إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الاثنين، 3 يناير 2022

هل كلُّ القضاء خيرٌ للمؤمن؟

 

هل كلُّ القضاء خيرٌ للمؤمن؟

 

الحمد لله، وبعد؛ فأقضية الله تعالى كلها حكمة، وكلها خير من جهة الله تعالى، والله لا يخلق شرًّا محضًا (1)، أما من جهة العبد فكلها خير إلا ما كان معصيةً لله تعالى إلا إن أفضت في ثاني الحال لمصالح في دينه كالتوبة والإنابة والانكسار والاستغفار وكسر العجب وإكثار الحسنات الماحية ونحو ذلك (2)، وقد وصل الحال ببعضهم إلى دهاليز جهلٍ وضلال لا تخطر على بال موحّد، ومن ذلك ما ذكره ابن القيم رحمه الله فقال واصفًا بعض أحوالهم الشنيعة، التي تنبو عنها فطر المؤمنين، وتستقذرها نفوس الشرفاء الحنفاء: "صعد رجل يومًا على سطح دار له فأشرف على غلام له يفجر بجاريته، فنزل وأخذهما ليعاقبهما، فقال الغلام: إن القضاء والقدر لم يدعانا حتى فعلنا ذلك! فقال: لَعلمُك بالقضاء والقدر أحبّ إلي من كل شيء، أنت حر لوجه الله!

 ورأى آخر يفجر بامرأته؛ فبادر ليأخذه فهرب، فأقبل يضرب المرأة وهي تقول: القضاء والقدر! فقال: يا عدوة الله؛ أتزنين، وتعتذرين بمثل هذا؟ فقالت: أوَ تركت السنة وأخذت بمذهب ابن عباس؟! فتنبّه ورمى بالسوط من يده، واعتذر إليها وقال: لولاك لضللت! ورأى آخر رجلًا آخر يفجر بامرأته، فقال: ما هذا؟ فقالت: هذا قضاء الله وقدره. فقال: الخيرة فيما قضى الله!

وجرى عند بعض هؤلاء ذكر إبليس وإبائه وامتناعه من السجود لآدم، فأخذ الجماعة يلعنونه ويذمونه، فقال: إلى متى هذا اللوم، ولو خلّي لسجد، ولكن مُنع. وأخذ يقيم عذره. فقال بعض الحاضرين: تبًّا لك سائر اليوم؛ أتذب عن الشيطان وتلوم الرحمن؟! قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تائيته:

ويُدعى خصوم اللهِ يوم معادهم ... إلى النار طُرًّا معشر القدريةِ

سواء نفوه، أو سعوا ليخاصموا ... به الله، أو مارَوا به للشريعةِ

 وسمعته يقول: القدرية المذمومون في السنة على لسان السلف هم هؤلاء الفرق الثلاث: نفاته، وهم القدرية المجوسية، والمعارضون به للشريعة، الذين قالوا: (لو شاء الله ما أشركنا)، وهم القدرية المشركية، والمخاصمون به الرب سبحانه، وهم أعداء الله وخصومه، وهم القدرية الإبليسية، وشيخهم إبليس، وهو أول من احتج على الله بالقدر، فقال: (بما أغويتني)، ولم يعترف بالذنب ويبوء به كما اعترف به آدم. فمن أقر بالذنب وباء به ونزّه ربه فقد أشبه أباه آدم، ومن أشبه أباه فما ظلم، ومن برّأ نفسه واحتج على ربه بالقدر فقد أشبه إبليس" (3).

فالمعصية في ذاتها شرٌّ، ولكن قد يترتب على ارتكابها حسنات أكبر منها، وتأمل حال أبينا آدم عليه السلام فقد كان حاله بعد التوبة من الخطيئة أفضل من حاله قبل الخطيئة وذلك لأن حسنة التوبة وما بعدها قد رجحت على الخطيئة. وكما قال الحسن رحمه الله: "إن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار، وإن العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة؛ وذلك أنه يعمل الحسنة فتكون نصب عينه ويعجب بها، ويعمل السيئة فتكون نصب عينه فيستغفر الله ويتوب إليه منها".

وعلى ذلك؛ فقضاء الله لعبده كله خير من جهة الله تعالى، وكلها خير من جهة أقضيته الشرعية، وكله خير من جهة أقضيته الكونية القدرية إن أفضى بالعبد إلى خير، أما إن أفضى لشر؛ فشرّه من ذات العبد لا من جهة فعل ربه، لأنه الله تعالى إنما قطع عنه مدد توفيقه ووكله إلى نفسه الظالمة الجاهلة. والله تعالى محمودًا في كل أقضيته وأقداره، فهي من جهته تبارك وتعالى خير موافق لحِكمه سبحانه، والشر ليس إلى الله تعالى. أما من جهة العبد؛ فالعاقبة الحسنة هي ميزان الخيرية له. بيان ذلك: أن قضاء الله تعالى قسمين:

 الأول: قضاء شرعيّ أمْرِيّ، وهي الأوامر والنواهي التي جاءت بها الشريعة ونطق بها الوحي؛ فهذا خير كله، وأمره واضح.

الثاني: قضاء كونيّ قدريّ، وهي ما تسمى بالأقدار، حسنة كانت أو غير ذلك، فالعبرة في خيريتها ليست في ملذوذ النفوس ومستراح الأرواح منها، بل العبرة بحقيقتها في ذاتها -أوّلًا - من حيث أنها محبوبة لله تعالى، ومن أمثلتها: طاعات العبد لربه، فهي جارية على القدر وموافقة للشرع؛ فهذا خير محض، فهي نعمة في حقيقتها.

ثم العبرة -ثانيًا - بما أفضت إليه وآلت، فقد يبارك الله تعالى في النعمة فيثبتّها لعبده ويزيدها له ويتقبلها منه فتكون نعمة مفضية إلى نعمة أخرى؛ فهذا خير محض أيضًا. أما إن أفضت لعُجب أو كبر أو تعاظم أو تألٍّ على الله تعالى أو رؤية العمل أو الإزراء بالناس، أو لحقها محبط من محبطات الأعمال، أو كانت عاقبتها ومآلها مكروهة لله تعالى، فهذه ليست بخير غائيّ، أي ليست بخير من جهة غايتها وعاقبتها. هذا في جانب الأقضية المسمّاة بالنعم الدينية.

أما النعم الدنيوية: كالمال أو المنصب أو القوة في الجسد أو برِّ الولد به أو التوفيق لزوجٍ صالحٍ ومسكن واسع ومركب هنيءٍ ونحو ذلك؛ فهذه لا يحكم بخيريتها في ذاتها – وإن كانت نعمة من الله تستحق الشكر له ويستحق عليها الحمد – وإنما يحكم بخيرتها بحسب ما آلت إليه؛ فإن أفضت إلى شكر وأعانت على طاعة فهي خير، أما إن آلت لطغيان ومعصية وركون للدنيا ونسيان الآخرة واستغناءٍ عن المغني سبحانه؛ فهي ليست بخير في عاقبتها.

وكذلك الحال في مصائب الدين والدنيا، فإن أفضت مصيبة الدين – كعجز عن القيام بالعبادة كالصيام أو صلاة الجماعة أو تلاوة القرآن ونحو ذلك – إلى طاعة كزيادة في العبادة أو إحسان لما استطاع منها أو عوّض نقصها بذكر ودعاء وانكسار لله وافتقار وتعلق ونحو ذلك فهي خير، أما إن أفضت لجزع وتسخّط أو قنوط أو فتور عن الذكر والعبادة ونحو ذلك فهي ليست كذلك – من جهة العبد لا جهة الرب-.

وإن أفضت مصيبة الدنيا؛ كموت حبيب أو جائحة في المال أو مرض في البدن أو ظلم من الناس له ونحو ذلك؛ فإن أفضت لخير كصبر وتسليم وتفويض وتوكل ورضًا وشكر وحمد ومزيد عبادة وذكر وإنابة وتوبة فهي خير، والله تعالى يقول: { وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون }.

قَد يُنعِمُ اللهُ بِالبَلوَى وَإن عَظُمَتْ ... وَيَبتَلِى اللهُ بعضَ القَومِ بالنِّعَمِ

أما إن أفضت المصيبة لجزع وتسخّط وتلوّم وترك عبادة ونحو هذا من أمور يكرهها الله تعالى فهي ليست كذلك -كما سبق.

وبالجملة؛ فأمر المؤمن كله خير، لأن باستطاعته توجيه أموره كلها لأن تكون خيرًا له، وذلك بتوجيهها على ضوء الشرع ونور الوحي وطاعة الحي القيوم تبارك وتعالى والدوران بها مع أمر الله، فهنا نقول: إن أمره كله خير -بلا مثنوية- لأنها تفضي به لساحل إرضاء المولى عز وجل الذي كل أسمائه وصفاته وأفعاله خير.

واختيار الله تعالى لعبده خير من اختيار العبد لنفسه الظالمة الجاهلة. والنعمُ والمصائب كلاهما خير للمؤمن؛ فعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سرّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له". (4) وأكثر النعم مستورة بخِمَارِ جهلنا بها، حتى إذا فقدناها رأيناها، كما قال الكاساني رحمه الله: "النِّعَمُ مَجهُولة، فإذا فُقِدَتْ عُرِفَتْ".

قال ابن تيمية رحمه الله: "أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذي يصبر على البلاء ويشكر على السراء فهو خير له. قال تعالى: { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور }، وذكرهما في أربعة مواضع من كتابه. فأما من لا يصبر على البلاء ولا يشكر على الرخاء فلا يلزم أن يكون القضاء خيرًا له. ولهذا أجيب من أورد هذا على ما يُقضَى على المؤمن من المعاصي بجوابين:

أحدهما: أن هذا إنما يتناول ما أصاب العبد، لا ما فعله العبد، كما في قوله تعالى: { ما أصابك من حسنة فمن الله } أي من سراء { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } أي من ضراء. وكقوله تعالى: { وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون } أي بالسراء والضراء، كما قال تعالى: { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } وقال تعالى: { إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } فالحسنات والسيئات يراد بها المسارّ والمضارّ، ويراد بها الطاعات والمعاصي.

 والجواب الثاني: أن هذا في حق المؤمن الصبّار الشكور. والذنوب تنقص الإيمان، فإذا تاب العبد أحبه الله، وقد ترتفع درجته بالتوبة. قال بعض السلف: كان داود بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة (5). فمن قُضي له بالتوبة كان كما قال سعيد بن جبير (6): إن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار، وإن العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة؛ وذلك أنه يعمل الحسنة فتكون نصب عينه ويعجب بها، ويعمل السيئة فتكون نصب عينه فيستغفر الله ويتوب إليه منها.

 وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الأعمال بالخواتيم" (7). والمؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب:

 أن يتوب فيتوب الله عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. أو يستغفر فيغفر له، أو يعمل حسنات تمحوها، فإنّ الحسنات يذهبن السيئات. أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويستغفرون له حيًّا وميتًا. أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به، أو يشفع فيه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (8). أو يبتليه الله تعالى في الدنيا بمصائب تكفر عنه، أو يبتليه في البرزخ بالصعقة (9) فيكفر بها عنه. أو يبتليه في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه. أو يرحمه أرحم الراحمين (10). فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه كما قال تعالى فيما يروي عنه رسوله صلى الله عليه وسلم: "يا عبادي؛ إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" (11).

فإذا كان المؤمن يعلم أن القضاء خير له إذا كان صبّارًا شكورًا، أو كان قد استخار الله وعلم أن من سعادة ابن آدم استخارته لله ورضاه بما قسم الله له؛ كان قد رضي بما هو خير له. وفى الحديث الصحيح عن علي رضى الله عنه قال: "إن الله يقضي بالقضاء، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السّخط". ففي هذا الحديث الرضا والاستخارة، فالرضا بعد القضاء والاستخارة قبل القضاء، وهذا أكمل من الضراء والصبر، فلهذا ذكر في ذاك الرضا وفى هذا الصبر.

 ثم إذا كان القضاء مع الصبر خيرًا له؛ فكيف مع الرضا؟! ولهذا جاء في الحديث: "المصاب من حرم الثواب" في الأثر الذي رواه الشافعي في مسنده: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات سمعوا قائلًا يقول: "يا آل بيت رسول الله؛ إنّ في الله عزاءً من كل مصيبة، وخلفًا من كل هالك، ودَرْكا من كل فائت. فبالله فثِقوا، وإياه فارجوا، فإنّ المُصاب من حرم الثواب". ولهذا لم يُؤمر بالحزن المنافي للرضا قط، مع أنه لا فائدة فيه، فقد يكون فيه مضرّة، لكنه عُفي عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله.

 وقد ظن طائفة من المصنفين في هذا الباب أن الرضا عن الله من توابع المحبة له، وهذا إنما يتوجه على المأخذ الأول وهو: الرضا عنه لاستحقاقه ذلك بنفسه، مع قطع العبد النظر عن حظّه، بخلاف المأخذ الثاني وهو: الرضا لعلمه بأن المقضيّ خير له.

 ثم إن المحبة متعلقة به، والرضا متعلق بقضائه، لكن قد يقال: إن المحبة لله نوعان: محبة له نفسه، ومحبة له لما فيه من الإحسان. وكذلك الحمد له نوعان: حمدٌ له على ما يستحقه نفسه، وحمد على إحسانه الى عبده. فالنوعان للرضا كالنوعين للمحبة.

 وأما الرضا به وبدينه وبرسوله فذلك من حظ المحبة، ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذوق طعم الإيمان كما ذكر في المحبة وجود حلاوة الايمان، وهذان الحديثان الصحيحان هما أصلٌ فيما يُذكر من الوجد والذوق الإيماني الشرعي دون الضلالي البدعي، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا" (12). وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاثٌ من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان؛ أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار" (13). (14)

وبالجملة؛ فكلُّ قضاءِ اللهِ خيرٌ للمؤمن المُسَدَّد، فمن جهة أنه قضاء الله وفعله فهو خير، ومن جهة ما يترتب عليه ويفضي به إلى مراضي الله تعالى من الصبر والرضا والشكر والحمد عند البلاء والتوبة والإنابة من الذنوب ونحو ذلك فهو خير أيضًا، فكل قضاء الله خير. وبالله التوفيق.

إبراهيم الدميجي

aldumaiji@gmail.com

.........................

1.    ومن هنا بطلت نسبة الشر إليه سبحانه، فالشر ليس إليه، لأن الشر المطلق غير موجود في مخلوقاته، فما من شر إلا فيه خير إما في ذاته أو بما يفضي إليه من حكم غائية خيرية.

وقال شيخنا عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله تعالى: "الأشياء المخلوقة فيها خير وشر، والله خالق الخير والشر، أما فعل الرب سبحانه: حكمه وقضاؤه وتقديره؛ فكله خير، ليس فيه شر، والشر لا يضاف إلى الله اسمًا، ولا صفةً ولا فعلا، فالشر لا يكون في أسمائه فكلها حسنى، ولا في صفاته فكلها صفات كمال وحمد، ولا في أفعاله فكلها أفعال عدل وحكمة، وإنما يكون في مفعولاته، أي: مخلوقاته، وهذا ما فُسر به قول النبي صلى الله عليه وسلم: "والشرّ ليس إليك".

فالله تعالى لا يخلق شرًّا محضا؛ بل كل الشر الذي في المخلوقات شرّ نسبيّ ليس شرًّا محضًا، وهذا يرجع إلى الإيمان بحكمته سبحانه وتعالى، وأنه حكيم، ما خلق شيئًا عبثًا، لم يخلق شيئًا إلا لمصالحَ وحكمٍ يعلمها سبحانه، وليس من شرط ذلك أن تكون عائدة للعبد، بل قد يكون فيها شر لبعض الناس، وهو شر جزئي إضافي، فأما شر كلي، أو شر مطلق؛ فالله تعالى منزه عنه". شرح العقيدة الطحاوية (247)

فالمعصية في ذاتها شرّ كلها، ورجس كلها إلا ما أفضت بصاحبها لأمور محمودة شرعًا، والمقصود أن الخير قد يلحق بها إن وفق الله مجترحها لتوبة نصوح، فهنا سرّ المسألة ومقصودها، وليس في هذا تزيين لها أو تسهيل أو تصغير.

2.    ولقد استجرى الشيطان فئامًا من الناس فظنوا أن الإيمان بالقدر يستلزم الرضا بالمعاصي، وهذا ضلال مبين. فلا يجوز الرضا بما يُسخط الله تعالى وينهى عنه إلا من جهة ما يفضي به للعبد لأمور صالحة وأحوال فاضلة – إن كانت- كالتوبة وتوابعها، ومن جهة الشرع لأحكام عادلة أو مراحم إلهية. وقد سأل ابن القيم شيخه رحمهما الله تعال عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذى نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء الا كان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن". رواه مسلم (2999) قال: "فسألت شيخنا -أي ابن تيمية رحمه الله- هل يدخل في ذلك قضاء الذنب؟ فقال: نعم بشرطه. فأجمَلَ في لفظة بشرطه ما يترتب على الذنب من الآثار المحبوبة لله من التوبة والانكسار والندم والخضوع والذل والبكاء وغير ذلك". الفوائد (1 / 94)

3.    طريق الهجرتين (1/153- 157) باختصار.

4.    مسلم 8/227 ( 2999 )

5.    وكذلك آدم عليه السلام، فحاله ودرجته بعد توبته أفضل منهما قبل خطيئته.

6.    وجاءت كذلك عن الحسن البصري رحمه الله تعالى.

7.    البخاري (6493) و (6607) ومسلم (1/74 و 8/49)

8.    كذلك غيره صلى الله عليه وسلم من الشفعاء كالشهداء والأفراط والأصحاب والملائكة وغيرهم مما جاءت به السنة.

9.    لعله قصد عذاب القبر في الجملة، أو أنها مصحّفة عن ضغطة – أي ضغطة القبر-، لأن الصعقة هي نفخة الصور.

10.                    كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره في خبر الجهنّمين الطويل المخرج في الصحيحين، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... حتى إذا خلص المؤمنون من النار؛ فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشدّ مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار. وفي رواية: فما أنتم بأشد مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار، إذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم -يقولون: ربنا؛ كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون! فيقال لهم: أَخرجوا من عرفتم. فتحرم صورهم على النار، فيُخرجون خلقًا كثيرًا قد أخذت النار إلى نصف ساقية وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا؛ ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه. فيُخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا؛ لم نذر فيها أحدًا ممن أمرتنا. ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيُخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا؛ لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدًا. ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه. فيُخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا؛ لم نذر فيها خيرًا". وكان أبو سعيد الخدري يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما)، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين. فيقبض قبضة من النار فيُخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط، قد عادوا حُمَمًا، -أي فحمًا من حرق النار لهم عياذًا بالله تعالى- فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحِبَّةُ في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض؟" فقالوا: يا رسول الله، كأنك كنت ترعى بالبادية! قال: "فيخرجون كاللؤلؤ، في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه، -أي بعد التوحيد والإيمان إعمالًا لبقية النصوص- ثم يقول: ادخلوا الجنة، فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربنا؛ أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين! فيقول: لكم عندي أفضل من هذا! فيقولون: يا ربنا؛ أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا". رواه البخاري (7439) ومسلم (183) واللفظ له. نسأل الله الكريم من فضله العظيم، ونسأله رضوانه والجنة، (ورضوان من الله أكبر).

11.                    مسلم 8/17 ( 2577 ) ( 55 )

12.                    مسلم (60)

13.                    البخاري 1/10 ( 16 ) ومسلم 1/48 ( 43 ) ( 67 )

14.                    مجموع الفتاوى (10/ 42 - 48) باختصار.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق