } مما هم فيه من النعيم، فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية
ربهم ورضوانه عليهم، ولأنه الغاية التي أمَّها العابدون، والنهاية التي سعى نحوها
المحبون، فرضا رب الأرض والسماوات، أكبر من نعيم الجنات. { ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ }، حيث حصلوا على كل مطلوب، وانتفى عنهم كل محذور، وحسنت وطابت منهم
جميع الأمور، فنسأل اللّه أن يجعلنا معهم بجوده". (1)
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا
أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربّنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟
فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: ألا
أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحلّ عليكم رضواني فلا
أسخط عليكم بعده أبدًا". (2) فرضا الله تعالى الذي لا سخط بعده أفضل من
جنّة بلا دوام رضا، فلا نعيم للمؤمن إلا بعد رضا الله تعالى، وإنما بيّن لهم تعالى
إعطاءَهم رضاه عليهم على سبيل التدرّج في ترقّي نعيمهم في الجنة للأعلى والأجمل
والأفضل، وبأن رضاه عنهم لا يزول ولا يحول، وفي هذا غاية الأمن والحبور، كما قال
تعالى: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها
ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر)، فالرضا جزء من نعيم الجنة، والجنة
لا يدخلها إلا من رضي الله عنه، فالجنة ثمرة الرضا. وقد يكافئ السيد عبده وهو غير
راض عنه، أما الرضا فله شأن ثان، وقد يرضا عنه في وقت دون آخر، أما ديمومة الرضا
فلا مثيل لها، ولله المثل الأعلى. والجنة إنما طابت برضوان الله تعالى على أهلها.
ثم لمّا كان الرضا قد أقرَّ عيونَ أهل الجنة بالفرح السابغ والأمن الدائم الخالد؛
أُعطوا فوقه نعيمًا زائدًا، وأيُّ نعيم؟! نسأل الله الكريم من فضله، إنه النظر
لوجه الرحمن، إنه الزيادة. فعن صهيب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة؛ يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا
أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّضْ وجوهَنا؟ ألم تدخلْنا الجنة وتنجِّنا من النار؟ فيكشف
الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم". (3)
قال الحافظ رحمه الله في الفتح في
كلامه على حديث: "ألا أعطيكم أفضل من ذلك..": "وفيه تلميح
بقوله تعالى: (ورضوان من الله أكبر) لأن رضاه سبب كل فوز وسعادة، وكلّ من عَلِمَ أنّ
سيّده راض عنه؛ كان أقرّ لعينه واطيب لقلبه من كل نعيم، لما في ذلك من التعظيم
والتكريم. وفي هذا الحديث: أن النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه". (4)
وقال ابن تيمية رحمه الله: "وهذا يدل على أنه في ذلك الوقت حصل لهم هذا
الرضوان الذي لا يتعقبه سخط أبدًا، ودل على أن غيره من الرضوان قد يتعقبه سخط. وفي
الصحيحين في حديث الشفاعة يقول كلٌّ من الرسل: "إن ربي قد غضب اليوم غضبًا
لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله". (5)" (6) وقال ابن القيم
رحمه الله: "وتأمل قوله تعالى: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من
تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر)، كيف جاء
بالرضوان مبتدأً منكَّرًا مُخبِرًا عنه بأنه أكبر من كل ما وعدوا به، فأيسرُ شيء
من رضوانه أكبر من الجنات وما فيها من المساكن الطيبة وما حَوَتْه". (7) نسأل
الله الكريم من فضله.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى
مُحفّزًا همم الصالحين التواقين لعلّيين، (وما أدراك ما عليون) (8): "خلق الله
دارين، وخصّ كل دار بأهل، والله سبحانه مع كونه خالق كل شيء فهو موصوف بالرضا والغضب
والعطاء والمنع والخفض والرفع والرحمة والانتقام، فاقتضت حكمته سبحانه أن خلق دارًا
لطالبي رضاه، العاملين بطاعته، المؤثِرين لأمره، القائمين بمحابِّه؛ وهي الجنة.
وجعل فيها كل شيء مرضي، وملأها من كل محبوب ومرغوب
ومشتهى ولذيذ، وجعل الخير بحذافيره فيها، وجعلها محلّ كل طيّب من الذوات والصفات والأقوال.
وخلق دارًا أخرى لطالبي أسباب غضبه وسخطه، المُؤثِرين
لمراضيهم وحظوظهم على مرضاته، العاملين بأنواع مخالفته، القائمين بما يكره من الأعمال
والأقوال، الواصفين له بما لا يليق به، الجاحدين لما أخبرت به رسله من صفات كماله ونعوت
جلاله؛ وهي جهنم، وأودعها كل شيء مكروه، وسِجنها مليء من كل شيء مؤذ ومؤلم، وجعل الشرّ
بحذافيره فيها، وجعلها محلّ كل خبيث من الذوات والصفات والأقوال والأعمال.
فهاتان الداران هما دارا القرار، وخلق دارًا ثالثة
هي كالميناء لهاتين الدارين، ومنها يتزوّد المسافرون إليهما، وهي دار الدنيا. ثم أخرج
إليها من أثمار الدارين بعض ما اقتضته أعمال أربابهما، وما يستدل به عليهما، حتى كأنهما
رأي عين، ليصير للإيمان بالدارين وإن كان غيبًا وجهُ شهادة تستأنس به النفوس، وتستدل
به.
فأخرج سبحانه إلى هذه الدار من آثار رحمته من الثمار
والفواكه والطيبات والملابس الفاخرة والصور الجميلة، وسائر ملاذ النفوس ومشتهياتها،
ما هو نفحة من نفحات الدار التي جعل ذلك كله فيها على وجه الكمال. فإذا رآه المؤمنون
ذكّرهم بما هناك من الخير والسرور والعيش الرخيّ، كما قيل:
فإذا رآك المسلمون
تيقّنوا ... حورَ الجنان لدى النعيم الخالدِ
فشمّروا إليه، وقالوا: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة،
وأحدثت لهم رؤيته عزمات وهممًا وجِدًّا وتشميرًا، لأن النعيم يُذكّر بالنعيم، والشيء
يذكّر بجنسه، فإذا رأى أحدهم ما يعجبه ويروقه ولا سبيل له إليه قال: موعدك الجنة (9)
وإنما هي عشية أو ضحاها.
فوجود تلك المشتهيات والملذوذات في هذه الدار رحمة
من الله، يسوق بها عباده المؤمنين إلى تلك الدار التي هي أكمل منها، وزاد لهم من هذه
الدار إليها، فهي زادٌ وعبرة ودليل وأثر من آثار رحمته التي أودعها تلك الدار، فالمؤمن
يهتزّ برؤيتها إلى ما أمامه، ويثير ساكن عزماته إلى تلك، فنفسه ذوّاقة توّاقة إذا ذاقت
شيئًا منها تاقت إلى ما هو أكمل منه، حتى تتوق إلى النعيم المقيم في جوار الرب الكريم.
(10)
وأخرج سبحانه إلى هذه الدار أيضًا من آثار غضبه ونقمته
من العقوبات والآلام والمحن والمكروهات من الأعيان والصفات ما يستدل بجنسه على ما في
دار الشقاء من ذلك، ومن ذلك آثار النَّفَسَين الشتاء والصيف اللذين أذن الله سبحانه
بحكمته لجهنم أن تتنفس بهما، فاقتضى ذانك النفَسَان آثارًا ظهرت في هذه الدار كانت
دليلًا عليها وعبرة. وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى ونبّه عليه بقوله في نار الدنيا:
(نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين). تذكرةً تذكر بها الآخرة ومنفعة للنازلين بالقواء
وهم المسافرون، يقال: أقوى الرجل إذا نزل بالقي والقوى، وهي الأرض الخالية، وخص المقوين
بالذكر وإن كانت منفعتها عامة للمسافرين والمقيمين تنبيهًا لعباده - والله أعلم بمراده
من كلامه- على أنهم كلهم مسافرون، وأنهم في هذه الدار على جناح سفر، ليسوا هم مقيمين
ولا مستوطنين، وأنهم عابرو سبيل وأبناء سفر.
والمقصود؛ أنه سبحانه أشهد في هذه الدار ما أعد لأوليائه
وأعدائه في دار القرار، وأخرج إلى هذه الدار من آثار رحمته وعقوبته ما هو عبرة ودلالة
على ما هناك من خير وشرّ، وجعل هذه العقوبات والآلام والمحن والبلايا سياطًا يسوق بها
عباده المؤمنين، فإذا رأوها حذروا كل الحذر، واستدلوا بما رأوه منها وشاهدوه على ما
في تلك الدار من المكروهات والعقوبات. وكان وجودها في هذه الدار وإشهادهم إياها وامتحانهم
باليسير منها رحمةً منه بهم، وإحسانًا إليهم، وتذكرةً، وتنبيهًا.
ولما كانت هذه الدار ممزوجًا خيرها بشرها
وأذاها براحتها ونعيمها بعذابها؛ اقتضت حكمةُ أحكم الحاكمين أن خلّص خيرَها من شرِّها،
وخصّه بدار أخرى هي دار الخيرات المحضة، ودار السرور المحضة، فكتب على هذه الدار حكم
الامتزاج والاختلاط، وخلط فيها بين الفريقين، وابتلى بعضهم ببعض، وجعل بعضهم لبعض فتنة.
حكمة بالغة بهرت العقول، وعِزَّة قاهرة، فقام بهذا الاختلاط سوق العبودية كما يحبه
ويرضاه، ولم تكن تقوم عبوديته التي يحبها ويرضاها إلا على هذا الوجه. بل العبد الواحد
جمع فيه بين أساب الخير والشر، وسلّط بعضه على بعض؛ ليستخرج منه ما يحبه من العبودية
التي لا تحصل إلا بذلك.
فلما حصلت الحكمة المطلوبة من هذا الامتزاج والاختلاط،
أعقبه بالتمييز والتخليص، فميّز بينهما بدارين ومحلّين، وجعل لكل دار ما يناسبها، وأسكن
فيها من يناسبها. وخلق المؤمنين المتقين المخلصين لرحمته، وأعداءه الكافرين لنقمته،
والمخلّطين للأمرين، فهؤلاء أهل الرحمة، وهؤلاء أهل النقمة، وهؤلاء أهل النقمة والرحمة..
وأظهر حكمته الباهرة، ليعلم العباد كمال قدرته وحكمته، وأنه يخلق ما يشاء، ويختار من
خلقه من يصلح للاختيار، وأنه يضع ثوابه موضعه، وعقابه موضعه، ويجمع بينهما في المحل
المقتضي لذلك، ولا يظلم أحدًا، ولا يبخسه شيئًا من حقه ولا يعاقبه بغير جنايته.
هذا مع ما في ضمن هذا الابتلاء والامتحان من الحكم
الراجعة إلى العبيد أنفسهم من استخراج صبرهم وشكرهم وتوكّلهم وجهادهم، واستخراج كمالاتهم
الكامنة في أنفسهم من القوة إلى الفعل، ودفع الأسباب بعضها ببعض، وكسر كل شيء بمقابِلِه،
ومصادمته بضده؛ لتظهر عليه آثار القهر وسِمات الضعف والعجز، ويتيقّن العبد أن القهّار
لا يكون إلا واحدًا، وأنه يستحيل أن يكون له شريك، بل القهر والوُحدة متلازمان، فالملك
والقدرة والقوّة والعزّة كلها لله الواحد القهار، ومن سواه مربوب مقهور، له ضدٌّ ومناف
ومشارك.
فخلق الرياح، وسلّط بعضها على بعض تُصادِمها وتكسر
سورتها وتذهب بها، وخلق الماء، وسلّط عليه الرياح تصرفه وتكسره، وخلق النار، وسلط عليها
الماء يكسرها ويطفئها، وخلق الحديد، وسلّط عليه النار تذيبه وتكسر قوته، وخلق الحجارة،
وسلّط عليها الحديد يكسرها ويُفتّتها، وخلق آدم وذريته، وسلّط عليهم إبليس وذريته،
وخلق إبليس وذريته، وسلّط عليهم الملائكة يشرّدونهم كل مشرّد، ويطردونهم كل مطرد، وخلق
الحرّ والبرد والشتاء والصيف، وسلّط كلّا منهما على الآخر يذهبه ويقهره، وخلق الليل
والنهار، وقهر كلّا منهما بالآخر، وكذلك الحيوان على اختلاف ضروبه من حيوان البر والبحر،
لكل منه مضادّ ومُغالب.
فاستبان للعقول والفطر أن القاهر الغالب لذلك كله
واحد، وأن من تمام ملكه إيجادُ العالَم على هذا الوجه، وربطُ بعضه على بعض، وإحواجُ
بعضه إلى بعض، وقهرُ بعضه ببعض، وابتلاءُ بعضه ببعض، وامتزاجُ خيره بشرّه، وجعلُ شرّه
لخيره الفداء، ولهذا يُدفع إلى كل مؤمن يوم القيامة كافر فيقال له: هذا فداؤك من النار.
(11) وهكذا المؤمن في الدنيا يسلَّط عليه الابتلاء والامتحان والمصائب ما يكون فداءه
من عذاب الله، وقد تكون تلك الأسباب فداء له من شرور أكثر منها في هذا العالم أيضًا،
فليعط اللبيب هذا الموضع حقه من التدبر؛ تتبين له حكمة اللطيف الخبير". (12)
مع التنبيه إلى ضرورة المؤمن للمسارعة
في الخيرات، والتوبة النصوح من الزلات، علّ الله تعالى أن يجيب الدعوات، وينيل
الرغبات، ويغفر الخطيئات، أنه سميع قريب مجيب. قال يحيى بن معاذ رحمه الله: "لا
تستبطئ الإجابة وقد سددت طريقها بالذنوب". (13)
نحن ندعو الإلهَ
في كلِّ كربٍ ... ثمَّ ننساه عند كشف
الكروبِ
كيف نرجو إجابةً
لدعاءٍ ... قد سددنا طريقَها بالذنوبِ
ومن توابع ذلك أن على المؤمن الابتعاد
عن مواطن الظلم لعباد الله، فهو ديوانٌ لا يُترك منه شيء، ولْيكثر ما استطاع من
الحسنات المرجّحة لميزانه، ولْيزاحم السيئات الغابرة بالحسنات الماحية، ولا يحقرنّ
من المعروف شيئًا، ولْيعلم أن السيئة الكبيرة محتاجة إلى حسنة كبيرة عند الميزان
إن لم يعف الرحمن، فلا يعلم أي حسنة يحتاج إليها غدًا لرجحان ميزانه، قال شيخ
الإسلام رحمه الله تعالى: "حَقُّ الآدميّ يُعطاهُ من حسناتِ مَن ظَلَمَه،
فمِن تمام التَّوبة أن يستَكثِرَ العَبدُ من الحسناتِ لِيُوَفِّيَ غُرماءَهُ،
وتبقى له بقِيَّةٌ يدخلُ بها الجنَّة". (14) اللهم نسألك رضاك والجنة، ونعوذ
بك من سخطك والنار، ونسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا
والآخرة، إله الحق.
إبراهيم الدميجي
aldumaiji@gmail.com
........................................
1. تفسير
السعدي (1 / 343)
2. البخاري
8/142 (6549)، ومسلم 8/144 (2829) (9)
3. مسلم
1/112 (181) (297)
4. فتح
الباري (11 / 422)
5. البخاري
4/163 (3340) و6/105 (4712)، ومسلم 1/127-128 (194) (327)
6. مجموع
الفتاوى (7 / 444)
7. بدائع
الفوائد (2 / 393)
8. عليّون
وصفُ مبالغة للعلوّ والارتفاع، فهو أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله
تعالى، فالله تعالى في أعلى العلوِّ كما وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم في دعائه: "وأنت
الظاهر فليس فوقك شيء". رواه مسلم (2713). وتحته مخلوقاته، فأقربها منه
أشرفها، فلفظ عليّين يدل على المبالغة في العلوّ. فأعلى عليّين هي منزلة الوسيلة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما
يقول، ثم صلّوا عليّ؛ فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا
الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن
أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشفاعة". رواه مسلم ( 384 ).
فإن كانت الوسيلة من الفردوس الأعلى فهي أعلاه، وإن كانت منفصلة عنه فهي فوقه،
والمُتبادر إلى الفهم أنها منزلة في أعلى الفردوس الأعلى من جنّة الرحمن، وفي معنى
الوسيلة القرب، وهي هنا القرب من الرحمن جل جلاله مكانًا ومكانَةً.
والفردوس الأعلى في المرتبة الأعلى من
علّيّين، -وقد يكون عليّون مختصّ بالفردوس في بعض إطلاقاته-، فعن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آمن بالله وبرسوله
وأقام الصلاة وصام رمضان؛ كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله
أو جلس في أرضه التي ولد فيها"، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نبشّر الناس؟
قال: "إن في الجنة مئة درجة، أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين
الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط
الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تُفجّر أنهار الجنة". رواه
البخاري (2790). فالجنة مُقبَّبةٌ، وأوسطُ القبّة أعلاها كرأس الكُرَة، وعن أنس
رضي الله عنه أن أم الربيع بنت البراء - وهي أم حارثة بن سراقة-، أتت النبي صلى
الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ألا تحدثني عن حارثة - وكان قتل يوم بدر -
فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال: "يا
أم حارثة، إنها جنانٌ في الجنة، وإنّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى". رواه البخاري
(2809).
ومراتبُ الجنة العُلى – كأهل الغُرَف-
عليّون بالنسبة لمن دونهم من أهل الجنة، فمراتب أهل الغرف عالية، وقد يكونون هم
أهل الفردوس، وقد يكونون أدنى منهم لأن مراتب الجنة كثيرة جدًّا وساشعة المسافات.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ
أهلَ الجنة ليتراءون أهلَ الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدرّي الغابر في
الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم"، قالوا: يا رسول الله؛ تلك
منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: "بلى والذي نفسي بيده، رجالٌ آمنوا
بالله وصدّقوا المرسلين". رواه البخاري (3256) ومسلم (2831).
والجنة كلها عليّون بالنسبة لما تحتها،
كما في الحديث الطويل للبراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فيقول
الله تعالى: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض". أخرجه أحمد
(18733) وأبو داود (3212 و4753) وصححه الألباني. فالجنة كلها عليون بالنسبة لأهل
الأرض، والأبرار المقتصدون هم من المؤمنين الذين يُكتب كتابهم في عليين، كما قال
سبحانه: (كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين)، وإن كان السابقون المُقرّبون أعلى منهم
منازل.
وقد جاء عن السلف في معنى "علّيين"
أقوال، منها: السماءُ السابعة، وقائمةُ العرشِ اليُمنى، والجنة، وعند سِدْرَةِ
المنتهى، وقيل: في السماء عند الله تعالى. وقيل : هو اسمٌ لدِيوَان الملائكة
الحَفَظَة، تُرْفَع إليه أعمالُ الصالحين من العباد، وقيل: أراد أعْلَى الأمْكِنَة
وأشْرَفَ المرَاتِب من اللّه في الدار الآخرة. قال الطبري رحمه الله في تفسيره (24
/ 293): "فبيَّن أن قوله: ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ معناه: في عُلُوٍّ وارتفاع، في
سماءٍ فوق سماء، وعُلُوٍّ فوق عُلُوٍّ. وجائزٌ أن يكونَ ذلك إلى السماء السابعة،
وإلى سدرة المنتهى، وإلى قائمةِ العرش اليُمنى، ولا خبرَ يقطعُ العُذْرَ بأنه معنيٌّ
به بعضٌ دون بعض. والصوابَ أن يقال في ذلك كما قال الله جل ثناؤه: إن كتابَ أعمالِ
الأبرار لفي ارتفاعٍ إلى حدٍّ قد عَلِمَ الله جلَّ وعزَّ منتهاه، ولا علمَ عندنا
بغايته، غير أن ذلك لا يقصرُ عن السماء السابعة؛ لإجماع الحجة من أهل التأويل على
ذلك". أهـ. هذا وقد وردَ في بعض طرقِ حديثِ البراء بن عازب: "اكتبوا
كتابَ عبدي في علِّيِّين في السماء السابعة". وانظر: زاد المسير (9/57)،
وتفسير ابن كثير (8/374) وغريب الحديث لابن الجوزي (2 / 124) وقال ابن الأثير في
النهاية (3/294): "ويعرب بالحروف والحركات كقنّسرين وأشباهها على أنه جمع أو
واحد".
وقال ابن تيمية رحمه الله في مجموع
الفتاوى (5 / 183): "قال أبو مطيع البلخي في كتاب "الفقه الأكبر"
المشهور: سألت أبا حنيفة عمّن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض. قال: قد
كفر؛ لأن الله عز وجل يقول: { الرحمن على العرش استوى }، وعرشه فوق سبع سماواته.
فقلت: إنه يقول: على العرش استوى، ولكن لا يدري العرش في السماء أو في الأرض، فقال:
إذا أنكر أنه في السماء كفر؛ لأنه تعالى في أعلى عليين؛ وأنه يُدعى من أعلى لا من
أسفل". وقال في فتاويه (6 / 12): "والمقرّبون هم فوق أصحاب اليمين الأبرار
الذين كتابهم في عليين، { وما أدراك ما عليون . كتاب مرقوم . يشهده المقربون . إن
الأبرار لفي نعيم . على الأرائك ينظرون . تعرف في وجوههم نضرة النعيم . يسقون من
رحيق مختوم . ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . ومزاجه من تسنيم . عينا
يشرب بها المقربون}. قال ابن عباس: يشرب بها المُقَرّبون صِرْفًا، وتُمزج لأصحاب
اليمين مزجًا".
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في
شرح مسلم (15 / 208): "قوله صلى الله عليه وسلم (2444): "اللهم اغفر
لي وارحمني وألحقني بالرّفيق"، وفي رواية: "الرفيق الأعلى"،
الصحيح الذي عليه الجمهور أن المراد بالرفيق الأعلى الأنبياء الساكنون أعلى عليين،
ولفظةُ رفيق تطلق على الواحد والجمع، قال الله تعالى: (وحسن أولئك رفيقا). وقيل:
هو الله تعالى، يقال: الله رفيق بعباده، من الرفق والرأفة، فهو فعيل بمعنى فاعل،
وأنكر الأزهري هذا القول. وقيل: أراد مُرتفقَ الجنة". وقال ابن القيم في الروح
(1 / 45): "هذا مع القطع بأن روحه الكريمة في الرفيق الأعلى، في أعلى عليين،
مع أرواح الأنبياء". والله أعلى وأحكم.
9. رويت
عن ابن حزم، وأنه قالها لفاكهة وكان صائمًا: "يا فاكهة موعدك الجنة".
ورويت عن فقير قالها، لشدة فقره، وقوّة صبره ويقينه.
10.
نقل ابن الجوزي رحمه الله تعالى في المدهش
(1 / 228) عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: "خُلِقتْ لي نفسٌ توّاقة، لم
تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتُها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة".
11.
في المسند (19670) ومسلم (2767) (49) عن
أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان
يوم القيامة دُفِع إلى كلّ مؤمن رجل من أهل الملل، فقال له: هذا فداؤك من
النار".
12.
طريق الهجرتين (1/ 134-140) مختصرًا.
13.
جامع العلوم والحكم (١/٢٧٥)
14.
تفسير آيات أشكلت (1/ 317)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق