الحمد لله كثيرًا، أما بعد؛ فإن حسن الاتّباع هو
الطريق الوحيد الموصل لتحقيق أماني الآخرة، وهو مبني على أصل وفرع، إسلام الوجه
لله تعالى وصدق الاتّباع لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الإحسان، فالإخلاص
أصل للديانة، والاتّباع هو المصحح لها، حتى إذا اجتمعا في العمل فتحت له أبواب
القبول الربانية بإذن الله الكريم، قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "شجرة
الإخلاص أصلها ثابت، لا يضرها نداء ﴿أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ﴾ [النحل:
27]، وأما شجرة الرياء فاجتثت عند
نسمة ﴿وَقِفُوهُمۡۖ إِنَّهُم مَّسۡـُٔولُونَ ٢٤﴾ [الصافات:
24].
كم من متشبه بالمخلصين في تخشعه ولباسه، وأفواه
القلوب تنفر من طعم مذاقه. وا أسفى ما أكثر الزُّور!
أما الخيام فإنها كخيامهم
ليس كل مستدير يكون هلالاً، لا لا، وما كلُّ من
أوْفَىْ إلى العزّ ناله.
|
|
ودون العُلى ضربٌ يدمِّي النّواصيا |
|
ريح المخلصين عطريّة القبول، والمرائي سموميّ
النسيم، نفاق المنافقين صيّر المسجد خرابًا، ﴿لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ﴾ [التوبة:
108]، وإخلاص
المخلصين رفع قدر الوسَخ، «رب أشعث أغبر»([1]).
أيها المرائي، قلب من ترائيه بيد من تعصيه، لا
يُنقش على الدرهم الزائف اسم الملك فما يتبهرج الشحمُ بالورم.
|
فما كلُّ دارٍ أقفرت دارةُ الحِمى |
|
ولا كلُّ بيضاءِ الترائب زينبُ |
ذهب أهل التحقيق، وبقيت بنيّاتُ الطريق، خلت البقاع
من الأحباب، وتبدلت العمارةُ بالخراب؛ يا ديار الأحباب عندك خبر! المخلص يبهرج على
الخلق بستر الحال، وببهرجته يصحّ النقد.
كان أيوب السختياني إذا وعظ فرَقَّ، فَرَقَ قلبُه
من الرياء، فيمسح وجهه ويقول: ما أشد الزكام، وكان يُحيي الليل كلَّه، فإذا كان
عند الصباح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة.
|
هل مدلجٌ عنده من مُبكرٍ خبرٌ |
|
وكيف يعلم حالَ الرائح الغادي |
كان إبراهيم النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل داخلٌ
غطّاه.
وكان ابن أبي ليلى إذا دخل داخلٌ وهو يصلّي اضطجع
على فراشه.
مرض ابنُ أدهم فجعل عند رأسه ما يأكله الأصحّاء،
لئلا يتشبه بالشاكين، هذه والله بهرجة أصحّ من نقدك.
رحل ــ والله ــ أولئك السادة، وبقي قرناء الرياء
والوسادة.
|
ذمَّ النازلَ بعد منزلة اللوى |
|
والعيشَ بعد أولئك الأقوام"([2]) |
فقل لمن لا يخلص: لا تتعب، ولم لا يتابع: لا تتعنّ.
فهو أغنى الشركاء عن الشرك، ولا يقبل من مُحدِثٍ بدعة، والله المستعان، وعليه
التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق