الرضا
بالإسلام دينًا
الحمد لله، وبعد؛ فإن أعظم نعمة بإطلاق
هي نعمة الإسلام، فلا تضاهيها منّة ولا تقاربها نعمة، فقد تفضّل الله علينا وأتمّ النعمة به، بل قد رضيه سلمًا
لمرضاته ومحبته والفوز لديه والفلاح عند لقائه، قال تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ
دِيناً )، وقال تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ
دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ
اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ)، وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ)، فلله الحمد كله أوّلًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا كما ينبغي لجلال وجهه
وعزّته وعظمته وكماله وجماله وجلاله.
وعلى
المؤمن الناصح لنفسه المبتغي الدرجات العلى والنعيم المقيم والجوار الكريم
أن يصلح ما وهن من دينه، ويرفأ شقوق ثوب إيمانه، ويشدّ حبله الوثيق مع ربه بالعلم
واليقين وخالص العبادة وصادق الدعاء، ويزداد الأمر حين يفسد الناس وتشتد غربة
الدين ويصبح صاحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منفورًا غير مرغوب لدى أكثر
ناسه، والعابد القانت نادرًا غريبًا، وتأملّ هذا الحديث الصحيح ويدك على قلبك
واسأل ربك العفو والعافية، فعن مرداس الأسلمي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى
الله عليه وسلم: "يذهب الصالحون الأوّل فالأوّل، ويبقى حُثَالةٌ كحثالة
الشعير أو التمر، لا يباليهم الله بالة". (1)
وثمّ رسالة نفيسة جِدُّ نفيسة بعنوان:
"فضل الإسلام" للإمام المجدد لمعالم الحنيفية محمد بن عبد الوهاب رحمه
الله تعالى، وسأنتخب منها ما ألحّ إيراده فكلها قيّمة نافعة، مع ذكر بعض تعليقات
شيخنا العلّامة ابن باز عليها:
"وفي الصحيح عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُكُمْ
وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقَالَ:
مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟
فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ
إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى. ثُمَّ قَالَ:
مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى
قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ.
فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا:
مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً؟! قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ
حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ".(2) وفيه أيضًا عَن أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَضَلَّ
اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ
السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا
اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ. فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ،
وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ
أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (3) وعن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الأديان أحبُّ
إلى الله؟ قال: "الحنيفيَّةُ السَّمْحَة". (4)
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال:
"عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت
عيناه من خشية الله فتمسّه النار، وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعرّ
جلده من خشية الله إلا كان مثله مثل شجرة يبس ورقها، فبينما هي كذلك إذ أصابتها
الريح فتحاتّ عنها ورقها، إلا تحاتّت عنه ذنوبه كما تحاتّ عن هذه الشجرة ورقها،
وإن اقتصادًا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنّة".
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
"يا حبّذا نوم الأكياس (5) وإفطارهم كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم! ولمثقال
ذرة من برّ مع تقوى ويقين، أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجبال من عبادة
المغترّين".
وجوب الدخول في
الإسلام
قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَبْتَغِ
غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85) وقال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ
الْأِسْلامُ) (آل عمران: من الآية19) وقال تعالى: (وَأَنَّ
هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ
بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (الأنعام: من الآية153). قال مجاهد: "السُّبُل: البدع
والشبهات". وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا
مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" أخرجاه، وفي لفظ: "مَنْ عَمِلَ
عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ". (6) وللبخاري عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله قال: قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ
أَبَى!" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟! قَالَ:
"مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى".
(7) وفي الصحيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ
فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ
دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ". (8) قال ابن تيمية:
"قوله "سنّة الجاهلية": "يندرج فيها كل جاهلية مطلقة
أو مقيّدة، أي: في شخص دون شخص، كتابية أو وثنية، أو غيرهما من كل مخالفة لما جاء
به المرسلون". (9) وفي الصحيح عن حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
"يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ اسْتَقِيمُوا فَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا،
فَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا
بَعِيدًا". (10) وعن محمد بن وضاح أنه كان يدخل المسجد فيقف على الحِلَق
فيقول: فذكره.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: "ليس
عام إلا والذي بعده شرّ منه، لا أقول عام أمطر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا
أمير خير من أمير، لكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوامٌ يقيسون الأمور
بآرائهم؛ فيُهدم الإسلام ويُثلم".
تفسير الإسلام
قال الله تعالى: (فَإِنْ حَاجُّوكَ
فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) (آل عمران: من الآية20)،
وفي الصحيح عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ: "الْإِسْلَامُ أَنْ
تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،
وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ
الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا". (11) وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "الْمُسْلِمُ
مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ". (12)
قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ
دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ 7(آل عمران:85) وعن أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيً اللَّه
عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَجِيءُ
الْأَعْمَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَتَجِيءُ الصَّلَاةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ
أَنَا الصَّلَاةُ، فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ، فَتَجِيءُ الصَّدَقَةُ
فَتَقُولُ: يَا رَبِّ أَنَا الصَّدَقَةُ، فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ، ثُمَّ
يَجِيءُ الصِّيَامُ فَيَقُولُ: أَيْ يَا رَبِّ أَنَا الصِّيَامُ، فَيَقُولُ:
إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، ثُمَّ تَجِيءُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَلِكَ فَيَقُولُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّك عَلَى خَيْرٍ، ثُمَّ يَجِيءُ الْإِسْلَامُ فَيَقُولُ: يَا
رَبِّ أَنْتَ السَّلَامُ وَأَنَا الْإِسْلَامُ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، بِكَ الْيَوْمَ آخُذُ وَبِكَ أُعْطِي". (13) فَقَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ
دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ). (14)
الاستغناء
بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه
قال الله تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ
الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) (النحل: من الآية89) . ورأى النبي صلى
الله عليه وسلم في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقة من التوراة فقال:
"أمتهوِّكون (15) يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة، ولو كان
موسى حيًّا واتبعتموه وتركتموني ضللتم". وفي رواية: "ولو كان
موسى حيًّا ما وسعه إلا اتّباعي". فقال عمر: "رضيت بالله ربًّا
وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا". (16)
الخروج عن دعوى
الإسلام
قال تعالى: (هُوَ سَمَّاكُمُ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا)(الحج: من الآية78) وعن الْحَارِثَ
الْأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ
وَالطَّاعَةُ، وَالْجِهَادُ، وَالْهِجْرَةُ، وَالْجَمَاعَةُ، فَإِنَّهُ مَنْ
فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ
عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ
مِنْ جُثَا جَهَنَّم" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَإِنْ
صَلَّى وَصَامَ؟ قَالَ: "وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ، فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ
الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ". (17)
(18)
وفي الصحيح: "مَنْ فَارَقَ
الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ". (19) وفيه: "أَبِدَعْوَى
الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟".(20) قال أبو العباس (21):
"كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة
فهو من عزاء الجاهلية. بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجري!
وقال الأنصاري: يا للأنصار! قال صلى الله عليه وسلم: "أَبِدَعْوَى
الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟" وغضب لذلك غضبًا
شديدًا". (22) (23) (24)
وجوب الدخول في
الإسلام كله وترك ما سواه
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)(البقرة: من الآية208)، وقال
تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا
أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِك)(النساء: من الآية60) وقال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي
شَيْءٍ )(25) قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ )(آل عمران: من الآية106): تبيض وجوه أهل السنة
والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدع والاختلاف. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي
الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيَأْتِيَنَّ
عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ
حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي
مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ
وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً
كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً". قَالُوا : وَمَنْ
هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: "مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي". (26) وليتأمل المؤمن الذي يرجو لقاء
الله، كلام الصادق المصدوق (27) في هذا المقام خصوصًا قوله: "مَا أَنَا
عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي". يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة!
والحديث رواه الترمذي، ورواه أيضًا من حديث أبي هريرة وصححه، ولكن ليس فيه ذكر
النار، وهو في حديث معاوية عند أحمد وأبي داود وفيه: "أَنَّهُ سَيَخْرُجُ
فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى
الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا
دَخَلَهُ". (28) وتقدم قوله: "وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ
سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّة". (29)
البدعة أشد من
الكبائر (30)
(31)
وقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء:
من الآية48). وقوله: ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً
لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ)(الأنعام: من الآية144). وقوله تعالى:
(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ
الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)(النحل:25).(32)
وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال
في الخوارج: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم، لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل
عاد". (33) وفيه أنه: "نهى عن قتال أمراء الجور". (34)
(35) وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن رجلًا تصدق بصدقة ثم تتابع الناس فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً
حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً
سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ
مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ". (36) (37) وله
مثله من حديث أبي هريرة ولفظه: «مَنْ دعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثْلُ
أجور مَنْ تَبِعَهُ، لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضَلالَة كان عليه
من الإثمِ مِثْلُ آثام من تَبِعَهُ، لا يَنْقُص ذلك من أوزارهم شيئًا». (38)
احتجاز التوبة
عن صاحب البدعة (39)
وقال الله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ
لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا
تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30) وقال تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ
بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقرة:132)، وقوله تعالى: (ثُمَّ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:123). وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً
مِنْ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ وَلِيِّي مِنْهُمُ أَبِي إِبْرَاهِيم وَخَلِيلُ رَبِّي"،
ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ
وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (40)
ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا
إِخْوَانَنَا" قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: "أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا
بَعْدُ" فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ
أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ
رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ، بُهْمٍ
أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:
"فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ، وَأَنَا
فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ
حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ
فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا".
(41) (42) وللبخاري: "بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا
عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ: هَلُمَّ.
فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ! قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ؟
قَالَ: إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى. ثُمَّ
إِذَا زُمْرَةٌ -فذكر مثله- قال: فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ
هَمَلِ النَّعَمِ" (43) ولهما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "فأقول
كما قال العبد الصالح": ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ
فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(المائدة: من الآية117). (44) (45)
وعن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال:
كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ
فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟
قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ
خَيْرٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ"، قُلْتُ: وَمَا
دَخَنُهُ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ
وَتُنْكِرُ"، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ:
"نَعَمْ، فِتْنَةٌ عَمْيَاء، وَدُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ
أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛
صِفْهُمْ لَنَا، فَقَالَ: "هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ
بِأَلْسِنَتِنَا"، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟
قَالَ: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ"،
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ
تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى
يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ". أخرجاه. (46) وزاد مسلم:
ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مَعَهُ نَهْرٌ وَنَارٌ،
فَمَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ وَجَبَ أَجْرُهُ وَحُطَّ وِزْرُهُ، وَمَنْ وَقَعَ فِي
نَهْرِهِ وَجَبَ وِزْرُهُ وَحُطَّ أَجْرُهُ"، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ
مَاذَا؟، قَالَ: "ثُمَّ هِيَ قِيَامُ السَّاعَةِ". قال أبو
العالية: "تعلّموا الإسلام، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط
المستقيم فإنه الإسلام، ولا تنحرفوا عن الصراط يمينًا ولا شمالًا، وعليكم بسنة
نبيكم، وإياكم وهذه الأهواء".(47)
تأمل كلام أبي العالية رحمه الله تعالى
هذا، ما أجلّه، واعرف زمانه الذي يحذر فيه من الأهواء التي من اتبعها فقد رغب عن
الإسلام، وتفسير الإسلام بالسنة، وخوفه على أعلام التابعين وعلمائهم من الخروج عن
السنة والكتاب، يتبين لك معنى قوله تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ
)(البقرة: من الآية131). وقوله: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ
يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وقوله تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ
إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ)، وأشباه هذه الأصول الكبار التي هي أصل الأصول
والناس عنها في غفلة، وبمعرفتها يتبين معنى الأحاديث في هذا الباب وأمثالها، وأما
الإنسان الذي يقرأها وأشباهها وهو آمن مطمئن أنها لا تناله ويظن أنها في قوم كانوا
فبادوا. (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا
الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (لأعراف:99).
وعَنْ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَّ
لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطًّا ثُمَّ
قَالَ: "هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ"، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ
يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: "هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ
سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ"، ثُمَّ تَلَا: (وَأَنَّ
هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)(الأنعام: من الآية153) (48) (49)
غربة الإسلام،
وفضل الغرباء
قال الله تعالى: (فَلَوْلا كَانَ مِنَ
الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ )(هود: من الآية116)، وعن
أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا،
وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ". (50) وفيه:
من الغرباء؟ قال: "النُّزَّاعُ مِنَ القَبَائِل". (51) وفي رواية: "الْغُرَبَاءُ
الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاس". (52) وللترمذي من حديث
كَثِير بن عبد الله عن أبيه عن جده: "طُوبَى لِلْغُرَبَاء الَّذِينَ
يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ سُنَّتِي". (53)
وَعَنْ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ سَأَلْتُ
أَبَا ثَعْلَبَةَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا ثَعْلَبَة؛ كَيْفَ تَقُولُ فِي ِهَذِهِ
الْآيَةِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا
يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)(المائدة:105)؟"، فَقَالَ:
"أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "بَلْ
ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا
رَأَيْتُمْ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً،
وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ؛ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ
عَنْكَ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّابِرُ فِيهِنَّ
كَالْقَابضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ
رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ". قلنا: "مِنَّا أَمْ
مِنْهُمْ؟"، قَالَ: "بَلْ مِنْكُمْ". (54) (55)
التحذير من
البدع
عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي
الله عنه قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمًا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا
الْقُلُوبُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّه؛ كَأَنَّهَا موعظة مودّع فأوصنا، قَالَ: "أُوصِيكُمْ
بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ
عَبْدٌ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا،
فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ،
وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ".
(56) (57)
وعن حذيفة رضي الله عنه قال:
"كلُّ عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد فلا تتعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر
مقالًا، فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم". وعن عمر بن
يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: "كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود
رضي الله قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى
الأشعري رضي الله عنه فقال: "أَخَرَجَ إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا.
فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعًا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد
الرحمن؛ إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرتُه، ولم أر والحمد لله إلا خيرًا،
قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قومًا حلقًا جلوسًا،
ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى فيقول: كبّروا مئة، فيكبرون مئة،
فيقول: هلّلوا مئة، فيقول: سبّحوا مئة، فيسبحون مئة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما
قلت لهم شيئًا انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدّوا سيئاتهم،
وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم شيء؟ ثم مضى، ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك
الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ فقالوا: يا أبا عبد الرحمن؛
حصى نعدّ بها التكبير والتهليل والتسبيح، فقال: فعدّوا سيئاتكم، فأنا ضامن ألا
يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة محمد صلى
الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تُبل، وآنيته لم تكسر. والذي نفسي بيده
إنكم لعلى ملّة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة! قالوا: والله يا أبا
عبد الرحمن؛ ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قومًا يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم؛ وأيم الله لعل
أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحِلَق
يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج".(58) (59) (60)
فالحمد لله كما ينبغي له على أن هدانا
للإسلام، ونسأله تبارك وتعالى أن يحيينا ويميتنا عليه إنه سميع قريب مجيب.
إبراهيم الدميجي
aldumaiji@gmail.com
.................................................
1.
البخاري (6434) قال البخاري عقب تخريجه
الحديث: "يقال: حُفالة وحُثالة". وفي رواية: "لا يباليهم الله
بالًا". وفي أزمنة الفتن فرصة لحصد أجور لا تتأتّى في غيرها، وأزمنة
الفتن ليست شرًّا محضًا، ففيها للعابدين الصابرين الثابتين خيرًا كثيرًا، والعاد
في زمن الفتن له أجر خمسن من الصحابة المرضيين.
قال البغوي في شرح السنة (14 / 393):
"حفالة التمر: رذالته، ومثلها الحثالة، والفاء والثاء يتعاقبان، كقولهم: ثوم
وفوم، وجدث وجدف. وقوله: "لا يباليهم الله بالة" أي: لا يرفع لهم
قدرًا، ولا يقيم لهم وزنًا، يقال: باليت بالشيء مبالاة وبالية وبالة، يقال: ليس
هذا من بالي، أي: مما أباليه". وبنحوه
في النهاية في غريب الأثر (1 / 411)
2.
البخاري (2268)
3.
مسلم (856)
4.
أحمد (2107) وقال محققو المسند: صحيح
لغيره.
5.
الأكياس: جمع كيّس، وهو العاقل الفطن الحازم.
6.
البخاري (3/241) مسلم (5/132)
7.
البخاري (9/114) ( 7280 )
8.
البخاري (6488)
9.
اقتضاء الصراط (1 / 79)
10.
البخاري (6853)
11.
مسلم 1/28 ( 8 ) ( 1 )
12.
البخاري (10)
13.
أحمد (2/362) (8727) قال عبد الله بن
أحمد بن حنبل: عباد بن راشد ثقة، ولكن الحسن لم يسمع من أبي هريرة. وقال الهيثمي
في المجمع (10/348): فيه عباد بن راشد، وثّقه أبو حاتم وغيره وضعفه جماعة، وبقية
رجال أحمد رجال الصحيح. وصححه أحمد شاكر في المسند (16/302) وضعفه الألباني في
السلسلة (5780) والأرناؤوط في المسند (8742)
14.
وهذه الزيادة من قول الحسن رحمه الله.
15.
التهوّك: الشك والتردّد والحيرة.
16.
أحمد (15156) قال محققو المسند: إسناده
ضعيف لضعف مجالد. وحسّنه الألباني في مشكاة المصابيح (1 / 38)
17.
مسند أبي يعلى (3 / 140) (1571) قال
حسين سليم أسد: إسناده صحيح. والترمذي وحسنه (2863) وصححه الألباني في المشكاة (
3694 ) والتعليق الرغيب ( 1 / 189 - 190 )
18.
قال ابن باز رحمه الله تعالى في شرح
كتاب فضل الإسلام (1 / 22): "وهذا تحذير من دعوى الجاهلية "يا آل فلان،
يا آل فلان. لا، يا أهل التوحيد يا أهل الإيمان، كلهم إخوة، إذا جاء الحرب لا
ينتسبون: يا آل فلان، يا قحطان، يا بني كذا يا بني كذا، لا. هم شيء واحد،
فالمسلمون شيء واحد، ولا يحتجون بدعوى الجاهلية. ولهذا لما قال: يا للمهاجرين،
وقال الآخر: يا للأنصار، قال صلى الله عليه وسلم: "أَبِدَعْوَى
الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُم". رواه البخاري (4907) ومسلم
(2584) فالواجب الدعوى بالإسلام، أيها الإخوة، أيها المسلمون هكذا، عند الاستغاثة
والحث يحثهم على القتال باسم الإسلام، وباسم الإيمان".
19.
مسلم (1849 ، 1851)
20.
رواه الطبري من طريق ابن إسحاق عن شيخ
مبهم لم يسمه، والواحدي من مرسل عكرمة. ولكن صحَّ بنحوه من حديث جابر رضي الله عنه
المتفق عليه قال: كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فاجتمع قوم ذا، وقوم ذا،
وقال هؤلاء: يا للمهاجرين! وقال هؤلاء: يا للأنصار! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه
وسلم، فقال: "دعوها، فإنها منتنة" ثم قال: "ألا ما بالُ
دعوى أهل الجاهلية؟! ألا ما بالُ دعوى أهل الجاهلية؟!" رواه البخاري
(3519) ومسلم (2584) (64)
21.
هو ابن تيمية.
22.
السياسة الشرعية لابن تيمية (1 / 113)
23.
سبب نهيه وغضبه صلى الله عليه وسلم مع
أن هذه النسبة المهاجرين والأنصار قد ذكرها الله تعالى في القرآن في معرض المدح
أنها قد رفعت مضاهاة لأخوة الإسلام، فشابهت دعاوى الجاهلية بالتعصب والتحزب لجماعة
-مهما كان مسمّاها - لا للدين، فالعبرة بالحقائق والمعاني لا المسميات والألفاظ
والمباني، والله أعلم.
24.
قال ابن باز رحمه الله: "والمقصود
أن الدعاوى التي بغير الإسلام؛ يا أهل مكة، يا أهل الطائف، يا أهل نجد، يا أهل ...
هذا من دعوى الجاهلية. بل يقول: أيها المؤمنون، أيها الإخوة، يا أنصار الله، يا
عباد الله هكذا. هذا هو الواجب وهذا الذي يحثهم يحرك القلوب، فعند لقاء العدو
يحثهم على اللقاء والصبر بدعوى الإيمان وبدعوى الإسلام، أيها المسلمون، يا جند
الله، يا عباد الله، أيها المسلمون، يا أنصار الله، هكذا يشجعهم ويحثهم بالاسم
العام".
25.
قال ابن باز رحمه الله: "هذا هو
الواجب الدخول في الإسلام كله وليس ببعضه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) يعني في الإسلام، ويقول تعالى: (إِنَّ
الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ )،
ويقول جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ
أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ
وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ
هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً)(النساء: من الآية151). فالواجب هو الدخول في الإسلام
كله. يعني: الواجب أن يلتزم المسلم في الإسلام كله صلاة وزكاة وصيامًا وحجًّا
وجهادًا، ما يقول: بس أنا أصلي ولا أزكي، أزكي ولا أصوم، لا، يجب أن يلتزم
بالإسلام كله".
26.
الترمذي (2641) واستغربه، وحسنه
الألباني في صحيح الترمذي (2129) والتحقيق الثاني للصحيحة (1348) وضعفه أيمن صالح شعبان في جامع الأصول (7491) من جهة عبد
الرحمن بن زياد الإفريقي.
27.
قال ابن باز رحمه الله: يعني: "ليلزم
الحق ويستقيم على ما سار عليه الصحابة وأتباعهم بإحسان، وأن يحذر أقوال أهل البدع
والفرقة والاختلاف: "ثنتان وسبعون فرقة كلها في النار" ما بين
كافر وما بين مبتدع وفاسق، لكن أهل السنة والجماعة هم الذين ساروا على نهج الصحابة
واستقاموا على الدين، فهؤلاء لهم الجنة والكرامة. أما بقية الفرق فيهم الكافر
والمبتدع، وفيهم المخالف للشرع الذي لم يلتزم بالحق".
28.
أحمد (16937) قال محققو المسند: إسناده
حسن، وحديث افتراق الأمة منه صحيح بشواهده. وأخرجه أبو داود (4597) وغيره. قال ابن
باز: أسانيده مجتمعة تصل إلى درجة الحسن.
29.
البخاري (6488)
30.
قسّم الشاطبي رحمه الله في كتابه
الاعتصام (1/367) البدعة إلى قسمين: حقيقية، وإضافية. فالحقيقية: هي ما لم يدل
عليها دليل شرعي، لا من كتاب، ولا من سنة، ولا من إجماع، ولا استدلال معتبر عند
أهل العلم، كتحريم الحلال، أو تحليل الحرام، اعتمادًا على شبه باطلة وبلا دليل
شرعي.
أما البدعة الإضافية فهي ما لها
شائبتان: إحداهما: ما كان لها من الأدلة متعلّق، فلا تكون من تلك الجهة بدعة. والأخرى:
ما ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية، أي أنها بالنسبة لإحدى الجهتين سنة
لاستنادها إلى دليل، وبالنسبة للجهة الأخرى تكون بدعة، لأنها مستندة إلى شبهة لا
إلى دليل، أو لأنها غير مستندة إلى شيء. وسميت إضافية لأنها لم تخلص لأحد الطرفين،
لا بالمخالفة الصريحة، ولا بالموافقة الصريحة.
والفرق بين البدعة الحقيقية والإضافية
من جهة المعنى أن الدليل على الإضافية من جهة الأصل قائم، ومن جهة الكيفيات، أو
الأحوال، أو التفاصيل لم يقم عليها، مع أنها محتاجة إليه، لأن الغالب وقوعها في
التعبديات، لا في العاديات المحضة.
ومن أمثلتها: ذكر الله تبارك وتعالى
على هيئة الاجتماع بصوت واحد، فالذكر مشروع بل يكون واجبًا ومستحبًّا، لكن أداؤه
على هذه الكيفية غير مشروع، بل هو بدعة مخالفة للسنة، وعليه يحمل قول ابن مسعود
رضي الله عنه للجماعة الذين كانوا يجتمعون في المسجد وفي أيديهم حصى، فيسبحون
ويكبرون بأعداد معينة حيث قال لهم: "والله لقد جئتم ببدعة ظلمًا، أو فضلّتم
أصحاب نبيكم علمًا". ومن أمثلته أيضًا: تخصيص يوم النصف من شعبان بصيام،
وليلته بقيام، وإفراد شهر رجب بالصوم أو عبادة أخرى. فهذه العبادات مشروعة، ومنها
الصوم، لكن يأتي الابتداع من تخصيص الزمان، أو المكان، إذا لم يأت تخصيص ذلك في
كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والبدعة الإضافية أشد خطورة من
الحقيقية من حيث الشُّبه التي يستند إليها المبتدع في فعلها، فإنك إذا سألته عن
دليل ذلك قال: إنه يذكر الله، ويصوم لله، فهل الذكر والصيام محرمان؟ ومن ثم
يستمرئها، ويداوم عليها، وقد لا يتوب منها في الغالب، ذلك أن الشبهات أخطر الأمور
على الدين، فهي أخطر من الشهوات وإن كان الجميع خطيرًا، لأن إبليس لما يئس من
تضليل المسلمين بالمعاصي دخل عليهم من باب العبادة، فزين لهم البدع بحجة التقرب
إلى الله. وهنا مكمن الخطر. وانظر: البدعة الإضافية للشيخ فهد العماري.
31.
قال ابن باز رحمه الله: "والمعنى:
أن البدعة أكبر من الكبائر لأنها تَنَقُّصٌ للإسلام وإحداث في الإسلام واتهام
للإسلام بالنقص، فلهذا يبتدع ويزيد. وأما المعاصي فهي اتّباع للهوى وطاعة للشيطان،
فهي أسهل من البدعة وصاحبها قد يتوب ويسارع ويتعض، أما صاحب البدعة فيرى أنه مصيب
وأنه مجتهد فيستمر بالبدعة نعوذ بالله، ويرى الدين ناقص فهو بحاجة إلى بدعته. ولهذا
صار أمر البدعة أشد وأخطر من المعصية. قال تعالى في أهل المعاصي: (وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ). فأهل المعاصي تحت المشيئة، وأما أهل البدع فذنبهم
عظيم وخطرهم شديد لأن بدعتهم معناها التنقص للإسلام وأنه محتاج لهذه البدعة، ويرى
صاحبها أنه محق، ويستمر عليها، ويبقى عليها، ويجادل عنها. نسأل الله العافية".
32.
قال ابن باز رحمه الله: قوله تعالى:
(وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ) "يعني: عليه مثل أوزار من تبعه
في بدعته، نسأل الله العافية".
33.
البخاري (6930)، ومسلم (1066) وقال ابن
باز رحمه الله: "قوله: "لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد" لعظم
بدعتهم، لأنهم شبّهوا على الناس، فاجتهدوا في القراءة والصلاة حتى قال النبي صلى
الله عليه وسلم: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم".
رواه البخاري (6163) ومسلم (1064) (148) ثم حملوا على المسلمين وقتلوهم، هذا من جرأتهم
الخبيثة، وقاتلوا عليًّا، وقتلوا عمر بن خارجة، وقتلوا جمعًا غفيرًا، كله بسبب
بدعتهم وضلالهم حتى أعان الله عليًّا عليهم فقتلهم. فالخوارج شرهم عظيم لأنهم يرون
أنهم مصيبون في قتلهم للعصاة من الأمراء وغير الأمراء. وهذا من جهلهم وضلالهم،
ولهذا قال فيهم صلى الله عليه وسلم: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في
قتلهم أجرًا لمن قتلهم". رواه البخاري (6930) ومسلم (1066) وقال: "لئن
أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد". رواه البخاري (7432) ومسلم (1064) (143)
وسئل الشيخ رحمه الله: هل البدعة تدخل
تحت المشيئة إذا لم تكن مكفّرة؟
فأجاب سماحته: "ما تدخل في
الذنوب، لأنه متوعّد عليها في النار والعياذ بالله، إلا أن يتوب نسأل الله
العافية، ولكن إن كانت دون الشرك يرجى لصاحبها، لأنها تدخل في المعنى من جهة
المعاصي، لكنها غير داخلة في قوله تعالى: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)
في الجملة. لكن إذا كان المبتدع بدعته دون الشرك فهي لها حكم المعاصي من جهة أنه
لا يخلد في النار إن دخل النار". أ.هـ.
34.
ومن ذلك ما جاء عن أم سلمة رضي الله
عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ستكون أمراء تعرفون
وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع" قالوا:
يا رسول الله، أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا لكم الخمس". رواه
مسلم (1854) (64) وعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خياركم
وخيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشراركم وشرار
أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم!" قالوا: يا رسول
الله، أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا لكم الخمس، ألا ومن عليه والٍ،
فرآه يأتي شيئًا من معاصي الله، فليكره ما أتى، ولا تنزعوا يدًا من طاعته". رواه
أحمد (23999) وجوّد الحديث محققو المسند.
35.
قال ابن باز رحمه الله: "يعني:
الأمراء وإن جاروا وظلموا ما داموا ملتزمين بالإسلام، لا يجوز جهادهم ولكن ينصحون،
أما إذا أتوا كفرًا بواحًا وجب جهادهم على من قدر إذا كان هناك قوة تقدر".
36.
مسلم (3/86 ، 8/62)
37.
قال ابن باز رحمه الله: "هذا
معناه: أحياها وأظهرها، ليس المراد به البدعة، وإنما المراد هنا: إحياء السنة
وإظهارها لأنه صلى الله عليه وسلم رأى قومًا فقراء، فلما رأى فقرهم خطب الناس
وحثهم على الصدقة، ورغبهم فيها، وقال: "تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ
مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ"
حَتَّى قَالَ: "وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ" قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ
مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ
عَجَزَتْ. قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ
طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً
حَسَنَةً؛ فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً
سَيِّئَةً؛ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ
مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ".
وسئل الشيخ رحمه الله: عن الذي يثني
على أهل البدع ويمدحهم هل يلحق بهم؟
فأجاب سماحته: "نعم، ما فيه شك،
من أثنى عليهم ومدحهم وهو داع إليهم، هو من دعاتهم، نسأل الله العافية".
38.
البخاري (1/168) و(8/125) ومسلم (3/93)
39.
قال ابن باز رحمه الله: "المقصود
بيان خطر البدعة، وأن مِن أخطار البدعة: أن صاحبها لا يوفق للتوبة، يرى أنه مصيب
ويستمر على الباطل هذا من أخطارها وبلائها، فالواجب الحذر من البدع لأنها شر عظيم،
لاحول ولا قوة إلا بالله".
وسئل الشيخ رحمه الله: عن صحة الحديث:
"إن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة"؟ فأجاب سماحته: "الحديث
يحتاج إلى تأمل ونظر في سنده. لكن إنما يخشى عليهم، وذلك أن الغالب عليهم أنهم
يستحسنون آرائهم ويبقون عليها. نسأل الله العافية. وإلا فإن كثيرًا من أهل البدع
تابوا وتاب الله عليهم. وإن صحّ الحديث فهو من باب الوعيد والتحذير نسأل الله
العافية. مثل ما قال صلى الله عليه وسلم في المدينة: "مَنْ أَحْدَثَ
فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا
وَلَا عَدْلًا". رواه مسلم 6/84 (1978) (43) هذا من باب الوعيد، وإلا من
تاب تاب الله عليه.
وهذا هو الحق: أن الله احتجب التوبة عن
صاحب البدعة، ومعناها: أنه يستحسنها ويرى أنه مصيب، ولهذا فالغالب أنه يموت عليها
والعياذ بالله، لأنه يرى أنه مصيب بخلاف صاحب المعصية الذي يعرف أنه عاص وأنه مجرم
وأنه مخطئ، فيتوب وقد يتوب الله عليه، لكن صاحب البدعة على خطر لأنه يستحسنها
ويتبع هواه، ولهذا فهو على خطر فيحجب عن التوبة لاستحسانه للبدعة، وظنه أنه على
هدى واعتقاد أنه على حق.
أما إذا هداه الله وتبصر وتاب تاب الله عليه،
وجميع الذنوب إذا تاب منها العبد تاب الله عليه حتى الشرك الذي هو أكبر من البدعة،
فالكفر بالله إذا تاب منه العبد تاب الله عليه، والكفار من قريش وغيرهم لما تابوا
تاب الله عليهم، وهكذا سحرة فرعون لما تابوا تاب الله عليهم، وهكذا صاحب البدعة
إذا بصّره الله وتاب منها تاب الله عليه، فهو من باب الوعيد.
وذكر ابن وضاح عن أيوب قال: "كان
عندنا رجل يرى رأيًا فتركه، فأتيت محمد بن سيرين فقلت: أشعرت أن فلانًا ترك رأيه؟
قال: انظر إلى ماذا يتحوّل؟ إن آخر الحديث أشدّ عليهم ن أوله. "يمرقون من
الإسلام كما يمرق السهم من الرميّة، ثم لا يعودون إليه". والمرفوع رواه
مسلم (1067) وسئل أحمد بن حنبل عن معنى ذلك فقال: "لا يُوّفقون للتوبة".
أهـ". قلت: وحديث: "إن الله احتجز التوبة عن صاحب
كل بدعة" قد صححه الألباني في السلسلة (1620)
40.
أحمد (3800) والترمذي (2995) وصححه
أحمد شاكر بناء على تصحيحه لزيادة الثقة، وكذلك صححه الألباني. وضعفه محققو المسند من جهة انقطاعه،
قالوا: أبو الضحى -وهو مسلم بن صبيح- لم يدرك ابن مسعود، وبقية رجاله ثقات. والذين
رووه منقطعًا أثبت في سفيان من غيرهم وأكثر، ولذا رجح أبو زرعة وأبو حاتم والترمذي
الرواية المنقطعة.
41.
البخاري (9/148) (6583 ، 6584). مسلم (7/65) (6032 ، 6033)
42.
علق ابن باز رحمه الله على ذلك بقوله: "الله
أكبر! الله أكبر!، أي: بُعدًا بُعدًا لمن بدَّل بعدي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذه علامة أمته غرًّا محجّلين من آثار الوضوء، أمة محمد المستجيبين له عليه
الصلاة والسلام".
43.
البخاري (8/150) (6587)
44.
البخاري (4/169) ( 3349 ) ومسلم
(8/157) ( 2860 ) ( 58 )
45.
وسئل رحمه الله عن الفاسق: هل يرد
الحوض؟
فأجاب: "ظاهر الحديث يعمّه لأنه
ليس بمرتد، لكن عليه خطر، جاء في بعض الروايات بالوعيد، فينبغي الحذر. الوعيد إنما
هو في المرتدين أنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، أما العاصي فليس
بمرتد، هو ناقص الإيمان ضعيف الإيمان فيخشى عليه فينبغي له الحذر".
وسئل رحمه الله عن أهل البدع، هل هم
ممن يُذادون عن الحوض؟
فأجاب: "أهل البدع فيهم تفصيل،
فيهم كافر وفيهم مسلم، أما المبتدع الكافر لا يرد نسأل الله العافية".
وسئل رحمه الله عن الرافضة، هل هم من
الاثنين والسبعين فرقة؟
فأجاب: "هم داخلون فيهم، لكن فيهم
الكافر وفيهم المسلم، فالرافضة عُبَّاد غير الله كَفَرَة، والرافضة الذين يفضلون
عليًّا على عثمان أو على الصديق فهؤلاء ليسوا بكفار لكنهم مبتدعون، أما من دعا
عليًّا أو أهل البيت وغلا فيهم، فإنه يكون كافرًا، أو قال: إن النبوة لعلي لكن خان
جبرائيل هذا كافر مرتد، نسأل الله العافية.
والثنتان والسبعون فرقة فيهم الكافر
وفيهم العاصي، وفيهم المبتدع الضال والمبتدع الذي ليس بكافر، لكنهم كلهم يجتمعون
في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم، فهم من أمة الإجابة. أما أمة الدعوة كثيرون
اليهود والنصارى من أمة الدعوة لا قيمة لهم، فهم من أهل النار. لكن هذه الثلاث
والسبعون الذين استجابوا الذين زعموا أنهم من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم
زعموا أنهم أجابوا دعوته؛ الناجي منهم السالم: الفرقة الناجية الذين تابعوا النبي
صلى الله عليه وسلم وساروا على نهجه، وأما الثنتان والسبعون ففيهم الضال وفيهم
الكافر وفيهم العاصي، وفيهم المبتدع الضال، على درجات متوعدون بالنار كلهم نسأل
الله العافية".
وسئل عن الرافضة في العذر بالجهل؟
فأجاب: "من دعا غير الله واستغاث
بغير الله كافر مطلقًا، لأنهم بين المسلمين وقد بلغهم القرآن وبلغتهم السنة، الله
جعل القرآن نذارة وبلاغ: (هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ )(ابراهيم: من
الآية52)،(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ
) (الأنعام: من الآية19). فمن كفر مع وجوده بين المسلمين واستغاث بغير الله أو عبد
البدوي أو غيره، سواء من الرافضة له حكم الكفار، نسأل الله العافية".
46.
البخاري (4/242) ومسلم (6/20)
47.
قال ابن باز رحمه الله: "يعني:
ابتعد عن الأهواء، والأهواء هي البدع احذروها، والزموا الطريق".
48.
أحمد (4142) قال محققوه: إسناده حسن،
من أجل عاصم بن أبي النجود، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. قال الهيثمي: عاصم ثقة
وفيه ضعف. والحاكم (2/318) ووافقه الذهبي.
49.
قال ابن باز رحمه الله: "وهذا
يبين أن الواجب على المؤمن الحذر وألا يغتر بالكثرة، وأن يعتني بالسنة والدليل،
وأن يخاف على نفسه ولا يأمن لأن الله تعالى يقول: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ
فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (لأعراف:99)، يعمل
ويجتهد في الطاعة وهو خائف وجل غير مطمئن، بل يَحْذَر البدع ويحذر المعاصي ويتبع
أهل الحق ويسير معهم ويبتعد عن أهل الباطل وصحبتهم، هكذا المؤمن دائمًا على حذر.
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ
هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (البينة:7)(جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ
عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البينة:8)]،
وقال جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (الملك:12)، وقال سبحانه: (فَلا تَخَافُوهُمْ
وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(آل عمران: من الآية175)، وقال تعالى:
(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) (الرحمن:46)، فيجب الحذر وعدم
الطمأنينة لرأي فلان ورأي فلان حتى تعلم الدليل من الكتاب والسنة".
50.
مسلم (145)
51.
وهذه الزيادة عند أحمد (1/398) قال
محققوه: إسناد أحمد صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي الأحوص
-وهو عوف بن مالك بن نضلة الجشمي- فمن رجال مسلم.
قال البيهقي: "النزاع جمع نزيع
ونازع، وهو الغريب الذي نزع من أهله وعشيرته، وأراد بقوله: "طوبى
للغرباء" المهاجرين الذين هجروا أوطانهم في الله عز وجل". قلت:
والأظهر أنّه عامٌّ لكل غربة في الله تعالى حتى وإن كان في وطنه، بل قد تكون لبعض
الناس أشدّ من الهجرة بالبدن، فالغربة غربة الدين بانفراد صاحبه بأمر قام لله فيه
وخالفه من حوله، وتزيد غربته إن آذوه لدينه، لذلك فالمهاجر لله داخل في معنى
الغربة دخولًا أوليًّا، وبالله التوفيق.
52.
أبو عمرو الداني في السنن الواردة في
الفتن ( 25 / 1 ) وصححه الألباني في الصحيحة (1273)
53.
الترمذي (2630) وقال: هذا حديث حسن
صحيح. وقال الألباني في سنن الترمذي (5 / 18): ضعيف جدًّا.
54.
البخاري في خلق أفعال العباد (155)
وأبو داود (4341) والترمذي ( 4/99 ) قال الألباني في السلسلة (3 / 94) (1025):
"وقال الترمذي: حديث حسن غريب. كذا قال، وفيه عندي نظر، فإن عمرو بن جارية
وأبا أمية لم يوثقهما أحد من الأئمة المتقدمين غير ابن حبان، وهو متساهل في
التوثيق كما هو معروف عند أهل العلم، ولذلك لم يوثقهما الحافظ في
"التقريب"، وإنما قال في كل منهما: "مقبول" يعني عند
المتابعة، وإلا فليّن الحديث كما نص عليه في "المقدمة" من
"التقريب".
ثم إن عتبة بن أبي حكيم فيه خلاف من
قبل حفظه، وقال الحافظ فيه: صدوق يخطئ كثيرًا، فلا تطمئن النفس لتحسين إسناد هذا
الحديث، لا سيما والمعروف في تفسير الآية يخالفه في الظاهر، وهو ما أخرجه أصحاب
السنن وأحمد وابن حبان في صحيحه ( 1837 ) وغيرهم بسند صحيح عن أبي بكر الصديق رضي
الله عنه أنه قام فحمد الله، ثم قال: يا أيها الناس؛ إنكم تقرأون هذه الآية: (يا
أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، وإنكم تضعونها على
غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا
رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك أن يعمهم بعقابه". وقد خرجته في الصحيحة (
1564 ). لكن لجملة "أيام الصبر" شواهد خرجتها في الصحيحة أيضًا،
فانظر تحت الحديثين ( 494 و957 )
55.
قال ابن باز رحمه الله: "هذا فيه
الحث على الاستقامة في الغربة، وأنه ينبغي للمؤمن أن يستقيم ويحرص على الاستقامة
عند غربة الناس، ولا يغتر بكثرة الهالكين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في
الحديث الصحيح لما تلا الصديق هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، قال:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا
الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ؛ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ
بِعِقَابِهِ". (رواه أحمد (1 / 177) وغيره، وهو أول حديث في مسند الصديق عند
أحمد، وصححه الألباني).
وقوله: "لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ
إِذَا اهْتَدَيْتُمْ": من الهداية، الأمر بالمعروف، ولا يضر الناس من ضل
إذا استقاموا وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، بعض الناس يظن أنه إذا اهتدى يعني:
إذا أدى الطاعات الخاصة، وهذا غلط، فمن الهداية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
هؤلاء هم الغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس ويصلحون ما أفسد الناس، بالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتمسكون بالقرآن حينما يتركه الناس، فالغرباء هم: أهل
الصلاح والاستقامة وتنفيذ الأوامر والدعوة إلى الله عند فساد الزمان وتغيّر أهله".
56.
أبو داود ( 4607 ) وابن حبان (1 / 178)
وصححه الأرناؤوط.
57.
قال ابن باز رحمه الله: "وهذا فيه
التحذير من البدع، وأن الواجب على أهل الإسلام الحذر منها، ولهذا حذَّر منها النبي
صلى الله عليه وسلم لما وعظهم المَوْعِظَةً البَلِيغَةً. فالواجب على أهل الإسلام
أن يتمسكوا بما شرعه الله من العبادة، وأن يحذروا ما أحدثه الناس من البدع، ولهذا
قال لهم حذيفة: "كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد فلا تتعبدوها، فإن الأول لم
يدع للآخر مقالًا"، لأن الصحابة قد بينوا، وسألوا نبيهم عن كل شيء، فعليكم
بالتأسي بهم والسير على منهاجهم".
58.
من آفة الاندفاع بلا علم ولا حكمة –
وبخاصة في أزمنة الفتن- أن المنفعل ببعض أحكام نص وعد أو وعيد نراه في العادة
يستعجل تطبيق فهمه لفحوى النص على من حوله، وتضيق نفسه عن دفع زمن مضمونه، فيصرّ
على تطبيقه في واقع من حوله بالرمي بالفسق والابتداع والخروج عن السنة أولًا، ثم
يخرج على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيضرب وجوههم بالسيف آخرًا بعدما رماهم
بالطعن في ديانتهم. وحينما يذودهم عالمٌ بالله وبدينه عن غيهم يبتدئون به، فينهرون
دمه على عرضه المثلوم بدنايا كذبهم ودينه المطعون بحراب إفكهم، ولا يكاد شرهم ينكفئ
إلا بقوة سلطان، أما القرآن فقد ألقوا أحكامه خلف ظهرانيهم، وإن عكفوا على تلاوته
بألسن بلا فقه ولا علم ولا ورع، والله المستعان.
59.
الدارمي (204) وصححه الألباني في
الصحيحة (2005)
60.
قال
ابن باز رحمه الله: "هذا من البدع في كونهم يتفرقون أحزابًا، كل واحد يقول:
افعل كذا وكذا، وإنما الواجب النصيحة والتذكير بالله، قال الله وقال رسوله هذا هو
الواجب، أما أن يجعلوا حلقًا ويقولون: عدوا حسناتكم، خذوا الحصى، عدّ يا فلان! هذا
مما أحدثه الناس من البدع، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم في خطبته: "أما
بعد؛ فإن خير الكلام كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ
الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". رواه مسلم (862) (35)
فما أحدثه الناس من القربات هو من البدع، والبدع تكون بالقُرَبِ، فما تقرب به
الناس مما لم يشرع، هذا من البدع، فالواجب الحذر منها، وليس فيها تفصيل بل كل بدعة
ضلالة.
وأما قول بعض الناس: إن البدعة تنقسم
إلى خمسة أقسام، فهو قول غلط ممن قاله، والصواب: أن كل بدعة ضلالة، والبدعة هي
القربة التي يتقرب بها الناس ولم يشرعها الله تعالى، مثل ما فعل هؤلاء في عهد ابن
مسعود، ومثل بدعة الموالد، ومثل بدعة البناء على القبور، وتجصيص القبور والكتابة
عليها، كل هذا مما أحدثه الناس من البدع، فالواجب الحذر من ذلك، وأن يتقيد المؤمن
بما شرع الله وما درج عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات، وأن يحذر
أن يزيد شيئًا فيما شرعه الله جل وعلا، قال تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ )(المائدة: من الآية3) فالله أكمل الدين، فليس لأحد أن يزيد فيه".
i.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق