إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

إليكَ.. وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ..

الاثنين، 3 يناير 2022

الرضا بعلم السلف والاكتفاء به في أمور الشرع

 

الرضا بعلم السلف والاكتفاء به في أمور الشرع

 

الحمد لله، وبعد؛ فإن الكلام عن الرضا بمذهب السلف الصالح وعلمهم وعملهم هو خلاصة الكلام عن الرضا بالإسلام دينًا، ذلك أن علم السلف هو خلاصة الإسلام ولُبَابُ الشريعة، وطريقة السلف أعلم وأسلم وأحكم وأتقى وأورع. فهي المهيع القويم والجادة المستقيمة والسبيل الأمثل لدرك الحق وتحقيق العلم.. طلعَ الصباح فأطفئوا القنديلا.

وكثير من الناس يظنون أن عبارة "مذهب السلف" أن لهم بذلك طريقة خاصة بهم غير طريقة عامة المسلمين، وأن لهم أوضاعًا وتراتيب مشابهة لتراتيب الطرقية ونحوها، وهذا باطل، فطريقة السّلف هي محض الإسلام، فمن عمل  بالقرآن والسنة فهو سلفي صميم وسنّي مستقيم، فهو لا ينتسب سوى للإسلام (هو سماكم المسلمين)، وكانت الأمة جمعاء على ذلك الطريق حتى حدثت البدع وخرج فئام من الناس عن جادّة سلفهم الصالح من الصحابة والتابعين، فأقاموا لهم قواعد وتراتيب، بل ومفاهيم وتصورات محدثة لم يأت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يرحل للرفيق الأعلى حتى أكمل الله به الدين وأتمّ به النعمة، وكان قد أكّد مرارًا على خطورة الإحداث في دين الله وحذّر مخالفته سنته بزيادة او نقص، لأن جوهر البدع تبديل الدين إمّا جملة وإما شيئًا، فعن عائشَة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" أخرجاه، وفي لفظ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ". (1) أي مردود على صاحبه، فالدين دين جماعة لا شذوذ عنها بالمحدثات، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)(الأنعام: من الآية153). قال مجاهد: "السُّبُل: البدع والشبهات".

 ومذهب السلف هو شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المُتلقّى من الوحي المعصوم كتابًا وسنّة، ومذهبهم هو عين وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه قد علم أن الناس سيختلفون من بعده فأرشدهم إلى خير سبيل وأزكى نهج وأقوم طريقة وهي السنة الرّساليّة التي مشى عليها السلف الصالح، فعن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وَعَظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وَجِلَتْ منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنّها موعظة مودّع فأوصنا، قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد حبشي، وإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة". (2)

والتمسّك بالسّنة خيرٌ كلّه، وصحّة المعتقد رافعة للدرجة عند الله تعالى، فأول خطوة في القبول سلامة التصوّر واستقامة العلم. والضلال كل الضلال في اعتقاد ما يخالف اعتقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالدين من عند الله أبيض نقيًّا صافيًا واضحًا لا غبش فيه ولا خفاء ولا شك ولا غموض. قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تبارك وتعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم): "أخبر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدًا، وقد أتمّه الله عزّ ذكره فلا ينقصه أبدًا، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدًا".(3)

قال ابن القيم رحمه الله: "أهل السنة إن قعدت بهم أعمالهم قامت بهم عقائدهم، وأهل البدع إذا قامت بهم أعمالهم قعدت بهم عقائدهم". وقال: "وهذه النعمة المطلقة هي التي يُفرح بها في الحقيقة، والفرح بها مما يحبّه الله ويرضاه، وهو لا يحبّ الفرحين، قال الله تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته الإسلام والسنّة. وعلى حسب حياة القلب يكون فرحه بهما، وكلما كان أرسخ فيهما كان قبله أشدّ فرحًا، حتى إن القلب إذا باشر روح السنة ليرقص فرحًا أحزن ما يكون الناس.

  فإن السنة حصن الله الحصين الذي من دخله كان من الآمنين، وبابه الأعظم الذي من دخله كان إليه من الواصلين، تقوم بأهلها وإن قعدت بهم أعمالهم، ويسعى نورها بين أيديهم إذا طفئت لأهل البدع والنفاق أنوارهم، وأهل السنة هم المبيضَّةُ وجوههم إذا اسودّت وجوه أهل البدعة. قال تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) قال ابن عباس: "تبيضّ وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسودّ وجوه أهل البدعة والتفرّق". وهي الحياة والنور اللذان بهما سعادة العبد وهداه وفوزه، قال تعالى: (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها).

 فصاحب السنة حيُّ القلب مستنيره، وصاحب البدعة ميت القلب مظلمُه، وقد ذكر الله سبحانه هذين الأصلين في كتابه في غير موضع، وجعلهما صفة أهل الايمان، وجعل ضدهما صفة من خرج عن الإيمان. فإن القلب الحيّ المستنير هو الذي عقل عن الله وفهم عنه وأذعن وانقاد لتوحيده ومتابعة ما بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم وآله. والقلب الميت المظلم الذي لم يعقل عن الله ولا انقاد لما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا يصف سبحانه هذا الضرب من الناس بأنهم أموات غير أحياء، وبأنهم في الظلمات لا يخرجون منها، ولهذا كانت الظلمة مستولية عليهم في جميع جهاتهم، فقلوبهم مظلمة ترى الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق، وأعمالهم مظلمة، وأقوالهم مظلمة، وأحوالهم كلها مظلمة، وقبورهم ممتلئة عليهم ظلمة، وإذا قسمت الأنوار دون الجسر للعبور عليه بقوا في الظلمات، ومدخلهم في النار مظلم.

 وهذه الظلمة هي التي خُلق فيها الخلق أولًا، فمن أراد الله سبحانه وتعالى به السعادة أخرجه منها إلى النور، ومن أراد به الشقاوة تركه فيها، كما روى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول: جفّ القلم على علم الله". (4) (5)

 وكان النبي يسأل الله تعالى أن يجعل له نورًا في قلبه وسمعه وبصره وشعره وبشَره ولحمه وعظامه ودمه ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وخلفه وأمامه، وأن يجعل ذاته نورًا، فطلب النور لذاته ولأبعاضه ولحواسه الظاهرة والباطنة ولجهاته الست.

 وقال أبي بن كعب رضي الله عنه" "المؤمن مدخله من نور ومخرجه من نور وقوله نور وعمله نور". وهذا النور بحسب قوته وضعفه، كما يمشي الرجل بالسراج المضيء في الليلة الظلماء، فهو يرى أهل الظلمة في ظلامهم وهم لا يرونه، كالبصير الذي يمشي بين العميان.

 والخارجون عن طاعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ومتابعتهم يتقلبون في عشر ظلمات: ظلمة الطبع، وظلمة الجهل، وظلمة الهوى، وظلمة القول، وظلمة العمل، وظلمة المدخل، وظلمة المخرج، وظلمة القبر، وظلمة القيامة، وظلمة دار القرار. فالظلمة لازمة لهم في دورهم الثلاثة!

 وأتباع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم يتقلّبون في عشرة أنوار، ولهذه الأمة من النور ما ليس لأمة غيرها، ولنبيها صلى الله عليه وسلم من النور ما ليس لنبي غيره.

 والله سبحانه وتعالى سمّى نفسه نورًا وجعل كتابه نورًا ورسوله نورًا ودينه نورًا، واحتجب عن خلقه بالنور، وجعل دار أوليائه نورًا يتلألأ، قال الله تعالى: (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم يمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم). وقد فسر قوله تعالى: (الله نور السموات والأرض) بكونه منوُّر السموات والأرض، وهادي أهل السموات والأرض، فبنوره اهتدى أهل السموات والأرض، وهذا إنما هو فعله، وإلا فالنور الذي هو من أوصافه قائمٌ به، ومنه اشتقّ له اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسنى.

 والنور يضاف إليه سبحانه على أحد وجهين: أضافة صفة إلى موصوفها، وإضافة مفعول إلى فاعله. فالأول كقوله عز وجل: (وأشرقت الأرض بنور ربها)، فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السماوات والأرض من نور وجهه". وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسرها بأنه هادي أهل السماوات والأرض، وأما من فسرها بأنه منوّر السماوات والأرض فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود، والحقّ: أنه نور السماوات والأرض بهذه الاعتبارات كلها.

 وفي صحيح مسلم (6) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبُحَاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

 وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله هل رأيت ربك قال: "نورٌ أنّى أراه". (7) فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: "معناه: كان ثَمَّ نورٌ، وحال دون رؤيته نور، فأنَّى أراه". قال: "ويدل عليه أنّ في بعض الألفاظ الصحيحة: هل رأيت ربك؟ فقال: "رأيت نورًا". (8)

قال شيخ الإسلام: "مذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم، ومن خالف ذلك كان مبتدعًا عند أهل السنة والجماعة، فإنهم متفقون على أن إجماع الصحابة حجة، ومتنازعون في إجماع من بعدهم". (9)

وقال رحمه الله في مقدمته للفتوى الحموية – وهي حروف في الغاية من العلم والحكمة والبهاء والسموّ- وقد سئل عن مسألة في الصفات: "الحمد لله رب العالمين، قولنا فيها ما قاله الله ورسوله، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره، فإنّ الله سبحانه وتعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وشهد له بأنّه بعثه داعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، وأمره أن يقول: (قل هذه سبيلى أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).

 فمن المحال في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وأنزل معه الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وأمر الناس أن يردّوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى ما بعث به من الكتاب والحكمة، وهو يدعو إلى الله وإلى سبيله بإذنه على بصيرة. وقد أخبر الله بأنه أكمل له ولأمته دينهم، وأتمّ عليهم نعمته، محالٌ مع هذا وغيره أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله والعلم به مُلتبسًا مشتبهًا، ولم يميّز بين ما يجب لله من الأسماء الحسنى والصفات العليا، وما يجوز عليه وما يمتنع عليه.

 فإنّ معرفة هذا أصلُ الدين وأساس الهداية، وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب وحصّلته النفوس وأدركته العقول، فكيف يكون ذلك الكتاب وذلك الرسول وأفضل خلق الله بعد النبيين لم يُحكِموا هذا الباب اعتقادًا وقولًا.

 ومن المحال أيضًا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علّم أمته كل شيء حتى الخِراءة وقال: "تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك". (9) وقال فيما صح عنه أيضًا: "ما بعث الله من نبيٍّ الا كان حقًّا عليه أن يدلّ أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شرّ ما يعلمه لهم". (10) وقال أبو ذر: "لقد توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا". وقال عمر بن الخطاب: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا، فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه". (11)

ومحال مع تعليمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين وإن دقّت؛ أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه في قلوبهم في ربّهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية، وزبدة الرسالة الإلهية. فكيف يتوهّم مَن في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة ألا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم على غاية التمام؟ ثم إذا كان قد وقع ذلك منه؛ فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصّروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه.

 ثم من المحال أيضًا أن تكون القرون الفاضلة القرن الذى بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كانوا غير عالمين، وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين، لأن ضدّ ذلك: إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع.

 أما الأول: فلأنّ مَن في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه، أعني بيان ما ينبغي اعتقاده، لا معرفة كيفية الرب وصفاته. (12)

 وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها الى معرفة هذا الأمر، وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجديّة، فكيف يُتصوّر مع قيام هذا المقتضى الذي هو من أقوى المقتضيات؛ أن يتخلّف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم؟! هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق وأشدّهم إعراضًا عن الله، وأعظمهم إكبابًا على طلب الدنيا والغفلة عن ذكر الله تعالى، فكيف يقع في أولئك؟! وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم.

 ولا يجوز أيضًا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما قد يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدّر قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها: من أن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم. فإن هؤلاء المبتدعين الذين يفضلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومن حذا حذوهم على طريقة السلف إنما أُتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأمّيين الذين قال الله فيهم: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب الا أمانى)، وأنّ طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات. فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الاسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلّوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف.

 وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلّت عليها هذه النصوص بالشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين، فلمّا اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر، وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى؛ بقوا متردّدين بين الايمان باللفظ وتفويض المعنى، - وهي التي يسمّونها طريقة السلف - وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلّف، - وهي التي يسمّونها طريقة الخلف -. فصار هذا الباطل مركّبًا من فساد العقل، والكفر بالسمع. فإنّ النفي إنّما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بيّنات وهي شبهات، والسمع (13) حرّفوا فيه الكلم عن مواضعه.

 فلمّا ابتنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين الكاذبتين؛ كانت النتيجة استجهال السابقين الأولين واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قومًا أميين، بمنزلة الصالحين من العامة لم يتبحّروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطّنوا لدقائق العلم الإلهي، وأنّ الخلَف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله!

 ثم هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة، بل في غاية الضلالة، كيف يكون هؤلاء المتأخرون لا سيّما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين الذين كثر في باب الدين اضطرابهم، وغلظ عن معرفة الله حجابهم، وأخبر الواقف على نهاية أقدامهم بما انتهى إليه أمرهم حيث يقول:

لعمري لقد طفت المعاهد كلها ... وسيّرت طرْفي بين تلك المعالمِ

فلم أر إلا واضعًا كفّ حائر ... على ذقن أو قارعًا سنّ نادمِ

 وأقرّوا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم، كقول بعض رؤسائهم:

"نهاية إقدام العقول عقالُ ... وأكثرُ سعي العالمين ضلالُ

وأرواحُنا في وحشة من جسومنا ... وحاصلُ دنيانا أذًى ووبالُ

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفى عليلًا ولا تُروي غليلًا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الاثبات: (الرحمن على العرش استوى)، (إليه يصعد الكلم الطيب) واقرأ في النفي: (ليس كمثله شيء)، (ولا يحيطون به علما) ومن جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي". 

 ويقول الآخر منهم: "لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربى برحمته، فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي". ويقول الآخر منهم: "أكثر الناس شكًّا عند الموت أصحاب الكلام".

ثم هؤلاء المتكلمون المخالفون للسلف إذا حُقّق عليهم الأمر لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة به خبر، ولم يقعوا من ذلك على عين ولا أثر، كيف يكون هؤلاء المحجوبون المفضولون المنقوصون المسبوقون الحيارى المتهوّكون أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدى ومصابيح الدجى، الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر اتباع الأنبياء فضلًا عن سائر الأمم الذين لا كتاب لهم، وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة؟!

 ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة لا سيما العلم بالله وأحكام أسمائه وآياته من هؤلاء الأصاغر بالنسبة إليهم؟ أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس والمشركين وضُلّال اليهود والنصارى والصابئين وأشكالهم واشباههم أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان؟!

 وإنما قدّمتُ هذه المقدمة لأن من استقرّت هذه المقدمة عنده عرف طريق الهدى أين هو في هذا الباب وغيره، وعلم أنّ الضلال والتهوّك (14) إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، وإعراضهم عما بعث الله به محمدًا من البينات والهدى، وتركهم البحث عن طريقة السابقين والتابعين، والتماسهم علم معرفة الله ممن لم يعرف الله بإقراره على نفسه، وبشهادة الأمة على ذلك، وبدلالات كثيرة. وليس غرضي واحدًا معيّنًا، وإنما أصفُ نوع هؤلاء ونوع هؤلاء.

 وإذا كان كذلك؛ فهذا كتاب الله من أوّله الى آخره وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أوّلها الى آخرها، ثم عامّة كلام الصحابة والتابعين، ثم كلام سائر الأئمة مملوء بما هو: إمّا نصّ وإما ظاهر في أنّ الله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى، وهو فوق كل شيء، وهو على كل شيء، وأنه فوق العرش، وأنه فوق السماء.. فلئن كان الحقّ ما يقوله هؤلاء السالبون النافون للصفات الثابتة في الكتاب والسنة من هذه العبارات ونحوها دون ما يفهم من الكتاب والسنة إما نصًّا وإما ظاهرًا؛ فكيف يجوز على الله تعالى ثم على رسوله صلى الله  عليه وسلم ثم على خير الأمة أنهم يتكلّمون دائمًا بما هو إمّا نصٌّ وإما ظاهر في خلاف الحق؟! ثم الحقّ الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به قط، ولا يدلّون عليه لا نصًّا ولا ظاهرًا حتى يجيء أنباط الفرس والروم وفروخ اليهود والنصارى والفلاسفة يبيّنون للأمة العقيدة الصحيحة التي يجب على كل مكلّف أو كل فاضل أن يعتقدها؟!

 لئن كان ما يقوله هؤلاء المتكلمون المتكلفون هو الاعتقاد الواجب، وهم مع ذلك أحيلوا في معرفته على مجرد عقولهم، وأن يَدفَعوا بما اقتضى قياس عقولهم ما دلّ عليه الكتاب والسنة نصًّا أو ظاهرًا؛ لقد كان ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير، بل كان وجود الكتاب والسنة ضررًا محضًا في أصل الدين! فإنّ حقيقة الأمر على ما يقوله هؤلاء أنكم يا معشر العباد لا تطلبوا معرفة الله عز وجل وما يستحقه من الصفات نفيًا وإثباتا لا من الكتاب ولا من السنة ولا من طريق سلف الأمة، ولكن انظروا أنتم فما وجدتموه مستحقًّا له من الصفات فصفوه به سواء كان موجودًا في الكتاب والسنة أو لم يكن، وما لم تجدوه مستحقًّا له في عقولكم فلا تصفوه به!

 ثم هم ههنا فريقان: أكثرهم يقولون: ما لم تثبته عقولكم فانفوه، ومنهم من يقول: بل توقّفوا فيه، وما نفاه قياس عقولكم الذي أنتم فيه مختلفون ومضطربون اختلافًا أكثر من جميع من على وجه الأرض فانفوه، وإليه عند التنازع فارجعوا، فإنّه الحق الذي تعبّدتكم به، وما كان مذكورًا في الكتاب والسنة مما يخالف قياسكم هذا أو يثبت ما لم تدركه عقولكم على طريقة أكثرهم فاعلموا أنّي امتحنكم بتنزيله لا لتأخذوا الهدى منه، لكن لتجتهدوا في تخريجه على شواذّ اللغة ووحشي الألفاظ وغرائب الكلام، أو أن تسكتوا عنه مفوّضين علمه إلى الله مع نفي دلالته على شيء من الصفات! هذا حقيقة الأمر على رأي هؤلاء المتكلمين.

 وهذا الكلام قد رأيته صرّح بمعناه طائفة منهم، وهو لازم لجماعتهم لزومًا لا محيد عنه، ومضمونه: أنّ كتاب الله لا يُهتدى به في معرفة الله! وأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم معزول عن التعليم والإخبار بصفات من أرسله! وأن الناس عند التنازع لا يردّون ما تنازعوا فيه الى الله والرسول، بل إلى مثل ما كانوا عليه في الجاهلية، وإلى مثل ما يتحاكم إليه من لا يؤمن بالأنبياء كالبراهمة والفلاسفة وهم المشركون والمجوس وبعض الصابئين!

 وإن كان هذا الرد لا يزيد الأمر إلا شدّة، ولا يرتفع الخلاف به، إذ لكل فريق طواغيت يريدون أن يتحاكموا إليهم، وقد أَمروا أن يكفروا بهم، وما أشبه حال هؤلاء المتكلمين بقوله سبحانه وتعالى: (ألم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا . واذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا . فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله ان أردنا الا إحسانا وتوفيقا). فإن هؤلاء إذا دعوا إلى ما أنزل الله من الكتاب وإلى الرسول، والدعاء إليه بعد وفاته هو الدعاء إلى سنّته؛ أعرضوا عن ذلك وهم يقولون: إنّا قصدنا الإحسان علمًا وعملًا بهذه الطريق التي سلكناها، والتوفيق بين الدلائل العقلية والنقلية.

 ثم عامّة هذه الشبهات التي يسمّونها دلائل إنما تقلّدوا أكثرها عن طاغوت من طواغيت المشركين أو الصابئين أو بعض ورثتهم الذين أمروا أن يكفروا بهم مثل فلان وفلان أو عمن قال كقولهم لتشابه قلوبهم، قال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)، (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم). (15)

ولازم هذه المقالة ألا يكون الكتاب هدى للناس، ولا بيانًا، ولا شفاء لما في الصدور، ولا نورًا، ولا مردًّا عند التنازع؛ لأنّا نعلم بالاضطرار أن ما يقوله هؤلاء المتكلّفون أنه الحق الذي يجب اعتقاده لم يدل عليه الكتاب والسنة لا نصًّا ولا ظاهرًا، وإنّما غاية المتحذلق أن يستنتج هذا من قوله: (ولم يكن له كفوا أحد)، (هل تعلم له سميا). وبالاضطرار يعلم كل عاقل أن من دلّ الخلق على أن الله ليس على العرش ولا فوق السماوات ونحو ذلك بقوله: (هل تعلم له سميا) لقد أبعد النُّجْعَة، وهو إما ملغز وإما مدلّس لم يخاطبهم بلسان عربي مبين! ولازم هذه المقالة أن يكون ترْكُ الناس بلا رسالة خيرًا لهم في أصل دينهم، لأن مردّهم قبل الرسالة وبعدها واحد، وإنّما الرسالة زادتهم عمًى وضلالة!

 يا سبحان الله! كيف لم يقل الرسول يومًا من الدهر ولا أحد من سلف الأمة: هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلّت عليه، ولكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم، أو اعتقدوا كذا وكذا فإنّه الحق، وما خالف ظاهره فلا تعتقدوا ظاهره، أو انظروا فيها فما وافق قياس عقولكم فاقبلوه، وما لا فتوقفوا فيه أو أنفوه؟!

 ثم رسول الله قد أخبر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة (16) فقد علم ما سيكون، ثم قال: "إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا؛ كتاب الله". (17) وروي عنه أنه قال في صفة الفرقة الناجية: "هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي". (18)

 فهلّا قال: من تمسّك بالقرآن أو بدلالة القرآن أو بمفهوم القرآن أو بظاهر القرآن في باب الاعتقادات فهو ضالّ، وإنّما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم وما يحدثه المتكلمون منكم بعد القرون الثلاثة في هذه المقالة، وإن كان قد نبغ أصلها في أواخر عصر التابعين.

 ثم أصل هذه المقالة - مقالة التعطيل للصفات - إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضُلّال الصابئين، فانّ أوّل من حُفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام أعني أن الله سبحانه وتعالى ليس على العرش حقيقة، وأنّ معنى استوى بمعنى استولى ونحو ذلك هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه. وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم.

 وكان الجعد بن درهم هذا - فيما قيل - من أهل حرّان، وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة بقايا أهل دين نمرود، والكنعانيين الذين صنّف بعض المتأخرين في سحرهم، ونمرود هو ملك الصابئة الكلدانيين المشركين، كما أن كسرى ملك الفرس والمجوس، وفرعون ملك مصر، والنجاشي ملك الحبشة، وبطليموس ملك اليونان، وقيصر ملك الروم، فهو اسم جنس لا اسم علم. فكانت الصابئة إلا قليلًا منهم إذ ذاك على الشرك، وعلماؤهم هم الفلاسفة. وإن كان الصابئ قد لا يكون مشركًا بل مؤمنًا بالله واليوم الآخر، كما قال الله تعالى: (ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، لكن كثيرًا منهم أو أكثرهم كانوا كفارًا أو مشركين، كما أن كثيرًا من اليهود والنصارى بدّلوا وحرّفوا وصاروا كفّارًا أو مشركين، فأولئك الصابئون الذين كانوا إذ ذاك كانوا كفارًا أو مشركين، وكانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل. ومذهب النفاة من هؤلاء في الرب أنه ليس له إلا صفاتٌ سلبية أو إضافية أو مركّبة منهما، وهم الذين بُعث إليهم إبراهيم الخليل، فيكون الجعد قد أخذها عن الصابئة الفلاسفة. وكذلك أبو نصر الفارابي دخل حرّان وأخذ عن فلاسفة الصابئين تمام فلسفته، وأخذها الجهم أيضًا فيما ذكره الإمام أحمد وغيره لمّا ناظر السَّمنية بعض فلاسفة الهند، وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسّيات. فهذه أسانيد جهم (19) ترجع إلى اليهود والصابئين والمشركين والفلاسفة الضالون، هم إما من الصابئين، وإما من المشركين.

 ثم لما عُرّبت الكتب الرومية واليونانية في حدود المئة الثانية زاد البلاء مع ما ألقى الشيطان في قلوب الضُّلّال ابتداء من جنس ما ألقاه في قلوب أشباههم. ولما كان في حدود المئة الثالثة انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية بسبب بشر بن غياث المرّيسىي وطبقته، وكلام الأئمة مثل مالك وسفيان بن عيينة وابن المبارك وأبى يوسف والشافعي وأحمد واسحاق والفضيل بن عياض وبشر الحافي وغيرهم كثير في ذمّهم وتضليلهم.

 وكلام السلف في هذا الباب موجود في كتب كثيرة لا يمكن أن نذكر ههنا إلا قليلًا منه مثل: كتاب السنن للالكائي، والإبانة لابن بطة، والسنة لأبى ذر الهروي، والأصول لأبى عمرو الطلمنكي، وكلام أبي عمر بن عبد البر، والأسماء والصفات للبيهقي، وقبل ذلك السنة للطبراني، ولأبي الشيخ الأصبهاني، ولأبي عبدالله بن مَنْدَه ولأبي أحمد العسّال الأصبهانيين، وقبل ذلك السنة للخلّال، والتوحيد لابن خزيمة، وكلام أبى العباس بن سريج، والردّ على الجهمية لجماعة مثل البخاري وشيخه عبد الله بن محمد بن عبدالله الجعفي، وقبل ذلك السنة لعبدالله بن أحمد، والسنة لأبي بكر بن الأثرم، والسنة لحنبل وللمروزي ولأبي داود السجستاني ولابن أبي شيبة، والسنة لأبي بكر بن أبي عاصم، وكتاب خلق أفعال العباد للبخاري، وكتاب الرد على الجهمية لعثمان بن سعيد الدارمي، وغيرهم. وكلام أبي العباس عبد العزيز المكي صاحب الحيدة في الرد على الجهمية، وكلام نعيم بن حماد الخزاعي، وكلام غيرهم، وكلام الإمام أحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه ويحيى بن سعيد ويحيى بن يحيى النيسابوري وأمثالهم، وقبل لعبد الله بن المبارك وأمثاله، وأشياء كثيرة.

 وعندنا من الدلائل السمعية والعقلية ما لا يتسع هذا الموضع لذكره، فإذا كان أصل هذه المقالة مقالة التعطيل والتأويل مأخوذًا عن تلامذة المشركين والصابئين واليهود؛ فكيف تطيب نفس مؤمن بل نفس عاقل أن يأخذ سبيل هؤلاء المغضوب عليهم أو الضالين، ويدع سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟!". (20)

ورحم الله الحافظ ابن حجر إذ أحسن حين قال: "وقد توسَّع من تأخَّر عن القرونِ الثلاثة الفاضلة في غالبِ الأمور التي أنكَرَها أئمّةُ التابعين وأتباعُهم، ولم يقتنِعوا بذلَك حتى مزَجوا مسائلَ الديانة بكلام الفلاسفةِ، وجعلوه أصلًا يرُدّون إليه ما خالَفَه من الآثار بالتأويل ولو كان مستَكرَهًا، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعَموا أنَّ الذي رتَّبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأنّ مَن لم يستعمِل ما اصطَلحوا عليه فهو عامّيّ جاهل، فالسعيد من تمسَّك بما كان عليه السلف واجتَنَب ما أحدثه الخلف". (21)

وتدبر قول الله تبارك وتعالى: (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:80-82].

وقال الحافظ المتفنن ابن رجب رحمه الله: "ذكر الله تعالى في كتابه العلم تارة في مقام المدح وهو العلم النافع، وتارة في مقام الذّم وهو العلم الذي لا ينفع. فأما الأول فمثل قوله تعالى: (قُل هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمون)، وقوله: (إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ). وقد أخبر عن قوم أنهم أوتوا علمًا ولم ينفعهم علمهم، فهذا علم نافع في نفسه لكن صاحبه لم ينتفع به، قال تعالى: (مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا)، وقال: (وَاِتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأَرضِ وَإِتَّبَعَ هَواهُ).

 وأما العلم الذي ذكره الله تعالى على جهة الذم له؛ فقوله في السحر: (وَيَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ)، وقوله: (فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئون)، وقوله تعالى: (يَعلَمونَ ظاهِراً مِنَ الحَياةِ الدُنيا وَهُم عَن الآخِرَةِ هُم غافِلون).

وأنّ مما أنكره أئمة السلف: الجدال والخصام والمراء في مسائل الحلال والحرام، ولم يكن ذلك طريقة أئمة الإسلام، وإنما أُحدث ذلك بعدهم، كما أحدثه فقهاء العراقين (22) في مسائل الخلاف بين الشافعية والحنفية، وصنّفوا كتب الخلاف، ووسّعوا البحث والجدال فيها، وكل ذلك محدث لا أصل له، وصار ذلك علمهم حتى شغلهم ذلك عن العلم النافع.

قيل لمالك: الرجل يكون عالمًا بالسنن، يجادل عنها؟ قال: "لا، ولكن يخبر بالسنة، فان قُبِلَ منه وإلا سكت". وقال: "المراء والجدال في العلم يذهب بنور العلم". وقال: "المراء في العلم يُقسّي القلب، ويورث الضّغن". وكان يقول في المسائل التي يسئل عنها كثيرًا: "لا أدري". وكان الإمام أحمد يسلك سبيله في ذلك.

وقال الأوزاعي: "العلم ما جاء به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فما كان غير ذلك فليس بعلم". وعلوم الصوفية الباطلة من العلوم التي أُحدثت، وليست بعلم إطلاقًا، كعلومهم المتعلقة بالرأي والذوق والكشف والإلهام ونحو ذلك. ويقولون: شيخنا يقرأ من اللوح المحفوظ، وأنتم تأخذون علمكم ميتًا عن ميت!

والعلم النافع يدل ويقود إلى أمرين: أولًا: إلى معرفة محبة الله، وما يستحقه سبحانه وتعالى من الأسماء الحسنى والصفات العلا. ثانيًا: يقود إلى المعرفة بما يحبه الله ويرضاه من الاعتقادات والأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.

 فالعلم النافع هو ما عرف به العبد ربه، واستدل عليه، وأنس به واستحيا منه، واقترب إليه وخشع له، وهذا علم بحد ذاته، ولذلك جاء في الأثر: "أول ما يُرفع من الناس الخشوع". (23)

 وكان السلف يقولون: العلماء ثلاثة: عالم بالله، عالم بأمر الله: يخشى الله، ويعرف الله، ويعرف أحكام الله. وعالم بالله وليس عالم بأمر الله، يخشى الله لكن لا يعلم الحلال والحرام والأحكام. وعالم بأمر الله وليس عالم بالله، أي: يعرف الأحكام والفقه، لكن لا يخشى الله. وقال الحسن: "العلم علمان: فعلم على اللسان فذلك حجّة اللَه على ابن آدم، وعلم في القلب فذلك العلم النافع".

 وإنّ من علامات صاحب العلم النافع: قبول الحق والانقياد له. ومن علمه غير نافع فليس له شغل سوى التكبّر بعلمه على الناس، وإظهار فضل علمه عليهم، ونسبتهم إلى الجهل وتَنَقُّصهم ليرتفع بذلك عليهم، وهذا من أقبح الخصال وأرداها.

ومن عرف قدر السلف عرف أن سكوتهم عما سكتوا عنه من ضروب الكلام وكثرة الجدال والخصام والزيادة في البيان على مقدار الحاجة لم يكن عيًّا ولا جهلًا ولا قصورًا، وإنّما كان ورعًا وخشية للَّه واشتغالًا عما لا ينفع بما ينفع.

فليس العلم بكثرة الرواية، ولا بكثرة المقال، ولكنه نور يُقذف في القلب يفهم به العبد الحق، ويميز به بينه وبين الباطل، ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد. وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين انه أعلم ممن تقدم. قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إنكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه كثير خطباؤه". فالسلف أقل الناس كلامًا وتوسعًا في العلوم، لكن علمهم علم نافع في قلوبهم، ويعبّرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك. وهذا هو الفقه والعلم النافع، فأفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثورًا عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ينتهي إلى أئمة الإسلام المشهورين المقتدَى بهم.

  وقال عمر بن عبد العزيز: "خذوا من الرأي ما يوافق من كان قبلكم، فإنّهم كانوا أعلم منكم". وما روي عن أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم كابن المبارك، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، واسحق، وأبي عبيد، ونحوهم في ذلك أفضل العلم، مع تفهّمه وتعقّله والتفقّه فيه، وما حدث بعدهم من التوسّع لا خير في كثير منه، إلا أن يكون شرحًا لكلام يتعلق من كلامهم.

وما كان مخالفًا لكلامهم فأكثره باطل أو لا منفعة فيه. وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة. ولا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة، ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة مالا يهتدى إليه من بعدهم ولا يلم يه.

وقد قال سبحانه: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) فأخبر أن قسوة قلوبهم كان عقوبة لهم على نقضهم ميثاق اللَه: وهو مخالفتهم لأمره وارتكابهم لنهيه بعد أن أخذ عليهم مواثيق اللَه وعهوده ألّا يفعلوا ذلك. فنتج عن قسوة قلوب القوم أمران: قال تعالى: (يُحَرِّفونَ الكَلِمَ عَنِ مَواضِعِه وَنَسوا حَظّاً مِمّا ذُكِّروا بِهِ) فذكر أن قسوة قلوبهم أوجبت لهم خصلتين مذمومتين إحداهما: تحريف الكلم من بعد مواضعه. والثانية: نسيانهم حظًّا مما ذكّروا به.

وما أحسن قول أبي حنيفة رحمه الله وقد سئل عن علقمة والأسود أيهما أفضل؟ فقال: "واللَه ما نحن بأهل أن نذكرهم، فكيف نفضّل بينهم!" وكان الإمام أحمد رحمه اللَه يقول عن معروف الكرخي: "معه أصل العلم؛ خشية اللَه". فأصل العلم باللَه الذي يوجب خشيته ومحبته والقرب منه والأنس به والشوق إليه. وقال بعضهم: من خشي اللَهَ فهو عالم، ومن عصاه فهو جاهل. وكلامهم في هذا المعنى كثير جدًّا. قال ابن مسعود رضي الله عنه: "كفى بخشية اللَه علمًا، وكفى بالاغترار باللَه جهلًا". وقال وهيب بن الورد: "ربّ عالم يقول له الناس عالم، وهو معدود عند اللَه من الجاهلين".  وقال الجنيد: "عِلمُنا هذا مقيّد بالكتاب والسنة، من لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يُقتدى به في علمنا هذا". (24)

وإن من عجيب لطف الله تعالى بعبده أن يسوق له الهدى من أبعد باب يتوقعه، كمن تكون هدايته على يد من كان يراه عدوّه، ومن ذلك الشيخ العلامة محمد خليل هرّاس رحمه الله تعالى، وكان أستاذًا في الفلسفة والمنطق من جامعة الأزهر، وكان معاديًا لتراث شيخ الإسلام ابن تيمية، فقصد نقض كتبه بالرد عليها وجمع بعضها وعكف يدرسها ثلاثة أشهر تمهيدًا لنقضها؛ فما انقضت دراسته لها حتى تبين له أنه لم يفهم الإسلام حقًّا إلا بعد دراسته هذه الكتب المباركة لذلك العالم المبارك، فقام من بعدها بالانتصار لشيخ الإسلام وأصبح من كبار علماء السنة في زمانه، وشرح الواسطية شرحًا ماتعًا نافعًا.

وكذلك حال الشيخ خليل سليمان حيدرية، فحدّث عن نفسه أنه كان متصوفًا وله زوايا، فلطف الله تعالى به – لمّا أراد هدايته – بأن أهداه أحد شيخ المتصوفة كتاب مجموع فتاوى ابن تيمية طالبًا منه الرد عليه، فقرأه لينقضه؛ فغدى صائدُ الضلالة مصيدَ الهدى بحمد ربه، إذ فتح الله قلبه بذلك المجموع المبارك، فغدا داعيًا لعقيدة السلف منافحًا عنها، وإذا أراد الله أمرًا هيّأ له أسبابه.

وكان الكتاني (ت: 1382) رحمه الله تعالى ممن شنّعوا على ابن تيمية رحمه الله جهلًا به، وبعد أن اطّلع على تصانيفه قال بإنصاف عزيز: "فصدر مني ما صدر من التوغل والإفراط في ذم ابن تيمية.. فلما طالعت كتبه علمت أن الرجل عديم النظير في الإسلام، وقرة عين أهله.. ويستخرج شواهد القرآن.. وكأنه ما حفظ احد القرآن إلا هو".

والمقصود؛ أنّ الرضا بالله يستلزم الرضا بالإسلام وبنبي الإسلام، وهما يستلزمان الرضا بعلم السلف الذي هو التزام الشرع ظاهرًا وباطنًا. وبالله التوفيق.

بُعثَ النبيُّ وأوتي التنزيلا  ...  طلع الصباحُ فأطفئوا القنديلا

شمسُ الهداية أشرقت من نوره  ...  لا تذكروا التوراة والإنجيلا

نزلت على الرسل الكرام وبعدهم  ...   قد حُرَّفتْ وتبدلت تبديلا

لو كان موسى والمسيحُ وأمُّهُ  ...  في عصر أحمدَ لاصطفَوْه خليلا

ولآمنوا أنّ النبيّ محمدًا  ...  مبعوثُ ربّ العالمين رسولا

هذا النبيُّ المُصطفى من أمَّةٍ  ...  خيْريَّةٍ مِن آل إسْمَاعِيلا

وصلَ القلوبَ برَبِّها يومَ التقى  ...  في الغار بعدَ تأمُّلٍ جبْريلا

تنزيل رب العالمين ووحيه  ...  قد فصِّلتْ آياتُهُ تفصِيلا

إعجازُهُ لا ينقضي وحرُوفهُ   ..  لا تقبلُ التحْريفَ والتبْديلا

يعلو بكل فضيلة محمودةٍ  ...  شعرَ الفحولِ وكلَّ ما قَد قيلا

خشعت قلوب المؤمنين لقوله  ...  والصخر بالقرآن لان ذليلا

واستغلقتْ بعضُ القلوبِ تَعَنُّتًا  ...  لا يسمعون ولا يرون دليلا

عُمْيُ البَصيرةِ كالبَهائِم شأنُهُمْ  ...  بل هم أضَلُّ طريقةً وسبيلا

إبراهيم الدميجي

aldumaiji@gmail.com

........................

1.      البخاري (3/241) مسلم (5/132)

2.    حديث ثابت مشهور، رواه أحمد (4/126) وأبو داود (4607) والترمذي (2676) وقال: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2735) والنواجذ: الأنياب، وقيل: الأضراس. والمراد الحض على شدّة الاستمساك بالسنة.

3.    تفسير الطبري (9 / 518) (11080)

4.    أحمد (2/176) (6644) والحاكم ( 1 / 30 ) وقال: صحيح. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الصحيحة (1076)

5.    ودل ربط جفاف القلم على علم الله تعالى أن المكتوب في اللوح المحفوظ لا يتغير أبدًا، ولا يدخله نسخ.

6.    مسلم (179)

7.    مسلم (178) وفي رواية: "رأيت نورًا".

8.    منهاج السنة (٢/ ٦٠١)

9.    ابن ماجه ( 43 ) والحاكم ( 1 / 96 ) وأحمد ( 4 / 126 ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2 / 648)

10.                    مسلم 6/18 ( 1844 ) ( 46 ). تمامه: "إنّه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمتكم هذه جُعلَ عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة يرقّق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه. ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر".

11.                    البخاري (3192)

12.                    لأن معرفة الكيفية مستحيلة  في الدنيا، وإنما يعتقدون بالمعنى العام المتبادر من نصوص الوحي الشريف لصاحب الفطرة السليمة والعقل القويم.

13.                    السمع: هو أدلّة الوحي ونصوص الشريعة كتابًا وسنّة.

14.                    التهوّك: التحيّر.

15.                    أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال: (كان الناس أمة واحدة) قال: "على الإسلام كلهم". وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين" قال: وكذلك في قراءة عبد الله: "كان الناس أمة واحدة فاختلفوا". الدر المنثور (2 / 496)

16.                    أحمد (2/332) وأبو داود (4596) عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرّقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة". وصححه الألباني.

17.                    الترمذي (3788) وقال: حسن غريب. وصححه الألباني.

18.                    الترمذي (2641) وقال ابن تيمية: "حديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد". الفتاوى (3/345)

19.                    وقد قيل فيه:

عجبتُ لمن يدعو الناس جهرةً  ...   إلى النار واشتقّ اسمه من جهنّمِ

20.                    الحموية، من ضمن مجموع الفتاوى (5/7 - 25) مختصرًا. واعلم أن التحريف يكون في النصوص، والتعطيل يكون في المعتقد، والتكييف والتمثيل يكونان في الصفة، إلّا أن التمثيل أخصّ، فكل ممثّل مكيّف ولا عكس. 

21.                    فتح الباري (13 / 253)

22.                    العراقين: البصرة والكوفة.

23.                    الطبراني (2637) والترمذي (2653) من كلام عبادة رضي الله عنه، وتمامه: عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال: "هذا أوان يُختلس العلم من الناس، حتى لا يقدروا منه على شيء". فقال زياد بن لبيد الأنصاري: كيف يُختلس منّا وقد قرأنا القرآن! فوالله لنقرأنّه ولنقرئنّه نساءنا وأبناءنا. فقال: "ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدّك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم؟" قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت قلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء. قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدّثنّك بأوّل علم يرفع من الناس؛ الخشوع. يوشك أن تدخل مسجد جماعة فلا ترى فيه رجلًا خاشعًا. وصححه الألباني في صحيح الجامع (2576) وفي صحيح تخريج اقتضاء العلم العمل ( 89 )

24.                    فوائد من فضل علم السلف على الخلف لا بن رجب، عن موقع الكلم الطيب، بتصرف.

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق