هل
النافع الضار من أسماء الله الحُسنى؟
الحمد لله، وبعد؛ فإن أسماء الله تعالى
توقيفية، فلا يثبت منها شيء إلا بالدليل الصحيح من الكتاب والسنة. علمًا أن باب
الإخبار عن الله تعالى أوسع من باب الأسماء والصفات، فإذا لم يثبت الاسم وكان
معناه صحيحًا فيجوز حينها الإخبار به عن الله تعالى، وعلى ذلك فلا يُعبّد بهذا
الاسم، فلا يقال: عبد النافع وعبد الضار ونحوهما لأن التسمية بهما لم تثبت، والمنع
من التسمية بعبد النافع ونحوه لا لأنه يوهم نقصًا ولكن لأنه لم يثبت بالنصّ أنّه
من الأسماء الحسنى، أما التسمي بعبد الضار فلا يجوز بحال، وفيه سوء أدب مع الله
تعالى وسوء ظن به عز وجل.
وكذلك؛ فلمّا كان الإخبار عن الله
تعالى بأنه الضار فإنه قد يوهم نقصًا، فقد نص أهل العلم على أنه لا يُذكر إلا
مقرونًا بالإخبار عنه بأنه النافع، كما هو الحال في القابض الباسط والخافض الرافع
والمعز المذل ونحوها.
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع
الفتاوى (1 / 93) في تعليقه على حديث ابن عباس عند الترمذي (2516) مرفوعًا: "واعلم
أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو
اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك..."،
الحديث. قال: "فهذا يدل على أنه لا ينفع في الحقيقة إلا الله ولا يضر
غيره". وقال شيخنا العلامة عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله تعالى:
"الضار ليس من أسماء الله تعالى، بل من أسمائه التي ورد ذكرها في بعض
الروايات "النافع الضار"، يعني الكلمتان اسم واحد، فهو سبحانه
النافع الضار؛ لأنه سبحانه هو خالق كل شيء، خالق الخير والشر". أهـ. ضمن جواب
لسؤال في موقع طريق الإسلام. وقصد بالاسم الواحد الازدواج والتقابل، فاسم الضار
يكمّله اسم النافع، واسم المانع يكمله اسم المعطي وهكذا، وهذا في الإخبار عن
أفعاله تعالى، ويستقيم كذلك عند من صحّحوا الحديث في سرد الأسماء- . وبنحوه قال
شيخنا العثيمين كذلك في لقاءات الباب المفتوح، اللقاء رقم: (6).
قلت: والحديث الذي عدّ النافع والضار
من أسماء الله الحسنى رواه أبو هريرة رضي الله عنه وأخرجه الترمذي (3507) وضعفه
الألباني وآخرون من جهة رفع الأسماء الحسنى المسرودة. وقد ذهب جماعة من الحفاظ
كابن كثير وابن حجر إلى أن سرد الأسماء الحسنى فيه مدرج في الحديث.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى
تأصيلًا نافعًا في هذا الباب فقال في بدائع الفوائد (1 / 177): "أسماء الله
تعالى منها ما يطلق عليه مفردًا ومقترنًا بغيره، وهو غالب الأسماء، كالقدير
والسميع والبصير والعزيز والحكيم، وهذا يسوغ أن يُدعى به مفردًا ومقترنًا بغيره،
فتقول: يا عزيز، يا حليم، يا غفور، يا رحيم. وأن يفرد كل اسم. وكذلك في الثناء
عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع.
ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده، بل مقرونًا بمقابِلِه
كالمانع والضار والمنتقم، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله، فإنه مقرون بالمعطي
والنافع والعفوّ، فهو المعطي المانع الضار النافع المنتقم العفوّ المعزّ المذل،
لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله؛ لأنه يراد به أنه المنفرد
بالربوبية وتدبير الخلق والتصرف فيهم عطاءً ومنعًا ونفعًا وضرًّا وعفوًا وانتقامًا.
وأما أن يُثنى عليه بمجرد المنع والانتقام
والإضرار فلا يسوغ، فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد
الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد، ولذلك
لم تجيء مفردة، ولم تطلق عليه إلا مقترنة، فاعلمْه. فلو قلت: يا مذلّ يا ضارّ يا
مانع، وأخبرت بذلك؛ لم تكن مثنيًا عليه ولا حامدًا له حتى تذكر مقابلها".
وبالله التوفيق.
إبراهيم الدميجي
aldumaiji@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق