إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الثلاثاء، 19 أغسطس 2025

الشيطان، وما الشيطان!

 

الشيطان، وما الشيطان!

 

الحمد لله وبعد؛ فقد روى ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية (١٠/‏٢٥٧)  عن أحد مشاهير الصالحين أنه كان يقول: "ما خَلَقَ اللهُ خلقًا أهون عليَّ من إبليس، ولولا أنّ الله أمرني أن أتعوّذ منه ما تعوذتُ منه أبدًا، ولو تبدَّى لي ما لطمت إلّا صفحة وجهه".

قلت: وهذا كلام غير مُسدَّدٍ، وقد اشتهرت المتصوّفة بأحرفٍ لا تخلو من تَألٍّ وإدلالٍ، فهل من شرٍّ في الأرض من غير إبليس؟! فهو المزيّن المُغوي والعدوّ الخفيّ، وهل أُخرجنا من الجنة وابتُلينا بالدنيا إلا بسببه؟! ومن أعاذه الله تعالى منه وسلّمه من مكره أفلح وأنجح، وقد كان الأنبياء والصالحون يستعيذون بالله منه، ويحتاطون من كيده، ويدرؤون بالله تعالى في نحره، وهو أطول من الناس عمرًا، وأكثر منهم تجارب وخبرة، وأمكنُ في الوسوسة، وأشدُّ الخلق عداوة وشرًّا، وهل هلك 99.9% من بني آدم إلا بسببه كما في حديث بَعْثِ النار الذي رواه البخاري (6530) ومسلم (222) عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقولُ اللَّهُ: يا آدَمُ، فيَقولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ والخَيْرُ في يَدَيْكَ، قالَ: يقولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قالَ: وما بَعْثُ النَّارِ؟ قالَ: مِن كُلِّ ألْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ، فَذاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، ﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ ٢﴾». فاشْتَدَّ ذلكَ عليهم فقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّنا ذلكَ الرَّجُلُ؟ قالَ: «أبْشِرُوا، فإنَّ مِن يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ ألْفًا ومِنكُم رَجُلٌ ثُمَّ قالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنِّي لَأَطْمَعُ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ». قالَ: فَحَمِدْنا اللَّهَ وكَبَّرْنا، ثُمَّ قالَ: «والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنِّي لَأَطْمَعُ أنْ تَكُونُوا شَطْرَ أهْلِ الجَنَّةِ، إنَّ مَثَلَكُمْ في الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ البَيْضاءِ في جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ، أوِ الرَّقْمَةِ في ذِراعِ الحِمارِ».

ومع ذلك كله؛ فكيده بحمد الله تعالى ضعيف لمن اعتصم بمولاه، واستعاذ به، واعتصم به، وتوكّل عليه، ولاذ بحماه.

 فمهما بلغ كيد الرجيم فهو مخلوق والله الخالق، وهو مربوب والله الرب، وهو ضعيف ذليل صغير عاجز جاهل، والله تعالى هو القوى العزيز الكبير العليم الحكيم الرحيم.

فإبليس ضعيف لعين رجيم خائب، لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًّا، عصاه المؤمنون فما ضرّهم، وأطاعه المخذولون فما نفعهم، إنما هو دابَّةٌ سلطها الله تعالى على من شاء من خلقه، وكائن خبيث جعله الله امتحانًا وفتنةً لابتلاءِ حقيقة تديّن العباد، فمن صدق استعاذته بالله رب الشيطان وذرية الشيطان أعاذه وعصمه وحفظه وحرسه وأفلحه وأنجاه، ومن قصّر استحق الخذلان بقدر تقصيره، وربه أرحم به من نفسه.

فقُصارى الشيطان الرجيم إنما هو وسواس خنّاس عند ذكر الله رب الجِنّة والناس.

ويوم القيامة سيقول على رؤوس أتباعه: ﴿وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُۗ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٢٢﴾ [إبراهيم: 22]

ولا تزال التوبة تتنزّل من التواب على المؤمنين، والمغفرة تجلّلهم، والرحمة تحوطهم، وتوفيق الله تعالى لمن شاء منهم يغيظ الشيطان، فالحمد لله رب العالمين.

وبالجملة؛ فإن الله تعالى قد حسم أمر العلاقة بيننا بقوله الأعز الأكرم: ﴿إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ ٦﴾ [فاطر: 6].

وقد أمدّنا سبحانه بما نغلبه به إن صدقنا مع ربنا؛ بالإيمان والعلم والمجاهدة واليقين وإحسان الظن والقوة بالله تعالى والاعتصام به وإحسان عبوديته، وبالتوبة النصوح بعد التوبة النصوح حتى نرجع لربنا تبارك تعالى، فمن كان كذلك فليس عليه ضيعة بحمد الله الكريم الوهّاب.

ولعل الشيخ أبا سليمان رحمه الله تعالى إنما أراد بيان ضعف كيد الشيطان لمن توكل عليه واستعاذ بالله تعالى منه، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا ٧٦﴾ [النساء: 76]. وبالله تعالى التوفيق والعصمة والهدى.

إبراهيم الدميجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق