إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الاثنين، 25 نوفمبر 2013

يا بَعْضي دَعْ بَعْضًا

يا بَعْضي دَعْ بَعْضًا
الحمد لله, وبعد: فأصل هذا المثل السائر أن زرارة بنِ عُدَس زَوَّج ابنتَه من سُوَيد ابن ربيعة، فكان له منها تِسْعَةُ بنين، وأنّ سُويداً قَتل أخًا صغيراَ لعمرو بن هِنْد – الملك, قتيل عمرو بن كلثوم - وهَرب سويد ولم يَقْدِر عليه ابن هند، فأرسل إلى زرارة: إنِ ائتني بوَلده من ابنتك، فجاء بهم، فأمر عمرو بقَتْلهم، فتعلًقوا بجدّهم زُرارة. فصاح باكيًا: يا بَعْضي دَعْ بَعْضاً، فذهبت مثلاً.. تلك قصة المثل الأولى, فما قصته الثانية؟!
لا شك أن الجسد الإسلامي الواحد يشكو ما آل إليه حال أعضائه وأطرافه من التنازع والتخالف والتناحر بشكل مروّع - ولهذا حديث آخر إن شاء الله - وحديثي اليوم ليس من ذلك القبيل، بل هو رنين صدى آخر!
فقصة المثل الحالية للمتلمّس اللمّاح هي ما نشاهده ونسمعه من تندّر مكرور وتنابز مؤلم بين أبنائنا وبناتنا, وبخاصة بعد سيادة وسائل التواصل الاجتماعي التي أضفت على حياة الناس لونًا جديدًا من المتعة الذهنية والبصرية والسمعية, وهذا سوى المنافع العلمية والدعوية والإغاثية, وكذا ما يجري مع ركام سيلها من سموم وبواقع فكرية وأخلاقية..
ومقصودي هنا هو ما يُتداول من طُرفٍ ونكات ومواقف تخيّلية تنبئ عن واقع يحاكي بعض جيراننا الذين اشتهروا في العقدين الماضيين بحسّ الدعابة وعفوية النكتة، فسبقهم شبابنا في هذا المضمار الذي لا يدركُ سابقُه مجد ولا فخار سوى بيان الأسى والإحباط والفراغ والتيه الذي تزمّله وتدثّره غير قليل من شبابنا وفتياتنا! وحبيبنا صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه أحمد وأبو داود بسند حسن: "ويل للذي يحدِّثُ فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له"
لقد ازدادت حدّة التعاليق اللّامِزَةُ بيننا بشكل مسفٍّ، وقد مالت الكفّة للذكور حتى كادت رمانة الميزان أن تندقّ, - لا لضعف أخيلتهن, ولكن لخفرهن وحيائهن - لولا ردود قولٍ منهن تنزل عليهم كـ" الصواقع" الملتهبة والشهب المحرقة.. وما هذا منهن سوى ردّات فعلٍ واستجابة انفعال, - وإن كان غير مضطرد - فهن لا يبتدئن في الغالب ولكن أحيانا يغالين في الانتقام, ومردّ كل ذا نقص عقل الطرفين!
أحبتي: الألقاب المتنابَزُ بها كثيرة ومتغيرة ومتجددة, لكنها لا تذهب بعيدًا حتى يعود الوصفان جذعان: فيبقى وصف الرجال للون بعض أعضائهن وبخاصة موضع السجود بالسواد (سواد الركب!) ونعتهن لهم بلباسهم الداخلي هزءًا (أبو فنيلة وسروال!) فهذا هو الثابت والباقي متغير ويدور عليه, وربما زحفت عليه بعض الألقاب الرنانة الجديدة التي تستحلب دمع الضحك عند طرف ودمع الحزن لدى آخر.. خاصة إن كان الكسر لدى ربّات القوارير الهشّة! وإن الأذى عليهن ليصل الذروة حال مقارنتهن الانتقائية مع نساء بلد آخر.
يختل بعضهم الحجة بقوله: ننقد لنظهر الخلل فيسهل علاجه بعد الإحساس به, والجواب: إن كثيرًا من النقد يعزز الداء أكثر مما يرفعه, وبخاصة بمعيّة السخرية والهزء, ويكفينا عموم زجر ربنا: "ولا تنابزوا بالألقاب"
والمخجل المؤسف أن بعضهم يسفّ الوصف بأشياء خاصة جدّا, بل ربما نزل بعضهم للعورات! وفي الصحيحين: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت"
إن بعض تلك النكات لإسفافها واتضاعها لدركات النزول الأخلاقي، وحقنها بمادة حقد سوداء؛ ليخيل إليك أن الأصابع التي كتبتها لا تنتمي لهذا البلد ولا ساكنيه, إنما هي كتلة حقد ذات أصابع! وما هي منهم وإن كانت منهم, بل حقيق بها ضربُ غرائب النُّوق, وإبعادُها خلفَ العَيّوق!
لستُ ضد المرح والطرائف والانشراح وتلطيف الوقت وإحماضه، لكن قد جعل الله لكلّ شيء قدرًا.
وصيتي للطرفين بحفظ الوقت عن الغفلة، وحفظ القلم فهو أحد اللسانين، وغدًا إعتاق من غِلِّ الكلِم أو إيباق!
 وأهمس في آذان أحبتي: إن كثيرًا مما يُتداول، وبخاصة ما كان فيه خفضٌ وإغماضٌ بسبب خلق الله فلا يخلو من تنكّرٍ للأصل, وضعف وفاء للمجتمع الذي رعاك ورباك, وحنّ عليك, وحينما ناديته.. لبّاك. وكما قالت العامة: الذي ليس فيه خير لأهل بلده لا خير فيه.
وتلك الطُّرفة التي قذفتها للناس ليس لك من مغنمها شيء, فكل ما يتداول يستحي واضعه من نشره باسمه! ولكن الذي يبقى هو المغرم والوزر. وإن لم يكن الناس يدرون من ابتدأ تيك "النكتة" فالعليم الخبير لا تخفى عليه خافية! وفي مسلم: "ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها, ووزر من عمل بها من بعده, من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"
إذن فالقضية أوزار متتابعة, يأخذ بعضها برقاب بعض, في سلسلة سنين وعقود وقرون, وقد يصل الوزر لحمل ذنوب الملايين من الخاطئين!
يقول أحدهم: أنا لا أخصّ أحدًا بعينه حتى لا تكون غيبةً لشخص معين معروف, يقف خصمًا لي غدًا.
وجوابه: ربما الأمر أشد! فالشخص المعيّن قد يُسامح, فإن لم يفعل فهو خصم واحد يأخذ من حسنانك لوحدِهِ, ولكن هل تأمن أن يصفّ غدًا أمامك عشرة ملايين مؤمنة من بنات بلدك كلّهن يتطلعن لحسناتك اللاتي كنت بها فرحًا مستبشرًا بقبولها, فلا تدري إلا وهي تُقسم بين هؤلاء: هنا بعض أجر صلاة, وهناك أجر صدقة, وهناك أجر بِرٍّ.. ثم هل تأمن نفادَ ذيّاك الرصيد, فتحمل أوزارهن, فهل تطيق حمل أوزارك فضلًا عن أوزار النساء؟! والمرأة كذلك بالنسبة لجموع الرجال غدًا، فاللهم سلم سلم. وحديث المفلس حقيقّ بالتدبر وقَمِنٌ بالتذكير دومًا. والعبرة هنا في المظالم عامة, وعلى قدر الحاصل يكون التحصيل, وبحسَبِ المظلمة يجري الاقتصاص!
فلا تكتب بخطك غير شيء   ...   يسرّك في القيامة أن تراه
يا صاحبي: تقول: إن العموم لا يضر أحد, فكيف لك بذلك؟ فتخيل معي مجلسًا من - عشرات أو مئات المجالس - فيه شابة من بنات بلدك, وفي المجلس ذاته امرأة أخرى من غير البلد, فتقرأ عليها تلك (الطرفة!) أو أن ترسلها لها برسالة! فهل تصوّرت مدى الأذى النفسي الذي يلحقها؟ وهل تظن أن الأنثى بجلافتك وصلافتك وجمودك لا تتأذى بمثل ذلك؟!
إن الأنثى روح رقيق فأدنى خدش يؤلمه.. ونسمه شذيّة فأقل أذى يتلفها.. ووردة غضّة فأهون مسّ يُذويها.. وفؤاد خفّاق فأيسر حرف يُمِضُّه..
وفي النهاية هي أمك, هي أختك, هي بنتك, هي جارتك, هي زوجك.. هي الأنثى التي زعمت يومًا أنها.. "حبيبتك"!
إطلالة:  خفقُ الفؤاد بالحُبّ كالمِلْحِ.. بل كالسكّر؛ إن فُقِدَ كسدَتْ الحياةُ، وإن زاد تلِفَتْ..
إذا لعب الرجال بكل شيءٍ   ...   رأيت الحبَّ يلعب بالرجالِ

إبراهيم الدميجي
aldumaiji@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق