إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

السبت، 15 نوفمبر 2025

الاستغناء بعلم السلف عن علوم الخلف

الاستغناء بعلم السلف عن علوم الخلف

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فلقد صح عن حبيبنا ﷺ قوله: «خَيرُ أُمَّتي القرنُ الذين بُعثتُ فيهم، ثم الذين يلونَهُم، ثم الذين يلونَهُم، ثم يظهرُ قوم يَشهدُون ولا يُستَشهدُون، ويَنذُرون ولا يُوفُون، ويخونُونَ ولا يُؤتَمنون، ويفشُو فيهم السِّمَنُ»([1]) فكلما قرب العهد بعصر النبوّة كان العلم الشرعي أسلم وأحكم طردًا وعكسًا، فالعهد القريب بتنزّل الوحي وصحبة خير المرسلين صلى الله عليه وعليهم وسلم، ورؤيته ومجالسته وسماعه ومخاطبته، والتعبد لله بمقتضى ذلك العلم العتيق الصافي، ثم صحبة من صحبوه وأخذ العلم والعمل عنهم، ومخالطتهم وملازمتهم، ثم صحبة من بعدهم، وهكذا. فهو نور يتوهج ويصفو ويضيء بقدر قربه من المركز، ثم بصفاء وزكاء النواقل عنه وهم الصحابة فالتابعون فالأتباع، وإن حصل خلل عند بعض التابعين، وازداد عند أتباعهم إلا أنه في جملة الأمة باطل مضمحل لا يكاد يذكر، ثم مع مرور الزمان وتصرم السنين تثوب الفتن إلى أفئدة الفئام من الناس، ولكل بدعة وارث، ويأبى الله ألا يخلو زمان من قائم له بحجة وظهور وبلاغ. 

فإن الله ابتعث محمدًا ﷺ بدين كامل، وشريعة تامة، فكان أعلم الخلق، وأفصح الخلق، وأنصح الخلق للخلق، ﷺ، ثم لم يقبضه إليه حتى رضي عن بلاغه الوافي، وبيانه الشافي، فكانت الأمة بعده على الصراط المستقيم، والمهيع القويم، لا تضل هداتها عن سنته، ولا تزيغ بصائرهم عن شرعته، كانوا على هذا زمنًا حتى أذن الله بابتلاء هذه الأمة المرحومة، وتمييز المؤمنين، واستبانة سبيل المجرمين، فنبتت نابتات سوء في العصر الأول من الأصحاب، فقام الصحابة لله حق القيام، وصاروا نجومًا في حنادس الظلام، ورجومًا لكل مبطل، وسعوطًا لكل مبدل، ومن قصد البحر استقل السواقيا.

وعلى آثارهم مشى التابعون، ثم الأتباع، فتمّت القرون المفضلة الثلاثة تمامًا على الذي أحسن، فدوِّنت السنن، وحفظت الشريعة، وقمع المبتدعون، وحورب المشركون، ودون العُلى ضربٌ يُدمّي النواصيا.

ما لاح برق أو ترنم طائر

 

إلا انثنيت ولي فؤاد شيّق

وقامت منارات العلم في حواضر الإسلام بالوحيين تثجّ، وأتتها النفوس الراغبة من كل فجّ، فقرروا في نفوس الناس عظمة توحيد رب العالمين، وخطر ضده من الشرك الذميم، وحذّروهم من البدع بريد الكفر، ومن المعاصي بريد النفاق، فأمروهم بالمعروف، ونهوهم عن المنكر، فأطاعهم الصالحون والعامّة ديانة، والفسّاق حياء أو مخافة، فمخرت سفينة الإسلام والإيمان البحر بعزّ وسلام، وكرامة وإقدام، ورحمة وشفقة، ولم تزل مُذ سارت تُسالِمُ وتُسالَم، وتُحارِبُ وتُحارَب، من وَفَى لها وَفَت له، ومن غَدَرَهَا أوقعت به، ثبت فيها فئام، وتساقط منها آخرون، تعاون أهلها على حفظها بحفظ الله لها، كلٌّ على ما يسّر الله له، فالعمل للدين قرين الانتماء إليه.

وهذه السفينة هي الإسلام، وهي التوحيد، وهي السنّة، وهي السلفية، حتى وإن ركبها الأدعياء! وسرق اسمها اللصوص!، فليس في السلفية الحقّة شيء سوى الإسلام، وليس من الإسلام الأصيل شيء سواها، فباطنها وظاهرها الالتزام والدعوة إلى ما كان عليه نبينا صلوات الله وسلامه عليه، بلا وكس ولا شطط، مع قبول الاجتهاد المنضبط الدائر مع الدليل حيث دار، فهذا المنهاج السلفي هو عقد نظام الدين الصافي، والملة التالدة الخالدة التي قال فيها ﷺ: «تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك»([2]).

وهذه الدعوة السلفية كمعادن الطيب النفيس، فكلما ازداد ضربها نصع طيبها وتضوع عبيرها، وهذا عائد لأنها تتضمن حقيقة الإسلام الصافي الذي لم يُشب بلوثة خرافة، أو حوبة زندقة، أو تحريف للكلم عن مواضعه، بل رجعت بالأمر إلى أوله، وهو التوحيد والسنة، وانطلقت منه وانتهجته، فانتظم لها الدين جملة، وانسجمت تصورات العقول مع حاجات القلوب وأعمال الجوارح، فكان من أراد محض الإسلام الذي لم يُشب؛ ناله بأيسر جهد، موافقًا لفطرته السويّة، وعقله الذكيّ، خاليًا من الأكدار والتعقيدات والمقدمات والآصار والأغلال، فوجدت الفطرة طريقها السويّ فسكنت، وتاقت إليه الروح ونالته فخشعت، وأطلق العقل عنانه المنضبط في مهيعه وسُمُوِّه، وأظهرت هذه الدعوة للأمة المهديّة المرحومة طريق نبيهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، واضحة آثار سيره عليه، محفوظ المسلك، بيّن المعالم، يسير المرء فيه فيراه واضحًا جليًّا، فلا يستوحش ولو سار وحده، لكثرة من يرى مِن سَلَفِهِ الذين قد ساروه وسلكوه، فيرى آثار نبيه ﷺ، وعلى إثرها الأصحاب والتابعون والأتباع، ومن سار على تلك المحجة القويمة، واستقام على ذلك الصراط المستقيم، ويرى الأئمة فيه بسِيرهم وأقوالهم وفتاويهم يرشدونه حتى لا يضل، ويبصّرونه حتى لا يزيغ، ويعِظُونه حتى لا يتنكّب صراط المُنعَم عليهم، الذي امتن الله به عليه، فتستأنس نفسه في ذلك الطريق المسلوك بمعيّة من ساروا عليه من بدور الدجى وحرّاس الملة وحفّاظ الإسلام، فيرى الواقف في طرف الطريق قوافل الأئمة والصالحين والصديقين والعبّاد والشهداء، يسبقهم نبيهم ﷺ، قد تركهم في أوله وينتظرهم في آخره. فليس في ذلك الطريق الجميل شرك ولا بدعة ولا فسق، بل توحيد وسنة وطاعة. جعلنا الله جميعًا ممن حقّق ذلك ومات عليه. آمين.

وإذا تولاه امرؤٌ دون الورى

 

طرّا تولاه العظيمُ الشَّانِ

وأهل الإسلام هم كما قال فيهم نبيهم ﷺ «كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر» متفق عليه([3])، ولهما مرفوعًا: «كالبنيان يشد بعضه بعضًا»([4]).

 وقد مدحهم ربهم جل وعلا بقوله: ﴿ [الفتح: ٢٩]، قال أيوب السختياني ؒ: «إنه ليبلغني عن الرجل من أهل السنة أنه مات، فكأنما فقدت عضوًا من أعضائي». وأهل السنة يعرفون الحق، يرحمون الخلق ويمحضونهم النصح، وهل ذلك إلا بأن تتحقق الشهادتان في النفوس ظاهرًا وباطنًا. فالحمد لله الذي أكمل لنا الدين ورضيه.

 وقال ابن عباس ؓ في قوله تعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ [المائدة: ٣] «أكمل لهم الدين، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدًا، وأتمه فلا ينقصه أبدًا، ورضيه فلا يسخطه أبدًا»([5]).

 وقال أبو ذر ؓ: «لقد توفي رسول الله ﷺ وما طائر يقلّب جناحه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا» رواه أحمد([6]).

 وقال بعض المشركين لسلمان ؓ: لقد علّمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة، فقال: «أجل...» رواه مسلم([7]).

وبأسفٍ؛ فما زال بعض أبناء الملة وأهل القبلة، يغبّشون صفاءها باستحسانات يقدحها الهوى في أفئدتهم، فيبثّونها في العامّة دون الرجوع لحِكْمَةِ وعلم العلماء، لأنهم قد أسقطوهم من مرجعيّتهم، إذ عنّ لهم أنهم رجال وهم رجال، وما الفقه لأحد دون أحد.. أمّا الخيام فإنها كخيامهم!

ومن ثمّ بثّوا شُبههم التي ظنوها حججًا، ونفخ بعضهم في كيرها، فطار شررها إلى أطراف خيمة الإسلام، فإن لم يدركها أهل العلم والفضل وإلا فالخوف أن يدرك مارِجُها الأركان، فالشبهة تبدأ هزيلة سقيمة فَتُغَذى بلبان الهوى، وتُنشَر في الأنام كأنها حقيقة مسلّمة، فتُتَلَقّفُ ممن قل نصيبه من الفقه، وما أكثرهم! والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبرُ!

ظنّوها ثهلان ذا الهضبات ما يتحلحل، فإذا بها سحابة صيف عن قليل تقشّع، حقيقتها برق خُلّب، وإن زخرفوها بحسين الكَلم، ورصفوها مكرًا لبادي الرأي، ثُمّ العجب أنهم لها أحنُّ من شارف، وعليها أحذرُ من غراب، كأنهم لم يخلقوا إلا لها، ولن يسألوا عن سواها، فصيّروها شعارًا عليه معاقد الولاء والبراء، فمن نبّههم أو أنكر باطلهم ردوا بحالهم ومقالهم: أساجلك العداوة ما بقينا! ثم استقبلهم أبو مرّة([8]) بلحيته، وتلفّع لهم بعمامته، فظنوه ناصحًا مشفقًا، وما دروا أنه من أزّهم لذلك، وجمع لهم ما هنالك، والباقعة أنهم ممن عُدَّ من أهل الدين، والفارس لا يغزو قومه، والرائد لا يكذب أهله، ولكن؛ إذا اللهُ سَنَى عقد أمر تيسّرا.

وظلم القريب يغصّ الحلوق
فضيم البعيد أذى قد يداوى

إذا قدوة القـوم أمسى لئيمًا
فكبّر وسلّم عـلى أمتي

 

ويجري من العين دمعًا بدمْ
وكيد القريب مصاب أطمّْ
وباع بأخـراه دنيًا أذمْ
فقـبل الوفاة يكون السقمْ

وبالجملةِ؛ فالسُّنة كلّها خير مهما اشتدّت، والبدعة كلّها شرّ مهما تلوّنت وتقلبت وتبهرجت، لذا فكلما رفعت بدعة كاهلها قيّض الله لها دقًّا وكسرًا بصوارم السنّة على أيدي الأئمة الحنفاء وهل هم إلا أئمة السلف الصالح، وأتباعهم حملة ذلك العهد الرباني، والنهج النبوي؟ فلا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، فلما ارتد من ارتد من العرب، قصفهم الله بصارمه الصديق الأكبر، الذي قاد ألوية الموحدين من مدينة النبي الأمين ﷺ لدكّ معاقل الردة، وردّ الأمة لدين الله أفواجًا، ولمّا بث الشيطان سراياه الفكرية الكفرية المبدّلة للدين، والملوّثة للملّة، قام عليهم إمام السنة المبجل أحمد بن حنبل معه أئمة جهابذة، حاربوا الفتن، ورد الله بهم الباطل.

تناثر العلم شهدًا من ثغورهمُ

 

أكرم به منبعًا للدين ينسكبُ

ثم هدأ الناس زمانًا حتى ثاب بعض من تلوّثَ ببدع القول لمذاهب منبوشة من رفات الفلسفة الإغريقية، إذ لم يكتف بعضهم بتقريرات أئمة السنة ونقضهم لها قرابة ثلاثة قرون منذ عهد أحمد وأقرانه، وراجت تلك المذاهب في بعض المنتسبة للعلم فتخطفت قلوبهم وبصائرهم فصنفوا وخطبوا ما أضلوا به الناس وفتنوا به العامة، وزينوا المنطق والفلسفة، وجعلوا مقدماتها الممتنعة وتقعيداتها المعقّدة شروطًا للإيمان، وضرورة لكل متعلم، ورفعت الرافضة عقيرتها بالدعوة إلى وثنيتها، وتنادت عبدة الموتى لإغواء العامّة، حتى عبّاد الصليب صار لهم طمع في ردة أهل الإسلام! وانتشرت الشّبه بين من رام العلم، وسقط في شباكها الكثير، فعظمت بهم البلية، وتكاملت بهم الرزية، حتى قيض الله للإسلام من هدّ عروشهم، وزلزل صروحهم، وجعل أعاليها أسافلها، ودكّ معاقل إحداثهم وحصون فتنتهم فأوهاها وأسقطها، وفضح شبههم وكشفها وعرّاها، ذاكم هو شيخ الإسلام الرباني وإمام السنة الثاني، أحمد بن تيمية الحراني، فما زال يصول بالله ويجول ويقاتل بعلمه وعمله، ولسانه وسنانة هو ومن تابعه من الأئمة وأهل الفضل، فما زال كذلك حتى قَبَضَه الموت في ذات الله سجينًا صابرًا راضيًا حامدًا شاكرًا، ولا نزكيه على الله، قد جعل الله جنته وبستانه في صدره، فرحل إلى ربه وهو يتلو: ﴿إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَنَهَرٖ ٥٤ فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ ٥٥﴾ [القمر: ٥٤، ٥٥]([9]).

ثمّ حمل الراية تلاميذه وكثير من أقرانه على سننه الحميد وفعله الرشيد، وليس به وحده جُدّد الدين لكنه بزّ أهل زمانه في حمل لوائه وفاقهم في عظيم بلائه، وسار الناس على السنن المحمدي سنيًّا، ثم لم يلبث إبليس أن أغرى بعض الطّغام بعبادة الطاغوت جهارًا، وبذبح الحنيفية عند عتبته نهارًا، كما قال شيخ الإسلام: «إذا انقطع عن الناس نور النبوة وقعوا في ظلمة الفتن، وحدثت البدع والفجور، ووقع الشر بينهم»([10]) حتى رحم الله تعالى الأمة بجيل راشد، يقوده إمام هدى، هو ابن عبد الوهاب ♫ فهبّت صبا نجد بالعلم والإيمان، فكان نسيمها راحة وهداية وبصيرة للراغبين.

خليليّ من نجدٍ قفا بي على الربى

 

فقد هبّ من تلك الديار نسيمُ

وكانت حصباؤها رغامًا واجتثاثًا لصروح القبوريين، وكما صحّ عن أمير المؤمنين عثمان ؓ: «إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن»([11])  فعاد الناس لدينهم، وآبوا لسنة نبيهم ﷺ. فلم يقبض الله الإمام المجدد حتى أقرّ عينيه برؤية ثمار دعوته وجهاده، وما عند الله خير وأبقى، ولا نزكي على الله أحدًا.

عسى جدث يحوي رفاتًا لحِبِّنَا

 

رياض جنان مترعات سواقيا

ثم أتمّ علماء الدعوة السَّنِيِّة السُّنِّيَة ذلك التجديد، فزكت شجرة الإسلام بتيك الكوكبة من العلماءِ الذين قاموا بالحق وبه يعدلون، فأظهرهم الله وأعزهم، على قلة المعين وضعف الناصر، فما برحوا يقيمون الديانة، ويحرسون معالم الملة، ويذودون عن أصول السنّة، ويَجلُون عرائس المعاني لراغبيها، ويزفّون أبكار خرائد المعارف لخاطبيها، فلله هم من أنجم وأقمار، ورواسٍ وأنهار!

أتاك حديث لا يُملّ سماعه
إذا ذكرته النفس زال عناؤها


 

شهيّ إلينا نثره ونظامه
وزال عن القلب المعنّى قتامه

ثم خرج ممن استظلوا بنعمة السنة، وتربّوا في رحاب مدرسة علماء الدعوة، وتخرجوا على علمهم، فأخذوا يناكفونها، زعمًا أنهم يقوّمون المنهج ويصوّبون المسار! وما علموا أنهم قد أُخِذُوا بشبهات من سبقهم من مناوئي الدعوة النجدية السلفية، فما هم سوى أبواق سوء، ورُسُل بغْي، لمن خُلِبوا بهم وفُتِنوا، حالهم:

ويقبح من سواك الفعل عندي

 

وتفعله فيحسن منك ذاكا!

ولو أنّهم تريّثُوا وتمهّلوا، وراجعوا أنفسهم وتجردوا، وتدثروا بالتقوى، والتحفوا الورع؛ لأدّاهم ذلك إلى الهدى، ﴿وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَاۚ [البقرة: ١٨٩] وقد ركب موجتهم فئام من الأغرار، أو طوائف من الفجار، فتارة يركض معهم المستنوقون «العصرانيون» المنهزمون، وتارة التزويريون «التنويريون» المميّعون، ومتأسلمة العلمانيين، ناهيك عن أهل الخرافة من المتصوّفة والمتشيّعة، أو أذناب الكفرة من العلمانيين والليبراليين والمستغربين، وخلف صفوف هؤلاء مجامع الاستشراق ونوادي الفكر الموجه، ودوائر البحوث والدراسات الممنهجة ضد الحق. فحاربوا الدعوة صفًّا واحدًا، وتفرقوا إلا عليها، فتنوّعت طرق حربها، وتباينت سبل ضربها، فتارة في إسقاط الرموز باتهامهم في نياتهم.

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
كضـرائر الحسناء قلن لوجهها

 

فالقوم أعداء له وخصومُ
حسدًا وبغيًا إنه لدميمُ

وأخرى بضرب المنهج، واتهامه بأنه دخيل على الإسلام.. رمتني بدائها وانسلت!

وثالثة بافتراء أحداث من وحي الحيال وزاملة الكذب، ولطخها بصفحة تلك الدعوة الصافية، وفي كل عصر لهم جنود مجنّدة، وشُبَهٌ ملوّنة ﴿وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ [محمد: ٤] وللنار ملؤها وللجنة ملؤها. وتوارد هؤلاء المخذولون، وأولئك الموتورون على الهجوم على الدعوة السلفية أصالة أو نيابة.

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

 

وصدّق ما يعتاده من توهمِ

فمن جزافهم وخطلهم؛ قولهم: إن للشيخ محمد بن عبد الوهاب مآرب سياسية ومالية! أو أن حركته خارجية تكفيرية، وأنه يكفّر الأمة بعمومها، أو أنه مبغض لرسول الله ﷺ، أو أنه مدع للنبوة، أو أنه مرجئ لا يكفر أحدًا مهما غلا كفره([12]).

 ثم ظهر الآن من يزعم أنه لا يختلف مع الشيخ علميًّا لكنه لا يوافقه عمليًّا في المبدأ الأصيل التكفير والقتال، وهذا من تناقضه فأين الكفر بالطاغوت والبراءة منه؟! وبعضهم يتجاوز الشيخ إلى تلاميذه من علماء الدعوة فيتهمهم بأنهم خالفوا منهج الإمام وأنه لم يكفّر من قامت عليه الحجة، ويتعلق بمتشابه من القول، ويعرض عن المحكم المضطرد، وقد كفانا أئمة الدعوة رد كل شبهة، فقد سطروها في كتبهم وفتاويهم وردودهم.

ومن أولئك المدهنون من ينتسب للسلفية ويخالف منهجها بغموض وغمغمة، يريد بوهمه أن يبقى في المنطقة الرمادية التي حقيقتها ﴿مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا ١٤٣﴾ [النساء: ١٤٣]  كالشاة العائرة بين الغنمين، ولم يعلم أن أصول الدين وثوابت المنهج لا تقبل أنصاف الحلول، فلا منزلة بين المنزلتين ولا طريق بين السبيلين، بل:﴿وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَلِتَسۡتَبِينَ سَبِيلُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ٥٥﴾ [الأنعام: ٥٥] ﴿فَرِيقٞ فِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ ٧﴾ [الشورى: ٧] فنرى ذلك البائس يحبّر الصفحات يظنها ماءً زلالًا، وليست بشيء إنما هي حديث خرافة، وسراب بقيعة:

أظلّت علينا منك يومًا سحابة
فلا غيمُها يجلو فييأس طامع

 

أضاءت لنا برقًا وأبطا رشاشُها
ولا غيثها يأتي فيروى عطاشُها

وأصبح تنويريّهم! أوعصرانيّهم! المنتسب للسلفية يُجْمِلُ الخطابَ مداهنة لا مداراة، ولا يبالي بأن نسبته المتمشعرة أو المتصوفة بل والمتشيعة لها! فصار كمن جره القرش لبحره، والعقرب لجحرها ﴿وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ [الحج: ١٨]. بل ربما والى بعضُهم أهلَ الصليب وداهنهم في دينه.

أيها المبتلى بحب الكلاب
لو تعريت وسطها كنت منها

 

لا يحب الكلاب إلا الكلاب
إنما فقـتها بلبس الثياب

ونحن في زمن اشتدت فيه ضراوة الشّبه، وتخطّف كَلَبُها كثيرًا من منتسبة العلم، ففي كل يوم لها صريع أو قتيل، وليتهم لوحدهم بل قد جرّوا معهم فئامًا من الأمة أحسنوا الظن بهم، وعلّقوا بكلامهم الحق، فصاروا رؤوس باطل، ودخان ضلالة، قد رُوِّعُوا وأُخنعوا بعبارات المستغربين وأفراخ المستشرقين وأذنابهم في وصف منهاج النبوة بالراديكالي والمتشدد والمتطرف واليميني والرجعي والظلامي والوهابي([13]) فراحوا ينقّبون في الآثار والسير لا ليردّوا عادية أولئك بقوة وعزة وشمم، ولا ليصولوا عليهم ويُخرسوهم بالبراهين والحجج! بل ليجدوا لهزيمتهم النفسية تأويلًا ومخرجًا يلوون به باقي الأدلة لينفوا كلام الأسياد «الخصوم» وينفوا عن الدين الصلابة والشدة والغلظة مع أهلها، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.﴿وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ﴾ [البقرة: ٦١] فإن اشتد خطابهم، وأرقلت رواحلهم، وحُدَّت حرابهم؛ فإنما ذلك على إخوانهم.. بينما سَلِمَ منهم شرُّ البرية!

كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا

 

وحسب المنايا أن يكن أمانيا

وحين اتهم مستشرقون الإسلام بأنه قد انتشر بالسيف، قابلهم المنهزمون المخذولون الذين طغت عليهم عقدة المغلوب، وراعتهم صولة الصليب وغَيَاية المادة؛ فنفوا ــ عن حسن نية، وضعف بصيرة ــ القتال في سبيل الله! وصيّروه جهاد الدفع دون الطلب، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَةٖ تُنجِيكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ ١٠ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ١١﴾ [الصف: ١٠، ١١]. ﴿وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَيۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ [البقرة: ١٩١] ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلۡكُفَّارِ وَلۡيَجِدُواْ فِيكُمۡ غِلۡظَةٗۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ ١٢٣﴾ [التوبة: ١٢٣] وهل يجرؤ مسلم على توجيه آية التوبة هذه إلى جهاد الدفع، وهي في غاية الصراحة في الطلب: ﴿قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٖ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ ٢٩﴾ [التوبة: ٢٩] وقال إمام المجاهدين صلوات الله وسلامه عليه: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم» رواه البخاري معلقًا([14])، ومن لم يثق في الوحي ثقة مطلقة فلا ترجه.

ومن الآخيّة عينها ــ أعني الزهادة في السُّنَّة ــ دفّت دافة الاعتزال، ونبتت نابتة الإرجاء بل والخرافة في بعضهم، فليتنبه الغيورون لذلك. وهذه نابتة لا بد من قطعها قبل استفحالها، لأنها تُلبس الباطل والإرجاء لباس السنة والسلفية، كما أن من واجب الوقت ردّ صيال الطرف الآخر سليل فكر الخوارج ووارث تعنتهم الفكري وضلالهم المنهجي وغلوّهم في الدين، الذين خرجوا على أهل الإسلام فكفّروهم، واستحلّوا دماءهم وأعراضهم، ولم يعلموا أنهم بذلك قد حكموا على أنفسهم بأن صاروا شرّ الخلق والخليقة([15])! عياذًا بالله تعالى. وإنما تُردُّ عاديات هؤلاء وأولئك ببراهين الوحي، ومحكمات الشريعة([16]).

لقد ضيع بعض قومنا الثوابت عند ازدحام الأحداث، وكثرةُ مزالق الناس، وكبار سقطاتهم ليست مبررًا لغيرهم إذا سقط، ﴿بَلِ ٱلۡإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِيرَةٞ ١٤ وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ ١٥﴾ [القيامة: ١٤، ١٥] ولا يصحّ في النّهاية إلا الصحيح، ﴿فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ [الرعد: ١٧] والعاقلُ لا يبني قصرًا ويهدم مصرًا.

 وبعض هؤلاء متلوّن متقلب، في الصباح يحرّر ويقرّر، وفي الظهر يصوّر ويبرّر، وفي المغرب ينقض ويكرّر! لا ضابط له ولا تأصيل، تارة يشرّق وأخرى يغرّب، ضالّته حيث حطّت رحلها أم قشعم:

يومًا يمان إذا ما جئتَ ذا يمنٍ

 

وإن لقيتَ معدّيًّا فعدنان

حتى مسألة سيادة الشريعة والحكم بما أنزل الله جدّ فيها عندهم نظر! ﴿     [الزمر: ٣٦] ناهيك عن التشبه بالكفّار ومسائل الغناء والمعازف والاختلاط والحجاب... وتبرير ذلك الغثاء بهزال أغثى!﴿أَفِي ٱللَّهِ شَكّٞ [إبراهيم: ١٠].

بل وحتى تهنئة الكفار على كفرهم وجدت لها بين هؤلاء داعيًا ومجيزًا، همُّ بعضهم تتبع الشذوذات التي تُطرب أشباه الفُسّاق الباحثين عن أي تكأة أو مخرج من قيود الشريعة وحياض الأحكام، ظنّ ذلك المُزيِّف نفسه قد أتت بمسائل وحررت أحكامًا لم يعلمها السلف! أو قصرت عنها أفهامهم! أو علموها فخافوا! حتى صدع بها ديانة وأمانة! اللهم غفرًا، كأنّما يقول: ها أنذا فاعرفوني، ثم ماذا ؟! حال بعضهم كمن بال في بئر زمزم، فلما سئل قال: كي يعرفني الناس! وصدق، فقد عرفه الناس بشرّ عمله، وخطيئة قلمه، وسيشهدون عليه بين يدي الديان يوم الحساب حين تضمحل الزيوف، ويبقى ما أُريد به وجه الله، وكان على سنة رسول الله ﷺ. قال أبو العالية: «كلمتان يسأل عنها الأولون والآخرون، ماذا كنتم تعبدون، وماذا أجبتم المرسلين»([17]).

مآرب كانت في الحياة لأهلها

 

عِذابًا فصارت في الممات عَذابًا

والإسلام منصور بنا أو بغيرنا، والسعيد من ركب تلك السفينة، ورافق أولئك القوم، والله حافظٌ دينه ومعلٍ كلمته ولو كره المشركون، ولو زاغ الزائغون، ودينه كامل لا يقبل الانتقائية،﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ٢٠٨﴾ [البقرة: ٢٠٨].

ولمّا اشترط بعض الناس شروطًا في بيعة الإسلام تناقض ثوابته، ردّ رسول الله صلى اله عليه وسلم ذلك عليهم حتى يدخلوا في السِّلم كافة، ولما قال عمر لأبي بكر: «يا خليفة رسول الله! تألّف الناس». قال له أبو بكر: «يا ابن الخطاب! أجبّار في الجاهلية، خوّار في الإسلام؟! رجوت نصرك فجئتني بخذلانك! علام أتألفهم، أعلى حديث مفترى؟! أم على شعر مفتعل؟!».

ولم يوفّق في الكلام في ذلك بعض الفضلاء، وليتهم إذ لم يعلموا أو اشتبهوا سكتوا، وليتهم إن حسبوا أنهم علموا تريّثوا وشاوروا الراسخين ممن تنقطع دونهم أعناق المطي، وقد سهّل الله تواصلهم، ولكن أبت أمُّ الندامة ذلك! وزلّة العالِم زلّة العالَم، ومضروب لها الطبل، ومحمولة عند المناوئين على أسوأ المحامل، فتكلّم بعضهم بكلام غريب، فمهّدوا وجعلوا الكلام في الشريعة وأصول الدين وكبار المسائل كلأً مباحًا لكل دعيٍّ ومتعالم! حتى جعلوا وحي الله وشرعة الخالق المالك ألعوبة بيد عبيده ومماليكه! مراعاة لخواطر أعداء الشريعة وعبدة الصليب ﴿وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ١١٣﴾ [هود: ١١٣] وما ثَمّ إلا توفيق الله، ﴿وَلَوۡلَآ أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡـٔٗا قَلِيلًا ٧٤﴾ [الإسراء: ٧٤].

يهون علينا أن تصاب جسومنا

 

وتسلم أعراضٌ لنا وعقولُ

هذا، ولابد من تحرير مسألة الأسماء والأحكام في باب الإيمان، وتأصيلِ العامّة عليها، وقد خدمها العلماء والباحثون بحمد الله بمدونات محررة وبكلام محقق، ومن المهمّات بيان براءة المنهج السلفي من الضلالتين؛ المفْرِطين الغلاة، والمفَرّطين المقصرين، فالبعض من قومنا قد هرب من التكفير بالباطل فوقع في الإرجاء المذموم، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم. وكما أن القول بتكفير المجتمعات قول خطير فكذلك القول بإسلام المشركين الذين قامت عليهم الحجة قول خطير، فكلا القولين خلل منهجي في باب الإيمان، ثمّ جاءنا آخرون بقول شاذ حيث ألمحوا لاتهام الإمام بالإرجاء وأئمة الدعوة بالخروج! وما أعجب فهوم الناس!

قال مفتي الديار النجدية الشيخ عبد الله أبو بطين ؒ: «وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة، فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره، وتعدى بآخرين فكفّروا من حكم الكتاب والسنة والإجماع بأنه مسلم، فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين، ومحنته من تينك البليتين»([18]).

وقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن ؒ: «فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصالحين، نحكم بأنهم مشركون، ونرى كفرهم إذا قامت عليهم الحجة الرسالية، وما عدا هذا من الذنوب التي هي دونه في المرتبة والمفسدة لا نكفّر بها... ونبرأ إلى الله مما أتت به الخوارج، وقالته في أهل الذنوب من المسلمين»([19]).  

إذن فلا بد من تكفير من يستحق، بعد اكتمال الشروط وانتفاء الموانع، لا كما يقوله بعضهم: إن الاحتياط أن لا تكفّر أحدًا أصلًا! وهل هذا الاحتياط البارد والورع الأعور إلّا عين المضادة للقرآن الكريم، والمشاقة للسنة المطهرة، سواء من الكفار الأصليين، أو المرتدين.

 وليس من الإسلام في شيء ما يفعله أفراخ ذي الخويصرة وذي الثديّة من تكفير أهل الإسلام، وحرب أهل الإيمان، وشق صف أمة محمد ﷺ. وقال المشايخ عبد الله بن عبد اللطيف وإبراهيم بن عبد اللطيف وسليمان بن سحمان: «وأما قوله عن الشيخ محمد أنه لا يكفر من كان على قبة الكوّاز ونحوه، ولا يكفر الوثني حتى يدعوه وتبلغه الحجة فيقال: نعم، فإن الشيخ محمدًا ؒ لم يكفر الناس ابتداءً إلا بعد قيام الحجة والدعوة، لأنهم إذ ذاك في زمن فترة أو عدم علم بآثار الرسالة، ولذلك قال: «لجهلهم، وعدم وجود من ينبههم» فأما إذا قامت عليهم الحجة فلا مانع من تكفيرهم وإن لم يفهموها... ولا يجادل في هذه المسألة ويشبّه بها إلا من غلّب جانب الهوى، ومال إلى المطامع الدنيوية، واشترى بآيات الله ثمنًا قليلًا»([20]).  

فعدم تكفير المجدد لبعض الناس ليس نفيًا لحقيقة الكفر عن مرتكب الكفر الأكبر ــ تكفير الوصف ــ بل نفي لتكفير المعين ــ الشخص ــ قبل إقامة الحجة عليه، فهذه الأفعال مكفرة عند الإمام ولكن لاحتمال وجود الموانع توقف، وهذا مسلك نفيس، وهو جادة أهل السنة على امتداد الزمان، وهذا مضطرد في كتبهم ورسائلهم.

وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ؒ في البراءة من منهج الخوارج الذين يكفّرون بالكبيرة ومحذّرًا من ضلالهم: «وأما ما يكذب علينا سترًا للحق، وتلبيسًا على الخلق، بأننا نكفر الناس على الإطلاق من أهل زماننا... فجوابنا سبحانك هذا بهتان عظيم، فمن روى عنا شيئًا من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى»([21]).

قال عمر بن الخطاب ؓ: «لا تجد المؤمن كذابًا» وقال سعد بن أبي وقاص ؓ: «يُطبع المؤمن على كل خلَّة غير الخيانة والكذب» وقال الأحنف: «ما خان شريف، ولا كذب عاقل، ولا اغتاب مؤمن، وكانوا يحلفون فيحنثون، ويقولون فلا يكذبون». وقال: «اثنان لا يجتمعان أبدًا؛ الكذب والمروءة». قلت: فأخص صفات المؤمن الصدق، وأخص صفات المنافق الكذب.

وليس يصح في الأذهان شيء

 

إذا احتاج النهار إلى دليل

وسبيل علماء الأمة واحد في البراءة من التكفير بغير حق، وفي البراءة من عدم التكفير بإطلاق، والتطبيق فرع عن التنظير. ومن أولى المسائل الكبار التي وقع فيها الاختلاف والتفرق؛ مسائل التكفير والتبديع والتفسيق.

ومؤرخا الدعوة ابن غنام وابن بشر ـــ والأول من تلاميذ المجدد ــ قد شاهدا حال الناس إذ ذاك، فهما أعلم بواقع ذلك الزمان وحال أهله من بعض المؤرخين المعاصرين الذين شكّكوا في بعض الأمور.

قال الشيخ سليمان بن سحمان ؒ:

فيا أيها الإخوان جدوا وشمروا
وبيعوا نفوسًا في رضا الله واطلبوا


 

لنصـرة دين الله بالمال واليدِ
بذاك خلودًا في نعيم مُؤبَّدِ

وبعض الكتّاب يقسّم السلفية لأقسام ويشرذمها لأنواع؛ فهذه سلفية تقليدية، وتلك جهادية، وثالثة علميّة، ورابعة إصلاحية، وخامسة وسادسة..! وهذا باطل، فالسلفية مدرسة واحدة، ومنهج واحد، واضح المعالم، بيّن القَسَمَات، والسلفية اسم مطابق لمعناه، ومعنى موافق لمبناه، فمن كان على ما كان عليه أهل العلم والدين في القرون المفضلة الثلاثة فهو سلفي.

وليس من السلفية في شيء تكفير المجتمعات الإسلامية أو الأفراد بمجرد الكبائر، أو الافتئات على الولاة، أو إيغار صدور شعوبهم عليهم، أو الخروج عليهم بإطلاق، ولا خفر ذمة المسلمين بالغدر بأهل ذمتهم وعهدهم، وإنهار الدماء المعصومة والأنفس المصونة من أمة الإسلام، أو ممن عاهدوهم على الأمان والمسالمة.

وليس من السلفية في شيء الخنوع للكفرة والمستشرقين والمستغربين، وإقرار الربا والخنا والتغريب، بداية بالتبرير وانتهاءً بالتبديل، ﴿تَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَفِي ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَٰلِدُونَ ٨٠ وَلَوۡ كَانُواْ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلنَّبِيِّ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَا ٱتَّخَذُوهُمۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ ٨١﴾ [المائدة: ٨٠، ٨١].﴿فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمۡ يَقُولُونَ نَخۡشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٞۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرٖ مِّنۡ عِندِهِۦ فَيُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ نَٰدِمِينَ ٥٢﴾ [المائدة: ٥٢].

وليس من السلفية في شيء تصيّد عثرات أهل العلم والدعوة، وإشاعتها على سبيل التّنقّص والشماتة، واستباحة أعراض أهل السنة بغيبتهم وأخذهم بالظّنّ، واعتساف كلامهم، والتحزّب لذات التحزّب، أوالتحزّب هربًا من التحزّب ﴿هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾ [الحج: ٧٨] والبذاء والإقذاع في الإنكار كيف وذلك على أمور يسوغ فيها الخلاف؟! ــ ولا يعني هذا ترك الرد على الغلط والخطأ، بل ولا بأس من التسمية إن دعت الحاجة، وسبيل السلف الرد والاحتساب فيه بضوابطه المعتبرة ــ.

أفاطمُ ما للنبع قد أجّ ماؤه

 

وقد كان قبل اليوم عذبًا وصافيا

وليس من السلفية في شيء التفريط في حقوق شهادة أن لا إله إلا الله، فيُخرجُ منها أهلها، ويُغفل عظيم حقها وحق أهلها. ولا التفريط في حقوق شهادة أن محمدًا رسول الله، فتميّعُ السنة، ويدخل فيها من وما ليس منها.

وليس من السلفيّة في شيء تطويع أدلة الوحي لهوى السّاسة والسلاطين، وليس من السلفية في شيء تمييع الدين القويم، وتلويث المنهج النقي أو تبديله إما لرغبة حاكم أو حزب أو جمهور، كما قال السفيانان رحمهما الله: «من نجا من فتنة البدع وفتنة السلطان فقد نجا من الشر كلّه»([22])

أيا مبتغي الفردوس عجّل بصارمٍ
فإن تحي عشت العزّ في كل لحظة


 

وكن صادق الإقبال عند التلاقيا
وإن كانت الأخرى ستلقى المراقيا

واعلم أن هذا الدين محارب من زنادقة دخلوه ليهدموه وينقضوا أساساته وأعمدته ويُبدّلوا مادته من الداخل، ولا زال لهم أفراخ تقتات على لوثات مصنفاتهم الخبيثة، وتقيئها في نوادي الفكر، ومجالس الحوار، ونشرات الثقافة، وقنوات الأثير! وقد فرّخ بعض بيضهم، فبعض الناس أضلته شبهاتهم وتخطّفت قلبه لمّا أعرض عن تعظيم الآثار، وكفى بالخذلان عقوبة، وممن كان له دور في إثارة الشبه وإضلال الأمة:

إبراهيم النظام؛ وهو مزدكي زنديق، على ما قاله العلماء، تظاهر بالإسلام، وتلبس الاعتزال، وبث شبهه بين الناس. ومنهم عدوّ الإسلام المتسمي به ابن الراوندي الذي ألف لليهود كتابًا أسماه الدامغ، يزعم أنه يرد به على القرآن العظيم، أخزاه الله.

ومنهم غيلان الدمشقي، القدري، ويقال: إنه قد أخذ عقيدته من يوحنا أو سوسن الدمشقيين النصرانيين، وهو الذي ناظره الإمام الأوزاعي، ثم أفتى بقتله، فقتله هشام بن عبد الملك.

ومنهم معبد الجهني، وهو أوّل من قال بنفي القدر، وهو الذي توعده ابن عباس ¶ أن لو قبض عليه ــ بعد ما عمِي ــ أن يعضّ أنفه حتى يقطعه، وأن يدق عنقه، غضبًا لله تعالى. وقد قتله الحجاج بن يوسف عام 128.

ومنهم الجعد بن درهم، وهو أول من أظهر القول بخلق القرآن، وقد أخذ هذه العقيدة الضالة من اليهود، ويقال: إنه قد أخذ قالته عن أبان بن سمعان، الذي أخذها عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم وختنه، الذي سحر رسول الله ﷺ، فما أنتنها من سلسلة ضلال! وأقبِح به من سند كفر، وقد قتله خالد القسري ــ قصّاب الزنادقة ــ عام 128 بناء على فتاوى العلماء.

شكر الضحيةَ كلُّ صاحب سنة

 

لله درُك من أخي قـربانِ

وهو مؤدب آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد الذي لقب بالجعدي.

وكان من تلاميذ الجعدِ الجهمُ بن صفوان إمام نفاة الصفات، وهو جبريٌّ في القدر.

عجبت لمن يدعو الناس جهرةً

 

إلى النار واشتق اسمه من جهنّمِ

وقد قتله سَلْمُ بن أحوز ؒ بناء على فتاوى العلماء.

من تلاميذ الجهم أحمد بن أبي دؤاد رأس فتنة القول بخلق القرآن. ومن تلاميذ الجهم بن صفوان بشر المرّيسي؛ وهو يهودي ابن يهودي دخل نفاقًا بشهادة أمِّه؛ حيث قالت: «ما دخل دينكم إلا ليفسده»، وهو جهمي في الصفات، قدري في القدر، وكان ينكر العلم، وهو الذي ناظره عبد العزيز الكناني، ورد عليه الإمام الدارمي.

ومنهم محمد بن الحسن النصيري، مدّعي الألوهية، من زعماء النصيرية في جبال اللاذقية، كان يلقب بالمهدي تارة، وتارة يدعى علي بن أبي طالب فاطر السموات والأرض، خرج بالنصيرية فدخلوا جبلة فقتلوا خلقًا من أهلها، وخرجوا يقولون: لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان، وأمر أصحابه بهدم المساجد، واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن يأسرونه من المسلمين: قل لا إله إلا علي، واسجد لإلهك المهدي الذي يحيي ويميت، حتى يحقن دمك، فجرّدت إليهم العساكر، فقتل منهم جمع كبير، ونامت فتنتهم.

ومنهم ابن سينا فيلسوف الزنادقة قال ابن القيم عنه: «كان ابن سينا كما أخبر عن نفسه قال: أنا وأبي من أهل دعوة الحاكم»، فكان من القرامطة الباطنية الذين لا يؤمنون بمعيد ولا معاد، ولا رب خالق ولا رسول مبعوث جاء من عند الله تعالى.

ومنهم النصير الطوسي ولهذا الخبيث مصنفات، قال عنه ابن القيم: «ولما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر المُلْحد وزير الملاحدة: النصير الطوسي، وزير هولاكو، شفا نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه، فعرضهم على السيف، حتى شفا إخوانه من الملاحدة، واشتفى هو، فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء والمحدثين، واستبقى الفلاسفة والمنجمين، والطبائعيين والسحرة».

ولا زالت عقائد أولئك الفجرة تُتداول في بعض الهيئات العلمية والجامعات الإسلامية على أنها فكر حرّ مستنير من أئمة كبار للمسلمين! هذا وللأسف فبعض متأخري الصّوفية قد أدركتهم موجات كفر وإلحاد، فصار منهم حلولية ــ يرون حلول الخالق في المخلوق! ــ على عقيدة والحلاج وأتباعه القائل: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا..! وما في الجبة إلا الله! وسبحاني سبحاني! واتحادية ــ يرون الخلق مظاهر للخالق! ــ على عقيدة ابن عربي وابن سبعين والقونوي والتلمساني وابن الفارض، قال ابن عربي: «من عبد الصنم فقد عبد الصمد»! وقال أحد المريدين لشيخ ضلالة يؤصل لهم مذهب الاتحادية ويقرره في نفوسهم: يا شيخ أردت أن أقضي حاجتي فتذكرت قولك: إن الأرض وكل شيء هو الله! فكيف أصنع؟ فقال ذلك الإبليسي الزنديق: «وربك أيش إذًا!! الكلّ ربك!!» تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، وسبحان الله عما يصفون، والآخر يقول مقررًا ومؤصلًا في نفوس الأغرار شرك الربوبية والألوهية معًا: «لا يدخل مصر حبة شعير واحدة إلا بإذن السيد البدوي!» وفي قرة العيون للشيخ عبد الرحمن بن حسن: «وأعظم آلهة القبوريين في مصر أحمد البدوي».

وينبغي التنبّه الى اختراق المتصوفة من قبل بعض القبوريين، الذين جعلوهم يتبنّون خرافاتهم وشركياتهم؛ كخرافة التوسل والوساطة والسرّ ونحو تلك الوثنيات([23]).

قال العلامة صالح آل الشيخ في كتابه (هذه مفاهيمنا)([24]): «وقد جادلت يومًا ببلدٍ إفريقي أحد المفتونين من كبار العلماء المُحَبِّذين لعبادة القبور والسدنةِ حولها في حالهم، ومعنى العبادة، ومفهوم الشهادتين، فقال: أنا أعلم أنكم على الحق ولكن(سيب) الناس تعيش!».

وللعلم فليس كل المتصوفة يقولون بذلك الكفر، بل هو عند فئة قليلة نسبة إلى جمهورهم الذي يبرأ إلى الله من هذه الأمور، وبعض هؤلاء يحسن الظن ببعض الزنادقة وأئمة الضلال وهو لا يعلم حقيقة مقالاتهم الفاجرة. فمن المتصوفة أهل علم ودين وورع وفضل، انتسبوا جهلًا لطريقة دون سبيل نبي الرحمة ﷺ، التي اجتمع فيها كل الخير بحذافيره، ومنهم زنادقة كفرة، أخبث من نطفة إبليس، وأكفر من اليهود والنصارى، وبين هؤلاء وأولئك طوائف.

ذكرتُ ذلك إيقاظًا لبعض من أحسن الظن بمن لا يستحقه، وليُحذر من تلك المذاهب الخبيثة والنحل الرديئة، وليعلم المحب أن دين الفلاسفة والزنادقة والباطنية والقبورية والحلولية والاتحادية مباين لدين المرسلين، ومزايل لملة محمد وإبراهيم عليهم الصلاة والتسليم، ومناقض لدين المسلمين، وأن بعض من ينتسب إلى الإسلام قد تشرب ذلك الضلال والوثنية، ولقد قابلت بعضًا منهم وصرّحوا بذلك، فما أعظم واجب أهل الحق، وأخطر مسؤوليتهم، وأكبر أمانتهم في كشف الباطل وبيان الحق.

وبالجملة: فلا بد من البيان والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، ونشر التوحيد، والتحذير من ضده، بكل طريقة ممكنة، لرفع الجهل عن الأمة، ونشر إرث النبوة فيها.

ولسان حال بعض الغيورين على ثوابت الإسلام ومحكمات الإيمان والقرآن:

كم من هموم أحرقت كبدي التي
أوَّاه قلبي لا تبُحْ سرّي الذي

لكنما اللوعاتُ حين أوارها
تتهشّم الأضلاع من رجع الصدى

يا مقلتي ما عدت أقوى صابرًا
بحر خضم سخّنت أمواجه

 

بـجوانـحي لكنن أتجلَّدُ
أكنـنتُه قلبًا حـزينًا يكمدُ
تجثوا على القلب القوي فيهمدُ
من أنّة مكـلومة تتردّدُ
جودي ببحر زاخر يتمدَّدُ
من نار كبدي والضلوع تُقَدَّدُ

لكن نقول: دع البكاء على الأطلال والدِّمَنِ.. وأصلح نفسك وثنِّ بمن حولك وأتبعهم بمن تطيق من عباد الله([25]).

أبشـر أخا الإسلام فالنصـر قادم

 

وإن أجلب الكفار كل النواديا([26])

وتأمل نفيس العِلْم، ودرر التسليم، وعِظَمِ الاتّباع، وجمال الافتقار إلى الله تعالى في جواب العالم الرباني ابن تيمية  ؒ في رسالته الموسومة بـ(الحموية)([27]) حينما سئل عن آيات الصفات:« الحمد لله رب العالمين، قولنا فيها ما قاله الله ورسوله ، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره، فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمدًا بالهدى ودين الحق، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وشهد له بأنه بعثه داعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، وأمره أن يقول: ﴿       ﮅﮆ [يوسف: ١٠٨].

 فمن المحالِ في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وأنزل معه الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى ما بعث به من الكتاب والحكمة، وهو يدعو إلى الله وإلى سبيله بإذنه على بصيرة، وقد أخبر الله بأنه أكمل له ولأمته دينهم وأتم عليهم نعمته محال مع هذا وغيره: أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله والعلم به ملتبسًا مشتبهًا، ولم يميّز بين ما يجب لله من الأسماء الحسنى والصفات العليا وما يجوز عليه وما يمتنع عليه. فإن معرفة هذا أصل الدين وأساس الهداية، وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب وحصّلته النفوس وأدركته العقول، فكيف يكون ذلك الكتاب وذلك الرسول وأفضل خلق الله بعد النبيين لم يُحكموا هذا الباب اعتقادًا وقولًا؟!

ومن المحال أيضًا أن يكون النبي ﷺ قد علّم أمته كل شيء حتى الخِراءة وقال: «تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك«([28]) وقال فيما صح عنه أيضًا: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدلّ أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم»([29]).

 وقال أبو ذر: «لقد توفي رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا». وقال عمر بن الخطاب: «قام فينا رسول الله ﷺ مقامًا، فذكر بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه» رواه البخاري([30]).

 ومحال مع تعليمهم كلّ شيء لهم فيه منفعة في الدين - وإن دقّت - أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه في قلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب. بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية.

 فكيف يتوهّم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول ﷺ على غاية التمام، ثم إذا كان قد وقع ذلك منه؛ فمن المحال أن يكون خيرُ أمته وأفضلُ قرونها قصّروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه. ثم من المحال أيضًا أن تكون القرون الفاضلة - القرن الذي بعث فيه رسول الله ﷺ ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين، لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع.

أما الأول: فلأنّ مَنْ في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة في العبادة؛ يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه، أعني بيان ما ينبغي اعتقاده ومعرفة الرب وصفاته. وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر. وهذا أمر معلوم بالفطرة الوَجدية، فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي - الذي هو من أقوى المقتضيات - أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم. هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق وأشدهم إعراضًا عن الله، وأعظمهم إكبابًا على طلب الدنيا، والغفلة عن ذكر الله تعالى، فكيف يقع في أولئك؟!

وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم.

 ثم الكلام في هذا الباب عنهم أكثر من أن يمكن سطره في هذه الفتوى وأضعافها، يعرف ذلك من طلبه وتتبعه، ولا يجوز أيضًا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما قد يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدر قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها: من أن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم([31])، فإن هؤلاء المبتدعين الذين يفضلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومن حذا حذوهم على طريقة السلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: ﴿وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ ٧٨﴾ [البقرة: ٧٨] وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات. فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر.

 وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلّوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف. وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص بالشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر ـــ وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى ـــ بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى([32]) ـــ وهي التي يسمونها طريقة السلف ــــ وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف ــ وهي التي يسمونها طريقة الخلف ـــ فصار هذا الباطل مركبًا من فساد العقل والكفر بالسمع، فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقليّة، ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه.

 فلما ابتنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين الكاذبتين؛ كانت النتيجة استجهال السابقين الأولين واستبلاههم([33])، واعتقاد أنهم كانوا قومًا أميين بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله!

 ثم هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة، بل في غاية الضلالة، فكيف يكون هؤلاء المتأخرون - لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين الذين كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه أمرهم حيث يقول:

لعمري لقد طفت المعاهد كلها
فلم أر إلا واضعًا كف حائرٍ

 

وسيّرت طرفي بين تلك المعالمِ
على ذقن أو قارعًا سن نادمِ

وأقروا على أنفسهم بما قالوه، متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم كقول بعض رؤسائهم:

«نهاية إقدام العقول عقالُ
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا


 

وأكثر سعي العالمين ضلالُ
وحاصل دنيانا أذى ووبالُ
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي عليلًا، ولا تروي غليلًا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن. اقرأ في الإثبات: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ ٥﴾ [طه: ٥]﴿إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ﴾ [فاطر: ١٠] واقرأ في النفي:﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١١﴾ [الشورى: ١١] ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمٗا ١١٠﴾ [طه: ١١٠] ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي».

 ويقول الآخر منهم: «لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي».

 ويقول الآخر منهم: «أكثر الناس شكًّا عند الموت أصحاب الكلام».

 ثم هؤلاء المتكلمون المخالفون للسلف إذا حقق عليهم الأمر؛ لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة به خبر، ولم يقعوا من ذلك على عين ولا أثر. كيف يكون هؤلاء المحجوبون المفضولون([34]) المنقوصون المسبوقون الحيارى المتهوكون أعلم بالله وأسمائه وصفاته، وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدى ومصابيح الدجى، الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء فضلًا عن سائر الأمم الذين لا كتاب لهم، وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة؟!

ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة - لا سيما العلم بالله وأحكام أسمائه وآياته - من هؤلاء الأصاغر بالنسبة إليهم؟! أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس والمشركين وضُلَّالُ اليهود والنصارى والصابئين وأشكالهم وأشباههم أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان؟!»([35]).

ويكفي في تقديم علم السلف وتقديره بل وحصريّته في أمور المعتقد أنهم الأجيال الأقرب لتنزل الوحي الإلهي، فالصحابة هم من ارتضاهم الله تعالى لتبليغ دينه للأمة بعد نبيّها ﷺ، فالموفق من نَهَجَ سبيلهم وسلك طريقهم  واستنّ بطريقتهم، فلم ولن يكون في الأمة مثلهم في العلم والإيمان، فعلام تنكّب الطريق، وتتبِّع بُنيّاته؟!

وبالجملة فكل خير في اتباع من سلف، وكل شرٍّ في ابتداع من خلف، واتّبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم([36]).

ومن استغنى بالله تعالى، وخالط الاستغناء حُشاشة فؤاده فسيستغني ضرورة بالوحي المنزل عن أذهان البشر، وسيستغني بغنى الخالق عن كل مخلوق، وبالله التوفيق، وهو المستعان، وبه الاستغناء، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

إبراهيم الدميجي


 



([1]) البخاري (2651) ومسلم (2535) من حديث عمران بن حصين ؓ.

([2]) رواه أحمد ( 4 / 126 ) وصححه الألباني.

([3]) البخاري 8/11 ( 6011 ) ومسلم 8/20 ( 2586 ).

([4]) البخاري 3/169 ( 2446 ) ومسلم 8/20 ( 2585 ).

([5]) تفسير ابن جرير الطبري (9/518).

([6]) المسند (5/153، 162).

([7]) مسلم (262).

([8]) كنية إبليس أعاذنا الله جميعًا منه.

([9]) قال الحافظ الذهبي ؒ: «لم يأت قبل ابن تيمية بخمسمئة سنة مثله»، أي: بعد الإمام أحمد المتوفى سنة 241هـ.

قال الإمام ابن باز  ؒ معلقًا: «ولا نعلم إلى عصرنا هذا من قد أتى مثله، ؒ».

قلت: فمنذ 1200 سنة لم يأت أحد كهذا الإمام المجدد الصدّيق، فهل يُلام من أحبه ووثق بنصحه وعلمه.

ونقول فيه كما قال ابن عمر ؓ في ابنه سالم:

يَلُومُونَنِي فِي سَالِمٍ وَأَلُومُهُمْ

 

وَجِلْدَةٌ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالأَنْفِ سَالِمُ

ومن طعن في الإمامين ابن تيمية أو ابن عبد الوهاب فاتهمه على الإسلام، فقد قاما بالدين حق القيام، وجدد الله بهما ما اندرس من معالم الإسلام. قال الشيخ عبد الكريم الخضير في شرحه لبلوغ المرام، كتاب الصلاة: «وقد سئل الشيخ محمد رشيد رضا عن شيخ الإسلام ابن تيمية؛ هل هو أعلم من الأئمة الأربعة أم هم أعلم منه؟ فأجاب بجواب موفق فيما أحسب، قال: باعتبار أن شيخ الإسلام تخرّج على كتب الأئمة الأربعة، وكتب أتباعهم فلهم الفضل عليه من هذه الحيثية، وباعتباره جمع بين ما قالوه وأحاط بما كتبوه، يعني إحاطة بشرية لا يعني هذا أن شيخ الإسلام أحاط بكل ما كتب أو ما قيل، نعم، فهو من هذه الحيثية أشمل منهم علمًا، هذا كلامه، وهناك أمر ينبغي أن نتنبه له وهو فضل علم السلف».

ولد شيخ الإسلام سنة 661 ومات سنة 728 وله 67 سنة و10 أشهر،  ؒ. ولا فضل إلا بالتقوى وتمامها العلم والإيمان. وهؤلاء الأئمة سلمان والحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد، كلهم من فارس و«لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء» رواه البخاري (4898)  ومسلم (2546).

([10])   مجموع الفتاوى (17/310).

([11])   ينظر: التمهيد لابن عبد البر (1/118) تاريخ بغداد (4/107).

([12])   وانظر: دعاوى المناوئين د. عبد العزيز العبد اللطيف، (عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي) د.صالح عبد الله العبود. وانظر: (ويكون الدين كله لله). للمؤلف.

([13])   عن مصطلح الوهابية قال الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله تعالى: «إن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليست منهجًا جديدًا، وليست فكرًا جديدًا، وأكرر هنا المناداة بأن من يستطيع أن يجد في كتابات الشيخ ورسائله أي خروج على الكتاب والسنة وأعمال السلف الصالح، فعليه أن يبرزه ويواجهنا به. لذا أدعو الكُتّاب والباحثين إلى عدم الانسياق وراء من ينادي بالوقوع في فخ مصطلح الوهابية وأنه مجرد مصطلح، بينما يتناسى هؤلاء الهدف الحقيقي من وراء نشر هذا المصطلح للإساءة إلى دعوة سلفية صحيحة ونقية، ليس فيها مضامين تختلف عما جاء في القرآن الكريم وما أمر به نبيه محمد ﷺ، بخاصة أن هذا التشويه جاء من جهات متعددة لا يروق لها ما تقوم به تلك الدعوة الصافية من جهة، وما أدت إليه من قيام دولة إسلامية تقوم على الدين أولًا وتحفظ حقوق الناس وتخدم الحرمين الشريفين، وهي الدولة السعودية التي مكنها الله في هذه البلاد لتخدم المسلمين جميعًا وتحافظ على هذا الدين، لأنها قامت على أساسه ولا تزال» (عن جريدة الحياة اللندنية. الأربعاء 14 جمادى الأولى 1431هـ).

([14])   البخاري (6/98) (الفتح). ووصله أحمد (5114) وصححه الطبراني في تفسيره (10/2/58) وصححه أحمد شاكر في تخريج المسند وابن باز في مجموع فتاواه (13/406).

([15])   كما جاء وصف الخوارج بذلك من حديث أبي ذر ◙ مرفوعًا. (2067).

([16])   الشرع في هذا الزمان يطلق ويراد به أحد ثلاثة معان: شرع منزل؛ وهو الكتاب والسنة، وشرع متأول؛ وهو موارد الاجتهاد التي تنازع فيها العلماء، وشرع مبدل؛ مثل الأحاديث الموضوعة والتأويلات الفاسدة والأقيسة الباطلة والتقليد المحرم، وانظر: مجموع الفتاوى (11/430 - 431).

([17])   ينظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (15/ 105).

([18])   فتاوى الأئمة النجدية (3/336).

([19])   الدرر السنية (1/522).

([20])   الدرر السنية (10/434 - 435).

([21])   الهدية السنية: عن دعاوى المناوئين (127).

([22])   الفتاوى (5/118).

([23])   وانظر: التوسل والوسيلة، والرد على البكري، والرد على الأخنائي لابن تيمية، والصارم المنكي لابن عبد الهادي، وكشف الشبهات للإمام المجدد.

([24])   ص (4).

([25])   وانظر في تاريخ نشأة البدع: منهاج السنة النبوية (1/ 306).

([26])   انظر رسالة: (ويكون الدين كله لله) للمؤلف (3- 23).

([27])   قال ابن باز: «لأهميتها ينبغي ان تقرأ أكثر من مئة مرة». قلت: وقد ألّفها في جلسة واحدة بين الظهر والعصر  ــ وتأمل بركة العلم والعمر والوقت ـــ وقيل: إنها كانت أقل من ذلك فزادها وبخاصة النقول من الكتب.

([28])   أخرجه أبو داود (4607) والترمذي (2870) بدون لفظ «المحجة» وصححه الأرنؤوط.

([29])   أخرجه مسلم 6/18 ( 1844 ) ( 46 ).

([30])   في صحيحه (3192).

([31])   في مطبوع الشيخ ابن قاسم - وليس في غيره مما حقق - عبارة شاذة منكرة، ومقحمة على كلام شيخ الاسلام وهي- «وإن كانت هذه العبارة إذا صدرت من بعض العلماء قد يعني بها معنى صحيحًا». قال العثيمين: «إنه رجع إلى أصل المخطوطة فلم يجد هذه العبارة، فلعلها مقحمة في متن الحموية».

وعلق ابن باز على ذلك بقوله: «هذا الأقرب، فهي كلمة خبيثة حاشا شيخ الإسلام قولها، ولا نجد لها مساغًا».

 قلت: كذلك قد نفى وجود هذه العبارة محقق الحموية المطبوعة. وانظر كلامًا متينًا لشيخ الإسلام في نقض تلك الجملة الباطلة في درء التعارض (5/ 378-380). وهذه شهادة ضمنية بنفي نسبة تلك الجملة إليه، ♫.

([32])   والتفويض مذهب محدث خبيث، وخلاصته: الإيمان بألفاظ القرآن في صفات الله تعالى مجردة عن معانيها مع اعتقاد صرف هذه الألفاظ عن ظواهرها المعروفة من لغة العرب. فجعلوا نصوص الصفات مجرد حروف متراصّة غير مفهومة، وهذا من الجهل الوخيم وزادوا الفرية بأن جعلوها مذهبًا للسلف الصالح، وكذبوا، فالسلف أجروا معاني الألفاظ على معانيها الظاهرة مع اعتقاد نفي المماثلة والكيفية، لذلك فما تعلق به المبتدعة من نصوص للسلف هي في حقيقتها هدم لبدعتهم، فمقصود  السلف كأحمد وغيره من قولهم عنها: «أمِرّوها كما جاءت» إنما عنوا نفي الكيفية وليس نفي المعنى، كما قال مالك: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول» وللأسف فبعض أهل الكلام حينما تركوه وهجروه وأرادوا اعتقاد مذهب السلف ظنوا أن التفويض للمعاني هو مذهبهم فاعتنقوه، وهذا خروج من ضلال إلى ضلال! ﴿ [الرعد: ٣٣].

([33])   أي رميهم بالبلاهة وضعف الإدراك.

([34])   في الأصل: «المفضلون» وهو تصحيف.

([35])   الحموية (1-4) وهي ضمن مجموع الفتاوى (5 /9 - 13).

([36])   ولابن رجب ♫ رسالة لطيفة جامعة موسومة بـ «فضل علم السلف على علم الخلف».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق