إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الأحد، 6 أكتوبر 2013

القتال في سبيل الله جزء من الجهاد في سبيله

القتال في سبيل الله جزء من الجهاد في سبيله

الحمد لله وبعد: فإنّ القتال في سبيل الله جزءٌ من الجهاد في سبيله، فالجهاد أعمّ، قال جل وعز: (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم) وقال جل ذكره: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغال فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا) وقال سبحانه وبحمده: (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرّض المؤمنين عسى الله أن يكفّ بأس الذين كفروا والله أشدّ بأسًا وأشدّ تنكيلًا).
وفي القرآن المجيد ثلاثة ألفاظٍ يحسُنُ التفريق بينها للخلط في فهمها عند بعض الناس؛ القتال والجهاد والشهادة:
فالأول: القتال، وهذا لا يكون إلا في سبيل الله، فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، دون من قاتل حميّة أو شجاعة أو ليُرى مكانه أو للمغنم أو غير ذلك من حُطَامِهَا.
والثاني: الجهاد، وهو مطلقٌ ومُقيّد، فلفظ الجهاد إذا أطلق فالمراد به قتال الكفار بالنفس والمال لإعلاء كلمة الله، ولا ينصرف إلى غير القتال إلا بقرينة، قال تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله) وقال تعالى: (انفروا خفافًا وثقالًا وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) وقال سبحانه: (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون) فالجهاد هنا هو القتال في سبيل الله، وهو الأصل عند ذكر الجهاد، أما غيره كجهاد النفس والدعوة ونحو ذلك فيدخل تبعًا أو مقيّدًا، فاستفراغُ الجُهْدِ لإعلاء كلمة الله ونصر دينه وهداية خلقه جهادٌ كما قال سبحانه: (وجاهدهم به جهادًا كبيرًا).
والثالث: الشهادة، وهي مطلقةٌ ومقيدة، فالمطلقة: هي ما استشهد صاحبها في القتال في سبيل الله تعالى، فهذا هو الأصل في الشهداء، أما المُقيّدة فهي: ما سُمي صاحِبُها شهيدًا في الشريعة، تفضّلًا من الله وتطوُّلًا على هذه الأمة المرحومة تكثيرًا لشهدائها.
وبينهما فرق كبير، قالمقيّدة بضعةُ أنواع كالغريق والحريق وصاحب الهدم وصاحب ذات الجنب _داء في البطن_ والمبطون _أي مات بداء البطن_ والمطعون _بالطاعون_ والقتيل ظُلمًا _عند بعض أهل العلم لذكر عمر وعثمان بالشهادة، وليس بظاهر فشهادتهم لأنهم في سبيل الله وليس لمطلق المظلوميّة_ وغير ذلك مما سُمّي صاحبُه شهيدًا، فكل هؤلاء لهم مسمّى الشهداء في الدنيا والآخرة، فواحِدُهُم شهيدٌ، له مطلق الشهادة دون الشهادة المطلقة، وهي دون الثانية بكثير، فهؤلاء شهداء، لكن لا يُقال لهم شهداء في سبيل الله إلا إن كان ذلك ونحوه بسبب جهادهم في سبيله، كما في الحديث الصحيح عن نبيّنا صلى الله عليه وسلم قال: "ما تقولون في الشهيد فيكم؟" قالوا : القتل في سبيل الله. قال: "إن شهداء أمتي إذن لقليل. من قُتِلَ في سبيل الله فهو شهيد، و من مات في سبيل الله فهو شهيد، والمبطون شهيد، والمطعون شهيد، والغرق شهيد" (صحيح الجامع: 5602) وقال صلى الله عليه وسلم: "الشهادةُ سبعٌ سوى القتل في سبيل الله: المقتولُ في سبيل الله شهيد، والمطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، و صاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمعٍ شهيدة" _والجمع هو النفاس_ رواه أحمد وغيره من حديث جابر بن عتيك وصححه الألباني في صحيح الجامع (3739) . فهؤلاء إنما وهبهم الله منزلة الشهادة فضلًا منه ورحمة دون قتال منهم في سبيله، فهم شهداءٌ إما لموتهم دفاعًا عن أنفسهم أو عرضهم أو مالهم، أو لميتةٍ شديدة أحلّت بهم رحمة الله تعالى كالطاعون والهدم والغرق ونحو ذلك.

أمّا الشهادة المطلقة _وهي الكمال_ فهي منصرفةٌ للشهيد قتيلًا في سبيل الله تعالى، صابرًا محتسبًا مُقبلاً غيرَ مُدبرٍ، ويكون قتالُه لتكون كلمةُ الله هي العليا، فصاحبها هو الذي حاز مرتبةَ الشهادة الكاملة بخصالها السّتِّ، مع الحياة البرزخية الحقيقية، مع جَعْلِ روحه في حواصل الطير الخضر في جنات النعيم. وهذه المرتبة هي غاية آمال المقرّبين بعد مرتبة الصّدِّيقيّة نسأل الله الكريم من واسع فضله وعميم كرمه وجزيل هباته وعظيم إحسانه، إنه الحي القيوم ذو الجلال والإكرام.
إبراهيم الدميجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق