إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الخميس، 28 ديسمبر 2017

قبول ولاية المتغلب في حقيقته قوّةٌ وليست ضعفًا

قبول ولاية المتغلب في حقيقته قوّةٌ وليست ضعفًا

 

الحمد لله وبعد: ففمما يتميز به النهج السلفي العتيق الحرص الشديد على حفظ بيضة المسلمين، واجتماعهم على إمام مطاع يسوسهم بالشرع الحنيف، لذا فقد شدد الشرع في شأن الخروج غير المبرر على من انعقدت له البيعة وصحّ له الحكم، فلا يحل خروج ونبذ إلا بشرطَي كفر الإمام وغلبة الظن على تغييره، وتقرير الشرطين إنما هو بيد الراسخين في العلم.

ومن هنا فينبز بعضهم السلفية بالضعف والخنوع لقولها بانعقاد ولاية المتغلب المسلم، والجواب من وجهين:

أولًا: أن هذا مقتضى الشرع، والأدلة في ذلك صحيحة صريحة كثيرة متنوعة، وبما أنها كذلك فيكفي المؤمن علمه بها ليستيقن قلبه وتطمئن نفسه ويعلم أن أمر الله كله خير.

ولكن لا يعني هذا ترك الإنكار على السلطان وإبراء الذمة بنصحه ونصح الأمة، والعمل على إقامة دين الله بحسب الوسع والطاقة.

ثانيًا: أنها قوة وعزة في الحقيقة وليست بضعف وهذا جليٌّ لمن تأمله، فالقبول للمتغلب ومبايعته ليس لشخصه بل لمركزه الذي يخوله القيام بأمر الناس، فإن غلبه غيره بويع المتغلب الآخر، لأن القبول بالأول ليس لشخصه بل لمكانه الذي يقيم به دين الناس ودنياهم.

وتأمل حال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ مفتي الرياض في وقت إمارة ابن رشيد للرياض فقد قاتل بشراسة وأفتى لأهل الرياض بالقتال ضد الملك عبد العزيز حينما أراد دخول الرياض للمرة الأولى إبان معركة الصريف المشهورة.

وبعد ذلك لم يعتذر الشيخ بل قال: قد كانت لهؤلاء بيعة في أعناقنا.

فالقضية إذن هي قضية مبدأ ودين، لا رَغَب ورَهَب.

وتأمل حال ابن عمر رضي الله عنهما وغيره من الصحابة مع السلطان المتغلب المسلم والتزام بيعته والتشديد في نكثها، حتى لا تروج الفتن في الناس بسبب القتال على الإمرة.

ذلك أن الولاية - مُلكًا كانت أو إمرة أو سلطنة - فهي بمنظور الشرع إنما هي تكليف محض شاق يليه حساب شديد يوم الدين، وليست تشريفًا ومغنمًا، ولكن من وليَ وعدل فإنه يستحق أن يكون من السبعة الذين يكرمهم الله غدًا بأن يجعلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ذلك أن ولايات السلطة المطلقة سمّ للروح ناقع لا يسلم منه إلا من كان شديد التحصين بالإيمان والورع.

هذا، ولخطر مقام السلطان وخطر زعزعته على أمن الناس وسكينتهم ودينهم فقد شدد الشرع في حرمة الخروج عليه أو نقض بيعته أو شق عصاه بلا مبرر ومسوغ من الشريعة.

وبالجملة فالمنهج السلفي ليس بدعًا من الأقوال والأفعال والمناهج، بل هو الممثّل للإسلام الصافي والسنة النقية من شوائب البدع وغوائل المحدثات، وهو التِّلادُ حقّا للأمة.

لذا فلا تعجب من كثرة الخصوم لمنهج السلف وكثرة التغبيش حول هدايته؛ فلشموخه ووضوحه ورسوخه وقوة حججه وقرب معانيه لم يبق لهم سوى ضجيج التائهين، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق.

إبراهيم الدميجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق