إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الجمعة، 31 مايو 2013

الاقتصاد الإسلامي.. والرفاه المنشود حقًّا للبشرية

الاقتصاد الإسلامي.. والرفاه المنشود حقًّا للبشرية
الحمد لله, وبعد:
لو درس اقتصاديو الغرب والشرق بفقه وصدق ونصح الاقتصادية الاسلامية الشاملة, المُشْبِعة لغريزة الفرد في التملك وتنمية موارده, والمُلبّية لحاجة المجتمع ورفع ضعفائه, لأدركوا أنه لا نظام في الأرض كهذا النظام العادل المحسن "ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون" فالشيوعية قد حملت بذور دمارها في جوفها أينما رحلت, وحيثما استقلّت, وكذلك الرأسمالية الليبرالية _وبوجه أخص الكلاسيكية منها والشيكاغويّة الجديدة التي هي عمدة اقتصاد العالم الآن_ ولكن سقوط الشيوعية المدوي السريع كان لمصادمتها الفطرة بدرجة أشدّ من الرأسمالية التي تعثّرتْ مرارًا ولكنها غيّرت جلدها ولوّنت نهجها حسبما تقتضيه مصلحتها _ومصلحتها فقط ولو بأكل أبنائها!_ كما في الكساد العالمي الكبير 1929 والانهيارات الاقتصادية العظيمة التي فاقت قيمة خسارتها قدر الدمار بعد الحرب العامة الأولى! ونتج عنها 100,000,000 عاطل! وانهار النظام النقدي العالمي برمّته بسبب سحب الودائع الكبيرة من البنوك العالمية الرئيسة! ومن هناك أعلنت أمريكا 1930 إلغاء تغطية الدولار بالذهب حتى اليوم, ولا زالت من أربعين سنة تبيع العالم الورق كُرهًا! حقًا إنها شريعة غاب!
ومن أمثلتها كذلك الأزمة المكسيكية _وهي أول إفراز مباشر للعولمة الاقتصادية وظهور أنياب السوق الحرة_ إذ خنعت المكسيك لخطة صندوق البنك الدولي من خلال تطبيقها لبرامج التكيف الهيكلي, بكل ما فيه من جشع الكبار وسلبهم لقمة الفقير, واتّبعوا سياسة السوق الحرّ, وحكومة الحد الأدنى, والخصخصة, ومنع حماية الشركات المحلية بالقانون الجمركي.. وكان حصاد تلك الوصفة الليبرالية المشؤومة خسارة الشركات المكسيكية الأصيلة 70,000,000,000 دولار من قيمتها السوقية! وفقد 250,000 مكسيكي لوظائفهم بنهاية 1995 وماذا بعد؟ هل أصلح صندوق النقد الدولي ما أفسد, تأبى ذلك شيمة الرأسمالية, إذ هربت رؤوس الأموال بعدما سلبت مقدرات البلد, وارتفت الأسعار وزاد التضخم وخيّم الإفلاس أو كاد.
وانظر إلى الكارثة الاقتصادية المدمرة للنمور الآسيوية في أواخر التسعينات, والكساد الأمريكي الذي أعقبته أزمة السكن عندهم, كذلك انهيار اقتصاد بعض الدول الأوروربية في زماننا كاليونان وإسبانيا وإيطاليا بسبب الأزمة العالمية الحالية الخانقة.. ويستحيل أن تهبّ الرأسمالية لأجل المجتمعات الإنسانية إلا إن كان ذلك مدرًّا لها أو مانعًا من كوارث تلحق بها, أو تقلل من الأسواق المستقبلة لها. وللكلاسيكي الشهير روبرت مالتس: "إن على المجتمع أن يرفض تقديم الإحسان أو الإعانات إلى الأسر التي تعجز عن تدبير وسائل معيشتها" بل يرى هذا المادّي الأناني أن الحروب والمجاعات وتحديد النسل ونحوها مفيدة لتحقيقها التوازن بين سكان الأرض ومواردها. وما علم أن من خلقهم قد تكفّل برزقهم "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم" وتأمل كيف قدّم ذكر رزق المواليد والأجنّة قبل رزق آبائهم, فالرازق لهم جميعًا هو الخالق لهم. ولكنها المادّية الملحدة!
لقد قام الاقتصاد الغربي وأتباعه منذ القرن الثامن عشر على مبدأ الرأسمالية بعد أن وجّهها آدم سميث عبر كتابه الشهير "ثروة الأمم" _وإن حدث هروبٌ كبير للطرف المعاكس الماركسي في ردّة فعل طبيعية حتى سقوطها في أخريات القرن الماضي_ وقد قامت حينها بوجهها الصريح (الكلاسيكية الحرة) ولمّا ظهر جشعها الميكافيللي البراجماتي للأغنياء على حساب الأعم الأغلب ممن دونهم من الشعب غيّرت جلدها بالكينزية الاجتماعية _وهي أرحم بكثير_ لكن الطبع يغلب التطبّع, فلم تلبث بعد أربعة عقود أن انقلبت على نفسها عائدة لجلدها الطبيعي باعتناقها مبادئ فريدمان وأصحابه من الكلاسيكيين الجدد (النيوليبراليين) أرباب مدرسة شيكاغو بتطبيقاتها التاتشرية والريجانية التي لم تخرج في حقيقتها عن خطوط "ثروة الأمم" حتى الآن!
لقد أضحت الرأسمالية كالسدّ المتشقّق الذي ملأته جداول الماء الصغيرة, فلا يلبث أن يسقط سقوطًا مدويًا محدثًا دمارًا على قدر القرب من مركزه. ويتبعه السقوط لذلك الفكر المتوحش الأناني الجشع.
ويا ليت أهل الاقتصاد يعرضون وينشرون فقه الاقتصاد الاسلامي على المستوى العالمي, ففيه الرفاه المنشود حقًّا للبشرية جمعاء. وأن يبيّنوا للعالم أن لا فائدة من زيادة الإنتاج إذا لم يقترن بالرفاه الاجتماعي العام؟ فالرفاه العام ليس متعلقًّا بكمية الناتج العام فقط بل كذلك بمقدار ما يتعلّق بكيفية تقسيم هذا الناتج على الأفراد. ولذا فقد قرنت شريعة الإسلام التنمية بالتوزيع العادل, فلم يكبل الفرد ولم يهمل الجماعة.
إن المحرّك الأول لدول الاستكبار الغربية هو المال, أمّا الدين فقد جعلته مطيّة لها, كما جعلته عدوًّا لها _بحسب بوصلة الذهب_ فهي في حقيقتها مُلحدة ماديّة, لا تؤمن إلا بعبودية الإنسان لنفسه, مع شيء من بقايا دينهم المحرّف, في ازدواجية متناقضة يسوقها التعصب لا الإيمان. فهي في جوهرها ليبرالية وحشية غازية متغطرسة, يظهر هذا في أن جُلّ أو كل حروبها في هذا العصر فأسبابها اقتصادية في المقام الأول.
وإنا بحاجة إلى قراءة عميقة هادئة لمآلات الاقتصادات العالمية, والنظر إليها بنظرة اقتصادية سليمة مستقيمة, بريئة من دمار الربا ومحق الطمع.
وحُقّ لنا أن نخاف ونتوجّس من العولمة الاقتصادية, وما يصاحبها من عولمة فكرية وسياسية, وبما أن الاقتصاد هو محركهم في الأساس؛ فلا بد من الحصانة الذاتية, وبناء السدود المضادة ببرنامج اقتصادي محلي, حقيقي لا وهمي, وصادق لا كاذب, وناصح لا غاش, ولنكمل ما بدأناه بالاقتصاد البنائي في الصناعة, ولنصحّح مشاكل التعثّر والفشل. ولنحافظ على شركاتنا المحدودة من هجوم العولمة والشركات الطائرة وسياسة السوق المفتوح الذي يحلّ علينا آكلًا ما في يدينا, وقاتلًا لفرص شركاتنا المحلية الصاعدة, ثم يخرج عند أول لمحة اهتزاز بعدما أكل الكبد والسنام!
ولسنا بحاجة إلى تنظير, بقدر ما نحن في حاجة إلى قرار وإرادة.
إبراهيم الدميجي
21/ 7/ 1434
@aldumaiji

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق