إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الخميس، 21 أغسطس 2025

وثلاث حثيات من حثيات ربي

 

وثلاث حثيات من حثيات ربي

 

من فضل الله ورحمته وكرمه أن جعل مع كل واحد من السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب سبعين ألفًا أيضًا، فيكون مجموعهم أربعة مليارات وتسعمئة مليون مؤمن: (70000 × 70000 = 4900.000000) والظاهر أن الأعداد هنا مقصودة بذاتها، وليست على سبيل المبالغة كعادة العرب في المبالغة بالسبعين، لأنّ جادّة العرب في المبالغة بالعدد أنهم يكتفون بذكره وحده بلا إضافات عليه، كقولهم رأيته سبعين مرة ونحو ذلك، أما في هذا الحديث فقد رُتّبت أعداد لاحقة على أعداد سابقة فمع كل ألف سبعين ألفًا، أو مع كل واحد سبعين ألفًا، أما الحَثَيَات الربانية فلا يقدر قدرها إلا الله تعالى، ومثلُ هذا العدد المقصود حديثُ رسول الله ﷺ: «يُؤتى بجهنَّمَ يومئِذٍ لها سَبعُونَ ألف زمامٍ، مع كلِّ زِمامٍ سَبعونَ ألف مَلَكٍ يَجُرُّونَها»، رواه مسلم والله أعلم. فعند أحمد أن رسول الله ﷺ قال: "أُعطيتُ سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل فزادني مع كل واحد سبعين ألفًا". وصححه البوصيري والألباني، وقال رسول الله ﷺ: "سألت ربي عز وجل، فوعدني أن يدخل من أمتي سبعين ألفًا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفًا فقلت: أي رب؛ إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي، قال: إذن أكمّلهم لك من الأعراب". أخرجه أحمد وجوده ابن حجر.

 وقد جاء في حديث آخر: "وعدني ربي أن يُدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا، مع كل ألف سبعون ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب، وثلاث حَثَيَاتٍ من حَثَيَاتِ ربي".

فعددهم في هذا الحديث أربعة ملايين وتسعمئة ألف (4.900.000) مع زيادة حثيات الكريم الرحيم الوهاب تبارك وتعالى. فلعلّ الله تعالى قد بَشَّرَهُ أوَّلًا بسبعين ألف مع كل ألف، ثم زاده سبعين ألفًا مع كل واحد، وفوق ذلك كله الحَثَيَات الإلهية الثلاث، أي يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب بقدر حثياته الثلاث تبارك وتعالى وتقدّس، وهي حثيات عظيمة، ولا يقدّر قدرها إلا الله تعالى. والله أعلم كم قدر الحثية، والحَثية في اللغة: هي ملء الكفّين. نسأل الله الكريم أن يجعلنا جميعًا ووالدينا وأحبابنا منهم، آمين. ومعلومٌ حبورُ النفس وفرحها بتتابع البشارات تلو البشارات بخصوص البشارة الأولى وزيادتها ومباركتها، فلله الحمد كل الحمد.

إبراهيم الدميجي

الثلاثاء، 19 أغسطس 2025

الشيطان، وما الشيطان!

 

الشيطان، وما الشيطان!

 

الحمد لله وبعد؛ فقد روى ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية (١٠/‏٢٥٧)  عن أحد مشاهير الصالحين أنه كان يقول: "ما خَلَقَ اللهُ خلقًا أهون عليَّ من إبليس، ولولا أنّ الله أمرني أن أتعوّذ منه ما تعوذتُ منه أبدًا، ولو تبدَّى لي ما لطمت إلّا صفحة وجهه".

قلت: وهذا كلام غير مُسدَّدٍ، وقد اشتهرت المتصوّفة بأحرفٍ لا تخلو من تَألٍّ وإدلالٍ، فهل من شرٍّ في الأرض من غير إبليس؟! فهو المزيّن المُغوي والعدوّ الخفيّ، وهل أُخرجنا من الجنة وابتُلينا بالدنيا إلا بسببه؟! ومن أعاذه الله تعالى منه وسلّمه من مكره أفلح وأنجح، وقد كان الأنبياء والصالحون يستعيذون بالله منه، ويحتاطون من كيده، ويدرؤون بالله تعالى في نحره، وهو أطول من الناس عمرًا، وأكثر منهم تجارب وخبرة، وأمكنُ في الوسوسة، وأشدُّ الخلق عداوة وشرًّا، وهل هلك 99.9% من بني آدم إلا بسببه كما في حديث بَعْثِ النار الذي رواه البخاري (6530) ومسلم (222) عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقولُ اللَّهُ: يا آدَمُ، فيَقولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ والخَيْرُ في يَدَيْكَ، قالَ: يقولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قالَ: وما بَعْثُ النَّارِ؟ قالَ: مِن كُلِّ ألْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ، فَذاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، ﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ ٢﴾». فاشْتَدَّ ذلكَ عليهم فقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّنا ذلكَ الرَّجُلُ؟ قالَ: «أبْشِرُوا، فإنَّ مِن يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ ألْفًا ومِنكُم رَجُلٌ ثُمَّ قالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنِّي لَأَطْمَعُ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ». قالَ: فَحَمِدْنا اللَّهَ وكَبَّرْنا، ثُمَّ قالَ: «والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنِّي لَأَطْمَعُ أنْ تَكُونُوا شَطْرَ أهْلِ الجَنَّةِ، إنَّ مَثَلَكُمْ في الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ البَيْضاءِ في جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ، أوِ الرَّقْمَةِ في ذِراعِ الحِمارِ».

ومع ذلك كله؛ فكيده بحمد الله تعالى ضعيف لمن اعتصم بمولاه، واستعاذ به، واعتصم به، وتوكّل عليه، ولاذ بحماه.

 فمهما بلغ كيد الرجيم فهو مخلوق والله الخالق، وهو مربوب والله الرب، وهو ضعيف ذليل صغير عاجز جاهل، والله تعالى هو القوى العزيز الكبير العليم الحكيم الرحيم.

فإبليس ضعيف لعين رجيم خائب، لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًّا، عصاه المؤمنون فما ضرّهم، وأطاعه المخذولون فما نفعهم، إنما هو دابَّةٌ سلطها الله تعالى على من شاء من خلقه، وكائن خبيث جعله الله امتحانًا وفتنةً لابتلاءِ حقيقة تديّن العباد، فمن صدق استعاذته بالله رب الشيطان وذرية الشيطان أعاذه وعصمه وحفظه وحرسه وأفلحه وأنجاه، ومن قصّر استحق الخذلان بقدر تقصيره، وربه أرحم به من نفسه.

فقُصارى الشيطان الرجيم إنما هو وسواس خنّاس عند ذكر الله رب الجِنّة والناس.

ويوم القيامة سيقول على رؤوس أتباعه: ﴿وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُۗ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٢٢﴾ [إبراهيم: 22]

ولا تزال التوبة تتنزّل من التواب على المؤمنين، والمغفرة تجلّلهم، والرحمة تحوطهم، وتوفيق الله تعالى لمن شاء منهم يغيظ الشيطان، فالحمد لله رب العالمين.

وبالجملة؛ فإن الله تعالى قد حسم أمر العلاقة بيننا بقوله الأعز الأكرم: ﴿إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ ٦﴾ [فاطر: 6].

وقد أمدّنا سبحانه بما نغلبه به إن صدقنا مع ربنا؛ بالإيمان والعلم والمجاهدة واليقين وإحسان الظن والقوة بالله تعالى والاعتصام به وإحسان عبوديته، وبالتوبة النصوح بعد التوبة النصوح حتى نرجع لربنا تبارك تعالى، فمن كان كذلك فليس عليه ضيعة بحمد الله الكريم الوهّاب.

ولعل الشيخ أبا سليمان رحمه الله تعالى إنما أراد بيان ضعف كيد الشيطان لمن توكل عليه واستعاذ بالله تعالى منه، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا ٧٦﴾ [النساء: 76]. وبالله تعالى التوفيق والعصمة والهدى.

إبراهيم الدميجي

الحُلول والاتّحاد

 

الحُلول والاتّحاد

 

الحمد لله، وبعد؛ فالقول بالحلول معناه: أنّ الله سبحانه وتعالى يحلّ في شيء من مخلوقاته المختارة، كقول النصيرية: إنه حلّ في عليّ رضي الله عنه، وكقول الدروز: إنه حلّ في الحاكم بأمر الله الفاطمي (العبيدي). وهكذا كانت عقيدة الحلاج وأضرابه، ومثلهم قول بعض النصارى: إن اللاهوت حلّ بالناسوت، أي أن الله تعالى الذي يسمونه (الآب) قد حلّ في الناسوت الذي يسمون (الابن)، وهذه عقيدة غنوصية وثنية قديمة جاءت من الهند.

ومن بعد الحلولية جاء الاتّحادية، فقالوا: إنّ الحلولية مشركون مُعَدِّدون؛ لأنهم قالوا بإله ومألوه، وما ثَمَّ إلا الله (تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا). فقالوا: إن الوجود بكل تفاصيله وخيره وشره وطيّبه وخبيثه حتى أقذاره إنما هي مظاهر للإله المطلق. وهذه أيضًا عقيدة وثنية قديمة ولا زالت قائمة لدى كثير من أديان الهند، وهي منتشرة كذلك في غيرها، وما خرافة طقوس اليوجا إلا من فروعها، فيزعمون أن على الكثيف (الإنسان) أن يتحرر من الكثرة حتى يصل لمرحلة النرفانا، أي الاتحاد من إله الكون المطلق فيكون هو الإله والإله هو. تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، ولا زالت بعض علوم ما يسمى بالطاقة تمارس بغفلة وجهل طقوس أهل الأوثان هؤلاء، بدون الانتباه لما وراء تلك الأداءات (الطقوس) من مضامين وثنية صرفة ومسبة لله رب العالمين.

وإمامُ هؤلاء الضُلّال لدى المسلمين ابن عربي الطائي صاحب الفصوص والفتوحات، ولا زال بعض الناس مغترٌّ به، ويتأول لضلاله محامل في الغاية من البعد، لأنه قد كتبها بغموض ومكر، وقد صرح في مواطن بصريح هذا المعتقد الفاجر الكافر. وحال الاتحاديّة كما ترى أشرُّ وأضل من كفر اليهود والنصارى.

والقول بالحلول والاتحاد ينتهي لمآل واحد، وهو الإلحاد المطلق في الحقيقة. وهذه عقيدة غلاة الصوفية والفلاسفة، كابن عربي وابن سبعين والحلاج والتلمساني والقونوي والفرغاني وأشباههم. والحمد لله على نعمة الإسلام والقرآن والسنة والهدى، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق.

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فيهم: «من اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات التي قتل الحلاج عليها فهو كافر مرتدّ باتفاق المسلمين؛ فإنّ المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحاد ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد، كقوله: أنا الله. وقوله: إله في السماء وإله في الأرض. وقد عُلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا إله إلا الله، وأن الله خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق ... والحلاج: كانت له مخاريق، وأنواع من السحر، وله كتب منسوبة إليه في السحر. وبالجملة؛ فلا خلاف بين الأمة أن من قال بحلول الله في البشر، واتحاده به، وأن البشر يكون إلهًا، وهذا من الآلهة: فهو كافر مباح الدم وعلى هذا قتل الحلاج». مجموع الفتاوى (2/ 480): وقال: «ولهذا كان هؤلاء الاتحاديّة والحلوليّة يصفونه بما توصف به الأجسام المذمومة، ويصرّحون بذلك، وهؤلاء من أعظم النّاس كفرًا وشتمًا لله، وسبًّا لله سبحانه وتعالى عمّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا... ويُسمّون أنفسهم المنزِّهون، وهم أبعد الخلق عن تنزيه الله.. ويقولون: القرآن كله شرك، وإنما التوحيد في كلامنا، ويقولون: لا فرق عندنا بين الأخوات والبنات والزوجات؛ فإنّ الوجود واحد، لكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام، فقلنا حرام عليكم». بيان تلبيس الجهمية (2/538-539). وانظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (229-230)، والصفدية (244). والحمد لله رب العالمين.

إبراهيم الدميجي