الحُلول
والاتّحاد
الحمد لله، وبعد؛ فالقول بالحلول معناه: أنّ
الله سبحانه وتعالى يحلّ في شيء من مخلوقاته المختارة، كقول النصيرية: إنه حلّ في عليّ
رضي الله عنه، وكقول الدروز: إنه حلّ في الحاكم بأمر الله الفاطمي (العبيدي). وهكذا
كانت عقيدة الحلاج وأضرابه، ومثلهم قول بعض النصارى: إن اللاهوت حلّ بالناسوت، أي أن
الله تعالى الذي يسمونه (الآب) قد حلّ في الناسوت الذي يسمون (الابن)، وهذه عقيدة غنوصية
وثنية قديمة جاءت من الهند.
ومن بعد الحلولية جاء الاتّحادية، فقالوا:
إنّ الحلولية مشركون مُعَدِّدون؛ لأنهم قالوا بإله ومألوه، وما ثَمَّ إلا الله (تعالى
الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا). فقالوا: إن الوجود بكل تفاصيله وخيره وشره
وطيّبه وخبيثه حتى أقذاره إنما هي مظاهر للإله المطلق. وهذه أيضًا عقيدة وثنية قديمة
ولا زالت قائمة لدى كثير من أديان الهند، وهي منتشرة كذلك في غيرها، وما خرافة طقوس
اليوجا إلا من فروعها، فيزعمون أن على الكثيف (الإنسان) أن يتحرر من الكثرة حتى يصل
لمرحلة النرفانا، أي الاتحاد من إله الكون المطلق فيكون هو الإله والإله هو. تعالى
الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، ولا زالت بعض علوم ما يسمى بالطاقة تمارس بغفلة
وجهل طقوس أهل الأوثان هؤلاء، بدون الانتباه لما وراء تلك الأداءات (الطقوس) من مضامين
وثنية صرفة ومسبة لله رب العالمين.
وإمامُ هؤلاء الضُلّال لدى المسلمين ابن عربي
الطائي صاحب الفصوص والفتوحات، ولا زال بعض الناس مغترٌّ به، ويتأول لضلاله محامل في
الغاية من البعد، لأنه قد كتبها بغموض ومكر، وقد صرح في مواطن بصريح هذا المعتقد الفاجر
الكافر. وحال الاتحاديّة كما ترى أشرُّ وأضل من كفر اليهود والنصارى.
والقول بالحلول والاتحاد ينتهي لمآل واحد،
وهو الإلحاد المطلق في الحقيقة. وهذه عقيدة غلاة الصوفية والفلاسفة، كابن عربي وابن
سبعين والحلاج والتلمساني والقونوي والفرغاني وأشباههم. والحمد لله على نعمة الإسلام
والقرآن والسنة والهدى، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله،
لقد جاءت رسل ربنا بالحق.
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فيهم: «من اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات
التي قتل الحلاج عليها فهو كافر مرتدّ باتفاق المسلمين؛ فإنّ المسلمين إنما قتلوه على
الحلول والاتحاد ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد، كقوله: أنا الله. وقوله:
إله في السماء وإله في الأرض. وقد عُلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا إله إلا الله،
وأن الله خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق ... والحلاج: كانت له مخاريق، وأنواع من السحر،
وله كتب منسوبة إليه في السحر. وبالجملة؛ فلا خلاف بين الأمة أن من قال بحلول الله
في البشر، واتحاده به، وأن البشر يكون إلهًا، وهذا من الآلهة: فهو كافر مباح الدم وعلى
هذا قتل الحلاج». مجموع الفتاوى (2/ 480): وقال: «ولهذا كان هؤلاء الاتحاديّة والحلوليّة
يصفونه بما توصف به الأجسام المذمومة، ويصرّحون بذلك، وهؤلاء من أعظم النّاس كفرًا
وشتمًا لله، وسبًّا لله سبحانه وتعالى عمّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا... ويُسمّون
أنفسهم المنزِّهون، وهم أبعد الخلق عن تنزيه الله.. ويقولون: القرآن كله شرك، وإنما
التوحيد في كلامنا، ويقولون: لا فرق عندنا بين الأخوات والبنات والزوجات؛ فإنّ الوجود
واحد، لكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام، فقلنا حرام عليكم». بيان تلبيس الجهمية
(2/538-539). وانظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (229-230)، والصفدية
(244). والحمد لله رب العالمين.
إبراهيم الدميجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق